يجب مراقبة «نقلات» العماد ميشال عون، بدقة، من الآن حتى الانتخابات الرئاسية، التي يضع بتصرفها خلاصة تجربتيه العسكرية والسياسية، بوصفها آخر معاركه، مستعرضاً كل فنون المناورة ومستخدماً كل أسلحته.

حين يبدأ رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون تعداد المعارك التي خاضها، منذ تطوعه في المدرسة الحربية عام 1955، يطول حديثه ساعات. حالت بذلته العسكرية والصدف دون بقائه في ملعب قتالي واحد كحال السياسيين الآخرين. فمن صيدا ــــ معروف سعد إلى الشوف، ثم شوارع بيروت المقسمة بين المرابطون وحركة أمل في جهة، والقوات اللبنانية بأجهزتها المتعددة في الجهة الأخرى، فسوق الغرب، وأخيراً محاور القتال كلها في عهد حكومته الانتقالية.

عاش عن قرب أيام بشير الجميل الذهبية بكل ما فيها من معارك دموية لتوحيد البندقية هنا وهناك، اختبر التلاعب الإسرائيلي بالقوات اللبنانية والجيش في الشوف وعاليه ونتائجه الكارثية بالنسبة إلى حلفائهم المسيحيين، تفرّج على تضحية الرئيس أمين الجميل بقائد الجيش الراحل ابراهيم طنوس غداة الانسحاب الإسرائيلي من الشوف ليحمي نفسه من غضب الرأي العام، وتلمّس، في عهد الجميل، خطورة المراوغة وعدم تجرؤ صاحب القرار على اتخاذ قرار، قبل أن يدخل عام 1987 على الرئيس كميل شمعون وهو على فراش الموت قبيل نهاية عهد الجميل، فيفاجأ بترشيحه نفسه إلى رئاسة الجمهورية، ودفع أخيراً ثمن معاندة «المجتمع الدولي» وتحدي التسويات الإقليمية والرهان على المعادلات المحلية.

بكتاب تجربته السميك هذا، يستعد عون اليوم لخوض آخر معاركه: الانتخابات الرئاسية. وبعد تجربته الشخصية، لا يحتاج إلى سؤال أحد حول ما يعزز حظوظه الرئاسية أكثر: التحصن خلف المبادئ أم تدوير الزوايا؟ جعلت منه المبادئ زعيماً. ليغدو رئيساً يحتاج إلى: أولاً، موافقة حزب الله وتيار المستقبل. وثانياً، عدم وجود فيتو سوري عليه. وثالثاً، تقديمه مشروعاً يتقاطع مع الاتجاهات الإقليمية والدولية في المنطقة.

يملك عون وعداً من حزب الله ببقائه مرشحه الأول إلى الانتخابات الرئاسية حتى يتأكد هو نفسه من استحالة وصوله. لا فيتو سورياً عليه طبعاً. وفي الحازمية، ينكبّ نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي ــــ من دون تكليف من أحد ــــ على «خلق» البرنامج الرئاسي الذي يقنع طرفي النزاع السني ــــ الشيعي، أولاً، بوجود دور للمسيحيين بينهم، وثانياً بقدرة عون وحده على تحقيق بعض مما يريده تيار المستقبل وخلفه المجتمع الدولي من حزب الله، وبعض مما يريده حزب الله في المقابل من تيار المستقبل وخلفه المجتمع الدولي. وتزداد يومياً الأسئلة في جعبة الفرزلي حول المواصفات المطلوبة للرئيس المقبل: يُطمئِن حزب الله ويعيده إلى طاولة البحث في استراتيجية لبنان الدفاعية أم يقلقه أكثر؟ ينضم إلى حملة مكافحة الإرهاب في المنطقة أم يُكمل في النأي الرسمي بالنفس؟ يعطي دفعاً مسيحياً للدولة أم يمتص ما تبقى؟ وغيرها من الأسئلة الحيادية التي يعجب وقعها البطريرك الماروني بشارة الراعي من جهة، ولا تقود من جهة أخرى إلا إلى اسم واحد: ميشال عون. ولا يبقى أمام عون، بناء على ما سبق، سوى أمر عالق واحد يحتاج إلى معالجته: الحصول على موافقة تيار المستقبل.

حين ألّف الرئيس سعد الحريري حكومته، سعى وفريقه إلى «تشتشة» الوزير جبران باسيل: توددوا كثيراً إليه، محاولين تسهيل أمور وزارته بدل عرقلتها، آملين، عبثاً، استمالته إليهم، لكن انشغالات باسيل حالت دائماً دون توطيد علاقته الشخصية بالحريريين. وحين اتخذت قوى 8 آذار قرار إسقاط الحريري، أبى عون حصول ذلك في غير حديقة منزله الخلفية. وما كاد رئيس الحكومة السابق يطأ البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، حتى تلا باسيل البيان السياسي الأخبث من حيث التوقيت في تاريخ النكايات السياسية اللبنانية. ووقف عون على يمين حزب الله، معلناً أن بطاقة السفر التي قطعها الحريري إنما هي في اتجاه واحد: one way ticket. ولاحقاً كان الخلاف السني ــــ الشيعي يستعر في المنطقة فيما العونيون ينكبون على صياغة «الإبراء المستحيل».

لكن اليوم، تحديداً منذ تسعة أشهر، ولأسباب تتعلق بالانتخابات الرئاسية، قبل الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية، تغيّر الخطاب

  • فريق ماسة
  • 2014-02-13
  • 7100
  • من الأرشيف

عون – الحريري: رئيس قوي للحكومة مقابل رئيس قوي للجمهورية

يجب مراقبة «نقلات» العماد ميشال عون، بدقة، من الآن حتى الانتخابات الرئاسية، التي يضع بتصرفها خلاصة تجربتيه العسكرية والسياسية، بوصفها آخر معاركه، مستعرضاً كل فنون المناورة ومستخدماً كل أسلحته. حين يبدأ رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون تعداد المعارك التي خاضها، منذ تطوعه في المدرسة الحربية عام 1955، يطول حديثه ساعات. حالت بذلته العسكرية والصدف دون بقائه في ملعب قتالي واحد كحال السياسيين الآخرين. فمن صيدا ــــ معروف سعد إلى الشوف، ثم شوارع بيروت المقسمة بين المرابطون وحركة أمل في جهة، والقوات اللبنانية بأجهزتها المتعددة في الجهة الأخرى، فسوق الغرب، وأخيراً محاور القتال كلها في عهد حكومته الانتقالية. عاش عن قرب أيام بشير الجميل الذهبية بكل ما فيها من معارك دموية لتوحيد البندقية هنا وهناك، اختبر التلاعب الإسرائيلي بالقوات اللبنانية والجيش في الشوف وعاليه ونتائجه الكارثية بالنسبة إلى حلفائهم المسيحيين، تفرّج على تضحية الرئيس أمين الجميل بقائد الجيش الراحل ابراهيم طنوس غداة الانسحاب الإسرائيلي من الشوف ليحمي نفسه من غضب الرأي العام، وتلمّس، في عهد الجميل، خطورة المراوغة وعدم تجرؤ صاحب القرار على اتخاذ قرار، قبل أن يدخل عام 1987 على الرئيس كميل شمعون وهو على فراش الموت قبيل نهاية عهد الجميل، فيفاجأ بترشيحه نفسه إلى رئاسة الجمهورية، ودفع أخيراً ثمن معاندة «المجتمع الدولي» وتحدي التسويات الإقليمية والرهان على المعادلات المحلية. بكتاب تجربته السميك هذا، يستعد عون اليوم لخوض آخر معاركه: الانتخابات الرئاسية. وبعد تجربته الشخصية، لا يحتاج إلى سؤال أحد حول ما يعزز حظوظه الرئاسية أكثر: التحصن خلف المبادئ أم تدوير الزوايا؟ جعلت منه المبادئ زعيماً. ليغدو رئيساً يحتاج إلى: أولاً، موافقة حزب الله وتيار المستقبل. وثانياً، عدم وجود فيتو سوري عليه. وثالثاً، تقديمه مشروعاً يتقاطع مع الاتجاهات الإقليمية والدولية في المنطقة. يملك عون وعداً من حزب الله ببقائه مرشحه الأول إلى الانتخابات الرئاسية حتى يتأكد هو نفسه من استحالة وصوله. لا فيتو سورياً عليه طبعاً. وفي الحازمية، ينكبّ نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي ــــ من دون تكليف من أحد ــــ على «خلق» البرنامج الرئاسي الذي يقنع طرفي النزاع السني ــــ الشيعي، أولاً، بوجود دور للمسيحيين بينهم، وثانياً بقدرة عون وحده على تحقيق بعض مما يريده تيار المستقبل وخلفه المجتمع الدولي من حزب الله، وبعض مما يريده حزب الله في المقابل من تيار المستقبل وخلفه المجتمع الدولي. وتزداد يومياً الأسئلة في جعبة الفرزلي حول المواصفات المطلوبة للرئيس المقبل: يُطمئِن حزب الله ويعيده إلى طاولة البحث في استراتيجية لبنان الدفاعية أم يقلقه أكثر؟ ينضم إلى حملة مكافحة الإرهاب في المنطقة أم يُكمل في النأي الرسمي بالنفس؟ يعطي دفعاً مسيحياً للدولة أم يمتص ما تبقى؟ وغيرها من الأسئلة الحيادية التي يعجب وقعها البطريرك الماروني بشارة الراعي من جهة، ولا تقود من جهة أخرى إلا إلى اسم واحد: ميشال عون. ولا يبقى أمام عون، بناء على ما سبق، سوى أمر عالق واحد يحتاج إلى معالجته: الحصول على موافقة تيار المستقبل. حين ألّف الرئيس سعد الحريري حكومته، سعى وفريقه إلى «تشتشة» الوزير جبران باسيل: توددوا كثيراً إليه، محاولين تسهيل أمور وزارته بدل عرقلتها، آملين، عبثاً، استمالته إليهم، لكن انشغالات باسيل حالت دائماً دون توطيد علاقته الشخصية بالحريريين. وحين اتخذت قوى 8 آذار قرار إسقاط الحريري، أبى عون حصول ذلك في غير حديقة منزله الخلفية. وما كاد رئيس الحكومة السابق يطأ البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، حتى تلا باسيل البيان السياسي الأخبث من حيث التوقيت في تاريخ النكايات السياسية اللبنانية. ووقف عون على يمين حزب الله، معلناً أن بطاقة السفر التي قطعها الحريري إنما هي في اتجاه واحد: one way ticket. ولاحقاً كان الخلاف السني ــــ الشيعي يستعر في المنطقة فيما العونيون ينكبون على صياغة «الإبراء المستحيل». لكن اليوم، تحديداً منذ تسعة أشهر، ولأسباب تتعلق بالانتخابات الرئاسية، قبل الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية، تغيّر الخطاب

المصدر : الأخبار/ غسان سعود


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة