في ظل التصعيد الذي يظلل المشهد الأوكراني، ثمة أسئلة روسية كثيرة تطرح، لعل أبرزها: لماذا تنتصر روسيا في سورية؟ وكيف كادت تهزم في أوكرانيا؟

في الوقائع، فإن الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر نفسها قائدة النظام العالمي الذي تولد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو السابقيْن منذ العام 1990، ورغم جموحها العدواني الذي عاد بشكل أو آخر إلى طريقة الاستعمار القديمة؛ بالاحتلال العسكري المباشر، وتشكيل الدمى الحاكمة في البلدان التي سيطرت عليها بأعتى القوى العسكرية وبقوة نارية غير مسبوقة في التاريخ، كما كان في أفغانستان والعراق والاتحاد اليوغسلافي السابق، تلقت وما تزال ضربات متلاحقة، أدى إلى اهتزاز هيبتها المعنوية والسياسية، فلجأت إلى حروب بديلة، اختبرت بدورها في زمن الحرب الباردة، وهي ما أطلق عليها الحرب الناعمة، بالاعتماد على احتياطاتها من المرتزقة والإرهابيين الذين وفّرت لهم منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي كل أسباب القيامة والدعم المباشر، عبر تدريبهم في قواعد الاستخبارات الأميركية "C.I.A"، وفي القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، وتوفير كل مستلزمات التسليح النوعي، الذي كانت توفره المملكة العربية السعودية عبر تجنيد العناصر، وتغذيتها بالأفكار التحريفية التي لا تمت إلى الإسلام الحنيف بصلة، وتقديم الأموال الهائلة التي يسيل لها لعاب النفوس المريضة.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد حققت نجاحات في البداية، إلا أنها اصطدمت بالجدار السميك في سورية، فكان اهتزازها المعنوي والسياسي.. وحتى العسكري، وتبين لها أن في سورية قيادة مختلفة عن الدول التي لعبت معها في السابق.

أمام الصمود السوري المذهل، وفي ظل الثبات النوعي لحلفاء دمشق من قوى المقاومة والممانعة، كان حلفاء سورية في المدى الأبعد، خصوصاً في مجموعة "البريكس" و"شنغهاي"، يبنون استراتيجية مواجهة الهيمنة الأميركية والإمبريالية انطلاقاً من محور العالم أوراسيا، وهنا كان على واشنطن اللجوء إلى ما يمكن تسميته بالهجوم المعاكس، في محاولة لاستعادة الهيبة التي بدأت تترنح سواء في العراق أو أفغانستان.. وحتى في الصومال واليمن، في وقت بدأت الشعوب، خصوصاً العربية، تعي أبعاد المؤامرة والاستهداف الإمبريالي – الرجعي – التكفيري – الصهيوني، وبهذا قد يكون ضرورياً متابعة التطورات الجارية في مصر أو اليمن، وحتى في ليبيا وتونس، وأكثر من مكان في العالم العربي.

وعليه، فإن الحرب على سورية والأحداث الآن في أوكرانيا، وقبلها في جورجيا، وما يجري في فنزويلا، وتهديدات اثيوبيا وسد النهضة للتأثير على مصر، وفي أكثر من منطقة من العالم، بما فيها الصين والهند، حيث يجري تحريك مجموعات الدلاي لاما ومجموعات "إسلامية" تكفيرية، التي تحاول فيها واشنطن اشعال الحروب بالواسطة أو ما يطلق عليه حديثاً "الحرب الناعمة"، كل ذلك هو في حقيقته عودة إلى نوع من "الحرب الباردة".

وهنا يسأل المحلل الروسي تيودور لوكيانوف: لماذا غزا الأميركيون في السابق فيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق، وهلم جرا، وهي دول بعيدة عن الولايات المتحدة، بذريعة الدفاع عن المصالح الأميركية الاستراتيجية؟ وبالتالي يُطرح السؤال هنا: كيف لا يحق لموسكو أن تفعل الشيء نفسه مع بلاد تعتبر التوأم للاتحاد الروسي، كحال أوكرانيا؟ مؤكداً أن لدى روسيا واستخباراتها الكثير من الوثائق التي تشير إلى أن إضرام النار في كييف هدفه إيصال ألسنة اللهب إلى موسكو.

من هنا قد نفهم لماذا عملت جماعة واشنطن على تخريب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 21 شباط الماضي بين الرئيس الأوكراني والمعارضات، في بلد يتميز بتركيبة طائفية وأثنية معقدة، بالإضافة إلى دور تل أبيب ومحاولة الصهاينة الاستثمار عليها كما هي عادتهم، لمزيد من الحروب في كل الأمكنة، حيث تشير الوقائع إلى أن هناك أكثر من نصف مليون يهودي أوكراني في "إسرائيل"، وهنا يصبح السؤال ضرورياً حول معنى وجود الصهيوني برنار هنري ليفي وسط المتظاهرين في كييف ودور رجال أعمال يهود في التمرد الأوكراني.

هل من رابط بين التصعيد الأميركي – الصهيوني في أوكرانيا والتصعيد "الإسرائيلي" في سورية، حيث شهدنا في أسبوع واحد احتضان بنيامين نتنياهو لجرحى المسلحين السوريين في مستشفيات العدو "الإسرائيلي"، والغارة على موقع لحزب الله على الحدود السورية - اللبنانية.

تشير المعطيات إلى أن التصعيد "الإسرائيلي" في سورية ولبنان تم بضوء أخضر أميركي وأوروبي، لكن رد حزب الله ببيان واضح حول رده المحتمل في المكان والزمان اللذين تختارهما المقاومة، ثم الضربة الهائلة للعصابات المسلحة في كمين العتيبة، والصواريخ التي أصابت مواقع عسكرية "إسرائيلية" هامة في الجليل، لجمت التصعيد الصهيوني.

أما في أوكرانيا، فكان الرد الروسي في البداية من شبه جزيرة القرم، وفي الجارور الروسي ثمة أوراق كثيرة لخطط المواجهة..

لماذا كل هذا التصعيد؟

ثمة حقيقة تتضح تماماً، وهي أن سورية ماضية في قرارها الكبير بأن التوازن الإقليمي تحققه المقاومة وصمود دمشق وانتصارها في مواجهة المشروع الأميركي.

وثمة من بدأ في الغرب الأوروبي يكتشف أن المشروع الأميركي - الصهيوني لتقسيم أوكرانيا المعقدة بتركيبتها الطائفية الأثنية (كاثوليك – أرثوذكس)، ستتدحرج ككرة الثلج من أوروبا الشرقية إلى الغربية؛ كاثوليك – أرثوذكس، كاثوليك – بروتستانت، أي إن التقسيم سيطيح بكل أوروبا، ما يعني أننا في الشهرين المقبلين سنكون أمام اختبارات قوة قد تُفتح فيها كل الجروح، وبالتالي قد يكون الحل قريباً.

تابعوا تطورات يبرود، حيث توجَّه الضربة الكبرى للمشروع الشيطاني بتحويل القلمون إلى "تورا بورا الشرق الأوسط".

  • فريق ماسة
  • 2014-03-05
  • 11141
  • من الأرشيف

روسيا تنتصر في سورية.. وكادت تُهزم في أوكرانيا

في ظل التصعيد الذي يظلل المشهد الأوكراني، ثمة أسئلة روسية كثيرة تطرح، لعل أبرزها: لماذا تنتصر روسيا في سورية؟ وكيف كادت تهزم في أوكرانيا؟ في الوقائع، فإن الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر نفسها قائدة النظام العالمي الذي تولد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو السابقيْن منذ العام 1990، ورغم جموحها العدواني الذي عاد بشكل أو آخر إلى طريقة الاستعمار القديمة؛ بالاحتلال العسكري المباشر، وتشكيل الدمى الحاكمة في البلدان التي سيطرت عليها بأعتى القوى العسكرية وبقوة نارية غير مسبوقة في التاريخ، كما كان في أفغانستان والعراق والاتحاد اليوغسلافي السابق، تلقت وما تزال ضربات متلاحقة، أدى إلى اهتزاز هيبتها المعنوية والسياسية، فلجأت إلى حروب بديلة، اختبرت بدورها في زمن الحرب الباردة، وهي ما أطلق عليها الحرب الناعمة، بالاعتماد على احتياطاتها من المرتزقة والإرهابيين الذين وفّرت لهم منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي كل أسباب القيامة والدعم المباشر، عبر تدريبهم في قواعد الاستخبارات الأميركية "C.I.A"، وفي القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، وتوفير كل مستلزمات التسليح النوعي، الذي كانت توفره المملكة العربية السعودية عبر تجنيد العناصر، وتغذيتها بالأفكار التحريفية التي لا تمت إلى الإسلام الحنيف بصلة، وتقديم الأموال الهائلة التي يسيل لها لعاب النفوس المريضة. وإذا كانت الولايات المتحدة قد حققت نجاحات في البداية، إلا أنها اصطدمت بالجدار السميك في سورية، فكان اهتزازها المعنوي والسياسي.. وحتى العسكري، وتبين لها أن في سورية قيادة مختلفة عن الدول التي لعبت معها في السابق. أمام الصمود السوري المذهل، وفي ظل الثبات النوعي لحلفاء دمشق من قوى المقاومة والممانعة، كان حلفاء سورية في المدى الأبعد، خصوصاً في مجموعة "البريكس" و"شنغهاي"، يبنون استراتيجية مواجهة الهيمنة الأميركية والإمبريالية انطلاقاً من محور العالم أوراسيا، وهنا كان على واشنطن اللجوء إلى ما يمكن تسميته بالهجوم المعاكس، في محاولة لاستعادة الهيبة التي بدأت تترنح سواء في العراق أو أفغانستان.. وحتى في الصومال واليمن، في وقت بدأت الشعوب، خصوصاً العربية، تعي أبعاد المؤامرة والاستهداف الإمبريالي – الرجعي – التكفيري – الصهيوني، وبهذا قد يكون ضرورياً متابعة التطورات الجارية في مصر أو اليمن، وحتى في ليبيا وتونس، وأكثر من مكان في العالم العربي. وعليه، فإن الحرب على سورية والأحداث الآن في أوكرانيا، وقبلها في جورجيا، وما يجري في فنزويلا، وتهديدات اثيوبيا وسد النهضة للتأثير على مصر، وفي أكثر من منطقة من العالم، بما فيها الصين والهند، حيث يجري تحريك مجموعات الدلاي لاما ومجموعات "إسلامية" تكفيرية، التي تحاول فيها واشنطن اشعال الحروب بالواسطة أو ما يطلق عليه حديثاً "الحرب الناعمة"، كل ذلك هو في حقيقته عودة إلى نوع من "الحرب الباردة". وهنا يسأل المحلل الروسي تيودور لوكيانوف: لماذا غزا الأميركيون في السابق فيتنام وكوريا وأفغانستان والعراق، وهلم جرا، وهي دول بعيدة عن الولايات المتحدة، بذريعة الدفاع عن المصالح الأميركية الاستراتيجية؟ وبالتالي يُطرح السؤال هنا: كيف لا يحق لموسكو أن تفعل الشيء نفسه مع بلاد تعتبر التوأم للاتحاد الروسي، كحال أوكرانيا؟ مؤكداً أن لدى روسيا واستخباراتها الكثير من الوثائق التي تشير إلى أن إضرام النار في كييف هدفه إيصال ألسنة اللهب إلى موسكو. من هنا قد نفهم لماذا عملت جماعة واشنطن على تخريب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 21 شباط الماضي بين الرئيس الأوكراني والمعارضات، في بلد يتميز بتركيبة طائفية وأثنية معقدة، بالإضافة إلى دور تل أبيب ومحاولة الصهاينة الاستثمار عليها كما هي عادتهم، لمزيد من الحروب في كل الأمكنة، حيث تشير الوقائع إلى أن هناك أكثر من نصف مليون يهودي أوكراني في "إسرائيل"، وهنا يصبح السؤال ضرورياً حول معنى وجود الصهيوني برنار هنري ليفي وسط المتظاهرين في كييف ودور رجال أعمال يهود في التمرد الأوكراني. هل من رابط بين التصعيد الأميركي – الصهيوني في أوكرانيا والتصعيد "الإسرائيلي" في سورية، حيث شهدنا في أسبوع واحد احتضان بنيامين نتنياهو لجرحى المسلحين السوريين في مستشفيات العدو "الإسرائيلي"، والغارة على موقع لحزب الله على الحدود السورية - اللبنانية. تشير المعطيات إلى أن التصعيد "الإسرائيلي" في سورية ولبنان تم بضوء أخضر أميركي وأوروبي، لكن رد حزب الله ببيان واضح حول رده المحتمل في المكان والزمان اللذين تختارهما المقاومة، ثم الضربة الهائلة للعصابات المسلحة في كمين العتيبة، والصواريخ التي أصابت مواقع عسكرية "إسرائيلية" هامة في الجليل، لجمت التصعيد الصهيوني. أما في أوكرانيا، فكان الرد الروسي في البداية من شبه جزيرة القرم، وفي الجارور الروسي ثمة أوراق كثيرة لخطط المواجهة.. لماذا كل هذا التصعيد؟ ثمة حقيقة تتضح تماماً، وهي أن سورية ماضية في قرارها الكبير بأن التوازن الإقليمي تحققه المقاومة وصمود دمشق وانتصارها في مواجهة المشروع الأميركي. وثمة من بدأ في الغرب الأوروبي يكتشف أن المشروع الأميركي - الصهيوني لتقسيم أوكرانيا المعقدة بتركيبتها الطائفية الأثنية (كاثوليك – أرثوذكس)، ستتدحرج ككرة الثلج من أوروبا الشرقية إلى الغربية؛ كاثوليك – أرثوذكس، كاثوليك – بروتستانت، أي إن التقسيم سيطيح بكل أوروبا، ما يعني أننا في الشهرين المقبلين سنكون أمام اختبارات قوة قد تُفتح فيها كل الجروح، وبالتالي قد يكون الحل قريباً. تابعوا تطورات يبرود، حيث توجَّه الضربة الكبرى للمشروع الشيطاني بتحويل القلمون إلى "تورا بورا الشرق الأوسط".

المصدر : أحمد زين الدين - الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة