سنجعل من يبرود مقبرة لجيش النظام ودباباته وحزب الله".. هكذا كانت تصرخ "جبهة النصرة" المموَّلة قطرياً، و"الجبهة الإسلامية" المموَّلة سعودياً، "خصوصاً بعد الإعلان الصادر عن مملكة الرمال، وعن البيت الأبيض بتزويد "المعارضات" السورية بالأسلحة النوعية، والذي ترافق مع رسائل "إسرائيلية" في جنتا، عرف "حزب الله" كيف يرد عليها بالتي هي أحسن منها.

كان المسلحون المجموعون من رياح الأرض الأربعة، وهم يتحدثون بنشوة زائدة، يشيرون إلى جغرافية القلمون، والجبال وصخورها، وما فيها من مغاور، وما افتعلوه من خنادق، ويفاخرون بأنها تورا بورا المنطقة، وأنهم سيقاتلون إلى مئة عام.. وأكثر.

كأنهم لم يدروا أن هذه الأرض لم تُخلق لتكون لشذاد الآفاق والعنصريين والمتعصبين، لأنه لطالما كانت تفاخر بأنها فتحت منذ آلاف السنين ذراعيها لرسالات السماء السمحاء، فكانت مهد المسيحية، وكانت وما زالت الثغور المتقدمة النقية للإسلام.

لعله هنا يحضرنا صراخ الجنرال غورو أمام قبر صلاح الدين حينما دخل بلاد الأمويين، بعد هزيمة الرجل المريض: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، لكن فاته أن منذ أكثر من ألفي سنة كان السيد المسيح قد دخل إلى جحر الأفاعي اليهود وانهال عليهم بالسيط وطردهم.

بالكاد صمد التلموديون الجدد - وهم كانوا بين سبعة آلاف وعشرة آلاف مسلح - 48 ساعة أمام بضعة مئات من الوحدات الخاصة ومشاة الجيش السوري ومقاتلي "حزب الله".

.. غادروا جحورهم وكهوفهم وتحصيناتهم وخنادقهم التي شارك في تجهيزها أعراب وغرب وأميركيون وصهاينة، فروا هائمين على وجوههم، بعضهم كان يجري حافياً، وآخرون لم يستطيعوا حمل بنادقهم، تاركين جثث القتلى مرمية على الطرقات وفي المخابئ، ومع كل خطوة كانت قدم جندي سوري أو مقاوم تخطوها إلى الأمام كانت ثمة هزيمة عسكرية مجلجلة، كما كانت أيضاً ثمة فضيحة أخلاقية وفضيحة تاريخية تطبع جباه المسلحين، وقبلهم وجوه رعاتهم وداعميهم ومدربيهم ومموليهم من دول عظمى وكبرى وصغرى.

 

ثمة حقيقة واضحة كشفتها معركة يبرود، وهي أن تكتيكات واستراتيجية عسكرية ابتكرها الجيش العربي السوري في قلب النار، وفي صميم المعركة، ستكون مادة أساسية ورئيسية تدرّس في الأكاديميات العسكرية العالمية، على حد تعبير جنرال غربي متقاعد خدم في بلاده في مختلف الميادين العسكرية، بما فيها الاستخبارات العسكرية.

في السنوات الثلاث المنصرمة من الحرب الكونية الاستعمارية - الظلامية على سورية، والتي تدخل الآن عامها الرابع، لم يبق أسلوب عدواني لم يستعمل ضد دمشق.

في 2011 كانت معركة بابا عمرو، والتي أراد منها المسلحون ورعاتهم بؤرة التوسع للسيطرة على مدينة حمص ومحافظتها، أي السيطرة على وسط سورية.

في أيار 2012 مع خطف اللبنانيين في اعزاز، كانت الخطة إجبار "حزب الله" على تغيير موقفه من تطورات الأزمة السورية.

في حزيران 2013 كان قتال "حزب الله" إلى جانب الجيش السوري في القصير، وبالتالي كانت بداية التغييرات في الميدان والتحول النوعي في مسار الحرب على سورية.

وفي تشرين الأول من العام نفسه أدرك رعاة المسلحين، بمن فيهم "حملة حليب الأطفال" و"الحرامات" من اللبنانيين، أن "حزب الله" ثابت على موقفه ونهجه، فتحولت عملية الخطف عبئاً على الزمر المسلحة ورعاتهم الأتراك والقطريين وغيرهم.. فكان الإفراج عنهم..

في 10 آذار الحالي كان إطلاق سراح راهبات معلولة المخطوفات، بعد أن أيقن الخاطفون أنهن صرْنَ عبئاً عليهم، وهم لا يستطيعون تصفيتهن، لأن ذلك سيثير العالم على رعاتهم وحماتهم الصهاينة والقطريين والسعوديين والأتراك والغربيين.

فجر الأحد في 16 آذار الجاري كانت الأسطورة الاستراتيجية والعسكرية يحققها بضع مئات من جنود الجيش السوري، باقتحامهم معاقل الإرهابيين في "تورا بورا" القلمون أو الشرق الأوسط، ولتشكل هذه المعركة النوعية محطة فاصلة في المواجهة والكفاح والذي تخوضه الدولة الوطنية السورية مع حلفائها ضد الحلف الاستعماري – الرجعي الذي تقوده واشنطن بجحافل المرتزقة من كل فج عميق.

وكما في كل مرة كان الكيان الصهيوني يهب لنجدة المرتزقة، حيث تدخل في جنتا، ثم في استهداف غزة، فجاءه الرد المتدحرج والمتصاعد من عملية شبعا، وصواريخ سرايا القدس في غزة، ومقتل ضابط صهيوني وثلاثة جنود في الجولان المحتل.

بعد يبرود ثمة حقيقة لا تحتمل أي جدال، وهي أننا أمام انتصارات وتغييرات نوعية متلاحقة في الأشهر المقبلة، وأن اختبارات القوة من سواحل البحر الأبيض المتوسط حتى البحر الأسود هي في مصحلة سورية وحلفائها، فلنتابع التحول النوعي الروسي في الواقع الأوكراني، والذي سينعكس في مزيد من التصميم "القيصري" على مساندة القلعة السورية المتقدمة، ولا يهم هنا حركة بعض المذهبيين والتكفيريين الذين تحركوا في وقت واحد في محاولة منهم للجم التحولات الهامة التي باشر بها أهالي عرسال ضد آلاف التكفيريين الذين يهربون إلى بلدتهم وجردهم.. والمفارقة هنا تطابق بيان سعد الحريري من وراء البحار مع سالم الرافعي في نصرة عرسال من طرابلس.. هل تذكرون تضامن 14 آذار ورحلتهم غير الميمونة إلى عرسال؟

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-19
  • 10051
  • من الأرشيف

الإنجاز العسكري السوري.. وما بعد يبرود

سنجعل من يبرود مقبرة لجيش النظام ودباباته وحزب الله".. هكذا كانت تصرخ "جبهة النصرة" المموَّلة قطرياً، و"الجبهة الإسلامية" المموَّلة سعودياً، "خصوصاً بعد الإعلان الصادر عن مملكة الرمال، وعن البيت الأبيض بتزويد "المعارضات" السورية بالأسلحة النوعية، والذي ترافق مع رسائل "إسرائيلية" في جنتا، عرف "حزب الله" كيف يرد عليها بالتي هي أحسن منها. كان المسلحون المجموعون من رياح الأرض الأربعة، وهم يتحدثون بنشوة زائدة، يشيرون إلى جغرافية القلمون، والجبال وصخورها، وما فيها من مغاور، وما افتعلوه من خنادق، ويفاخرون بأنها تورا بورا المنطقة، وأنهم سيقاتلون إلى مئة عام.. وأكثر. كأنهم لم يدروا أن هذه الأرض لم تُخلق لتكون لشذاد الآفاق والعنصريين والمتعصبين، لأنه لطالما كانت تفاخر بأنها فتحت منذ آلاف السنين ذراعيها لرسالات السماء السمحاء، فكانت مهد المسيحية، وكانت وما زالت الثغور المتقدمة النقية للإسلام. لعله هنا يحضرنا صراخ الجنرال غورو أمام قبر صلاح الدين حينما دخل بلاد الأمويين، بعد هزيمة الرجل المريض: "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، لكن فاته أن منذ أكثر من ألفي سنة كان السيد المسيح قد دخل إلى جحر الأفاعي اليهود وانهال عليهم بالسيط وطردهم. بالكاد صمد التلموديون الجدد - وهم كانوا بين سبعة آلاف وعشرة آلاف مسلح - 48 ساعة أمام بضعة مئات من الوحدات الخاصة ومشاة الجيش السوري ومقاتلي "حزب الله". .. غادروا جحورهم وكهوفهم وتحصيناتهم وخنادقهم التي شارك في تجهيزها أعراب وغرب وأميركيون وصهاينة، فروا هائمين على وجوههم، بعضهم كان يجري حافياً، وآخرون لم يستطيعوا حمل بنادقهم، تاركين جثث القتلى مرمية على الطرقات وفي المخابئ، ومع كل خطوة كانت قدم جندي سوري أو مقاوم تخطوها إلى الأمام كانت ثمة هزيمة عسكرية مجلجلة، كما كانت أيضاً ثمة فضيحة أخلاقية وفضيحة تاريخية تطبع جباه المسلحين، وقبلهم وجوه رعاتهم وداعميهم ومدربيهم ومموليهم من دول عظمى وكبرى وصغرى.   ثمة حقيقة واضحة كشفتها معركة يبرود، وهي أن تكتيكات واستراتيجية عسكرية ابتكرها الجيش العربي السوري في قلب النار، وفي صميم المعركة، ستكون مادة أساسية ورئيسية تدرّس في الأكاديميات العسكرية العالمية، على حد تعبير جنرال غربي متقاعد خدم في بلاده في مختلف الميادين العسكرية، بما فيها الاستخبارات العسكرية. في السنوات الثلاث المنصرمة من الحرب الكونية الاستعمارية - الظلامية على سورية، والتي تدخل الآن عامها الرابع، لم يبق أسلوب عدواني لم يستعمل ضد دمشق. في 2011 كانت معركة بابا عمرو، والتي أراد منها المسلحون ورعاتهم بؤرة التوسع للسيطرة على مدينة حمص ومحافظتها، أي السيطرة على وسط سورية. في أيار 2012 مع خطف اللبنانيين في اعزاز، كانت الخطة إجبار "حزب الله" على تغيير موقفه من تطورات الأزمة السورية. في حزيران 2013 كان قتال "حزب الله" إلى جانب الجيش السوري في القصير، وبالتالي كانت بداية التغييرات في الميدان والتحول النوعي في مسار الحرب على سورية. وفي تشرين الأول من العام نفسه أدرك رعاة المسلحين، بمن فيهم "حملة حليب الأطفال" و"الحرامات" من اللبنانيين، أن "حزب الله" ثابت على موقفه ونهجه، فتحولت عملية الخطف عبئاً على الزمر المسلحة ورعاتهم الأتراك والقطريين وغيرهم.. فكان الإفراج عنهم.. في 10 آذار الحالي كان إطلاق سراح راهبات معلولة المخطوفات، بعد أن أيقن الخاطفون أنهن صرْنَ عبئاً عليهم، وهم لا يستطيعون تصفيتهن، لأن ذلك سيثير العالم على رعاتهم وحماتهم الصهاينة والقطريين والسعوديين والأتراك والغربيين. فجر الأحد في 16 آذار الجاري كانت الأسطورة الاستراتيجية والعسكرية يحققها بضع مئات من جنود الجيش السوري، باقتحامهم معاقل الإرهابيين في "تورا بورا" القلمون أو الشرق الأوسط، ولتشكل هذه المعركة النوعية محطة فاصلة في المواجهة والكفاح والذي تخوضه الدولة الوطنية السورية مع حلفائها ضد الحلف الاستعماري – الرجعي الذي تقوده واشنطن بجحافل المرتزقة من كل فج عميق. وكما في كل مرة كان الكيان الصهيوني يهب لنجدة المرتزقة، حيث تدخل في جنتا، ثم في استهداف غزة، فجاءه الرد المتدحرج والمتصاعد من عملية شبعا، وصواريخ سرايا القدس في غزة، ومقتل ضابط صهيوني وثلاثة جنود في الجولان المحتل. بعد يبرود ثمة حقيقة لا تحتمل أي جدال، وهي أننا أمام انتصارات وتغييرات نوعية متلاحقة في الأشهر المقبلة، وأن اختبارات القوة من سواحل البحر الأبيض المتوسط حتى البحر الأسود هي في مصحلة سورية وحلفائها، فلنتابع التحول النوعي الروسي في الواقع الأوكراني، والذي سينعكس في مزيد من التصميم "القيصري" على مساندة القلعة السورية المتقدمة، ولا يهم هنا حركة بعض المذهبيين والتكفيريين الذين تحركوا في وقت واحد في محاولة منهم للجم التحولات الهامة التي باشر بها أهالي عرسال ضد آلاف التكفيريين الذين يهربون إلى بلدتهم وجردهم.. والمفارقة هنا تطابق بيان سعد الحريري من وراء البحار مع سالم الرافعي في نصرة عرسال من طرابلس.. هل تذكرون تضامن 14 آذار ورحلتهم غير الميمونة إلى عرسال؟  

المصدر : أحمد زين الدين- الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة