دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قد تكون إنكفاءة الحماسة لدى وسائل الإعلام العالمية لمواكبة "الحلقة الثانية" من مؤتمر جنيف 2 واضحة جداً بالمقارنة مع "الحلقة الأولى"،
بحيث سُجِّل حضورٌ خجول لغاية منتصف ليلة أمس في الفنادق وباحات مقرِّ الأمم المتحدة، ولعل هذا الضمور في الوفود الإعلامية، هو المؤشر الأول على مفاوضات "مكانك راوح" التي سوف تنسحب على كافة المؤتمرات القادمة، بانتظار استحقاق إنتخابات الرئاسة السورية التي إن تعذَّرت في حزيران لأسبابٍ أمنية، فالتمديد هو عملية حتمية لمدة سنتين للرئيس بشار الأسد.
والملفت في هذا التقنين الإعلامي، أن الوفود التي غطَّت المؤتمر الأول لجنيف 2، اشتكت مجتمعة من الكلفة الباهظة للفنادق وسائر مستلزمات الإقامة في واحدة من أغلى مدن العالم، وعندما يغدو أي مؤتمرٍ لا يستحق كلفة إقامة الإعلاميين فإننا نقرأ نتائجه سلفاً قبل ساعات من بدء جلساته.
كل ما تمّ إنجازه على الأرض السورية خلال الفترة الفاصلة بين انتهاء الحلقة الأولى من جنيف 2 وبدء الحلقة الثانية، إقتصر على أمور إنسانية تتعلق بإجلاء أكثر من 600 مدني من حمص القديمة حتى مساء أمس، وتسليم نحو 130 شاباً أنفسهم طوعاً للسلطات السورية بمعزل عن الإتفاق المُبرم بينها وبين الأمم المتحدة، على أن تُستكمل عملية الإجلاء في الأيام الثلاثة المقبلة لمن يرغب من نحو 900 شخص قد تكون لديهم الرغبة بالمغادرة، إضافة الى تسوية وضع مخيم اليرموك وبدء انسحاب المسلحين غير المرغوب بهم من داخل المخيم، علماً بأن لا مسألة المدنيين في حمص القديمة وإدخال المساعدات إليها ولا مسألة اليرموك تم إقرارهما في جنيف، والعمل بشأنهما يتمُّ منذ زمن بإشراف الأمم المتحدة والدولة السورية، عبر مفاوضات مباشرة سواء بين وجهاء ومحافظ المدينة في قضية حمص، وبين المنظمات الفلسطينية والسلطة السورية في قضية اليرموك.
وبالعودة الى أجواء جنيف، فإن زيارة رئيس الإئتلاف المعارض أحمد الجربا أو استدعاءه الى روسيا للقاء الوزير لافروف بعد انتهاء الحلقة الأولى من جنيف 2، هي المؤشر الأوضح على انتقال الملف السوري نهائياً الى الحاضنة الروسية وتراجع "تكتيكي" أميركي – غربي، تزامن مع مراجعة حسابات إقليمية، بدءاً من زيارة أردوغان الى إيران، والقرار الملكي السعودي بإجراءات مشدَّدة بحق السعوديين المشاركين بالعمليات العسكرية في سوريا والعراق بشكل خاص، وبحقّ المنظمات التي اعتبرتها المملكة إرهابية، وصولاً الى الأزمة التي شكَّلها الشيخ يوسف القرضاوي لدول مجلس التعاون الخليجي على خلفية إحتضان قطر له، وردود الفعل الإماراتية والمصرية، ومسارعة الدوحة الى الى ما يُشبه التبرؤ من أفكاره الداعمة للأخوان المسلمين والإعتذار غير المباشرعن إساءاته بحقِّ الدولتين، علماً بأن مسألة القرضاوي ليست أكثر من قشَّة قصمت ظهر البعير في العلاقات غير الودِّية بين دول مجلس التعاون على خلفية التدخُّل السافر لبعضها في الأزمة السورية.
أمام الإنسحاب المتدرِّج من منطقة لم تعد أميركا قادرة على البقاء في وحولها، ولم تعُد لها مصالح هامة تستوجب المجاذفة بمزيدٍ من الغوص في مشكلاتها، وبالنظرالى استحقاقات داخلية ترتبط بمشكلة رفع سقف الدين لتتمكن الخزينة الأميركية من الوفاء بالتزاماتها، وترحيل الأزمة نتيجة الخلافات في الكونغرس بين الجمهوريين والديموقراطيين الى السابع من شباط الحالي ثم ترحيلها مجدّداً الى السابع والعشرين منه، ومع قرع أجراس المزيد من التقنين وعصر النفقات تفادياً للأزمات الكبرى، لدرجة أن أوباما تساءل بتعجُّب عن التبذير الروسي في استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية التي بلغت كلفة إنشاءاتها وخدماتها 45 مليار جنيه استرليني، فإن أميركا ومعها الغرب، أمام استحقاقات خارجية أيضاً، ترتبط بالإرهاب المرتدِّ من سوريا والعراق مع المجاهدين الغربيين العائدين من "ساحات الجهاد"، فإن الدبَّ الروسي بدا أكثر تماسكاً من أميركا ومعها كل الغرب، رغم وجود منابع تطرُّفٍ على حدوده مع الشيشان وجبال القوقاز، وما إصرار بوتين على إقامة الألعاب الأولمبية في موعدها ومكانها المحدَّدين، رغم التهديدات المباشرة بعمليات نوعية للجماعات الإرهابية خلال الدورة، سوى اكتساب مزيد من الإعتراف الدولي بالوزن الروسي الواثق بقدراته عالمياً، وتجلى هذا الإعتراف بحضور زعماء أربعين دولة لحفل الإفتتاح.
يُضاف الى التغييرات الدولية والإقليمية التي تُعتبر دراماتيكية بالنسبة للمُعَارضات السورية الخارجية، وأمام عجز الإئتلاف عن "تطعيم" وفده بمعارضٍ واحد سواء من جماعة الخارج أو الداخل، نتيجة فشل المحادثات مع أمين عام هيئة التنسيق الوطنية حسن عبد العظيم على خلفية حجم تمثيل معارضة الداخل ضمن وفد الإئتلاف، والموقف الحاسم الذي اتخذَّه المعارض البارز هيثم المنَّاع من رفض شرعية تمثيل الإئتلاف للمعارضة، إضافة الى رفض قادة تنسيقيات الداخل والعشائر مبدأ جنيف والرعاية الدولية، يجد الإئتلاف السوري نفسه مُلزماً بالمباشرة فوراً بتخفيض سقف المطالب والبدء بالتنازلات.
على أحمد الجربا وبقايا الإئتلاف قراءة المتغيِّرات الدولية والإقليمية وإعادة الحسابات من جديد، وها هي إيران تنجح أمس في الإتفاق على سبع نقاطٍ جديدة مع الغرب بشأن ملفها النووي الذي ثبُت من البداية أنه ليس للمقايضة بالملف السوري، ومع تبدُّل الموقف التركي نتيجة الخطر الزاحف إليها عبر اقتراب داعش من العمق الجنوبي لتركيا، ومع انتفاء أية سلطة عسكرية للإئتلاف على أي جزء من الأرض السورية، فإن كافة حلقات جنيف 2 ستبقى ضمن الحلقة المفرغة، لأن لا بحث في سلطة انتقالية قبل بتِّ موضوع الإرهاب المتمثِّل بـ "داعش" و"النصرة" و"الجبهة الإسلامية" وكافة متفرعات هذه المنظمات، وستعيش سوريا مرحلة فوازير لا حلَّ لها في جنيف لأن الحلَّ هو في الداخل، وأقصى ما يُمكن أن يحصل عليه الإئتلاف ومعه كل المُعَارضات، هو المشاركة بحكومة وحدة وطنية تحت سلطة الأسد كما قال الوزير المعلِّم، وأن تكون الحكومة ثلاثية التشكيل، وزراء من حصَّة النظام، ووزراء يمثِّلون المجتمع الأهلي، وتبقى حصة الإئتلاف وسائر المعارضات وهنا الطامة الكبرى في التقاتل والدخول في فوازير التوزير، التي سيكون الإئتلاف السوري أول الخاسرين فيها....
المصدر :
التيار الحر/ أمين أبوراشد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة