لم يترك فلاديمير بوتين مجالاً للتحليل في تعيين معنى الحدث التاريخي الذي شهده العالم أمس بإعلان سيد الكرملين ضم جمهورية القرم المستقلة إلى الاتحاد الروسي: الحقبة الأميركية ـ الغربية انتهت! ولسوف تبدأ، منذ الآن، مرحلة التعددية القطبية.

من الدوما إلى الساحة الحمراء، مضى الرئيس ليقطف لحظة المجد الشعبي؛ وسط الحشود التي أبكتها فرحاً العودة الظافرة لروسيا العظمى إلى الميدان الدولي، وقف فلاديمير بوتين، ليعد الروس بالمزيد: «لا يزال أمامنا الكثير؛ لكننا، باتحادنا، سننتصر»!

كان بوتين رئيساً وقائداً حتى الثلاثاء 18 آذار 2014، حين توجه الروس، من سيفاستوبول ـ «قلعتنا» ـ إلى موسكو إلى أقصى الشرق الروسي، قيصراً؛ أليس ذلك ما كان يطمح إليه الرجل الذي يعتبر زوال الاتحاد السوفياتي «أكبر كارثة جيوسياسية في التاريخ»؟ بالنسبة إلى الزعيم القوميّ الصبور، المتحرر من الأيديولوجيا، كان الاتحاد السوفياتي امتداداً للقيصرية، ولا بدّ للاتحاد الروسي أن يكون امتداداً لهما. وهو، فلاديمير بوتين، يحلم باجتماع ثلاثةٍ في شخصه: بطرس الأكبر ولينين وستالين؛ النهضة والوحدة والقوة؛ وقد حان الوقت ليدرك الغرب أن «روسيا وصلت إلى حدود النابض»، أي ضغطٍ إضافيٍ، كافٍ «لكي تنفجر في وجوهكم»! إنه إعلان حرب: منذ الآن ليس مسموحاً لأحدٍ اعتراض مصالح روسيا الاستراتيجية؛ لكن روسيا العظمى ستظلّ ملتزمة تماماً القانون الدولي. هذه هي المعادلة الجديدة في السياسة الدولية: لا مكان، بعد، لـ«ازدواجية المعايير والخبث المفضوح»، ويوغوسلافيا وليبيا... لن تتكررا.

لم يبك الروس ابتهاجاً بعودة جزء عزيز (جزيرة القرم) إلى الوطن الأم، بل اعتزازاً بعودة روسيا إلى ذاتها كقوة كونية؛ ففي أي تسوية روسية ـ غربية، ما كان لأحد أن يمسّ بمكانة روسيا في الجزيرة التي تحتضن قاعدة الأسطول الروسي على البحر الأسود. كان يمكن حل هذه المسألة بصورة ما. لكن ما أراده الكرملين هو حلها بضربةٍ جذرية تستعيد الجزء «المسروق»، حسب تعبير بوتين، من الأرض الروسية، وتوضّح للغرب، حدودَ قوّته؛ واشنطن، لندن، باريس، برلين... ليس لدى هذه العواصم المأزومة، ما تفعله، سوى الصراخ و«العقوبات» التي تثير السخرية أكثر مما تثير الحنق؛ علقت النائبة في الدوما، يلينا ميزولينا، على القرار الغربي بتجميد أموالها وممتلكاتها في الغرب، بالقول: «كل ما أملكه هو المبادئ الأخلاقية والإيمان بروسيا وحب الشعب الروسي».

هذه الروح هي الناهضة في روسيا اليوم. إحساس يدفع المرء، لكي يفهم ما يحدث في روسيا، إلى البحث في مكتبته عن ديوان أمير الشعراء الروس، بوشكين؛ أعني أنها لحظة شِعرية تتوافق كلياً مع الكيمياء الثقافية القومية لروسيا. ولا يعني ذلك أنها لحظة أقوال، بل لحظة إطلاق الخيال لما يمكن أن يصدر عن روسيا الجديدة من أفعال في سياق استراتيجية أصبحت معالمها أكثر وضوحاً:

أولا، الغرب ـ بقيادة الولايات المتحدة ـ لم يعد شريكاً؛ «فلقد خدعنا، مرة بعد أخرى». هذا الغرب الذي لا يفهم إلا لغة القوة، عاجز عن الحرب منذ هزيمته في العراق، ولم يعد، عنده، كأدوات في السياسة الخارجية سوى النازية في أوروبا والإرهاب التكفيري في الشرق المسلم، في إطار التعدي على القانون الدولي والتدخل في شؤون الدول المستقلة وتصنيع الثورات الزائفة، كما في أوكرانيا نفسها في 2004 وسوريا في 2011. روسيا التي عانت طويلاً من النازية والإرهاب التكفيري والتدخلات، هي اليوم قوة عظمى محكومة باستراتيجية التصدي للإرهاب النازي ـ التكفيري معاً، ولوقف اختراق القانون الدولي. (هنا، سيتجه تفكيرنا فوراً إلى فلسطين؛ هل يتحرر الفلسطينيون من الأوهام الأميركية ــ الغربية، نحو التمسك بالشرعية الدولية؟).

ثانياً، إعلان «حق روسيا في استرداد وحدة أراضيها»، يفتح الباب أمام أسئلة استراتيجية: هل ينطبق ذلك، فقط، على الأجزاء المقتطعة من روسيا في سياق تفكك الاتحاد السوفياتي وفترة «المهانة الروسية»؟ أم يشمل ذلك، أيضاً، الأراضي التي تترنّم بأشعار بوشكين؟

ثالثاً، في هذه الموجة الوحدوية لروسيا العظمى، سيكون على أولئك الذين يفكرون في إحياء المعارضة الليبرالية أن يفكروا مرتين قبل أن يواجهوا غضب الأمة الروسية المنبثقة في قلب التاريخ. أما أولئك الذين يفكرون بالانفصال، مستخدمين شعارات الإسلام السياسي والإرهاب، فعليهم التفكير، عدة مرات قبل أن يواجهوا مصيراً صعباً يمتدّ من الشيشان وداغستان إلى داعميهم ومموليهم في السعودية. السعودية، ومعها الأممية الوهابية ـ التكفيرية ـ الإرهابية والإخوانية، وكل عناوين «الشتاء العربي» ـ بتعبير بوتين ـ هي الآن في قلب الاستهداف الروسيّ؛ عنوان المرحلة المقبلة، تالياً، سوريا موحدة وقوية ومحررة من الإرهاب، وبشار الأسد رئيساً لولاية جديدة.

رابعاً، استعادة القرم لا تعني التخلي عن أوكرانيا «الشقيقة» للغرب؛ فـ«كييف أم المدن الروسية»، و«علاقاتنا مع أوكرانيا محورية»؛ يعني ذلك بوضوح أن روسيا ــ التي لا تعترف بوجود سلطة مركزية أو شرعية لدى جارتها التي «يتحكم فيها النازيون» ــ سوف تحل المشكلة الأوكرانية في أحد اتجاهين: الرضوخ الغربي لاقتراح موسكو تحييد أوكرانيا، سياسياً ودفاعياً، بقرار أممي، أو تقسيم البلد؛ فالمناطق الشرقية والجنوبية تريد هي الأخرى اتحاداً أو علاقة عضوية مع روسيا؛ الاحتمالات، هنا، مفتوحة؛ الغرب عاجز عن حل المشكلة الأوكرانية، سياسياً واقتصادياً، ولن يكون أمام الأوكرانيين، في المدى المنظور، سوى التراجع نحو الأحضان الروسية، حيث يوجد الحل.

خامساً، هل تتوقف الموجة الروسية عند حدود القرم وأوكرانيا، أم أنها ستشمل، كما تدل كل المؤشرات، على اتجاه الكرملين لاستعادة مواقعه في أوروبا الشرقية؟ يمكن موسكو تحريك قواها النائمة والممكنة في بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة؛ فالحدود الجيوسياسية اللازمة للقيصرية تصل، بالضرورة، إلى الحدود التي تصلها الأخوة السلافية والكنيسة الأرثوذكسية. إن استعادة الفضاء القيصري ــ السوفياتي السابق ليس مجرد خيار للقيصر الجديد. إنه ضرورة حيوية للاقتصاد والأمن القوميين لروسيا.

سادساً؛ العقوبات الغربية ضد روسيا تؤذيها جزئياً، بينما الرد الروسي ليس قادراً فقط على إيذاء الغرب جدياً، بل على تفكيك نظام العقوبات الاقتصادية الغربيّ بأكمله؛ الورقة الرئيسية التي سيستخدمها الروس ــ في كل الأحول ــ هي الخروج من هيمنة الدولار الأميركي كعملة للتجارة الروسية الدولية؛ يعمل الروس على إطلاق نظام تبادلات تجارية مع البلدان الأخرى، بالعملات الوطنية؛ ليس ذلك ممكناً فقط في تجارة روسيا مع الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا (دول البريكس)، بل مع واحد من أهم البلدان الرأسمالية كاليابان. اعتماد نظام المبادلات التجارية بالعملات الوطنية، سيحطم كل منظومة العقوبات الغربية على إيران، وسيعيد طرح الملف النووي الإيراني مجدداً في سياق جديد كلياً من موازين القوى بين طهران والغرب، وخصوصاً إذا ما قررت إيران نهائياً الارتباط الاقتصادي الاستراتيجي مع روسيا ومجموعة الـ«البريكس».

التحرر من الدولار الأميركي هو القدم الأخرى التي تحتاجها روسيا للوقوف في وجه الغرب وتحقيق نهضتها القومية؛ فالاندفاع الروسي في السياسة الدولية ليس قابلاً للثبات من دون إدارة اقتصادية دولية غير مرتهنة للدولار، وللإمبراطورية المصرفية الغربية واستثمار الفوائض المالية الروسية فيها؛ يفكّر الروس الآن، بالإضافة إلى نظام المبادلات بالعملات الوطنية، بالاستثمار المباشر في البنى التحتية والمشاريع الصناعية ومشاريع الطاقة والمفاعلات النووية في البلدان الصديقة، وتقليد الصينيين في امتلاك الأصول المتعثرة في أوروبا والعالم، وفي الشراكات الاستراتيجية في الاستثمارات في الخارج، وفي داخل روسيا الهائلة المساحة والثروات والإمكانات.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-18
  • 13283
  • من الأرشيف

القيصر: إنها نهاية الحقبة الأميركية

لم يترك فلاديمير بوتين مجالاً للتحليل في تعيين معنى الحدث التاريخي الذي شهده العالم أمس بإعلان سيد الكرملين ضم جمهورية القرم المستقلة إلى الاتحاد الروسي: الحقبة الأميركية ـ الغربية انتهت! ولسوف تبدأ، منذ الآن، مرحلة التعددية القطبية. من الدوما إلى الساحة الحمراء، مضى الرئيس ليقطف لحظة المجد الشعبي؛ وسط الحشود التي أبكتها فرحاً العودة الظافرة لروسيا العظمى إلى الميدان الدولي، وقف فلاديمير بوتين، ليعد الروس بالمزيد: «لا يزال أمامنا الكثير؛ لكننا، باتحادنا، سننتصر»! كان بوتين رئيساً وقائداً حتى الثلاثاء 18 آذار 2014، حين توجه الروس، من سيفاستوبول ـ «قلعتنا» ـ إلى موسكو إلى أقصى الشرق الروسي، قيصراً؛ أليس ذلك ما كان يطمح إليه الرجل الذي يعتبر زوال الاتحاد السوفياتي «أكبر كارثة جيوسياسية في التاريخ»؟ بالنسبة إلى الزعيم القوميّ الصبور، المتحرر من الأيديولوجيا، كان الاتحاد السوفياتي امتداداً للقيصرية، ولا بدّ للاتحاد الروسي أن يكون امتداداً لهما. وهو، فلاديمير بوتين، يحلم باجتماع ثلاثةٍ في شخصه: بطرس الأكبر ولينين وستالين؛ النهضة والوحدة والقوة؛ وقد حان الوقت ليدرك الغرب أن «روسيا وصلت إلى حدود النابض»، أي ضغطٍ إضافيٍ، كافٍ «لكي تنفجر في وجوهكم»! إنه إعلان حرب: منذ الآن ليس مسموحاً لأحدٍ اعتراض مصالح روسيا الاستراتيجية؛ لكن روسيا العظمى ستظلّ ملتزمة تماماً القانون الدولي. هذه هي المعادلة الجديدة في السياسة الدولية: لا مكان، بعد، لـ«ازدواجية المعايير والخبث المفضوح»، ويوغوسلافيا وليبيا... لن تتكررا. لم يبك الروس ابتهاجاً بعودة جزء عزيز (جزيرة القرم) إلى الوطن الأم، بل اعتزازاً بعودة روسيا إلى ذاتها كقوة كونية؛ ففي أي تسوية روسية ـ غربية، ما كان لأحد أن يمسّ بمكانة روسيا في الجزيرة التي تحتضن قاعدة الأسطول الروسي على البحر الأسود. كان يمكن حل هذه المسألة بصورة ما. لكن ما أراده الكرملين هو حلها بضربةٍ جذرية تستعيد الجزء «المسروق»، حسب تعبير بوتين، من الأرض الروسية، وتوضّح للغرب، حدودَ قوّته؛ واشنطن، لندن، باريس، برلين... ليس لدى هذه العواصم المأزومة، ما تفعله، سوى الصراخ و«العقوبات» التي تثير السخرية أكثر مما تثير الحنق؛ علقت النائبة في الدوما، يلينا ميزولينا، على القرار الغربي بتجميد أموالها وممتلكاتها في الغرب، بالقول: «كل ما أملكه هو المبادئ الأخلاقية والإيمان بروسيا وحب الشعب الروسي». هذه الروح هي الناهضة في روسيا اليوم. إحساس يدفع المرء، لكي يفهم ما يحدث في روسيا، إلى البحث في مكتبته عن ديوان أمير الشعراء الروس، بوشكين؛ أعني أنها لحظة شِعرية تتوافق كلياً مع الكيمياء الثقافية القومية لروسيا. ولا يعني ذلك أنها لحظة أقوال، بل لحظة إطلاق الخيال لما يمكن أن يصدر عن روسيا الجديدة من أفعال في سياق استراتيجية أصبحت معالمها أكثر وضوحاً: أولا، الغرب ـ بقيادة الولايات المتحدة ـ لم يعد شريكاً؛ «فلقد خدعنا، مرة بعد أخرى». هذا الغرب الذي لا يفهم إلا لغة القوة، عاجز عن الحرب منذ هزيمته في العراق، ولم يعد، عنده، كأدوات في السياسة الخارجية سوى النازية في أوروبا والإرهاب التكفيري في الشرق المسلم، في إطار التعدي على القانون الدولي والتدخل في شؤون الدول المستقلة وتصنيع الثورات الزائفة، كما في أوكرانيا نفسها في 2004 وسوريا في 2011. روسيا التي عانت طويلاً من النازية والإرهاب التكفيري والتدخلات، هي اليوم قوة عظمى محكومة باستراتيجية التصدي للإرهاب النازي ـ التكفيري معاً، ولوقف اختراق القانون الدولي. (هنا، سيتجه تفكيرنا فوراً إلى فلسطين؛ هل يتحرر الفلسطينيون من الأوهام الأميركية ــ الغربية، نحو التمسك بالشرعية الدولية؟). ثانياً، إعلان «حق روسيا في استرداد وحدة أراضيها»، يفتح الباب أمام أسئلة استراتيجية: هل ينطبق ذلك، فقط، على الأجزاء المقتطعة من روسيا في سياق تفكك الاتحاد السوفياتي وفترة «المهانة الروسية»؟ أم يشمل ذلك، أيضاً، الأراضي التي تترنّم بأشعار بوشكين؟ ثالثاً، في هذه الموجة الوحدوية لروسيا العظمى، سيكون على أولئك الذين يفكرون في إحياء المعارضة الليبرالية أن يفكروا مرتين قبل أن يواجهوا غضب الأمة الروسية المنبثقة في قلب التاريخ. أما أولئك الذين يفكرون بالانفصال، مستخدمين شعارات الإسلام السياسي والإرهاب، فعليهم التفكير، عدة مرات قبل أن يواجهوا مصيراً صعباً يمتدّ من الشيشان وداغستان إلى داعميهم ومموليهم في السعودية. السعودية، ومعها الأممية الوهابية ـ التكفيرية ـ الإرهابية والإخوانية، وكل عناوين «الشتاء العربي» ـ بتعبير بوتين ـ هي الآن في قلب الاستهداف الروسيّ؛ عنوان المرحلة المقبلة، تالياً، سوريا موحدة وقوية ومحررة من الإرهاب، وبشار الأسد رئيساً لولاية جديدة. رابعاً، استعادة القرم لا تعني التخلي عن أوكرانيا «الشقيقة» للغرب؛ فـ«كييف أم المدن الروسية»، و«علاقاتنا مع أوكرانيا محورية»؛ يعني ذلك بوضوح أن روسيا ــ التي لا تعترف بوجود سلطة مركزية أو شرعية لدى جارتها التي «يتحكم فيها النازيون» ــ سوف تحل المشكلة الأوكرانية في أحد اتجاهين: الرضوخ الغربي لاقتراح موسكو تحييد أوكرانيا، سياسياً ودفاعياً، بقرار أممي، أو تقسيم البلد؛ فالمناطق الشرقية والجنوبية تريد هي الأخرى اتحاداً أو علاقة عضوية مع روسيا؛ الاحتمالات، هنا، مفتوحة؛ الغرب عاجز عن حل المشكلة الأوكرانية، سياسياً واقتصادياً، ولن يكون أمام الأوكرانيين، في المدى المنظور، سوى التراجع نحو الأحضان الروسية، حيث يوجد الحل. خامساً، هل تتوقف الموجة الروسية عند حدود القرم وأوكرانيا، أم أنها ستشمل، كما تدل كل المؤشرات، على اتجاه الكرملين لاستعادة مواقعه في أوروبا الشرقية؟ يمكن موسكو تحريك قواها النائمة والممكنة في بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة؛ فالحدود الجيوسياسية اللازمة للقيصرية تصل، بالضرورة، إلى الحدود التي تصلها الأخوة السلافية والكنيسة الأرثوذكسية. إن استعادة الفضاء القيصري ــ السوفياتي السابق ليس مجرد خيار للقيصر الجديد. إنه ضرورة حيوية للاقتصاد والأمن القوميين لروسيا. سادساً؛ العقوبات الغربية ضد روسيا تؤذيها جزئياً، بينما الرد الروسي ليس قادراً فقط على إيذاء الغرب جدياً، بل على تفكيك نظام العقوبات الاقتصادية الغربيّ بأكمله؛ الورقة الرئيسية التي سيستخدمها الروس ــ في كل الأحول ــ هي الخروج من هيمنة الدولار الأميركي كعملة للتجارة الروسية الدولية؛ يعمل الروس على إطلاق نظام تبادلات تجارية مع البلدان الأخرى، بالعملات الوطنية؛ ليس ذلك ممكناً فقط في تجارة روسيا مع الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا (دول البريكس)، بل مع واحد من أهم البلدان الرأسمالية كاليابان. اعتماد نظام المبادلات التجارية بالعملات الوطنية، سيحطم كل منظومة العقوبات الغربية على إيران، وسيعيد طرح الملف النووي الإيراني مجدداً في سياق جديد كلياً من موازين القوى بين طهران والغرب، وخصوصاً إذا ما قررت إيران نهائياً الارتباط الاقتصادي الاستراتيجي مع روسيا ومجموعة الـ«البريكس». التحرر من الدولار الأميركي هو القدم الأخرى التي تحتاجها روسيا للوقوف في وجه الغرب وتحقيق نهضتها القومية؛ فالاندفاع الروسي في السياسة الدولية ليس قابلاً للثبات من دون إدارة اقتصادية دولية غير مرتهنة للدولار، وللإمبراطورية المصرفية الغربية واستثمار الفوائض المالية الروسية فيها؛ يفكّر الروس الآن، بالإضافة إلى نظام المبادلات بالعملات الوطنية، بالاستثمار المباشر في البنى التحتية والمشاريع الصناعية ومشاريع الطاقة والمفاعلات النووية في البلدان الصديقة، وتقليد الصينيين في امتلاك الأصول المتعثرة في أوروبا والعالم، وفي الشراكات الاستراتيجية في الاستثمارات في الخارج، وفي داخل روسيا الهائلة المساحة والثروات والإمكانات.  

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة