نسائم دمشق تداعب القلب؛ المدينة المكتظة بالحياة والناس تمنحك الشعور بالأمان، فتستيقظ في ذاكرتك مشاهد من الأيام الشامية الرائقة لما قبل الحرب.

ليست موجودة هنا إلا كظلال حزينة توشح صخرة الصمود. قرب قصر المهاجرين، يزدحم السير، وتغيب التأملات في المأساة؛ لا شيء مثيراً. يوم اعتيادي كأنه في مطلع آذار 2011، لكن، بعد دقائق، هناك موعد مع الرئيس. ومن مدخل شارع القصر تبدأ الألفة في الحضور، وتكتمل في صالون الاستقبال البسيط، حيث يستقبلك... بشار الأسد، بابتسامة محبة، تخترق البروتوكول والرسميات وأثقال السلطة، لتنشر في الجو عبق القرب والصداقة

الرئيس مرتاح تماماً؛ يصلك فوراً إحساسه العميق بتجاوز الأيام الصعبة التي عاشتها الدولة السورية على مدار السنوات الثلاث الماضية. منذ بضعة شهور، كان بشار الأسد يعطي لزواره الشعور بأنهم في حضرة مقاتل. اليوم تشعر بأنه ذلك المقاتل الراجع منتصراً من الميدان.

بكلمتين يلخّص الرئيس الموقف: «الوضع تحت السيطرة»! فأين ما كان يشفي غليل الصحافي من التفاصيل الميدانية؟ أيكون أن ما بقي من الحرب ليس سوى التفاصيل: في القلمون نعطي الفرصة لاستسلام المسلحين في يبرود. لكن الأمر انتهى. وفي الشمال، يسير العمل العسكري حسب الخطة.

تسأل: الأخطر الآن في الجنوب؟

في جنوبي سوريا، يقول الرئيس، يواصل جيشنا عملياته، ويكثفها منذ شهر. لا يوجد خطر ولا حتى معركة كبرى. هناك تهويل إعلامي حول خطط الغزو من الأراضي الأردنية. ولعل التهويل مقصود كجزء من الحرب النفسية، كمحاولة لشدّ عصب المجموعات المسلحة المنهارة، أو حتى كمسعى لعرقلة المصالحات الميدانية الجارية. إنهم يعرفون جيداً أن الطريق إلى دمشق مغلقة كلياً، ولم يعد هناك عاقل يفكر في الضغط على العاصمة أو ريفها. أصبح ذلك من الماضي، لكنهم يسعون إلى تلافي انهيار شامل سريع. أما الخطورة، فهي في مكان آخر؛ وهي تكمن في الخطة الإسرائيلية لإقامة شريط مجاور للجولان المحتل، يقع تحت سيطرة الإرهابيين. شيء شبيه بما أقامه الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان: كيان عميل.

يتدفق المسلحون بأعداد غير مسبوقة من الأراضي الأردنية إلى الحمّة، ومنها يتولى جيش الاحتلال الإشراف على تصنيفهم وتدريبهم وترتيب انتقالهم تحت حمايته إلى المنطقة المنزوعة السلاح، وفقاً لاتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل. وهي منطقة لا توجد فيها قوات سورية، ولا إسرائيلية، لكنّ الإرهابيين الذين يحشدهم الاحتلال في هذه المنطقة يمثلون امتداداً له. وهو ما يشكل، بالتالي، توسيعاً للمنطقة المحتلة.

يستنتج الأسد أن إسرائيل تسعى لكي تفرض حقائق جديدة في الجولان تخلّ بتوازن القوى وقواعد الاشتباك واتفاقية فصل القوات. وهي تريد، بذلك، أن تضعنا أمام خيار عسكري يسمح لها بالتحول إلى طرف سياسي في الأزمة السورية.

لن ننسى أن المنطقة العازلة المعنية هي، بالأساس، المنطقة المتاحة للمقاومة الشعبية التي كانت دمشق قد رخصت لها في صيف 2013؛ الكيان المسلح العميل سيواجه احتمالات المقاومة.

بالنسبة إلى الرئيس الأسد، لا شيء جديداً في التعاون المتعدد الأشكال بين الجماعات المسلحة وإسرائيل. ليس فقط في أهداف الحرب الكبرى، بل في العمليات أيضاً؛ فالقتال ضد قطاعات الجيش العربي السوري المعدّة لمواجهة الإسرائيليين، والاعتداءات على مواقع الدفاع الجوي، حدثت، بنحو قطعي، من خلال تعليمات إسرائيلية. وقد جاء الوقت ليظهر هذا التعاون على الملأ في مشروع عسكري وسياسي في الجولان. وهو مشروع ستفشله سوريا، ولن يحصد منه الحلف المعادي لسوريا سوى افتضاح تحالفه مع تل أبيب في مواجهة دمشق. الغضب المستجدّ الذي نلمسه في الإعلام السوري على مواقف النظام الأردني يغدو لدى الرئيس عتباً على الشقيق التوأم، وسؤالاً عن مصلحة الأردن، البلد والدولة والنظام، في السير في مخططات أميركية ـــ إسرائيلية ـــ سعودية معادية ليس فقط للدولة، بل للوطن السوري.

الأسد الذي يكنّ تقديراً خاصاً للشعب الأردني وحركته الوطنية، ووقفتها إلى جانب سوريا خلال سنوات الحرب المستمرة، ينظر إلى التطورات الأخيرة على الحدود الأردنية ـــ السورية من زاوية النظر الأردنية؛ فهو يخشى على الأردن من التوسع الإرهابي من جنوبي سوريا باتجاه الأردن، ويخشى على الأردن من احتمالات فوضى وجموح إسرائيلي يسمحان بتمرير مشروع الوطن البديل.

هكذا، حين تلمس الحس المرهف بالمسؤولية القومية لدى الرئيس، تدرك لماذا هي دمشق قلب العروبة النابض، ولماذا هي مركز قومي. يلاحظ الأسد التطورات التي دفعت بالحلف المعادي إلى العمل على توريط الأردن؛ فعلى الجبهة الشمالية تراجع التدخل التركي تحت نوعين متضافرين من الضغوط: ضغوط الفشل الداخلي لرأسمالية مموّلة من الخارج إنجازاتها، في النهاية، ليست أكثر من بالون، وضغوط فشل خارجي يتمثل في سقوط المشروع التركي في سوريا. وعلى جبهة العراق، حققت المعركة التي يشنّها الجيش العراقي ضد المجموعات الإرهابية نجاحات جدية أضعفت قدرة هذه الجماعات على استخدام الممر العراقي نحو سوريا، وعلى جبهة لبنان، يكاد التهديد الآتي من هذا البلد يتلاشى؛ فلم يعد هناك في أيدي واشنطن والرياض سوى الحدود الأردنية. ولذلك، يظهر هذا الاهتمام المركز على توريط الأردن. ويؤكد الأسد، مرة أخرى، أن الوضع تحت السيطرة، ولا تمثّل الجبهة الأردنية، بالنسبة إلينا، تهديداً، لكن خشيتنا هي على نتائج هذه الورطة بالنسبة إلى البلد الشقيق.

هنا، آن الأوان ليخرج سؤال فلسطيني ـــ أردني من الظل، ويُوضَع على مائدة الرئيس: تزامُن التحضيرات لمؤتمر جنيف 2 وانعقاده مع الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الهادفة إلى تسويق مشروع مضمونه الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وإنشاء كيان فلسطيني مقطع الأوصال، بلا سيادة، وبلا قدرة جغرافية أو اقتصادية على استيعاب سكانها، عدا عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم، وهو ما يعني بالنسبة إلى الأردن تحوله وطناً بديلاً؟

حسم الرئيس الأسد الموقف السوري بوضوح: سوريا، رغم كل ما تعانيه، ستقف إلى جانب الشعبين الفلسطيني والأردني في مجابهة مشروع كيري، وهي ترفض قيام أي كيان فلسطيني خارج فلسطين، وتقف مع الشعب الأردني وحركته الوطنية لمنع الوطن البديل من التحقق، ومن أجل الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية والدولة الأردنية، وتعتبر الحفاظ عليهما جزءاً من أمنها القومي.

هل يعني ذلك أن «روح» جنيف 2 قد انتهت؟

جنيف 2، بالنسبة إلى دمشق، هو مشهد تفاوضي مع الغرب، لا مع أدواته التي جرى تقديمها لتمثيل «المعارضة». فشل جنيف 2 بالطبع. ربما أصبح من الماضي، لكن العملية الأساسية المعتمدة على ركيزتي الحسم والمصالحات الميدانية والتفاهمات الداخلية مستمرة. وهذه العملية الوطنية، تحقق، كما يرى الرئيس الأسد، نجاحات متعاظمة، يوماً بعد يوم، بحيث يمكننا القول «إن الحواضن الاجتماعية للمسلحين والإرهابيين، تتفكك»، بينما يعيد المجتمع السوري اكتشاف ذاته، وسبل التوصل إلى التوافق على إعادة البناء السياسي والثقافي والعمراني والاقتصادي. تفاؤل الرئيس وثقته يعكسان إنجازات ميدانية في مجالي ضرب الارهاب والمصالحة الداخلية، لكن من غير الممكن فصلهما عن التطورات الحاصلة في أوكرانيا. فاتجاه الرئيس الروسي إلى مجابهة حاسمة مع الغرب في ذلك البلد، خلّف وراءه عملية جنيف 2 كمنهج. لا يتحدث الروس الآن عن حل سياسي مع «المعارضة» المدعومة من الغرب في سوريا، في ما كان جزءاً من إطار تفاهمات دولية، بل عن نضال الجيش العربي السوري ضد الارهاب.

موسكو حليف موثوق تماماً، كما يقول الرئيس. وكل ما قيل أو يقال عن تردّد روسي إزاء التحالف مع دمشق لا أساس له. «لقد التزمت روسيا حرفياً بكل اتفاقاتها معنا، وإلا كيف حاربنا ثلاث سنوات؟ وكيف حافظنا على جاهزيتنا للمواجهة مع أخطار التدخل العسكري الخارجي واحتمالات العدوان الصهيوني؟».

مرشح وبرنامج

 

المواطن بشار حافظ الأسد سيترشح للرئاسة. حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي سيرشح الأسد للمنصب، لكنه سيخوض الانتخابات من موقع سياسي لا من موقع سلطوي، وعلى أساس برنامج رئاسي غير حزبي يتضمّن رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار التيارات والحساسيات الوطنية المختلفة المشارب التي وقفت في خندق الجمهورية ضد التدخل الخارجي والإرهاب.

وإلى الثوابت القديمة والرؤية الجديدة، يسعى الأسد إلى برنامج يلامس قضايا الناس اليومية، إعادة البناء، والنهج الاقتصادي الاجتماعي. وكذلك، سيتضمن البرنامج محاولة للإجابة عن سؤال رئيس: كيف يمكن ألا تتكرر المأساة الحالية في سوريا مستقبلاً؟

نقد ذاتي

يقول الأسد: توسعنا في الانفتاح الاقتصادي أكثر ممّا يجب، حتى الذين يؤيدون الانفتاح في الدولة السورية يعترفون بذلك. المهم الآن ألا ننغلق، لكن ضمن الضوابط الوطنية والاجتماعية؛ فشبكة أمان الاستثمار الخاص أن يكون وطنياً، وأن يركّز على المؤسسات المتوسطة والصغيرة. القطاع العام كان وسيظل محورياً في الاقتصاد السوري؛ نحن لم نخصخص شيئاً من قطاعنا العام لحسن الحظ، فاحتفظنا بقدرتنا على الصمود الاقتصادي. لولا القطاع العام ما كنا صمدنا

مع الملك عبدالله الثاني

يتذكر الرئيس أنه ناقش مخاطر الوطن البديل مع الملك عبدالله الثاني في وقت مبكر، حين التقى الملك في حياة والده الراحل حافظ الأسد، في عام 1999؛ «كان ذلك يشغلنا منذ ذلك الحين. اليوم ربما جاء وقت التنفيذ».

  • فريق ماسة
  • 2014-03-05
  • 14999
  • من الأرشيف

الرئيس الأسد: حرب الجنوب لإنشاء جيب عميل فــي الجولان

نسائم دمشق تداعب القلب؛ المدينة المكتظة بالحياة والناس تمنحك الشعور بالأمان، فتستيقظ في ذاكرتك مشاهد من الأيام الشامية الرائقة لما قبل الحرب. ليست موجودة هنا إلا كظلال حزينة توشح صخرة الصمود. قرب قصر المهاجرين، يزدحم السير، وتغيب التأملات في المأساة؛ لا شيء مثيراً. يوم اعتيادي كأنه في مطلع آذار 2011، لكن، بعد دقائق، هناك موعد مع الرئيس. ومن مدخل شارع القصر تبدأ الألفة في الحضور، وتكتمل في صالون الاستقبال البسيط، حيث يستقبلك... بشار الأسد، بابتسامة محبة، تخترق البروتوكول والرسميات وأثقال السلطة، لتنشر في الجو عبق القرب والصداقة الرئيس مرتاح تماماً؛ يصلك فوراً إحساسه العميق بتجاوز الأيام الصعبة التي عاشتها الدولة السورية على مدار السنوات الثلاث الماضية. منذ بضعة شهور، كان بشار الأسد يعطي لزواره الشعور بأنهم في حضرة مقاتل. اليوم تشعر بأنه ذلك المقاتل الراجع منتصراً من الميدان. بكلمتين يلخّص الرئيس الموقف: «الوضع تحت السيطرة»! فأين ما كان يشفي غليل الصحافي من التفاصيل الميدانية؟ أيكون أن ما بقي من الحرب ليس سوى التفاصيل: في القلمون نعطي الفرصة لاستسلام المسلحين في يبرود. لكن الأمر انتهى. وفي الشمال، يسير العمل العسكري حسب الخطة. تسأل: الأخطر الآن في الجنوب؟ في جنوبي سوريا، يقول الرئيس، يواصل جيشنا عملياته، ويكثفها منذ شهر. لا يوجد خطر ولا حتى معركة كبرى. هناك تهويل إعلامي حول خطط الغزو من الأراضي الأردنية. ولعل التهويل مقصود كجزء من الحرب النفسية، كمحاولة لشدّ عصب المجموعات المسلحة المنهارة، أو حتى كمسعى لعرقلة المصالحات الميدانية الجارية. إنهم يعرفون جيداً أن الطريق إلى دمشق مغلقة كلياً، ولم يعد هناك عاقل يفكر في الضغط على العاصمة أو ريفها. أصبح ذلك من الماضي، لكنهم يسعون إلى تلافي انهيار شامل سريع. أما الخطورة، فهي في مكان آخر؛ وهي تكمن في الخطة الإسرائيلية لإقامة شريط مجاور للجولان المحتل، يقع تحت سيطرة الإرهابيين. شيء شبيه بما أقامه الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان: كيان عميل. يتدفق المسلحون بأعداد غير مسبوقة من الأراضي الأردنية إلى الحمّة، ومنها يتولى جيش الاحتلال الإشراف على تصنيفهم وتدريبهم وترتيب انتقالهم تحت حمايته إلى المنطقة المنزوعة السلاح، وفقاً لاتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل. وهي منطقة لا توجد فيها قوات سورية، ولا إسرائيلية، لكنّ الإرهابيين الذين يحشدهم الاحتلال في هذه المنطقة يمثلون امتداداً له. وهو ما يشكل، بالتالي، توسيعاً للمنطقة المحتلة. يستنتج الأسد أن إسرائيل تسعى لكي تفرض حقائق جديدة في الجولان تخلّ بتوازن القوى وقواعد الاشتباك واتفاقية فصل القوات. وهي تريد، بذلك، أن تضعنا أمام خيار عسكري يسمح لها بالتحول إلى طرف سياسي في الأزمة السورية. لن ننسى أن المنطقة العازلة المعنية هي، بالأساس، المنطقة المتاحة للمقاومة الشعبية التي كانت دمشق قد رخصت لها في صيف 2013؛ الكيان المسلح العميل سيواجه احتمالات المقاومة. بالنسبة إلى الرئيس الأسد، لا شيء جديداً في التعاون المتعدد الأشكال بين الجماعات المسلحة وإسرائيل. ليس فقط في أهداف الحرب الكبرى، بل في العمليات أيضاً؛ فالقتال ضد قطاعات الجيش العربي السوري المعدّة لمواجهة الإسرائيليين، والاعتداءات على مواقع الدفاع الجوي، حدثت، بنحو قطعي، من خلال تعليمات إسرائيلية. وقد جاء الوقت ليظهر هذا التعاون على الملأ في مشروع عسكري وسياسي في الجولان. وهو مشروع ستفشله سوريا، ولن يحصد منه الحلف المعادي لسوريا سوى افتضاح تحالفه مع تل أبيب في مواجهة دمشق. الغضب المستجدّ الذي نلمسه في الإعلام السوري على مواقف النظام الأردني يغدو لدى الرئيس عتباً على الشقيق التوأم، وسؤالاً عن مصلحة الأردن، البلد والدولة والنظام، في السير في مخططات أميركية ـــ إسرائيلية ـــ سعودية معادية ليس فقط للدولة، بل للوطن السوري. الأسد الذي يكنّ تقديراً خاصاً للشعب الأردني وحركته الوطنية، ووقفتها إلى جانب سوريا خلال سنوات الحرب المستمرة، ينظر إلى التطورات الأخيرة على الحدود الأردنية ـــ السورية من زاوية النظر الأردنية؛ فهو يخشى على الأردن من التوسع الإرهابي من جنوبي سوريا باتجاه الأردن، ويخشى على الأردن من احتمالات فوضى وجموح إسرائيلي يسمحان بتمرير مشروع الوطن البديل. هكذا، حين تلمس الحس المرهف بالمسؤولية القومية لدى الرئيس، تدرك لماذا هي دمشق قلب العروبة النابض، ولماذا هي مركز قومي. يلاحظ الأسد التطورات التي دفعت بالحلف المعادي إلى العمل على توريط الأردن؛ فعلى الجبهة الشمالية تراجع التدخل التركي تحت نوعين متضافرين من الضغوط: ضغوط الفشل الداخلي لرأسمالية مموّلة من الخارج إنجازاتها، في النهاية، ليست أكثر من بالون، وضغوط فشل خارجي يتمثل في سقوط المشروع التركي في سوريا. وعلى جبهة العراق، حققت المعركة التي يشنّها الجيش العراقي ضد المجموعات الإرهابية نجاحات جدية أضعفت قدرة هذه الجماعات على استخدام الممر العراقي نحو سوريا، وعلى جبهة لبنان، يكاد التهديد الآتي من هذا البلد يتلاشى؛ فلم يعد هناك في أيدي واشنطن والرياض سوى الحدود الأردنية. ولذلك، يظهر هذا الاهتمام المركز على توريط الأردن. ويؤكد الأسد، مرة أخرى، أن الوضع تحت السيطرة، ولا تمثّل الجبهة الأردنية، بالنسبة إلينا، تهديداً، لكن خشيتنا هي على نتائج هذه الورطة بالنسبة إلى البلد الشقيق. هنا، آن الأوان ليخرج سؤال فلسطيني ـــ أردني من الظل، ويُوضَع على مائدة الرئيس: تزامُن التحضيرات لمؤتمر جنيف 2 وانعقاده مع الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الهادفة إلى تسويق مشروع مضمونه الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وإنشاء كيان فلسطيني مقطع الأوصال، بلا سيادة، وبلا قدرة جغرافية أو اقتصادية على استيعاب سكانها، عدا عن توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم، وهو ما يعني بالنسبة إلى الأردن تحوله وطناً بديلاً؟ حسم الرئيس الأسد الموقف السوري بوضوح: سوريا، رغم كل ما تعانيه، ستقف إلى جانب الشعبين الفلسطيني والأردني في مجابهة مشروع كيري، وهي ترفض قيام أي كيان فلسطيني خارج فلسطين، وتقف مع الشعب الأردني وحركته الوطنية لمنع الوطن البديل من التحقق، ومن أجل الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية والدولة الأردنية، وتعتبر الحفاظ عليهما جزءاً من أمنها القومي. هل يعني ذلك أن «روح» جنيف 2 قد انتهت؟ جنيف 2، بالنسبة إلى دمشق، هو مشهد تفاوضي مع الغرب، لا مع أدواته التي جرى تقديمها لتمثيل «المعارضة». فشل جنيف 2 بالطبع. ربما أصبح من الماضي، لكن العملية الأساسية المعتمدة على ركيزتي الحسم والمصالحات الميدانية والتفاهمات الداخلية مستمرة. وهذه العملية الوطنية، تحقق، كما يرى الرئيس الأسد، نجاحات متعاظمة، يوماً بعد يوم، بحيث يمكننا القول «إن الحواضن الاجتماعية للمسلحين والإرهابيين، تتفكك»، بينما يعيد المجتمع السوري اكتشاف ذاته، وسبل التوصل إلى التوافق على إعادة البناء السياسي والثقافي والعمراني والاقتصادي. تفاؤل الرئيس وثقته يعكسان إنجازات ميدانية في مجالي ضرب الارهاب والمصالحة الداخلية، لكن من غير الممكن فصلهما عن التطورات الحاصلة في أوكرانيا. فاتجاه الرئيس الروسي إلى مجابهة حاسمة مع الغرب في ذلك البلد، خلّف وراءه عملية جنيف 2 كمنهج. لا يتحدث الروس الآن عن حل سياسي مع «المعارضة» المدعومة من الغرب في سوريا، في ما كان جزءاً من إطار تفاهمات دولية، بل عن نضال الجيش العربي السوري ضد الارهاب. موسكو حليف موثوق تماماً، كما يقول الرئيس. وكل ما قيل أو يقال عن تردّد روسي إزاء التحالف مع دمشق لا أساس له. «لقد التزمت روسيا حرفياً بكل اتفاقاتها معنا، وإلا كيف حاربنا ثلاث سنوات؟ وكيف حافظنا على جاهزيتنا للمواجهة مع أخطار التدخل العسكري الخارجي واحتمالات العدوان الصهيوني؟». مرشح وبرنامج   المواطن بشار حافظ الأسد سيترشح للرئاسة. حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي سيرشح الأسد للمنصب، لكنه سيخوض الانتخابات من موقع سياسي لا من موقع سلطوي، وعلى أساس برنامج رئاسي غير حزبي يتضمّن رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار التيارات والحساسيات الوطنية المختلفة المشارب التي وقفت في خندق الجمهورية ضد التدخل الخارجي والإرهاب. وإلى الثوابت القديمة والرؤية الجديدة، يسعى الأسد إلى برنامج يلامس قضايا الناس اليومية، إعادة البناء، والنهج الاقتصادي الاجتماعي. وكذلك، سيتضمن البرنامج محاولة للإجابة عن سؤال رئيس: كيف يمكن ألا تتكرر المأساة الحالية في سوريا مستقبلاً؟ نقد ذاتي يقول الأسد: توسعنا في الانفتاح الاقتصادي أكثر ممّا يجب، حتى الذين يؤيدون الانفتاح في الدولة السورية يعترفون بذلك. المهم الآن ألا ننغلق، لكن ضمن الضوابط الوطنية والاجتماعية؛ فشبكة أمان الاستثمار الخاص أن يكون وطنياً، وأن يركّز على المؤسسات المتوسطة والصغيرة. القطاع العام كان وسيظل محورياً في الاقتصاد السوري؛ نحن لم نخصخص شيئاً من قطاعنا العام لحسن الحظ، فاحتفظنا بقدرتنا على الصمود الاقتصادي. لولا القطاع العام ما كنا صمدنا مع الملك عبدالله الثاني يتذكر الرئيس أنه ناقش مخاطر الوطن البديل مع الملك عبدالله الثاني في وقت مبكر، حين التقى الملك في حياة والده الراحل حافظ الأسد، في عام 1999؛ «كان ذلك يشغلنا منذ ذلك الحين. اليوم ربما جاء وقت التنفيذ».

المصدر : الأخبار/ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة