كثيرون جنحوا إلى الاعتقاد بأن القيادة الروسية سترضخ للمعادلة الغربيّة ـ اليهوديّة التي ظهرت بعد حوادث أوكرانيا، وتدعو هذه المعادلة موسكو لأن تختار بين أوكرانيا وسورية.

صحيح أن التحالف الصهيو ـ أميركي طرح هذا الخيار، لكنّ الأكثر صحّةً هو الموقف الروسيّ القائم على رؤية استراتيجية متماسكة لا يشكل وضع أوكرانيا منها سوى الجزء المحدود.

أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي، ولأنها عتبة البيت ليس من الحكمة في شيء أن يكون الدفاع عن البيت عند عتبته، فالعدوّ حينما يحتلّ العتبة يصبح داخل البيت.

روسيا بامتدادها العالمي، سياسيّاً واقتصاديّاً، تعي تماماً أنّ أمنها يبدأ بتواجدها الوازن في البحر الأبيض المتوسط المياه الدافئة ، وبقدر ما يكون هذا الوجود فاعلاً، تكون حماية موسكو متوافرة، إذ ليس من قبيل المصادفة أن تكون لروسيا قاعدة في طرطوس، وهي في أيّ حال القاعدة الثانية لها في العالم بعد قاعدة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم.

الوجود العسكريّ الروسيّ على الشاطئ السوريّ يمثّل حالة التوازن مع الوجود الأطلسيّ في تركيا، إضافة إلى كسر الحاجز التركيّ الأطلسيّ الذي أريد له أن يشكل مانعاً أمام تدفّق الوجود الروسيّ جنوب تركيا، وحتى آخر مساحة عربية، وبالتالي، ومن جهة ثانية، محاولة خنق روسيا بجليدها وجعلها قوة محاصرة غير قادرة على توظيف قوّتها في مواجهات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية.

إن الذين يعتقدون أن الحضور الروسي في المتوسط، خاصةً في سورية ثانويّ نسبة إلى حضورها في شبه جزيرة القرم، هم واهمون.

دليلنا، أنّ المواجهة الشاملة على مستوى العالم مع التحالف الصهيو ـ أميركيّ من قبل روسيا، مرتكزة على قواعد ثابتة تتمثل في القدرة الروسية على الحضور الوازن في شرق المتوسط وإيران وأفريقيا، وفي مجموع دول أميركا اللاتينية.

لنتصوّر أن المؤامرة الصهيو ـ أميركيّة على سورية نجحت، وبالتالي جعلت من سورية بؤرة معادية لروسيا ولكلّ توجّه وطنيّ وقوميّ، وأصبحت في المقابل جغرافية هي موضوع سيطرة صهيو ـ أميركية، لنتصور ذلك، هل يمكن أن تلعب روسيا بحصول ذلك أي دور استراتيجي لها، ليس في المشرق فحسب، بل في بقية المواقع المشار إليها في إيران وأميركا اللاتينية وأفريقيا.

روسيا الخارجية من سورية هي روسيا الغارقة عند عتبتها الأوكرانية، روسيا المقفل في وجهها بحرها الأسود رئتها ، روسيا المنشغلة بإطفاء الحرائق عند حدودها الجنوبية... بكلمة، روسيا الخاسرة مصالحها الاستراتيجية.

لأنّ الثمن بهذا الحجم، لا يمكن لروسيا أن تسمح لأحد بأخذها إلى ذلك الموقف، وجوهر معركتها ليس في أوكرانيا بل في سورية. سورية أم المعارك، وما عدا ذلك، فثُغَرْ تفتح هنا وهناك.

ما يجب الإشارة إليه هو مَنْ المستفيد الحقيقي من إشعال النار الأوكرانية: أوروبا؟ أميركا؟ أم اليهودية العالمية؟

بالتأكيد ليست أوروبا مستفيدة من إشعال نار أوكرانيا. أوروبا العملاق الاقتصادي ذو الأقدام الطينية، الذي يعاني أزمات تتفشى في بعض خلاياه، ليس من مصلحته عملاقاً إشعال نار حرب سترتد عليه بالفواجع الاقتصادية توريد الغاز من دون أن يحصد أي ثمن سياسي أو اقتصادي.

أمّا الولايات المتحدة الأميركية، فلم تكن سابقاً تشير لا تلميحاً ولا تصريحاً إلى مشلكة لديها في أوكرانيا أو مع أوكرانيا، وكانت هذه برئاسة يانوكوفيتش الرئيس الموالي للروس، وفجأة أضحت أوكرانيا من اهتماماتها الرئيسة.

ما الذي تغيّر في الأمر؟ ما حصل هو أن الواقع الأوكراني الجديد أرادوا منه أن يكون أداة ضغط على روسية لأجل إخراجها من سورية، وبالتالي ها هي سورية من جديد جوهر اللعبة كلّها.

ذكرت جريدة «هاآرتس» اليهودية أن ضباطاً يهوداً «إسرائيليين» شاركوا على نحو فاعل في إحداث اضطرابات أوكرانيا، ولم يكن سرّاً حضور «فيلسوفهم» برنار هنري ليفي في وسط كييف.

السؤال، ما هي المصالح «الإسرائيلية» المهدورة في أوكرانيا، كي تشارك «إسرائيل» وأبواقها في افتعال الحوادث الأوكرانية. لا مصالح مهدورة لها على الإطلاق هناك، بل إن مصالحها المهدورة حقيقة هي في انتصار سورية، وانتصار سورية هو انتصار عالمي لا يتوقف عند المصالح السورية والأرض السورية، بل يتعدى ذلك إلى مصالح شعوب كثيرة ودول عدة هي الآن آخذة في التشكل والتلاقي لتكوين قوة فعلية تفرض النظام الدوليّ الجديد، النظام المتعدّد الطرف.

ولأن انتصار سورية بهذا الحجم، لا مشكلة لدى اليهودية العالمية في أن تشعل أوكرانيا فحسب، بل والعالم كله، لتحقيق مشروعها المجرم في تقسيم سورية وتحطيمها.

اليهودية العالمية قادت العالم الغربي إلى حربين عالميتين، كسبت من الأولى اتفاقية سايكس ـ بيكو ووعد بلفور وإقامة نظام دولي تشكل الخلية الدماغية منه، وكسبت من الثانية تأمين قيام دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين، وكذلك إقامة نظام دولي آخر هو بمثابة الخلية الدماغية منه.

وها هي اليهودية العالمية اليوم، وقد أدركت أن آخر حروبها هي مع سورية، تستنفر العالم كلّه لتغرقه الدمار الشامل كي يتاح لها تدمير سورية.

روسيا تدرك ذلك، وتدرك أن مصالحها في انتصار سورية وانتصارها هي في سورية، لذلك سوف تواجه محاولة إشعال النار اليهودية في أوكرانيا بخطة استيعابية ضاغطة، تمنع المؤامرة من أن تتحقق، وترفع في الوقت نفسه وتيرة مشاركتها في المعركة السورية.

يبدو أن النظام الدولي القادم سينضج على النار، ولكنه النظام الدولي الأوّل الذي سيرسي قواعد لعالم أكثر عدالة
  • فريق ماسة
  • 2014-03-03
  • 9769
  • من الأرشيف

أُمّ المعارك... في سورية

 كثيرون جنحوا إلى الاعتقاد بأن القيادة الروسية سترضخ للمعادلة الغربيّة ـ اليهوديّة التي ظهرت بعد حوادث أوكرانيا، وتدعو هذه المعادلة موسكو لأن تختار بين أوكرانيا وسورية. صحيح أن التحالف الصهيو ـ أميركي طرح هذا الخيار، لكنّ الأكثر صحّةً هو الموقف الروسيّ القائم على رؤية استراتيجية متماسكة لا يشكل وضع أوكرانيا منها سوى الجزء المحدود. أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي، ولأنها عتبة البيت ليس من الحكمة في شيء أن يكون الدفاع عن البيت عند عتبته، فالعدوّ حينما يحتلّ العتبة يصبح داخل البيت. روسيا بامتدادها العالمي، سياسيّاً واقتصاديّاً، تعي تماماً أنّ أمنها يبدأ بتواجدها الوازن في البحر الأبيض المتوسط المياه الدافئة ، وبقدر ما يكون هذا الوجود فاعلاً، تكون حماية موسكو متوافرة، إذ ليس من قبيل المصادفة أن تكون لروسيا قاعدة في طرطوس، وهي في أيّ حال القاعدة الثانية لها في العالم بعد قاعدة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم. الوجود العسكريّ الروسيّ على الشاطئ السوريّ يمثّل حالة التوازن مع الوجود الأطلسيّ في تركيا، إضافة إلى كسر الحاجز التركيّ الأطلسيّ الذي أريد له أن يشكل مانعاً أمام تدفّق الوجود الروسيّ جنوب تركيا، وحتى آخر مساحة عربية، وبالتالي، ومن جهة ثانية، محاولة خنق روسيا بجليدها وجعلها قوة محاصرة غير قادرة على توظيف قوّتها في مواجهات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية. إن الذين يعتقدون أن الحضور الروسي في المتوسط، خاصةً في سورية ثانويّ نسبة إلى حضورها في شبه جزيرة القرم، هم واهمون. دليلنا، أنّ المواجهة الشاملة على مستوى العالم مع التحالف الصهيو ـ أميركيّ من قبل روسيا، مرتكزة على قواعد ثابتة تتمثل في القدرة الروسية على الحضور الوازن في شرق المتوسط وإيران وأفريقيا، وفي مجموع دول أميركا اللاتينية. لنتصوّر أن المؤامرة الصهيو ـ أميركيّة على سورية نجحت، وبالتالي جعلت من سورية بؤرة معادية لروسيا ولكلّ توجّه وطنيّ وقوميّ، وأصبحت في المقابل جغرافية هي موضوع سيطرة صهيو ـ أميركية، لنتصور ذلك، هل يمكن أن تلعب روسيا بحصول ذلك أي دور استراتيجي لها، ليس في المشرق فحسب، بل في بقية المواقع المشار إليها في إيران وأميركا اللاتينية وأفريقيا. روسيا الخارجية من سورية هي روسيا الغارقة عند عتبتها الأوكرانية، روسيا المقفل في وجهها بحرها الأسود رئتها ، روسيا المنشغلة بإطفاء الحرائق عند حدودها الجنوبية... بكلمة، روسيا الخاسرة مصالحها الاستراتيجية. لأنّ الثمن بهذا الحجم، لا يمكن لروسيا أن تسمح لأحد بأخذها إلى ذلك الموقف، وجوهر معركتها ليس في أوكرانيا بل في سورية. سورية أم المعارك، وما عدا ذلك، فثُغَرْ تفتح هنا وهناك. ما يجب الإشارة إليه هو مَنْ المستفيد الحقيقي من إشعال النار الأوكرانية: أوروبا؟ أميركا؟ أم اليهودية العالمية؟ بالتأكيد ليست أوروبا مستفيدة من إشعال نار أوكرانيا. أوروبا العملاق الاقتصادي ذو الأقدام الطينية، الذي يعاني أزمات تتفشى في بعض خلاياه، ليس من مصلحته عملاقاً إشعال نار حرب سترتد عليه بالفواجع الاقتصادية توريد الغاز من دون أن يحصد أي ثمن سياسي أو اقتصادي. أمّا الولايات المتحدة الأميركية، فلم تكن سابقاً تشير لا تلميحاً ولا تصريحاً إلى مشلكة لديها في أوكرانيا أو مع أوكرانيا، وكانت هذه برئاسة يانوكوفيتش الرئيس الموالي للروس، وفجأة أضحت أوكرانيا من اهتماماتها الرئيسة. ما الذي تغيّر في الأمر؟ ما حصل هو أن الواقع الأوكراني الجديد أرادوا منه أن يكون أداة ضغط على روسية لأجل إخراجها من سورية، وبالتالي ها هي سورية من جديد جوهر اللعبة كلّها. ذكرت جريدة «هاآرتس» اليهودية أن ضباطاً يهوداً «إسرائيليين» شاركوا على نحو فاعل في إحداث اضطرابات أوكرانيا، ولم يكن سرّاً حضور «فيلسوفهم» برنار هنري ليفي في وسط كييف. السؤال، ما هي المصالح «الإسرائيلية» المهدورة في أوكرانيا، كي تشارك «إسرائيل» وأبواقها في افتعال الحوادث الأوكرانية. لا مصالح مهدورة لها على الإطلاق هناك، بل إن مصالحها المهدورة حقيقة هي في انتصار سورية، وانتصار سورية هو انتصار عالمي لا يتوقف عند المصالح السورية والأرض السورية، بل يتعدى ذلك إلى مصالح شعوب كثيرة ودول عدة هي الآن آخذة في التشكل والتلاقي لتكوين قوة فعلية تفرض النظام الدوليّ الجديد، النظام المتعدّد الطرف. ولأن انتصار سورية بهذا الحجم، لا مشكلة لدى اليهودية العالمية في أن تشعل أوكرانيا فحسب، بل والعالم كله، لتحقيق مشروعها المجرم في تقسيم سورية وتحطيمها. اليهودية العالمية قادت العالم الغربي إلى حربين عالميتين، كسبت من الأولى اتفاقية سايكس ـ بيكو ووعد بلفور وإقامة نظام دولي تشكل الخلية الدماغية منه، وكسبت من الثانية تأمين قيام دولة «إسرائيل» على أرض فلسطين، وكذلك إقامة نظام دولي آخر هو بمثابة الخلية الدماغية منه. وها هي اليهودية العالمية اليوم، وقد أدركت أن آخر حروبها هي مع سورية، تستنفر العالم كلّه لتغرقه الدمار الشامل كي يتاح لها تدمير سورية. روسيا تدرك ذلك، وتدرك أن مصالحها في انتصار سورية وانتصارها هي في سورية، لذلك سوف تواجه محاولة إشعال النار اليهودية في أوكرانيا بخطة استيعابية ضاغطة، تمنع المؤامرة من أن تتحقق، وترفع في الوقت نفسه وتيرة مشاركتها في المعركة السورية. يبدو أن النظام الدولي القادم سينضج على النار، ولكنه النظام الدولي الأوّل الذي سيرسي قواعد لعالم أكثر عدالة

المصدر : البناء/ نسيب أبو ضرغم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة