منذ نهاية حرب تموز 2006، إنتقل النزاع بين إسرائيل والمقاومة في لبنان إلى قواعد لعبة جديدة. حرب أمنية إستخبارية مفتوحة، واستراتيجية إعلامية وسياسية قائمة على الحفظ و»تكبير الملف» والكتمان. لكلّ من الطرفين اسبابه التكتية والاستراتيجية في التقاطع على هذا الأداء.

ما حصل أخيراً إثر الغارة الإسرائيلية على منطقة جنتا البقاعية وبيان «حزب الله» في شأنها، أفضى الى قواعد لعبة جديدة، وانتقال الحرب من دائرة السرية والإحاطة الى العلن ومنطق ربط النزاع الذي ستعقبه بالطبع جولة من تصفية الحساب.

مجريات الميدان السوري ليست بعيدة عمّا حصل. قبل الغارة بأسبوعين وجهت واشنطن رسائل سياسية وتصعيدية عبر موسكو، تحذّر من الدخول الى منطقة القلمون بكاملها، والى «يبرود» تحديداً، لأنّ في ذلك «خرقاً للقواعد المتبعة بُعيد إلغاء العدوان الأميركي على سوريا».

وقد فهم الجانب السوري من الرسالة الأميركية أنّ الإكمال في عملية استرجاع تلك المنطقة وإقفال ملف الحدود مع لبنان كلياً لم يحن وقته، وأنّ واشنطن تطالب بوقف العملية لأنها ستؤثر في مسار «الحلّ السياسي».

تلقى الجانب السوري والحلفاء الرسالة بما يشبه «الأُذن الطرشاء». إستكمل الجيش السوري و»حزب الله» عمليات الإطباق على يبرود وإقفال المعابر الحدودية، وسيطرا في غضون أسبوعين على نحو ثمانين في المئة من القرى والتلال والمزارع المحيطة بيبرود، وتُرك منفذٌ واحد في اتجاه رنكوس لمن يرغب من المدنيين بالمغادرة.

عندئذ شنَّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة تتضمن رسالة أميركية – إسرائيلية لكلّ من «حزب الله» وسوريا. وكان أمام الحزب خيار الصمت وترك الامور تأخذ مجراها «القديم» في التعامل معها، لكنّه اراد من خلال البيان رفع بطاقة حمراء كبيرة في وجه الإسرائيلي بأنّ هذا الاعتداء خرق قواعد الإشتباك بعد حرب تموز 2006، وأنّ من شأن تكراره دفع الأمور نحو التصعيد انطلاقاً من سوريا ولبنان هذه المرة.

حسابات الولايات المتحدة تختلف عن حسابات إسرائيل في شأن الغارة. واشنطن أرادت من الغارة القول إنّ «أيّ تغيير للموقف الميداني مرفوض قبل الاتفاق السياسي». أما اسرائيل فأرادت إرسال إشارات فاقعة عن «انزعاجها من تمدّد المقاومة في منطقة القلمون الإستراتيجية على الحدود بين لبنان وسوريا».

تزامنت الغارة الإسرائيلية مع نشر فيديو مصوّر لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يزور الجرحى السوريين في احدى المستشفيات الميدانية في الجولان، في ظلّ معطيات عن استعداد مجموعات مسلحة لمهاجمة العاصمة دمشق، تنطلق من الاردن نحو ريف دمشق، وفي سياق تنامي الحديث عن نية إسرائيل إنشاء «حزام حدودي» في الجولان على غرار «الحزام الحدودي» الذي كان قائماً في جنوب لبنان.

المعطى الاول المتمثل بمهاجمة دمشق من الناحية الجنوبية وفتح جبهة من هناك ومحاولة إقامة «منطقة عازلة»، تم التعامل معه من خلال نشر فيديو المكمن الذي تمّ تنفيذه بالمسلّحين الاسبوع الماضي وذهب ضحيته نحو 150 قتيلاً لـ»جبهة النصرة».

أما المعطى الثاني فسبل التعامل معه مفتوحة ومتصلة مباشرة بمجريات النزاع في سوريا. وهنا تقع اسئلة كثيرة عن حقيقة النيات الإسرائيلية في هذا الشأن، وهل تتحمّل إسرائيل تداعيات التدخل المباشر في وقائع الميدان السوري المشتعل؟

الأكيد هو أنّ دمشق و»حزب الله» سينظران إلى أيّ خطوة إسرائيلية في تلك المنطقة على أنها احتلال، وسيتعاملان معها كما ينبغي. أما الغارة – الرسالة، والبيان – الجواب، فهما مقدّمة جوهرية لفهم مواقف الأطراف ومستوى المواجهة… إذا وقعت.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-04
  • 13013
  • من الأرشيف

قصّة الغارة الإسرائيلية على البقاع

منذ نهاية حرب تموز 2006، إنتقل النزاع بين إسرائيل والمقاومة في لبنان إلى قواعد لعبة جديدة. حرب أمنية إستخبارية مفتوحة، واستراتيجية إعلامية وسياسية قائمة على الحفظ و»تكبير الملف» والكتمان. لكلّ من الطرفين اسبابه التكتية والاستراتيجية في التقاطع على هذا الأداء. ما حصل أخيراً إثر الغارة الإسرائيلية على منطقة جنتا البقاعية وبيان «حزب الله» في شأنها، أفضى الى قواعد لعبة جديدة، وانتقال الحرب من دائرة السرية والإحاطة الى العلن ومنطق ربط النزاع الذي ستعقبه بالطبع جولة من تصفية الحساب. مجريات الميدان السوري ليست بعيدة عمّا حصل. قبل الغارة بأسبوعين وجهت واشنطن رسائل سياسية وتصعيدية عبر موسكو، تحذّر من الدخول الى منطقة القلمون بكاملها، والى «يبرود» تحديداً، لأنّ في ذلك «خرقاً للقواعد المتبعة بُعيد إلغاء العدوان الأميركي على سوريا». وقد فهم الجانب السوري من الرسالة الأميركية أنّ الإكمال في عملية استرجاع تلك المنطقة وإقفال ملف الحدود مع لبنان كلياً لم يحن وقته، وأنّ واشنطن تطالب بوقف العملية لأنها ستؤثر في مسار «الحلّ السياسي». تلقى الجانب السوري والحلفاء الرسالة بما يشبه «الأُذن الطرشاء». إستكمل الجيش السوري و»حزب الله» عمليات الإطباق على يبرود وإقفال المعابر الحدودية، وسيطرا في غضون أسبوعين على نحو ثمانين في المئة من القرى والتلال والمزارع المحيطة بيبرود، وتُرك منفذٌ واحد في اتجاه رنكوس لمن يرغب من المدنيين بالمغادرة. عندئذ شنَّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة تتضمن رسالة أميركية – إسرائيلية لكلّ من «حزب الله» وسوريا. وكان أمام الحزب خيار الصمت وترك الامور تأخذ مجراها «القديم» في التعامل معها، لكنّه اراد من خلال البيان رفع بطاقة حمراء كبيرة في وجه الإسرائيلي بأنّ هذا الاعتداء خرق قواعد الإشتباك بعد حرب تموز 2006، وأنّ من شأن تكراره دفع الأمور نحو التصعيد انطلاقاً من سوريا ولبنان هذه المرة. حسابات الولايات المتحدة تختلف عن حسابات إسرائيل في شأن الغارة. واشنطن أرادت من الغارة القول إنّ «أيّ تغيير للموقف الميداني مرفوض قبل الاتفاق السياسي». أما اسرائيل فأرادت إرسال إشارات فاقعة عن «انزعاجها من تمدّد المقاومة في منطقة القلمون الإستراتيجية على الحدود بين لبنان وسوريا». تزامنت الغارة الإسرائيلية مع نشر فيديو مصوّر لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يزور الجرحى السوريين في احدى المستشفيات الميدانية في الجولان، في ظلّ معطيات عن استعداد مجموعات مسلحة لمهاجمة العاصمة دمشق، تنطلق من الاردن نحو ريف دمشق، وفي سياق تنامي الحديث عن نية إسرائيل إنشاء «حزام حدودي» في الجولان على غرار «الحزام الحدودي» الذي كان قائماً في جنوب لبنان. المعطى الاول المتمثل بمهاجمة دمشق من الناحية الجنوبية وفتح جبهة من هناك ومحاولة إقامة «منطقة عازلة»، تم التعامل معه من خلال نشر فيديو المكمن الذي تمّ تنفيذه بالمسلّحين الاسبوع الماضي وذهب ضحيته نحو 150 قتيلاً لـ»جبهة النصرة». أما المعطى الثاني فسبل التعامل معه مفتوحة ومتصلة مباشرة بمجريات النزاع في سوريا. وهنا تقع اسئلة كثيرة عن حقيقة النيات الإسرائيلية في هذا الشأن، وهل تتحمّل إسرائيل تداعيات التدخل المباشر في وقائع الميدان السوري المشتعل؟ الأكيد هو أنّ دمشق و»حزب الله» سينظران إلى أيّ خطوة إسرائيلية في تلك المنطقة على أنها احتلال، وسيتعاملان معها كما ينبغي. أما الغارة – الرسالة، والبيان – الجواب، فهما مقدّمة جوهرية لفهم مواقف الأطراف ومستوى المواجهة… إذا وقعت.

المصدر : الجمهورية /غسان جواد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة