انتهت المعركة في يبرود بانتصار إضافي للجيش السوري و"حزب الله"، وهي انتصارات تضاف إلى انتصارات سابقة تسجَّل لهذا المحور ضد فصائل المجموعات المسلحة، والتي ستؤدي إلى سقوط منطقة القلمون الاستراتيجية من حسابات الجغرافيا العسكرية للمعارضة السورية المسلحة وداعميها، علماً أن يبرود تأتي سلسلة في حلقات متتالية قلبت موازين القوى العسكرية لصالح النظام السوري وحلفائه، وأهمها غوطة دمشق، والقصير، واليوم يبرود ومحيطها.

ولعل محاولة تجاهل هذا الانتصار كلياً في الإعلام الغربي، والردّ الأميركي بإغلاق السفارة السورية وكل قنصليات الدولة السورية في أميركا، يشي بأن ما حصل قد يكون له قيمة أكبر من كل ما قد يتوقعه المراقبون، فسنوات ثلاث من المعارك واتهام النظام السوري من قبَل الأميركيين لم تدفعهم إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، علماً أن الاتهامات التي تبادلها المقاتلون بالخيانة تشي بأن الصراع الإقليمي بات يفرض نفسه على الساحة السورية بشكل أكبر من قبل، وما كان خافياً أو يحصل همساً بات عملاً منظماً سيكون له تداعياته على الخريطة الجغرافية واللوجستية للمعارضة السورية وتآكلها في العديد من المناطق السورية.

ومع "تنظيف" جميع الجيوب المتبقية في القلمون، أي الحدود الشرقية للبنان مع سورية، وتتابعاً سقوط قلعة الحصن، وإقفال المعبر اللبناني المتبقي عبر الحدود الشمالية في عكار - والتي ترفد محيط قلعة الحصن بمسلحين يقال إن معظمهم لبنانيون أو فلسطينيون مقيمون في لبنان ينتمون إلى جند الشام - سيكون من الصعب على المشروع التكفيري الاستمرار أو التقدم في الميدان السوري  المحاذي للبنان، خصوصاً في المناطق التي لن يجد فيها المسلحون بعد الآن عمقاً استراتيجياً يمدّهم بالسلاح والعتاد والرجال، بينما يبقى لهم قدرة الحصول على الإمداد من المناطق المحاذية لتركيا والأردن والعراق، مع التأكيد على أن اختلاف مصالح الدول الإقليمية وتباين سياساتها سيكون لهما تأثير كبير على مَن يحصّل الدعم اللوجستي في كل منطقة.

وقياساً على الصراع الكبير الذي دخلت فيه المملكة العربية السعودية مع تنظيم "الإخوان المسلمين"، وظهوره إلى العلن؛ بوضع "الإخوان" على لائحة الإرهاب السعودية، فستتوزع خريطة المجموعات المسلحة وقوتها بحسب العمق الجغرافي للإمداد التي تحصل عليه، وهكذا سيكون المشهد التقريبي على النحو الآتي:

- على الحدود السورية التركية ستكون الغلبة والقدرة للجماعات المسلحة التابعة لـ"الإخوان المسلمين"، وستقوم تركيا بالرد على السعودية بالتضييق على "الائتلاف السوري المعارض"، كما على المسلحين المدعومين من السعودية، ومن هنا قد تكون الأخبار التي تتحدث عن قيام الأتراك بضبط شحنات أسلحة وتوقيف مسلحين على الحدود مع سورية عملية انتقامية من السعوديين، وليس تغييراً في السياسات التركية تجاه النظام السوري.

- على الحدود الأردنية، والتي ستشكّل بديلاً تعويضياً عن إغلاق الممر اللبناني المفتوح على مصراعيه، قد تواجه الأردن - كما حصل في السابق - ضغوطاً سعودية لفتح جبهة من الحدود الجنوبية، وتشكيل ضغط على النظام السوري يحرجه في جبهات أخرى، لكن بات واضحاً أن الأردن عاجز عن القيام بذلك، ولن يكون بمنأى عن تداعياته، خصوصاً في ظل استعادة الجيش السوري المبادرة والهجوم، واقتتال الفصائل فيما بينها، لدرجة تُظهر أن الاختلافات فيما بينها أكبر من الاختلافات بينها وبين النظام السوري.

- أما بالنسبة للحدود العراقية - السورية فيسيطر عليها بشكل أساسي تنظيم "داعش"، والذي تبرّأت منه جميع الدول الإقليمية والدولية الداعمة للمجموعات المسلحة في سورية، والذي يقود حربه ضد الجميع في سورية؛ المعارضة والنظام معاً.

وهكذا، تكون الحرب الدائرة في سورية سبباً ونتيجة في آن معاً، في التصدع الإقليمي والدولي، فمحور "داعمي الدولة السورية" يتقدم على حساب محور "داعمي المعارضة السورية"، والذي كان في ما مضى يدّعي أنه متماسك وموحّد الأهداف والرؤى، وإذ بالتطورات الميدانية السورية والتغييرات التي طالت كل الجبهات العربية دفعة واحدة، والضربات التي تلقاها بالتفاهم الأميركي - الإيراني، ومحاولة عزل قطر من قبل السعوديين وحلفائهم الخليجيين، والإرباك التركي في الداخل، وسقوط "الإخوان" في مصر.. كلها تجعل من كل معركة في الداخل السوري بحد ذاتها مشهداً يلف كل هذه السريالية الغريبة، التي ترقص على أجساد السوريين، وتبيح دماءهم في معارك السعي نحو السلطان والنفوذ.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-19
  • 10950
  • من الأرشيف

يبرود: إعادة رسم الخريطة الجغرافية للمسلحين

انتهت المعركة في يبرود بانتصار إضافي للجيش السوري و"حزب الله"، وهي انتصارات تضاف إلى انتصارات سابقة تسجَّل لهذا المحور ضد فصائل المجموعات المسلحة، والتي ستؤدي إلى سقوط منطقة القلمون الاستراتيجية من حسابات الجغرافيا العسكرية للمعارضة السورية المسلحة وداعميها، علماً أن يبرود تأتي سلسلة في حلقات متتالية قلبت موازين القوى العسكرية لصالح النظام السوري وحلفائه، وأهمها غوطة دمشق، والقصير، واليوم يبرود ومحيطها. ولعل محاولة تجاهل هذا الانتصار كلياً في الإعلام الغربي، والردّ الأميركي بإغلاق السفارة السورية وكل قنصليات الدولة السورية في أميركا، يشي بأن ما حصل قد يكون له قيمة أكبر من كل ما قد يتوقعه المراقبون، فسنوات ثلاث من المعارك واتهام النظام السوري من قبَل الأميركيين لم تدفعهم إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، علماً أن الاتهامات التي تبادلها المقاتلون بالخيانة تشي بأن الصراع الإقليمي بات يفرض نفسه على الساحة السورية بشكل أكبر من قبل، وما كان خافياً أو يحصل همساً بات عملاً منظماً سيكون له تداعياته على الخريطة الجغرافية واللوجستية للمعارضة السورية وتآكلها في العديد من المناطق السورية. ومع "تنظيف" جميع الجيوب المتبقية في القلمون، أي الحدود الشرقية للبنان مع سورية، وتتابعاً سقوط قلعة الحصن، وإقفال المعبر اللبناني المتبقي عبر الحدود الشمالية في عكار - والتي ترفد محيط قلعة الحصن بمسلحين يقال إن معظمهم لبنانيون أو فلسطينيون مقيمون في لبنان ينتمون إلى جند الشام - سيكون من الصعب على المشروع التكفيري الاستمرار أو التقدم في الميدان السوري  المحاذي للبنان، خصوصاً في المناطق التي لن يجد فيها المسلحون بعد الآن عمقاً استراتيجياً يمدّهم بالسلاح والعتاد والرجال، بينما يبقى لهم قدرة الحصول على الإمداد من المناطق المحاذية لتركيا والأردن والعراق، مع التأكيد على أن اختلاف مصالح الدول الإقليمية وتباين سياساتها سيكون لهما تأثير كبير على مَن يحصّل الدعم اللوجستي في كل منطقة. وقياساً على الصراع الكبير الذي دخلت فيه المملكة العربية السعودية مع تنظيم "الإخوان المسلمين"، وظهوره إلى العلن؛ بوضع "الإخوان" على لائحة الإرهاب السعودية، فستتوزع خريطة المجموعات المسلحة وقوتها بحسب العمق الجغرافي للإمداد التي تحصل عليه، وهكذا سيكون المشهد التقريبي على النحو الآتي: - على الحدود السورية التركية ستكون الغلبة والقدرة للجماعات المسلحة التابعة لـ"الإخوان المسلمين"، وستقوم تركيا بالرد على السعودية بالتضييق على "الائتلاف السوري المعارض"، كما على المسلحين المدعومين من السعودية، ومن هنا قد تكون الأخبار التي تتحدث عن قيام الأتراك بضبط شحنات أسلحة وتوقيف مسلحين على الحدود مع سورية عملية انتقامية من السعوديين، وليس تغييراً في السياسات التركية تجاه النظام السوري. - على الحدود الأردنية، والتي ستشكّل بديلاً تعويضياً عن إغلاق الممر اللبناني المفتوح على مصراعيه، قد تواجه الأردن - كما حصل في السابق - ضغوطاً سعودية لفتح جبهة من الحدود الجنوبية، وتشكيل ضغط على النظام السوري يحرجه في جبهات أخرى، لكن بات واضحاً أن الأردن عاجز عن القيام بذلك، ولن يكون بمنأى عن تداعياته، خصوصاً في ظل استعادة الجيش السوري المبادرة والهجوم، واقتتال الفصائل فيما بينها، لدرجة تُظهر أن الاختلافات فيما بينها أكبر من الاختلافات بينها وبين النظام السوري. - أما بالنسبة للحدود العراقية - السورية فيسيطر عليها بشكل أساسي تنظيم "داعش"، والذي تبرّأت منه جميع الدول الإقليمية والدولية الداعمة للمجموعات المسلحة في سورية، والذي يقود حربه ضد الجميع في سورية؛ المعارضة والنظام معاً. وهكذا، تكون الحرب الدائرة في سورية سبباً ونتيجة في آن معاً، في التصدع الإقليمي والدولي، فمحور "داعمي الدولة السورية" يتقدم على حساب محور "داعمي المعارضة السورية"، والذي كان في ما مضى يدّعي أنه متماسك وموحّد الأهداف والرؤى، وإذ بالتطورات الميدانية السورية والتغييرات التي طالت كل الجبهات العربية دفعة واحدة، والضربات التي تلقاها بالتفاهم الأميركي - الإيراني، ومحاولة عزل قطر من قبل السعوديين وحلفائهم الخليجيين، والإرباك التركي في الداخل، وسقوط "الإخوان" في مصر.. كلها تجعل من كل معركة في الداخل السوري بحد ذاتها مشهداً يلف كل هذه السريالية الغريبة، التي ترقص على أجساد السوريين، وتبيح دماءهم في معارك السعي نحو السلطان والنفوذ.  

المصدر : ليلى نقولا الرحباني - الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة