مثلما كان القلق من سقوط يبرود بيد الجيش السوري بعد استرداده بلدة الجراجير، الحافز الغربي للضغط على فريق الرابع عشر من آذار للإسراع بتشكيل الحكومة،فولدت في ليلة الجراجير حكومة «المصلحة الوطنية» وزالت التحفظات التي عطّلت ولادتها، ودوّرت زوايا المداورة لضمان رضى العماد ميشال عون ومشاركته، في ليلة يبرود حسم الخلاف على البيان الوزاري، ودوّرت زوايا الاستدارة من وراء ظهر المقاومة، لتصير القضية الخطيرة لغويّاً واستراتيجياً، هي استبدال كلمة «حق اللبنانيين بالمقاومة» بـ «حق المواطنين اللبنانيين بالمقاومة»، من دون أن يرفّ لأحد جفن ويعترف بأنه يضحك على نفسه وليس على الناس، وغداً يخرج من يقول بأن البيان الحكومي كان معطلاً بانتظار هذا الاكتشاف العبقري.

 حكومة «يبرود» تستحق هذا الإسم بامتياز، فلولا الخوف من نزوح آلاف المسلَّحين من يبرود نحو لبنان والتمركز فيه على بوابات أوروبا، لما فرض على فريق الرئاسة والرابع عشر من آذار التخلّي عن شعار لا حكومة مع حزب الله بداية، ولا قبول بمطالب العماد عون تالياً، وكل مراقب لمعارك القلمون التي تشكل يبرود مركزها، كان بمستطاعه أن يرسم الخط البياني لتعقيدات تشكيل الحكومة وزوالها، ومن بعدها تعقيدات البيان الوزاري وكيفية تذليلها، بالتوازي مع الخط البياني للشعور الغربي بدنوّ ساعة سقوط يبرود بيد الجيش السوري، أو قدرة المجموعات التابعة للقاعدة على المزيد من الصمود.

على إيقاع قتال الجيش السوري وحزب الله في يبرود كانت تتحرك أطراف حكومة «المصلحة الوطنية» المطالبة بانسحاب حزب الله من سورية، فكلما بدا النصر الذي يشارك حزب الله بصناعته عبر تدخّله المرفوض ممكناً وقريباً، صارت آراؤه أكثر سداداً وقابلية، وكلما ظهر «التورط» الذي يحوّل الذهب خشباً، صار الصمت من ذهب وسقط كلام الفضة.

الوزراء المتحفظون على صوغ البيان الوزاري يعيدون الكرة لما سبق وفعلوه من قبل، فالعادة لها قوة الحضور واستسهال الارتكاب بوهم حفظ ماء الوجه، كأن الناس لن تسأل عن مبرر عدم استقالة من حلف أغلظ الأيمان أنه لن يبقى لحظة واحدة في حكومة تذكر فيها كلمة مقاومة، وها هم يبقون، والسبب هو الحرص على «المصلحة الوطنية» طبعاً، وهي مصلحة غابت يوم قالوا ما قالوه، أو هي كآلهة التمر عند أهل الجاهلية، يعبدونها ثم يجوعون فيأكلونها.

الرابح هو لبنان الذي ستكون له حكومة شرعية دستورية تغطي مرحلة ما بعد يبرود بكل مخاطرها ومسؤولياتها، وتطرح استحقاق عرسال بكل تداعياته، والرابح هو خط المقاومة الذي أثبت نضج إدارته لمعركة تشكيل الحكومة، وكذلك معركة البيان الوزاري ومعهما مواكبة معركة يبرود، الدينامو المحرّك لسائر المعارك.

الخاسرون ثلاثة، أوّلهم خطباء احتفال الرابع عشر من آذار، الذين بحّت أصواتهم وتعبت أعناقهم وهم يشدّونها ويمغّطونها ويتعمشقون لفوق، وهم يمنحون بلغة الجسد أكثر ما يمكنهم من مصداقية، لرفض كل شرعية للمقاومة وسلاحها، ومعهم كل الذين يخسرون ماء وجههم بعد شدة الصراخ باللاءات والأيمان المعظّمة، باستحالة تمرير حق المقاومة والبقاء في الحكومة، وهم يترجمون شعارهم الذهبي كل مرة «ببكي وبروح»، أما الخاسر الثاني هو الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يأمل أن يستقيل الرئيس تمام سلام أو يُستقال، فتُجرى إستشارات نيابية كان يأمل أن تخرج بتسميته بديلاً لسلام، بعدما أبلغ النائب وليد جنبلاط أنه سيسير بأي صيغة يطرحها جنبلاط لحلّ وسط حول النص المتعلق بحق المقاومة، وبات السنيورة ليلته حزيناً بولادة البيان الوزاري ليقينه أن نجاح تمام سلام بالبقاء رئيساً فعلياً لحكومة مرّة واحدة، سيعني تحوّله لخيار دائم لدى السعودية والرئيس سعد الحريري لتشكيل كل حكومة توافقية، لا يكون الحريري مقبولاً لترؤسها، أو لا يكون راغباً بتحمّل مسؤولية رئاستها، ويبقى الخاسر الثالث وهو التمديد لرئيس الجمهورية الذي كان يبشّر به من تسرّعوا بكشف تموضعهم وراءه كخيار، وخصوصاً الوزير نهاد المشنوق والوزيرة أليس شبطيني والوزير السابق فؤاد السعد، الذين التقوا على الإيحاء بأن الصعوبة التي تواجه ولادة البيان الوزاري تؤكد صعوبة التوافق على رئيس جديد للجمهورية، وأن التمديد للرئيس ميشال سليمان يصير هو الحل، و»يتمنون» عليه القبول أو يبشّرون بأنه لن يرفض «المصلحة الوطنية»، وجاء ربطهم السببي بين مصاعب ولادة البيان الوزاري والتمديد، نعياً للتمديد بمجرد ولادة البيان الوزاري.

أما داخلياً، فقد صعد الدخان الأبيض بعيد منتصف الليل بقليل بعد أن أفضت الاتصالات إلى إنهاء أزمة البيان الوزاري بعد الإتفاق على الصيغة التي كان أعدّها الرئيس نبيه بري وكان قدّمها الوزير علي حسن خليل في جلسة أول من أمس واستمرت المشاورات حولها أمس، حيث جرى إدخال «تعديل طفيف» عليها لم يغيّر من مضمونها.

لكن اللافت أنه وكما كانت أشارت «البناء» قبل أيام، فإن فريق «14 آذار» لم يعط موافقته على الصيغة المتعلقة ببند المقاومة إلا بعد مهرجان «البيال» الذي أقيم عصر أمس، ما يشير بوضوح إلى أن هذا الفريق كان يستهدف من وراء تأخير الموافقة عدم حصول انقسامات بين أطرافه خصوصاً بين تيار «المستقبل» الذي شارك في الحكومة وبين «القوات» اللبنانية التي رفضت المشاركة، وهو ما أظهر تبايناً كبيراً في المواقف بين الطرفين الحليفين.

وفي تقدير مصادر متابعة، فإن اضطرار «المستقبل» وحلفائه باستثناء جعجع إلى الموافقة على الصيغة التي كان أعدها الرئيس بري، حيث لم يغيّر التعديل الطفيف من مضمونها، سيؤدي إلى مزيد من الفتور والخلافات بين المستقبل و«القوات»، برغم محاولة الطرفين عدم إظهار خلافاتهما إلى العلن، لكن كل المتابعين باتوا على معرفة كاملة بما هو حاصل من تباينات بين أطراف «الحلف الآذاري»، خصوصاً أن ما فاقم هذه الخلافات انفتاح «المستقبل» على التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، وهو الأمر الذي يعتبره جعجع أنه موجّه ضده على عتبة الانتخابات الرئاسية.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-14
  • 7185
  • من الأرشيف

«يبرود» تنجز البيان بـ «حق المقاومة» وتفشل السنيورة والتمديد

مثلما كان القلق من سقوط يبرود بيد الجيش السوري بعد استرداده بلدة الجراجير، الحافز الغربي للضغط على فريق الرابع عشر من آذار للإسراع بتشكيل الحكومة،فولدت في ليلة الجراجير حكومة «المصلحة الوطنية» وزالت التحفظات التي عطّلت ولادتها، ودوّرت زوايا المداورة لضمان رضى العماد ميشال عون ومشاركته، في ليلة يبرود حسم الخلاف على البيان الوزاري، ودوّرت زوايا الاستدارة من وراء ظهر المقاومة، لتصير القضية الخطيرة لغويّاً واستراتيجياً، هي استبدال كلمة «حق اللبنانيين بالمقاومة» بـ «حق المواطنين اللبنانيين بالمقاومة»، من دون أن يرفّ لأحد جفن ويعترف بأنه يضحك على نفسه وليس على الناس، وغداً يخرج من يقول بأن البيان الحكومي كان معطلاً بانتظار هذا الاكتشاف العبقري.  حكومة «يبرود» تستحق هذا الإسم بامتياز، فلولا الخوف من نزوح آلاف المسلَّحين من يبرود نحو لبنان والتمركز فيه على بوابات أوروبا، لما فرض على فريق الرئاسة والرابع عشر من آذار التخلّي عن شعار لا حكومة مع حزب الله بداية، ولا قبول بمطالب العماد عون تالياً، وكل مراقب لمعارك القلمون التي تشكل يبرود مركزها، كان بمستطاعه أن يرسم الخط البياني لتعقيدات تشكيل الحكومة وزوالها، ومن بعدها تعقيدات البيان الوزاري وكيفية تذليلها، بالتوازي مع الخط البياني للشعور الغربي بدنوّ ساعة سقوط يبرود بيد الجيش السوري، أو قدرة المجموعات التابعة للقاعدة على المزيد من الصمود. على إيقاع قتال الجيش السوري وحزب الله في يبرود كانت تتحرك أطراف حكومة «المصلحة الوطنية» المطالبة بانسحاب حزب الله من سورية، فكلما بدا النصر الذي يشارك حزب الله بصناعته عبر تدخّله المرفوض ممكناً وقريباً، صارت آراؤه أكثر سداداً وقابلية، وكلما ظهر «التورط» الذي يحوّل الذهب خشباً، صار الصمت من ذهب وسقط كلام الفضة. الوزراء المتحفظون على صوغ البيان الوزاري يعيدون الكرة لما سبق وفعلوه من قبل، فالعادة لها قوة الحضور واستسهال الارتكاب بوهم حفظ ماء الوجه، كأن الناس لن تسأل عن مبرر عدم استقالة من حلف أغلظ الأيمان أنه لن يبقى لحظة واحدة في حكومة تذكر فيها كلمة مقاومة، وها هم يبقون، والسبب هو الحرص على «المصلحة الوطنية» طبعاً، وهي مصلحة غابت يوم قالوا ما قالوه، أو هي كآلهة التمر عند أهل الجاهلية، يعبدونها ثم يجوعون فيأكلونها. الرابح هو لبنان الذي ستكون له حكومة شرعية دستورية تغطي مرحلة ما بعد يبرود بكل مخاطرها ومسؤولياتها، وتطرح استحقاق عرسال بكل تداعياته، والرابح هو خط المقاومة الذي أثبت نضج إدارته لمعركة تشكيل الحكومة، وكذلك معركة البيان الوزاري ومعهما مواكبة معركة يبرود، الدينامو المحرّك لسائر المعارك. الخاسرون ثلاثة، أوّلهم خطباء احتفال الرابع عشر من آذار، الذين بحّت أصواتهم وتعبت أعناقهم وهم يشدّونها ويمغّطونها ويتعمشقون لفوق، وهم يمنحون بلغة الجسد أكثر ما يمكنهم من مصداقية، لرفض كل شرعية للمقاومة وسلاحها، ومعهم كل الذين يخسرون ماء وجههم بعد شدة الصراخ باللاءات والأيمان المعظّمة، باستحالة تمرير حق المقاومة والبقاء في الحكومة، وهم يترجمون شعارهم الذهبي كل مرة «ببكي وبروح»، أما الخاسر الثاني هو الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يأمل أن يستقيل الرئيس تمام سلام أو يُستقال، فتُجرى إستشارات نيابية كان يأمل أن تخرج بتسميته بديلاً لسلام، بعدما أبلغ النائب وليد جنبلاط أنه سيسير بأي صيغة يطرحها جنبلاط لحلّ وسط حول النص المتعلق بحق المقاومة، وبات السنيورة ليلته حزيناً بولادة البيان الوزاري ليقينه أن نجاح تمام سلام بالبقاء رئيساً فعلياً لحكومة مرّة واحدة، سيعني تحوّله لخيار دائم لدى السعودية والرئيس سعد الحريري لتشكيل كل حكومة توافقية، لا يكون الحريري مقبولاً لترؤسها، أو لا يكون راغباً بتحمّل مسؤولية رئاستها، ويبقى الخاسر الثالث وهو التمديد لرئيس الجمهورية الذي كان يبشّر به من تسرّعوا بكشف تموضعهم وراءه كخيار، وخصوصاً الوزير نهاد المشنوق والوزيرة أليس شبطيني والوزير السابق فؤاد السعد، الذين التقوا على الإيحاء بأن الصعوبة التي تواجه ولادة البيان الوزاري تؤكد صعوبة التوافق على رئيس جديد للجمهورية، وأن التمديد للرئيس ميشال سليمان يصير هو الحل، و»يتمنون» عليه القبول أو يبشّرون بأنه لن يرفض «المصلحة الوطنية»، وجاء ربطهم السببي بين مصاعب ولادة البيان الوزاري والتمديد، نعياً للتمديد بمجرد ولادة البيان الوزاري. أما داخلياً، فقد صعد الدخان الأبيض بعيد منتصف الليل بقليل بعد أن أفضت الاتصالات إلى إنهاء أزمة البيان الوزاري بعد الإتفاق على الصيغة التي كان أعدّها الرئيس نبيه بري وكان قدّمها الوزير علي حسن خليل في جلسة أول من أمس واستمرت المشاورات حولها أمس، حيث جرى إدخال «تعديل طفيف» عليها لم يغيّر من مضمونها. لكن اللافت أنه وكما كانت أشارت «البناء» قبل أيام، فإن فريق «14 آذار» لم يعط موافقته على الصيغة المتعلقة ببند المقاومة إلا بعد مهرجان «البيال» الذي أقيم عصر أمس، ما يشير بوضوح إلى أن هذا الفريق كان يستهدف من وراء تأخير الموافقة عدم حصول انقسامات بين أطرافه خصوصاً بين تيار «المستقبل» الذي شارك في الحكومة وبين «القوات» اللبنانية التي رفضت المشاركة، وهو ما أظهر تبايناً كبيراً في المواقف بين الطرفين الحليفين. وفي تقدير مصادر متابعة، فإن اضطرار «المستقبل» وحلفائه باستثناء جعجع إلى الموافقة على الصيغة التي كان أعدها الرئيس بري، حيث لم يغيّر التعديل الطفيف من مضمونها، سيؤدي إلى مزيد من الفتور والخلافات بين المستقبل و«القوات»، برغم محاولة الطرفين عدم إظهار خلافاتهما إلى العلن، لكن كل المتابعين باتوا على معرفة كاملة بما هو حاصل من تباينات بين أطراف «الحلف الآذاري»، خصوصاً أن ما فاقم هذه الخلافات انفتاح «المستقبل» على التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، وهو الأمر الذي يعتبره جعجع أنه موجّه ضده على عتبة الانتخابات الرئاسية.

المصدر : الماسة السورية/ البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة