في توقيت يكاد يكون واحداً، اتخذ الأخضر الإبراهيمي المسمى وسيطاً دولياً للبحث عن حل سلمي للأزمة في سورية، والناطقة باسم الخارجية الأميركية، اتخذا مواقف تكاد تكون متطابقة لجهة انتقاد أمور تقوم بها الدولة السورية ..

وتقع في صلب اختصاصاتها وشؤونها الداخلية السيادية التي ليس لأحد أن يتدخل فيها، مواقف الطرفين جاءت أيضاً بصلف ورعونة تثير الأسئلة حول دوافعها وأسبابها الآن؟.‏

قبل الإجابة نرى أن ذكر بان الإبراهيمي لم يُعيّن مبعوثاً إلى سورية باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بسبب فرادة مزاياه وحنكته الدبلوماسية الفذة كما يحاول البعض أن يلصق مثل هذه الصفات، وخاصة أن في العالم من هو أهم منه وأكثر نزاهة وتجرّداً وبشكل لا يقوم التفاضل بينهم ولم يُعيّن الإبراهيمي وسيطاً خلفاً لكوفي أنان الذي استقال من وظيفته لأنه لمس رفضاً مضمراً لحل سلمي يحفظ لسورية سيادتها وقرارها المستقل وحق شعبها في اختيار حكامه خلافاً لما تريده أميركا وجبهة العدوان معها.‏

 

إنما تم اختيار الإبراهيمي من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وأُنيطت به مهمة تستجيب لما أرادته أميركا من العدوان على سورية، مهمة تبدأ باستبدال الحكم السيادي الاستقلالي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، بحكم الدمى التي تحرّكها أميركا ويتنازل لـ«إسرائيل» عن كل ما يطلبه الكيان المغتصب من أجل التجذّر في الشرق في سياق المشروع الصهيو أميركي المسمى الشرق الأوسط الكبير الذي يوضع فيه مال العرب وثرواتهم وإنسانهم بتصرف العقل الصهيوني كما قال يوماً شمعون بيرس.‏

 

وهنا لا بد من التذكير بأن المتغيّرات الدولية التي بدّلت خريطة القوى في مجلس الأمن وأفقدت أميركا سيطرتها على قرار المجلس بشــــكل أحادي‏

 

منفرد، لم تصل إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة التي مازال يشغل منصب الأمين العام فيها الشخص الذي تختاره أميركا ويكون تابعاً لها مُنفذاً لقراراتها وسياساتها كما لو أنه موظف في الخارجية الأميركية، وهذا هو حال الأمين العام الحالي بان كي مون الذي عيّنته أميركا في منصبه بعد أن اختارته من كوريا الجنوبية الدولة التي تدور في فلكها بتبعية تامة وتمنّ عليها بأنها تؤمّن لها الحماية والدفاع ضد كوريا الشمالية التي امتلكت القنبلة النووية وتصفها أميركا بأنها أحد أقطاب محور الشر بالنسبة لها.‏

 

ولأن هذا هو الواقع وحال الارتباط فقد اختار بان كي مون، الأخضر الإبراهيمي ليكون مبعوثاً له إلى سورية لتنفيذ ما تريده أميركا وأُسند إليه منصب المبعوث أو الوسيط الأممي لحل الأزمة في سورية وفقاً للعنوان الذي اعتمد له، ومن جهة أخرى وحتى تكافأ أميركا ما يسمى الجامعة العربية على ما اتخذته من مواقف مُشينة بحق سورية فقد ألصقت بالإبراهيمي مهمة إضافية تتماهى مع مهمته الأولى وتغرق فيها وهي تمثيل الجامعة أيضاً للوساطة بحثاً عن حل سلمي في سورية، حدث ذلك عبر سلوك تسللي حذر، لأن من قام بالتكليف يعلم أن سورية لن تقبل مبعوثاً لتلك الجامعة التي تحوّلت إلى جامعة نعاج تقوم مقام أداة عدوانية تستعملها أميركا في قيادتها للحرب الصهيو-أميركية عليها.‏

 

إذاً، كانت مهمة الإبراهيمي واضحة المعالم منذ اللحظة الأولى ولأجل ذلك اتخذت منها سورية موقفاً مرناً حذراً يعطّل الكثير من الأفخاخ التي رافقت التعيين، فهي لم ترفض استقبال الإبراهيمي حتى لا تعطي ذريعة لخبيث يقول بأن سورية ترفض المساعي السلمية التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحل الأزمة، وهي لم ترمِ أوراقها وتنبطح مذعنة لما يريده الإبراهيمي لأنها تدرك الكثير من بواطن الأمور وتعلم سياسة مَن ينفّذ الإبراهيمي «طبعاً الأميركية»، وهي لا يمكن أن تسلّم رقبتها لأحد ولا يمكن أن تتنازل عن قرارها المستقل وسيادتها لأحد، وبين هذين الحدين رسمت سورية خط مسار العلاقات مع الإبراهيمي، بشكل كانت توجه إليه ما يجب قوله عندما يتجاوز الحدود المرسومة، وبهذا يفسر سلوك الرئيس الأسد عندما حاول الإبراهيمي تسويق المطالب الأميركية بتنحي الرئيس. نذكر هذه الواقعة على سبيل المثال، ويمكن أن يضاف إليها الكثير الكثير من تصرفات الإبراهيمي السلبية والمنحازة والردود السورية عليها التي كانت تعيده إلى المنطقة بين الحدين المذكورين سواء في تصرفاته في دمشق أو مواقفه في القاهرة ونيويورك وأخيراً مناوراته في جنيف.‏

 

كان الإبراهيمي يسكت لفترة من الزمن بعد كل صفعة يتلقاها لايقاظه من انحرافه وإعادته إلى صلب مهمته المعلنة بعيداً عن مهمته الخفية الحقيقية التي ذكرت، والآن خرج الإبراهيمي كالعادة بموقف تطاولي جديد ينتقد فيه استعداد سورية لتنظيم الانتخابات الرئاسية في الأشهر الثلاثة المقبلة، ويلمح بصورة أو أخرى إلى الميدان الذي يتهاوى فيه الإرهابيون حيث يتساقطون كأوراق الخريف، ثم تواكبه الخارجية الأميركية بموقف يحاكي موقفه ويتقاطع عند المواضيع ذاتها ويبدي القلق ذاته، والمثير للدهشة هنا أن أميركا تجيز لنفسها أن تناقش وتقر في الكونغرس مسألة تسليح الإرهابيين في سورية، وتنكر وتُبدي القلق من قيام مجلس الشعب السوري بمناقشة قانون الانتخاب في سورية، وينسى الإبراهيمي هذه الواقعة ولا يتخذ منها موقفاً لأنه كما ذكرنا في توصيفه أميركي الهوى والمهمة، وهنا يُثار التساؤل عن سبب هذه المواقف الآن وبهذه الطريقة الصلفة والوقحة ضد سورية؟.‏

 

بداية لابد من التذكير بأن سورية ومنذ أن وقفت على حقيقة ما تتعرض له من عدوان ومنذ أن أدركت حجم الحرب الكونية التي تُشن عليها وطبيعة أدوات العدوان وأحجامها، وضعت خطة المواجهة للسير على خطين، يساند الواحد منها الآخر دون أن يؤدي الاسناد المتبادل أو لنقل التأثير المتبادل إلى إقفال أي مسار بالمراهنة على الآخر، وطرحت سورية منذ البدء المسار السلمي للحل ودعت للحوار بين السوريين برعاية الدولة وعلى أرضها، حوار يكون من أجل تطوير الدولة ونظامها السياسي وتفعيل دورها في المنظومة الإقليمية والدولية، ومسار أمني يقضي باستعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد مهما اقتضى ذلك من تضحيات ومواجهات ميدانية ضد الجماعات الإرهابية المسلحة.‏

 

لقد استجابت سورية بكل حسن نية وصدق انفتاح لكل مبادرة ترمي لحل الأزمة وبهذا المنطق تعاونت مع الإبراهيمي، كما أنها نظمت معركتها الدفاعية بشكل مكّنها من تحقيق الإنجازات الكبرى في الميدان إلى الحد الذي جعل الغرب يوقن في داخله بأن عدوانه فشل وعلى من انخرط فيه أن يعتاد على فكرة استمرار الرئيس الأسد على رأس الدولة عملاً بقرار الشعب السوري، وأن سورية ستبقى في موقعها الاستراتيجي الذي ينسجم مع طبيعتها ومزاج شعبها.‏

 

وهنا نسأل إذا كانت الحقيقة التي تدركها أميركا باتت كما ذكرنا فلماذا الاستمرار في المكابرة واتخاذ المواقف التي تمنع بناء جسور الثقة مع سورية وتعدم فرص خروج المعتدي بشيء يحفظ ماء وجهه؟ كما هو حال المواقف الأخيرة من التحضير للانتخابات الرئاسية التي اتخذتها بشكل فظ يؤكد التدخل الوقح في الشؤون الداخلية السورية، في حين أن أميركا تمنع سفير سورية لدى الأمم المتحدة من التجوّل خارج مدينة نيويورك؟!‏

 

وبحثاً عن سبب اضافي نعطفه على طبيعة أميركا العدوانية نرى أن الهستيريا الجديدة ترتبط الآن بشكل أساسي بتسارع الأحداث على المسارين السياسي والعسكري لمصلحة سورية، حيث أدركت أميركا أن استمرار التطور بهذا الاتجاه سيؤدي في المستقبل القريب إلى تجريدها من أي ورقة يمكن أن تلعبها ضد سورية، دون أن تبقي بيدها ما يحفظ ماء وجهها ويحدد خسائرها، حيث يسجل:‏

 

1- في الميدان: يقترب الجيش العربي السوري من إنجاز تطهير القوس المحيط بالحدود اللبنانية الشمالية، والشرقية بعد أن طهّرت الزارة وسقطت قلعة الحصن عسكرياً وضمت المنطقة بعد تنظيفها أو عزلها إلى ما سبقها في حمص والقصير وقارة ودير عطية والنبك واليوم يبرود وغداً رنكوس وعسال الورد، إنجاز سيضع حداً للاسناد المتبادل الذي ينفذه الإرهابيون عبر الحدود اللبنانية، وسيحوّل القوس الذي كان بالنسبة للبنان وسورية «قوس موت وإرهاب» إلى قوس أمان واستقرار ما سيعطّل ورقة لبنان كلياً ويريح سورية كما أنه سيريح لبنان ومجتمع المقاومة.‏

 

2- في السياسة، تستمر الحكومة السورية في مسارها بما يحفظ لها حقوقها وسيادتها، حيث تقوم بالتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة وفقاً للدستور، وتستمر في عقد المصالحات الممكنة في إطار من «العدالة الانتقالية» التي يُلجأ إليها دولياً في مثل هذه الظروف، وتتمسك بجهوزيتها لاستئناف العملية السلمية التي تزعم الأمم المتحدة أنها تعمل لها بوساطة الأخضر الإبراهيمي لكن ضمن الضوابط التي وضعتها سورية.‏

وعليه يُرد الانفعال الأممي- الأميركي برأينا إلى تحسس أميركا بالخسارة الأكيدة في سورية وخشيتها من تجريدها مما تبقى بيدها من أوراق الابتزاز والتدخل، لذلك جاءت بهذه المواقف المسعورة على حد قول الخارجية السورية، لتعبّر عن هذا الشعور، مؤملة بتهويل يمنع سورية من صنع المزيد من الإنجازات على طريق إنهاء الأزمة، متناسية أن التهويل لا ينفع مع سورية وهي جرّبت ذلك أكثر من مرة وفشلت.‏

  • فريق ماسة
  • 2014-03-16
  • 12377
  • من الأرشيف

الإحساس بالفشل يُسعِّر المواقف الأميركية ضد سورية

في توقيت يكاد يكون واحداً، اتخذ الأخضر الإبراهيمي المسمى وسيطاً دولياً للبحث عن حل سلمي للأزمة في سورية، والناطقة باسم الخارجية الأميركية، اتخذا مواقف تكاد تكون متطابقة لجهة انتقاد أمور تقوم بها الدولة السورية .. وتقع في صلب اختصاصاتها وشؤونها الداخلية السيادية التي ليس لأحد أن يتدخل فيها، مواقف الطرفين جاءت أيضاً بصلف ورعونة تثير الأسئلة حول دوافعها وأسبابها الآن؟.‏ قبل الإجابة نرى أن ذكر بان الإبراهيمي لم يُعيّن مبعوثاً إلى سورية باسم الأمين العام للأمم المتحدة، بسبب فرادة مزاياه وحنكته الدبلوماسية الفذة كما يحاول البعض أن يلصق مثل هذه الصفات، وخاصة أن في العالم من هو أهم منه وأكثر نزاهة وتجرّداً وبشكل لا يقوم التفاضل بينهم ولم يُعيّن الإبراهيمي وسيطاً خلفاً لكوفي أنان الذي استقال من وظيفته لأنه لمس رفضاً مضمراً لحل سلمي يحفظ لسورية سيادتها وقرارها المستقل وحق شعبها في اختيار حكامه خلافاً لما تريده أميركا وجبهة العدوان معها.‏   إنما تم اختيار الإبراهيمي من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وأُنيطت به مهمة تستجيب لما أرادته أميركا من العدوان على سورية، مهمة تبدأ باستبدال الحكم السيادي الاستقلالي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد، بحكم الدمى التي تحرّكها أميركا ويتنازل لـ«إسرائيل» عن كل ما يطلبه الكيان المغتصب من أجل التجذّر في الشرق في سياق المشروع الصهيو أميركي المسمى الشرق الأوسط الكبير الذي يوضع فيه مال العرب وثرواتهم وإنسانهم بتصرف العقل الصهيوني كما قال يوماً شمعون بيرس.‏   وهنا لا بد من التذكير بأن المتغيّرات الدولية التي بدّلت خريطة القوى في مجلس الأمن وأفقدت أميركا سيطرتها على قرار المجلس بشــــكل أحادي‏   منفرد، لم تصل إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة التي مازال يشغل منصب الأمين العام فيها الشخص الذي تختاره أميركا ويكون تابعاً لها مُنفذاً لقراراتها وسياساتها كما لو أنه موظف في الخارجية الأميركية، وهذا هو حال الأمين العام الحالي بان كي مون الذي عيّنته أميركا في منصبه بعد أن اختارته من كوريا الجنوبية الدولة التي تدور في فلكها بتبعية تامة وتمنّ عليها بأنها تؤمّن لها الحماية والدفاع ضد كوريا الشمالية التي امتلكت القنبلة النووية وتصفها أميركا بأنها أحد أقطاب محور الشر بالنسبة لها.‏   ولأن هذا هو الواقع وحال الارتباط فقد اختار بان كي مون، الأخضر الإبراهيمي ليكون مبعوثاً له إلى سورية لتنفيذ ما تريده أميركا وأُسند إليه منصب المبعوث أو الوسيط الأممي لحل الأزمة في سورية وفقاً للعنوان الذي اعتمد له، ومن جهة أخرى وحتى تكافأ أميركا ما يسمى الجامعة العربية على ما اتخذته من مواقف مُشينة بحق سورية فقد ألصقت بالإبراهيمي مهمة إضافية تتماهى مع مهمته الأولى وتغرق فيها وهي تمثيل الجامعة أيضاً للوساطة بحثاً عن حل سلمي في سورية، حدث ذلك عبر سلوك تسللي حذر، لأن من قام بالتكليف يعلم أن سورية لن تقبل مبعوثاً لتلك الجامعة التي تحوّلت إلى جامعة نعاج تقوم مقام أداة عدوانية تستعملها أميركا في قيادتها للحرب الصهيو-أميركية عليها.‏   إذاً، كانت مهمة الإبراهيمي واضحة المعالم منذ اللحظة الأولى ولأجل ذلك اتخذت منها سورية موقفاً مرناً حذراً يعطّل الكثير من الأفخاخ التي رافقت التعيين، فهي لم ترفض استقبال الإبراهيمي حتى لا تعطي ذريعة لخبيث يقول بأن سورية ترفض المساعي السلمية التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحل الأزمة، وهي لم ترمِ أوراقها وتنبطح مذعنة لما يريده الإبراهيمي لأنها تدرك الكثير من بواطن الأمور وتعلم سياسة مَن ينفّذ الإبراهيمي «طبعاً الأميركية»، وهي لا يمكن أن تسلّم رقبتها لأحد ولا يمكن أن تتنازل عن قرارها المستقل وسيادتها لأحد، وبين هذين الحدين رسمت سورية خط مسار العلاقات مع الإبراهيمي، بشكل كانت توجه إليه ما يجب قوله عندما يتجاوز الحدود المرسومة، وبهذا يفسر سلوك الرئيس الأسد عندما حاول الإبراهيمي تسويق المطالب الأميركية بتنحي الرئيس. نذكر هذه الواقعة على سبيل المثال، ويمكن أن يضاف إليها الكثير الكثير من تصرفات الإبراهيمي السلبية والمنحازة والردود السورية عليها التي كانت تعيده إلى المنطقة بين الحدين المذكورين سواء في تصرفاته في دمشق أو مواقفه في القاهرة ونيويورك وأخيراً مناوراته في جنيف.‏   كان الإبراهيمي يسكت لفترة من الزمن بعد كل صفعة يتلقاها لايقاظه من انحرافه وإعادته إلى صلب مهمته المعلنة بعيداً عن مهمته الخفية الحقيقية التي ذكرت، والآن خرج الإبراهيمي كالعادة بموقف تطاولي جديد ينتقد فيه استعداد سورية لتنظيم الانتخابات الرئاسية في الأشهر الثلاثة المقبلة، ويلمح بصورة أو أخرى إلى الميدان الذي يتهاوى فيه الإرهابيون حيث يتساقطون كأوراق الخريف، ثم تواكبه الخارجية الأميركية بموقف يحاكي موقفه ويتقاطع عند المواضيع ذاتها ويبدي القلق ذاته، والمثير للدهشة هنا أن أميركا تجيز لنفسها أن تناقش وتقر في الكونغرس مسألة تسليح الإرهابيين في سورية، وتنكر وتُبدي القلق من قيام مجلس الشعب السوري بمناقشة قانون الانتخاب في سورية، وينسى الإبراهيمي هذه الواقعة ولا يتخذ منها موقفاً لأنه كما ذكرنا في توصيفه أميركي الهوى والمهمة، وهنا يُثار التساؤل عن سبب هذه المواقف الآن وبهذه الطريقة الصلفة والوقحة ضد سورية؟.‏   بداية لابد من التذكير بأن سورية ومنذ أن وقفت على حقيقة ما تتعرض له من عدوان ومنذ أن أدركت حجم الحرب الكونية التي تُشن عليها وطبيعة أدوات العدوان وأحجامها، وضعت خطة المواجهة للسير على خطين، يساند الواحد منها الآخر دون أن يؤدي الاسناد المتبادل أو لنقل التأثير المتبادل إلى إقفال أي مسار بالمراهنة على الآخر، وطرحت سورية منذ البدء المسار السلمي للحل ودعت للحوار بين السوريين برعاية الدولة وعلى أرضها، حوار يكون من أجل تطوير الدولة ونظامها السياسي وتفعيل دورها في المنظومة الإقليمية والدولية، ومسار أمني يقضي باستعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع البلاد مهما اقتضى ذلك من تضحيات ومواجهات ميدانية ضد الجماعات الإرهابية المسلحة.‏   لقد استجابت سورية بكل حسن نية وصدق انفتاح لكل مبادرة ترمي لحل الأزمة وبهذا المنطق تعاونت مع الإبراهيمي، كما أنها نظمت معركتها الدفاعية بشكل مكّنها من تحقيق الإنجازات الكبرى في الميدان إلى الحد الذي جعل الغرب يوقن في داخله بأن عدوانه فشل وعلى من انخرط فيه أن يعتاد على فكرة استمرار الرئيس الأسد على رأس الدولة عملاً بقرار الشعب السوري، وأن سورية ستبقى في موقعها الاستراتيجي الذي ينسجم مع طبيعتها ومزاج شعبها.‏   وهنا نسأل إذا كانت الحقيقة التي تدركها أميركا باتت كما ذكرنا فلماذا الاستمرار في المكابرة واتخاذ المواقف التي تمنع بناء جسور الثقة مع سورية وتعدم فرص خروج المعتدي بشيء يحفظ ماء وجهه؟ كما هو حال المواقف الأخيرة من التحضير للانتخابات الرئاسية التي اتخذتها بشكل فظ يؤكد التدخل الوقح في الشؤون الداخلية السورية، في حين أن أميركا تمنع سفير سورية لدى الأمم المتحدة من التجوّل خارج مدينة نيويورك؟!‏   وبحثاً عن سبب اضافي نعطفه على طبيعة أميركا العدوانية نرى أن الهستيريا الجديدة ترتبط الآن بشكل أساسي بتسارع الأحداث على المسارين السياسي والعسكري لمصلحة سورية، حيث أدركت أميركا أن استمرار التطور بهذا الاتجاه سيؤدي في المستقبل القريب إلى تجريدها من أي ورقة يمكن أن تلعبها ضد سورية، دون أن تبقي بيدها ما يحفظ ماء وجهها ويحدد خسائرها، حيث يسجل:‏   1- في الميدان: يقترب الجيش العربي السوري من إنجاز تطهير القوس المحيط بالحدود اللبنانية الشمالية، والشرقية بعد أن طهّرت الزارة وسقطت قلعة الحصن عسكرياً وضمت المنطقة بعد تنظيفها أو عزلها إلى ما سبقها في حمص والقصير وقارة ودير عطية والنبك واليوم يبرود وغداً رنكوس وعسال الورد، إنجاز سيضع حداً للاسناد المتبادل الذي ينفذه الإرهابيون عبر الحدود اللبنانية، وسيحوّل القوس الذي كان بالنسبة للبنان وسورية «قوس موت وإرهاب» إلى قوس أمان واستقرار ما سيعطّل ورقة لبنان كلياً ويريح سورية كما أنه سيريح لبنان ومجتمع المقاومة.‏   2- في السياسة، تستمر الحكومة السورية في مسارها بما يحفظ لها حقوقها وسيادتها، حيث تقوم بالتحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة وفقاً للدستور، وتستمر في عقد المصالحات الممكنة في إطار من «العدالة الانتقالية» التي يُلجأ إليها دولياً في مثل هذه الظروف، وتتمسك بجهوزيتها لاستئناف العملية السلمية التي تزعم الأمم المتحدة أنها تعمل لها بوساطة الأخضر الإبراهيمي لكن ضمن الضوابط التي وضعتها سورية.‏ وعليه يُرد الانفعال الأممي- الأميركي برأينا إلى تحسس أميركا بالخسارة الأكيدة في سورية وخشيتها من تجريدها مما تبقى بيدها من أوراق الابتزاز والتدخل، لذلك جاءت بهذه المواقف المسعورة على حد قول الخارجية السورية، لتعبّر عن هذا الشعور، مؤملة بتهويل يمنع سورية من صنع المزيد من الإنجازات على طريق إنهاء الأزمة، متناسية أن التهويل لا ينفع مع سورية وهي جرّبت ذلك أكثر من مرة وفشلت.‏

المصدر : أمين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة