مذ حطت معركة يبرود رحالها لصالح الجيش السوري ، امتلأت الصحف في سورية ومحيطها بالتحليلات و”المعلومات” ، واحتل الخبراء السياسيون والعسكريون شاشات التلفزة لشرح أهمية ما حققته الوحدات العسكرية في معركتها ضد الجماعات المسلحة في سورية.

لكن بعيداً عن هؤلاء برزت “استنتاجات عسكرية” و”مشاهدات ميدانية” و”قراءات سياسية” خطتها اقلامٌ بعضها مناهضٌ “حتى العظم” للحكومة السورية تحذر من خطورة خسارة يبرود على المسلحين وداعميهم في الاقليم والعالم.

 فتحت عنوان ” بعد سقوط يبرود لنتذكر الكويت!” كتب عبد الرحمن راشد في صحيفة الشرق الأوسط السعودية مهولاً بغزو إيراني للشمال العربي مقارناً بين – ما وصفه – استعادة الجيش السوري ليبرود وبين احتلال نظام صدام حسين للكويت معتبراً أن “سقوط يبرود علامة خطر يجب أن تضيء الأنوار الحمراء في مراكز القرار العربية”.

 طبعاً الكاتب تناسى أن الجيش السوري أعاد مدينة يبرود إلى حضن وطنه وأخرجها من قبضة مسلحين متعددي الجنسيات عاثوا فيها فساداً وجعلوها مرتعاً لتصنيع السيارات المفخخة والصواريخ التي قتلت وجرحت مئات الأبرياء من السوريين واللبنانيين على حد سواء، وما كشفته وسائل الإعلام مؤخراً غيض من فيض إجرام تلك الجماعات.

 مسلحو يبرود – سابقاً- لم يكتفوا بالتفخيخ والتفجير بل ضربوا وعلى مدار سنتين من الأزمة السورية الوحدة الوطنية بين مسلمي يبرود ومسيحييها . وها هو روبرت فيسك الكاتب في صحيفة الاندبندنت البريطانية يسهب في شرح أفعال الجماعات المسلحة بحق أهالي يبرود ، ويعرض الكاتب مشاهداته حول تدنيس مسلحي النصرة للكنيسة الكاثوليكية اليونانية ، وكيف احرقوا نسخاً للانجيل وهشموا لوحات وصلباناً بالسكاكين.

 ويقول الكاتب “قد يسأل المشككون إذا كان النظام هو الذي قام بهذا العمل من تدنيس المقدسات – خدمةً لصورته – ولكن تدمير هذا المكان مع أعمدته القديمة واقتلاع عيون القديسين من الفسيفساء، يستلزم حتماً أسابيع طويلة”.

 فيسك ينقل عن امرأة عجوز في يبرود تُدعى أم قصي كيف “أنّ مسلحي جبهة النصرة – الذين كانوا مثلها من المسلمين السنة – أجبروا الناس في المدينة على دفع أسعار عالية للطعام الذين كانوا يحضروه. وكان المسيحيون يدفعون أسعاراً أعلى كضريبةٍ بسبب دينهم”. واللافت ان “الكثير من المواد الغذائية، عبارة عن مساعدات إنسانية من الأمم المتحدة تدخل عبر الحدود مع لبنان – ومن مخيمات اللاجئين”.

 مشاهدات فيسك تخالف محاولات تجميل صورة مسلحي جبهة النصرة من قبل بعض الإعلام العربي خلال الإفراج عن راهبات معلولا وإضفاء شرعية على فعلة اختطاف الراهبات اللواتي لم يُفرج عنهن إلا ضمن صفقة مقايضة حصدت منها النصرة ملايين الدولارات من دولة قطر كما تحدثت أكثر من وسيلة إعلامية لبنانية وعربية.

 شيءٌ آخر برز في معرض تعليقات وسائل إعلام مناهضة لدمشق على معركة يبرود وهي تكذيب ادعاءات جبهة النصرة حول صمودها في المعركة مقابل تخاذل بقية الجماعات.

 وفي دلالة لافتة يستغرب رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري المعارض في حديث لصحيفة النهار كيف أصرت جبهة النصرة على نفي سقوط معاقل مسلحي يبرود يوم الأحد الماضي رغم البث المباشر ، فيما تشير مصادر مواكبة لمجريات المعركة أن مسلحي النصرة كما غيرهم فروا من المدينة وتحميل الجبهة غيرها مسؤولية سقوط يبرود يأتي في سياق المزايدة على بقية المسلحين وتبرئة نفسها من الهزيمة ، وخاصة أن النصرة تخوض مواجهة طاحنة مع تنظيم “داعش” في الشمال والشرق السوري ، وربما تخشى أن يتخذها التنظيم ممسكاً عليها لإتهامها بالتفريط بإحدى نقاط “ثغور الجهاد” وفق أدبيات تلك الجماعات.

 كما لفت طريقة تعاطي كُتاب في صحف سعودية مع معركة يبرود ، وعلى طريقة النصرة علق هؤلاء فشل المسلحين على شماعة “تخاذل” الإدارة الأميركية والغرب في نصرة جماعات مسلحة متعددة المشارب على الأرض السورية ، ومنهم من أصر على المناداة بالتدخل العسكري الأميركي لضرب الجيش السوري وإسقاط دمشق وتكرار النموذج الليبي.

 ومجدداً تناسى هؤلاء مليارات الدولارات التي صُرفت لجلب الجهاديين إلى سورية ومدهم بالسلاح وفتح المنابر الدينية والإعلامية لهم واللعب على الوتر المذهبي والطائفي منذ منتصف آذار من عام 2011 حتى وقتنا الحاضر ، ناهيك عن الزج بالعامل الإسرائيلي في المعركة تارة بغارات تستهدف مواقع الجيش السوري في جمرايا وريف دمشق وطوراً بالعدوان على مواقع في هضبة الجولان.

 وبدى هؤلاء “الكتاب” كأنهم “يتقاسمون” الأدوار للتقليل من أهمية التقدم الاستراتيجي الذي حققه الجيش السوري ، فمنهم من تناول الأمر من زاوية طائفية عبر الزعم أن استعادة يبرود تساهم في تقسيم سورية ، فيما شرع البعض الآخر باستخدام عبارات كـ”حتمية حصول تسوية سياسية بين السوريين” وهي مصطلحات غابت عن قاموس الرياض وإعلامها منذ الأشهر الأولى للازمة السورية مفضلين تقديم “إسقاط الرئيس بشار الأسد” على ما عداه.

 طبعاً لا يعني هذا الكلام أن المملكة السعودية وبعض الأطراف الخليجية والغرب سيغيرون سياستهم المتشددة حيال دمشق في المدى المنظور بل ربما يشهد الميدان تصعيداً في الفترة المقبلة لتحقيق مكاسب من أجل صرفها في السياسة مستقبلاً .

 لذا فإن تشريح وتحليل أهمية ما حققته الوحدات العسكرية السورية في معركة يبرود سيتوالى يوماً بعد آخر خاصة وان قطار تقدم الجيش مستمرٌ بالتنقل بين مختلف المحطات ، وقد تكون وجهته المقبلة الشهباء حلب…

  • فريق ماسة
  • 2014-03-20
  • 13126
  • من الأرشيف

نصر يبرود في عيونهم

مذ حطت معركة يبرود رحالها لصالح الجيش السوري ، امتلأت الصحف في سورية ومحيطها بالتحليلات و”المعلومات” ، واحتل الخبراء السياسيون والعسكريون شاشات التلفزة لشرح أهمية ما حققته الوحدات العسكرية في معركتها ضد الجماعات المسلحة في سورية. لكن بعيداً عن هؤلاء برزت “استنتاجات عسكرية” و”مشاهدات ميدانية” و”قراءات سياسية” خطتها اقلامٌ بعضها مناهضٌ “حتى العظم” للحكومة السورية تحذر من خطورة خسارة يبرود على المسلحين وداعميهم في الاقليم والعالم.  فتحت عنوان ” بعد سقوط يبرود لنتذكر الكويت!” كتب عبد الرحمن راشد في صحيفة الشرق الأوسط السعودية مهولاً بغزو إيراني للشمال العربي مقارناً بين – ما وصفه – استعادة الجيش السوري ليبرود وبين احتلال نظام صدام حسين للكويت معتبراً أن “سقوط يبرود علامة خطر يجب أن تضيء الأنوار الحمراء في مراكز القرار العربية”.  طبعاً الكاتب تناسى أن الجيش السوري أعاد مدينة يبرود إلى حضن وطنه وأخرجها من قبضة مسلحين متعددي الجنسيات عاثوا فيها فساداً وجعلوها مرتعاً لتصنيع السيارات المفخخة والصواريخ التي قتلت وجرحت مئات الأبرياء من السوريين واللبنانيين على حد سواء، وما كشفته وسائل الإعلام مؤخراً غيض من فيض إجرام تلك الجماعات.  مسلحو يبرود – سابقاً- لم يكتفوا بالتفخيخ والتفجير بل ضربوا وعلى مدار سنتين من الأزمة السورية الوحدة الوطنية بين مسلمي يبرود ومسيحييها . وها هو روبرت فيسك الكاتب في صحيفة الاندبندنت البريطانية يسهب في شرح أفعال الجماعات المسلحة بحق أهالي يبرود ، ويعرض الكاتب مشاهداته حول تدنيس مسلحي النصرة للكنيسة الكاثوليكية اليونانية ، وكيف احرقوا نسخاً للانجيل وهشموا لوحات وصلباناً بالسكاكين.  ويقول الكاتب “قد يسأل المشككون إذا كان النظام هو الذي قام بهذا العمل من تدنيس المقدسات – خدمةً لصورته – ولكن تدمير هذا المكان مع أعمدته القديمة واقتلاع عيون القديسين من الفسيفساء، يستلزم حتماً أسابيع طويلة”.  فيسك ينقل عن امرأة عجوز في يبرود تُدعى أم قصي كيف “أنّ مسلحي جبهة النصرة – الذين كانوا مثلها من المسلمين السنة – أجبروا الناس في المدينة على دفع أسعار عالية للطعام الذين كانوا يحضروه. وكان المسيحيون يدفعون أسعاراً أعلى كضريبةٍ بسبب دينهم”. واللافت ان “الكثير من المواد الغذائية، عبارة عن مساعدات إنسانية من الأمم المتحدة تدخل عبر الحدود مع لبنان – ومن مخيمات اللاجئين”.  مشاهدات فيسك تخالف محاولات تجميل صورة مسلحي جبهة النصرة من قبل بعض الإعلام العربي خلال الإفراج عن راهبات معلولا وإضفاء شرعية على فعلة اختطاف الراهبات اللواتي لم يُفرج عنهن إلا ضمن صفقة مقايضة حصدت منها النصرة ملايين الدولارات من دولة قطر كما تحدثت أكثر من وسيلة إعلامية لبنانية وعربية.  شيءٌ آخر برز في معرض تعليقات وسائل إعلام مناهضة لدمشق على معركة يبرود وهي تكذيب ادعاءات جبهة النصرة حول صمودها في المعركة مقابل تخاذل بقية الجماعات.  وفي دلالة لافتة يستغرب رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري المعارض في حديث لصحيفة النهار كيف أصرت جبهة النصرة على نفي سقوط معاقل مسلحي يبرود يوم الأحد الماضي رغم البث المباشر ، فيما تشير مصادر مواكبة لمجريات المعركة أن مسلحي النصرة كما غيرهم فروا من المدينة وتحميل الجبهة غيرها مسؤولية سقوط يبرود يأتي في سياق المزايدة على بقية المسلحين وتبرئة نفسها من الهزيمة ، وخاصة أن النصرة تخوض مواجهة طاحنة مع تنظيم “داعش” في الشمال والشرق السوري ، وربما تخشى أن يتخذها التنظيم ممسكاً عليها لإتهامها بالتفريط بإحدى نقاط “ثغور الجهاد” وفق أدبيات تلك الجماعات.  كما لفت طريقة تعاطي كُتاب في صحف سعودية مع معركة يبرود ، وعلى طريقة النصرة علق هؤلاء فشل المسلحين على شماعة “تخاذل” الإدارة الأميركية والغرب في نصرة جماعات مسلحة متعددة المشارب على الأرض السورية ، ومنهم من أصر على المناداة بالتدخل العسكري الأميركي لضرب الجيش السوري وإسقاط دمشق وتكرار النموذج الليبي.  ومجدداً تناسى هؤلاء مليارات الدولارات التي صُرفت لجلب الجهاديين إلى سورية ومدهم بالسلاح وفتح المنابر الدينية والإعلامية لهم واللعب على الوتر المذهبي والطائفي منذ منتصف آذار من عام 2011 حتى وقتنا الحاضر ، ناهيك عن الزج بالعامل الإسرائيلي في المعركة تارة بغارات تستهدف مواقع الجيش السوري في جمرايا وريف دمشق وطوراً بالعدوان على مواقع في هضبة الجولان.  وبدى هؤلاء “الكتاب” كأنهم “يتقاسمون” الأدوار للتقليل من أهمية التقدم الاستراتيجي الذي حققه الجيش السوري ، فمنهم من تناول الأمر من زاوية طائفية عبر الزعم أن استعادة يبرود تساهم في تقسيم سورية ، فيما شرع البعض الآخر باستخدام عبارات كـ”حتمية حصول تسوية سياسية بين السوريين” وهي مصطلحات غابت عن قاموس الرياض وإعلامها منذ الأشهر الأولى للازمة السورية مفضلين تقديم “إسقاط الرئيس بشار الأسد” على ما عداه.  طبعاً لا يعني هذا الكلام أن المملكة السعودية وبعض الأطراف الخليجية والغرب سيغيرون سياستهم المتشددة حيال دمشق في المدى المنظور بل ربما يشهد الميدان تصعيداً في الفترة المقبلة لتحقيق مكاسب من أجل صرفها في السياسة مستقبلاً .  لذا فإن تشريح وتحليل أهمية ما حققته الوحدات العسكرية السورية في معركة يبرود سيتوالى يوماً بعد آخر خاصة وان قطار تقدم الجيش مستمرٌ بالتنقل بين مختلف المحطات ، وقد تكون وجهته المقبلة الشهباء حلب…

المصدر : المنار/ حسين ملاح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة