قدمان مثقلتان ورأس مثقل. لماذا لم يأخذ الاخضر الابراهيمي بنظرية جوزف سيسكو « الديبلوماسي الوحيد، الجنرال الوحيد، الذي يحل ازمة الشرق الاوسط هو…الله».

ألم يقل استاذه هنري كيسنجر، والاثنان تعاونا على تحطيم المستعربين في وزارة الخارجية الاميركية، ان ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الازل وتموت مع الازل؟ المبعوث العربي والدولي الذي يدرك ان الازمة السورية هي ازمة الازمات في المنطقة يفضل ان يأخذ بنظرية جورج كليمنصو « ان تأتي بالامل ولو من…جهنم».

الابراهيمي عتيق ومحنك. يعلم انه يدور داخل المستحيل. ذات يوم قد ينكسر المستحيل. مثلما الشرق الادنى في نظر هيرودوت هو على خط الزلازل، هو ايضا على خط المفاجآت، ربما على خط المعجزات ايضا. اذاً، يلاعب الزمن ويلاعبه الزمن. في نهاية المطاف لا بد ان يقع احدهما ارضا. المبعوث الدولي يبدو متفائلا الى حدود اليأس، متشائما الى حدود الامل…

اخيرا، لاحظ ان واشنطن وموسكو منهمكتان في امور اخرى، او على الاقل لم يصلا الى تلك اللحظة التي يملكان فيها تصوراً حول كيفية ادارة الكرة الارضية. لكل منهما شخصيتها البعيدة عن الآخرى. احداهما تريد ان ينزل الكثير من الاثقال عن ظهر الامبراطورية. الثانية على العكس تماما. لا احد يستطيع ان يحكم روسيا، روسيا المقدسة، سوى القيصر..

الابراهيمي قصد المملكة العربية السعودية. لا ريب انه كان يدرك ان التفاهم بين الرياض وطهران يفضي الى حل نصف الازمة السورية على الاقل. حاليا، يمكن ان تحل ثلاثة ارباع الازمة. السعوديون مثل السوريين يعتبرون ان «الاخوان المسلمين» اصل البلاء، وان «داعش» و«النصرة» رأس البلاء، ثم ان السلطة هنا كما السلطة هناك تقوم على البيعة. ألم يحدد بيان وزارة الداخلية السعودية الارهابي، وبالحرف الواحد، «كل من يحاول ان يخلع البيعة التي في عنقه لولاة الامر».

اين المشكلة بين دمشق والرياض؟ قد تكون الاجابة بكلمة واحدة «طهران». السعوديون يشعرون او هم واثقون ان الايرانيين يحاولون محاصرتهم عبر نوري المالكي في العراق، وعبر الحوثيين في اليمن. والاكثر خطورة ربما انهم يقيمون من سنوات علاقات وثيقة وغامضة مع قطر، اي مع الخاصرة الاكثر حساسية بالنسبة الى المملكة. اذاً، كيف لا يحق للسعوديين ان يشنوا حربا شعواء ضد ايران. لا مسرح هناك افضل من المسرح السوري.الذي بدا بعد ذلك ان الذين يمسكون بالجانب الآخر او الجانب المعارض من المسرح هم اولئك الذين يعتبرون ان دمشق ليس سوى الطريق الى مكة.

بعض السعوديين راحوا يقولون علنا ان بلادهم وقعت ضحية «مبادئها» او سياساتها الرامية الى تقويض الديكتاتورية في سوريا، فالقطريون والاتراك طعنوا المملكة في ظهرها عندما احتضنوا كل مشتقات القاعدة. وحين حاول السعوديون تشكيل «الجبهة الاسلامية» على انها البديل او القوة التي تستطيع استيعاب ابي محمد الجولاني في وجه ابي بكر البغدادي، وبالتالي الانقضاض على النظام من درعا ومحيطها، كان الاوان قد فات، ولقد فات فعلا…

هكذا، فإن معركة يبرود ليست بدلالاتها العسكرية ولا بدلالاتها التقنية. انها بدلالاتها الاستراتيجية. الذين صنعوا المعارضة، وليس المقصود تلك المعارضة النقية، وبالايدي العارية، وانما تلك الدمى الهجينة، وسواء التي تم تركيبها محليا او التي تم استيرادها من اصقاع الارض، وصلوا الى الحائط. عودة احتفالية الى لعبة العباءة والخنجر فيما كان النظام، وبأعصاب باردة، يعيد ترتيب الاوضاع في منطقة جبال القلمون التي كان من يحركون الخيوط يعتبرون انها نقطة الانطلاق الصاعقة نحو دمشق…

كانت التفاصيل مذهلة. راح المعارضون يتبادلون التهم بالخيانة وبالغدر وبالفرار وحتى بالغباء. هم، عمليا، كل هذا. وكان على الابراهيمي ان يقول، وعشية زيارته لطهران، ان ترشح بشار الاسد للانتخابات ينسف مؤتمر جنيف ومقرراته (مقرراته؟!)…

لماذا كان هذا الكلام وفي هذا الوقت بالذات؟ الايرانيون يحتسبون الكلمات بدقة. لم يقولوا له «ايها السيد الاخضر هل كنت بحاجة الى هذه التغطية لتزورنا؟». بتهذيب جم طلبوا منه ان يكون على الحياد. فشلت مهمة السيد المبعوث قبل ان تبدأ…

وبالرغم من ذلك، وبتهذيب جم ايضا، اعطي الضوء الاخضر، وبناء على طلبه، من اجل اعادة هيكلة العلاقات بين الرياض وطهران. لم يستطع ان يتصل بوزارة الخارجية السعودية من اجل تحديد موعد له. جرى ذلك عبر الامانة العامة للامم المتحدة. جاء الرد الذي «فسّره» مسؤولون في المنظمة الدولية بأنه «فتح الباب امام احتمال استقباله». احتمال. هل اتضحت الصورة؟..

احد مساعدي الابراهيمي قال له مسبقاً ان مهمته «ستتكلل» بالفشل. ثلاثة ايام في طهران ليست كافية، ولا ثلاث سنوات، من اجل جبل الجليد، ولعله جبل النار، بين ايران و السعودية، اذاً ما العمل؟

هل يفترض ان تتواصل مطحنة الدم؟ ثمة من يصّر على ان التسوية تبدأ بالرحيل الفوري للرئيس السوري، وتشكيل الهيئة الانتقالية. حين سألنا معارضاً بارزاً، و ساخطاً، من يقتضي ان تضم هذه الهيئة. اجاب ساخرا انها تضم 176 عضواً. لماذا هذا الرقم بالذات؟ بسخرية مرّة قال هناك مقاتلون ينتمون الى 88 جنسية. الكل ينبغي ان يتمثلوا بالنصف، على ان يتمثل السوريون بالنصف الآخر…

واشنطن وموسكو في مكان آخر. غريب كما لو ان القارة العجوز لا تزال جذابة الى هذا الحد، ومن هناك تهب ثانية رياح الحرب الباردة. سوريا مربكة حتى للاميركيين الذين عينوا بديلا عن روبرت فورد هو دانييل روبنشتاين (ما المشكلة اذا كان يهوديا؟). انه آت من عالم البحوث والاستخبارات. وبالرغم من ذلك سيضيع في سوريا وفي الازمة التي في سوريا…

حتى دون ان يسمع ما سمعه في طهران. الابراهيمي واثق من انه لا حل الا بالتفاهم مع النظام (يبرود مثالا). آخرون لا يرون من حل سوى تقويض النظام ولو قام ابو مصعب الزرقاوي من قبره وحكم سوريا.

لا احد في دنيا العرب يعتذر من المنطق. المنطق هو الذي يعتذر!!

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-18
  • 12624
  • من الأرشيف

اذا انكسر المستحيل !

قدمان مثقلتان ورأس مثقل. لماذا لم يأخذ الاخضر الابراهيمي بنظرية جوزف سيسكو « الديبلوماسي الوحيد، الجنرال الوحيد، الذي يحل ازمة الشرق الاوسط هو…الله». ألم يقل استاذه هنري كيسنجر، والاثنان تعاونا على تحطيم المستعربين في وزارة الخارجية الاميركية، ان ازمة الشرق الاوسط ولدت مع الازل وتموت مع الازل؟ المبعوث العربي والدولي الذي يدرك ان الازمة السورية هي ازمة الازمات في المنطقة يفضل ان يأخذ بنظرية جورج كليمنصو « ان تأتي بالامل ولو من…جهنم». الابراهيمي عتيق ومحنك. يعلم انه يدور داخل المستحيل. ذات يوم قد ينكسر المستحيل. مثلما الشرق الادنى في نظر هيرودوت هو على خط الزلازل، هو ايضا على خط المفاجآت، ربما على خط المعجزات ايضا. اذاً، يلاعب الزمن ويلاعبه الزمن. في نهاية المطاف لا بد ان يقع احدهما ارضا. المبعوث الدولي يبدو متفائلا الى حدود اليأس، متشائما الى حدود الامل… اخيرا، لاحظ ان واشنطن وموسكو منهمكتان في امور اخرى، او على الاقل لم يصلا الى تلك اللحظة التي يملكان فيها تصوراً حول كيفية ادارة الكرة الارضية. لكل منهما شخصيتها البعيدة عن الآخرى. احداهما تريد ان ينزل الكثير من الاثقال عن ظهر الامبراطورية. الثانية على العكس تماما. لا احد يستطيع ان يحكم روسيا، روسيا المقدسة، سوى القيصر.. الابراهيمي قصد المملكة العربية السعودية. لا ريب انه كان يدرك ان التفاهم بين الرياض وطهران يفضي الى حل نصف الازمة السورية على الاقل. حاليا، يمكن ان تحل ثلاثة ارباع الازمة. السعوديون مثل السوريين يعتبرون ان «الاخوان المسلمين» اصل البلاء، وان «داعش» و«النصرة» رأس البلاء، ثم ان السلطة هنا كما السلطة هناك تقوم على البيعة. ألم يحدد بيان وزارة الداخلية السعودية الارهابي، وبالحرف الواحد، «كل من يحاول ان يخلع البيعة التي في عنقه لولاة الامر». اين المشكلة بين دمشق والرياض؟ قد تكون الاجابة بكلمة واحدة «طهران». السعوديون يشعرون او هم واثقون ان الايرانيين يحاولون محاصرتهم عبر نوري المالكي في العراق، وعبر الحوثيين في اليمن. والاكثر خطورة ربما انهم يقيمون من سنوات علاقات وثيقة وغامضة مع قطر، اي مع الخاصرة الاكثر حساسية بالنسبة الى المملكة. اذاً، كيف لا يحق للسعوديين ان يشنوا حربا شعواء ضد ايران. لا مسرح هناك افضل من المسرح السوري.الذي بدا بعد ذلك ان الذين يمسكون بالجانب الآخر او الجانب المعارض من المسرح هم اولئك الذين يعتبرون ان دمشق ليس سوى الطريق الى مكة. بعض السعوديين راحوا يقولون علنا ان بلادهم وقعت ضحية «مبادئها» او سياساتها الرامية الى تقويض الديكتاتورية في سوريا، فالقطريون والاتراك طعنوا المملكة في ظهرها عندما احتضنوا كل مشتقات القاعدة. وحين حاول السعوديون تشكيل «الجبهة الاسلامية» على انها البديل او القوة التي تستطيع استيعاب ابي محمد الجولاني في وجه ابي بكر البغدادي، وبالتالي الانقضاض على النظام من درعا ومحيطها، كان الاوان قد فات، ولقد فات فعلا… هكذا، فإن معركة يبرود ليست بدلالاتها العسكرية ولا بدلالاتها التقنية. انها بدلالاتها الاستراتيجية. الذين صنعوا المعارضة، وليس المقصود تلك المعارضة النقية، وبالايدي العارية، وانما تلك الدمى الهجينة، وسواء التي تم تركيبها محليا او التي تم استيرادها من اصقاع الارض، وصلوا الى الحائط. عودة احتفالية الى لعبة العباءة والخنجر فيما كان النظام، وبأعصاب باردة، يعيد ترتيب الاوضاع في منطقة جبال القلمون التي كان من يحركون الخيوط يعتبرون انها نقطة الانطلاق الصاعقة نحو دمشق… كانت التفاصيل مذهلة. راح المعارضون يتبادلون التهم بالخيانة وبالغدر وبالفرار وحتى بالغباء. هم، عمليا، كل هذا. وكان على الابراهيمي ان يقول، وعشية زيارته لطهران، ان ترشح بشار الاسد للانتخابات ينسف مؤتمر جنيف ومقرراته (مقرراته؟!)… لماذا كان هذا الكلام وفي هذا الوقت بالذات؟ الايرانيون يحتسبون الكلمات بدقة. لم يقولوا له «ايها السيد الاخضر هل كنت بحاجة الى هذه التغطية لتزورنا؟». بتهذيب جم طلبوا منه ان يكون على الحياد. فشلت مهمة السيد المبعوث قبل ان تبدأ… وبالرغم من ذلك، وبتهذيب جم ايضا، اعطي الضوء الاخضر، وبناء على طلبه، من اجل اعادة هيكلة العلاقات بين الرياض وطهران. لم يستطع ان يتصل بوزارة الخارجية السعودية من اجل تحديد موعد له. جرى ذلك عبر الامانة العامة للامم المتحدة. جاء الرد الذي «فسّره» مسؤولون في المنظمة الدولية بأنه «فتح الباب امام احتمال استقباله». احتمال. هل اتضحت الصورة؟.. احد مساعدي الابراهيمي قال له مسبقاً ان مهمته «ستتكلل» بالفشل. ثلاثة ايام في طهران ليست كافية، ولا ثلاث سنوات، من اجل جبل الجليد، ولعله جبل النار، بين ايران و السعودية، اذاً ما العمل؟ هل يفترض ان تتواصل مطحنة الدم؟ ثمة من يصّر على ان التسوية تبدأ بالرحيل الفوري للرئيس السوري، وتشكيل الهيئة الانتقالية. حين سألنا معارضاً بارزاً، و ساخطاً، من يقتضي ان تضم هذه الهيئة. اجاب ساخرا انها تضم 176 عضواً. لماذا هذا الرقم بالذات؟ بسخرية مرّة قال هناك مقاتلون ينتمون الى 88 جنسية. الكل ينبغي ان يتمثلوا بالنصف، على ان يتمثل السوريون بالنصف الآخر… واشنطن وموسكو في مكان آخر. غريب كما لو ان القارة العجوز لا تزال جذابة الى هذا الحد، ومن هناك تهب ثانية رياح الحرب الباردة. سوريا مربكة حتى للاميركيين الذين عينوا بديلا عن روبرت فورد هو دانييل روبنشتاين (ما المشكلة اذا كان يهوديا؟). انه آت من عالم البحوث والاستخبارات. وبالرغم من ذلك سيضيع في سوريا وفي الازمة التي في سوريا… حتى دون ان يسمع ما سمعه في طهران. الابراهيمي واثق من انه لا حل الا بالتفاهم مع النظام (يبرود مثالا). آخرون لا يرون من حل سوى تقويض النظام ولو قام ابو مصعب الزرقاوي من قبره وحكم سوريا. لا احد في دنيا العرب يعتذر من المنطق. المنطق هو الذي يعتذر!!  

المصدر : الديار/ نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة