تتبّعت سارة إرفينغ في عملها «ليلى خالد ـ أيقونة التحرر الفلسطيني» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ تعريب عبلة عودة) المسار الثوري لهذه المرأة منذ ترحيلها من فلسطين عام 1948حتى اليوم. نصف قرن من النضال على مختلف الجبهات من المقاومة المسلّحة ضد العدو الاسرائيلي إلى النضال النسوي والسياسي في عمان

عندما سأل القيادي والمناضل وديع حدّاد (1927ــ 1978) ليلى خالد (1944) عمّا إذا كانت مستعدّة لخطف طائرة، ضحكت طويلاً. لم تمتلك الشابة العشرينية حينها القدرة على تخيّل هذا النوع من العمليات، ولم تكن تعرف وقتها أنّها راكمت تجربة نضالية فطرية ستحوّلها رمزاً مهماً في الصراع مع إسرائيل. تتبّعت سارة إرفينغ في كتابها «ليلى خالد ــ أيقونة التحرر الفلسطيني» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ــ تعريب عبلة عودة) تطوّر المسار الثوري لليلى خالد منذ ترحيلها من فلسطين عام 1948حتى اليوم.

سيرى القارئ أن حياة ليلى خالد لم تخضع يوماً للازدواجية بين عملها النضالي وتجربتها اليومية. في العمل الذي صدر بالإنكليزية عام 2012 عن دار Pluto Press (لندن) قبل أن ينقل أخيراً إلى المكتبة العربية، أعادتنا الكاتبة البريطانية إلى حيفا 1948 وعمليات التهجير الممنهجة التي طالت أبناءها. في ذلك العام اختبأت ليلى خالد الطفلة تحت الدرج، حين كانت العائلة تهمّ بمغادرة فلسطين إلى مدينة صور (جنوب لبنان). أمّنت صاحبة «غزة تحت القنابل» خلفية سياسية وتاريخية مهمّة للمناخ الذي نشأت فيه خالد. وانطلاقاً منه، ستدشّن حياتها النضالية.

عزز مناخ الأسرة وعي ليلى السياسي والاجتماعي: تشدُّد أمها التي كانت تمنع عنهم المشاركة في الأفراح خارج بلدهم، وانخراط والدها اللبناني في النضال في حيفا تزامناً مع النكبة، وأحاديث إخوتها وأخواتها المنتمين إلى «حركة القوميين العرب». أما طفولتها داخل صور، فقد شهدت أيضاً أحداثاً عززت لديها الوعي لحالة الفلسطينيين المعدمة، خصوصاً بعدما وقعت خيمة على رأسهم عام 1952 كانت تشكّل مدرسة اللاجئين الفلسطينيين. في الـ14 من عمرها، اعتادت ليلى الخروج في التظاهرات، وتوزيع المناشير، ونقل الطعام إلى المقاتلين في الصفوف الأمامية. وهذا ما سيمنحها لاحقاً عضويتها الكاملة في «حركة القوميين العرب» وهي في بداية مراهقتها أواخر الخمسينيات، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى صيدا لدراسة البكالوريا. هناك، التقت بمعلمة أميركية أفريقية، وإحدى تلميذات مارتن لوثر كينغ، كانت مدخل هذه الطالبة إلى تعرّفها إلى التمييز العنصري، وفهمها الفرق بين اليهودية والصهيونية. كان لهذا اللقاء أثر على تطوّر وعي ليلى تجاه الاحتلال، وتحويله إلى وعي واسع وأشمل للظلم.

السيرة المفصّلة التي أعدّتها إرفينغ عبر سبعة فصول من خلال المراجع، ومقابلات مع ليلى خالد وآخرين، تحاول الابتعاد عن التصنيفات التي ألصقها الإعلام وبعض الكتب بليلى خالد، أكان لناحية المؤلّفين والمناضلين العرب الذين يكتفون بتقديسها كأيقونة من دون الإلمام بتاريخها، أم للذين صنّفوها كـ«إرهابية» في الإعلام الغربي.

تكشف إرفينغ الحجاب عن الوجه الثاني لعمل خالد النضالي وتضعه على بساط البحث والتحليل الشامل بعد مرور هذه السنوات. تمرّ بنا على أمكنة ليلى خالد من حيفا إلى صور مروراً ببيروت والكويت والأردن ولندن والاتحاد السوفياتي ومخيم اليرموك ومن ثم عمان مجدداً وأخيراً. تؤرّخ إرفينغ سيرة كل مناضل تفرّغ للقضية الفلسطينية وقلب مقاييس المعارك مع الإسرائيليين منذ الستينيات.

تتوقّف الكاتبة المهتمة بالقضية الفلسطينية عند مرحلة الستينيات التي أدّت إلى ولادة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» المنبثقة عن «حركة القوميين العرب» عام 1967، وانضمام خالد إلى فرع «العمليات الخارجية» في الجبهة. في ذلك الوقت، بدأت تتبلور رؤية الجبهة لخطف الطائرات بوصفها وسيلة لإخراج الأسرى من السجون الإسرائيلية ولفت أنظار العالم إلى أحقية القضية الفلسطينية. هذه العمليات كانت وسيلة مختلف الثوّار في العالم منذ انطلاقتها للمرة الأولى من البيرو عام 1931، كما يشير الكتاب.

كلّ هذه الأحداث والظروف أسّست لشخصية وملامح المناضلة التي شبّهها الإعلام الغربي بالممثلة البريطانية اودري هيبورن، حين انتشرت صورتها إثر عملية خطف طائرة «TWA 840» عام 1969 ضمن رحلة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. فلسطين حرة عربية». منذ تلك اللحظة، تجمّدت خالد في صورتها الأيقونية الشهيرة مع الكلاشنيكوف والكوفية الفلسطينية مصوّبةً نظراتها إلى الأسفل. إلا أنّ ليلى كانت أول من أراد الابتعاد عن هذه الصورة. فالشابة العشرينية هربت مراراً من وسائل الإعلام، وبدأت بالخضوع لعمليات لتغيير شكلها كي تنخرط في عملية الخطف الثانية عام 1970 التي باءت بالفشل.

لا تكتفي إرفينغ بوصف تفاصيل العملية الأولى ومراحل الإعداد لها مع وديع حداد الذي كان يهتم بأصغر التفاصيل. نقلت إلينا مشاعر ليلى الإنسانة وهواجسها على متن الطائرة. فشل العملية الثانية بعد مقتل شريكها النيكاراغوي على الطائرة، سيكون مدخلاً إلى الفصل الثالث (أيلول الأسود) في الكتاب. تزامناً مع اعتقال ليلى خالد في لندن، شنّ الجيش الأردني أقسى الهجمات على المعسكرات وفصائل المقاومة الفلسطينية هناك، ما أدى إلى انتقال الجبهة إلى بيروت. المدينة مثّلت انطلاق القسم الثاني من نضال ليلى بعدما خرجت من السجن، ملتحقةً مجدداً بصفوف مقاتلي الجبهة على الأرض، فكانت بيروت حضناً لمختلف الفصائل الفلسطينية مثل حركة «فتح» بقيادة ياسر عرفات.

لا شكّ في أنّ الفصائل الفلسطينية اليسارية عرفت مشاركات نسائية مقاومة وقيادية كبيرة، تركت تأثيراً على موقع المرأة الفلسطينية. وبالطبع، أسهمت الحسابات الجندرية في ترسيخ اسم ليلى خالد من بين خاطفي الطائرات. ورغم أنّ البعض يرى أنّ انخراط المرأة في العمل العسكري يصبّ في خدمة دورها في المجتمع، يرى آخرون أنه وسيلة للمقاتلات للتخلّص من عبء المجتمع المحافظ والاحتلال معاً، كما تقول إرفينغ في مؤلّفها على لسان بعض الناشطات. ربّما كان الأمر صحيحاً. ففي حين حظيت بعض النساء بفرصة القتال، عانت أخريات من ثقل الموروث التقليدي للمجتمع الفلسطيني. هذا التحليل والنقاش المهم ستخوضهما إرفينغ في الفصل الخامس «نساء ثوريات». ستجري أيضاً مقارنة بين موقع المرأة الفلسطينية ونضالها العسكري في صفوف الفصائل اليسارية في الماضي وبين تراجع دورها اليوم في المجتمع الفلسطيني (الديني). بعدما قبلت ليلى على مضض تمثيل الجبهة في «الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية» نزولاً عند طلب الحكيم جورج حبش، شهدت حياتها مفترقاً جديداً تمثّل في النضال الفعلي والمباشر لأجل المرأة وظروفها. أسهمت في أنشطة «الحركة النسائية الفلسطينية»، وقادت مع رفيقاتها في الجبهة حملة لتغيير مواقف الحزب تجاه النساء فيه، وهذا ما دفعه لاحقاً إلى إدراج القضايا النسائية ضمن برامجه التعليمية والتثقيفية، وتسلّم مجموعة من النساء مناصب في «اللجنة المركزية للجبهة». اليوم، لن يخطر لنا أنّ هذه الصبية التي شهدت حياتها المخاطر والخسارات، والتحولات الشخصية من زواجها وخسارة أختها وخطيبها، ستبقى بهذه القوة. هي تواصل نضالها اليوم في عمان من خلال بعض المؤتمرات والعمل السياسي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». وحتى اليوم، لا يغيب اسم ليلى عن التظاهرات، وخصوصاً تلك الداعية إلى الوحدة الوطنية بين «حماس» و«فتح»، وصورتها الأيقونية بالكلاشنيكوف رسمها الشباب الفلسطيني على جدار الفصل العنصري. وفي حين يواجه العالم العربي تغيّرات جذرية أرجعت القضية الأساس إلى خلفية المشهد، تأتي ليلى لتعيد توجيه البوصلة، معتبرةً أنّ «الولايات المتحدة والغرب سيدعمان تيارات الإسلام المعتدل بهدف تحويل عداء العالم العربي من إسرائيل نحو إيران».

في بريطانيا... هجمة صهيونية على الكاتبة

قبل موعد توقيع Leila Khaled: Icon of Palestinian Liberation في مكتبة Blackwell's في مدينة مانشستر البريطانية عام 2012، نظّم اللوبي الصهيوني حملة ضدّ إطلاقه عن طريق مضايقة موظفي المكتبة من خلال المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية، ما أدى إلى إلغاء التوقيع. لكن نتائج هذه الحملة جاءت معاكسة تماماً، إذ أسهمت في تقديم دعاية كبيرة للكتاب، وخصوصاً على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وبعد فترة، وقّعت سارة إرفينغ كتابها في ‹Madlab (مانشستر)، ثم في لندن. كذلك نظّمت في تموز (يوليو) 2012 جولة لتوقيع الكتاب في القدس الشرقية، وبيت لحم، ورام الله، إلى جانب نشاطات أخرى.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-02-09
  • 10254
  • من الأرشيف

من حيفا بدأت مسيرة «خاطفة الطائرات»: ليلى خالد ما وراء الأيقونة

تتبّعت سارة إرفينغ في عملها «ليلى خالد ـ أيقونة التحرر الفلسطيني» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ تعريب عبلة عودة) المسار الثوري لهذه المرأة منذ ترحيلها من فلسطين عام 1948حتى اليوم. نصف قرن من النضال على مختلف الجبهات من المقاومة المسلّحة ضد العدو الاسرائيلي إلى النضال النسوي والسياسي في عمان عندما سأل القيادي والمناضل وديع حدّاد (1927ــ 1978) ليلى خالد (1944) عمّا إذا كانت مستعدّة لخطف طائرة، ضحكت طويلاً. لم تمتلك الشابة العشرينية حينها القدرة على تخيّل هذا النوع من العمليات، ولم تكن تعرف وقتها أنّها راكمت تجربة نضالية فطرية ستحوّلها رمزاً مهماً في الصراع مع إسرائيل. تتبّعت سارة إرفينغ في كتابها «ليلى خالد ــ أيقونة التحرر الفلسطيني» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر ــ تعريب عبلة عودة) تطوّر المسار الثوري لليلى خالد منذ ترحيلها من فلسطين عام 1948حتى اليوم. سيرى القارئ أن حياة ليلى خالد لم تخضع يوماً للازدواجية بين عملها النضالي وتجربتها اليومية. في العمل الذي صدر بالإنكليزية عام 2012 عن دار Pluto Press (لندن) قبل أن ينقل أخيراً إلى المكتبة العربية، أعادتنا الكاتبة البريطانية إلى حيفا 1948 وعمليات التهجير الممنهجة التي طالت أبناءها. في ذلك العام اختبأت ليلى خالد الطفلة تحت الدرج، حين كانت العائلة تهمّ بمغادرة فلسطين إلى مدينة صور (جنوب لبنان). أمّنت صاحبة «غزة تحت القنابل» خلفية سياسية وتاريخية مهمّة للمناخ الذي نشأت فيه خالد. وانطلاقاً منه، ستدشّن حياتها النضالية. عزز مناخ الأسرة وعي ليلى السياسي والاجتماعي: تشدُّد أمها التي كانت تمنع عنهم المشاركة في الأفراح خارج بلدهم، وانخراط والدها اللبناني في النضال في حيفا تزامناً مع النكبة، وأحاديث إخوتها وأخواتها المنتمين إلى «حركة القوميين العرب». أما طفولتها داخل صور، فقد شهدت أيضاً أحداثاً عززت لديها الوعي لحالة الفلسطينيين المعدمة، خصوصاً بعدما وقعت خيمة على رأسهم عام 1952 كانت تشكّل مدرسة اللاجئين الفلسطينيين. في الـ14 من عمرها، اعتادت ليلى الخروج في التظاهرات، وتوزيع المناشير، ونقل الطعام إلى المقاتلين في الصفوف الأمامية. وهذا ما سيمنحها لاحقاً عضويتها الكاملة في «حركة القوميين العرب» وهي في بداية مراهقتها أواخر الخمسينيات، قبل أن تنتقل لاحقاً إلى صيدا لدراسة البكالوريا. هناك، التقت بمعلمة أميركية أفريقية، وإحدى تلميذات مارتن لوثر كينغ، كانت مدخل هذه الطالبة إلى تعرّفها إلى التمييز العنصري، وفهمها الفرق بين اليهودية والصهيونية. كان لهذا اللقاء أثر على تطوّر وعي ليلى تجاه الاحتلال، وتحويله إلى وعي واسع وأشمل للظلم. السيرة المفصّلة التي أعدّتها إرفينغ عبر سبعة فصول من خلال المراجع، ومقابلات مع ليلى خالد وآخرين، تحاول الابتعاد عن التصنيفات التي ألصقها الإعلام وبعض الكتب بليلى خالد، أكان لناحية المؤلّفين والمناضلين العرب الذين يكتفون بتقديسها كأيقونة من دون الإلمام بتاريخها، أم للذين صنّفوها كـ«إرهابية» في الإعلام الغربي. تكشف إرفينغ الحجاب عن الوجه الثاني لعمل خالد النضالي وتضعه على بساط البحث والتحليل الشامل بعد مرور هذه السنوات. تمرّ بنا على أمكنة ليلى خالد من حيفا إلى صور مروراً ببيروت والكويت والأردن ولندن والاتحاد السوفياتي ومخيم اليرموك ومن ثم عمان مجدداً وأخيراً. تؤرّخ إرفينغ سيرة كل مناضل تفرّغ للقضية الفلسطينية وقلب مقاييس المعارك مع الإسرائيليين منذ الستينيات. تتوقّف الكاتبة المهتمة بالقضية الفلسطينية عند مرحلة الستينيات التي أدّت إلى ولادة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» المنبثقة عن «حركة القوميين العرب» عام 1967، وانضمام خالد إلى فرع «العمليات الخارجية» في الجبهة. في ذلك الوقت، بدأت تتبلور رؤية الجبهة لخطف الطائرات بوصفها وسيلة لإخراج الأسرى من السجون الإسرائيلية ولفت أنظار العالم إلى أحقية القضية الفلسطينية. هذه العمليات كانت وسيلة مختلف الثوّار في العالم منذ انطلاقتها للمرة الأولى من البيرو عام 1931، كما يشير الكتاب. كلّ هذه الأحداث والظروف أسّست لشخصية وملامح المناضلة التي شبّهها الإعلام الغربي بالممثلة البريطانية اودري هيبورن، حين انتشرت صورتها إثر عملية خطف طائرة «TWA 840» عام 1969 ضمن رحلة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. فلسطين حرة عربية». منذ تلك اللحظة، تجمّدت خالد في صورتها الأيقونية الشهيرة مع الكلاشنيكوف والكوفية الفلسطينية مصوّبةً نظراتها إلى الأسفل. إلا أنّ ليلى كانت أول من أراد الابتعاد عن هذه الصورة. فالشابة العشرينية هربت مراراً من وسائل الإعلام، وبدأت بالخضوع لعمليات لتغيير شكلها كي تنخرط في عملية الخطف الثانية عام 1970 التي باءت بالفشل. لا تكتفي إرفينغ بوصف تفاصيل العملية الأولى ومراحل الإعداد لها مع وديع حداد الذي كان يهتم بأصغر التفاصيل. نقلت إلينا مشاعر ليلى الإنسانة وهواجسها على متن الطائرة. فشل العملية الثانية بعد مقتل شريكها النيكاراغوي على الطائرة، سيكون مدخلاً إلى الفصل الثالث (أيلول الأسود) في الكتاب. تزامناً مع اعتقال ليلى خالد في لندن، شنّ الجيش الأردني أقسى الهجمات على المعسكرات وفصائل المقاومة الفلسطينية هناك، ما أدى إلى انتقال الجبهة إلى بيروت. المدينة مثّلت انطلاق القسم الثاني من نضال ليلى بعدما خرجت من السجن، ملتحقةً مجدداً بصفوف مقاتلي الجبهة على الأرض، فكانت بيروت حضناً لمختلف الفصائل الفلسطينية مثل حركة «فتح» بقيادة ياسر عرفات. لا شكّ في أنّ الفصائل الفلسطينية اليسارية عرفت مشاركات نسائية مقاومة وقيادية كبيرة، تركت تأثيراً على موقع المرأة الفلسطينية. وبالطبع، أسهمت الحسابات الجندرية في ترسيخ اسم ليلى خالد من بين خاطفي الطائرات. ورغم أنّ البعض يرى أنّ انخراط المرأة في العمل العسكري يصبّ في خدمة دورها في المجتمع، يرى آخرون أنه وسيلة للمقاتلات للتخلّص من عبء المجتمع المحافظ والاحتلال معاً، كما تقول إرفينغ في مؤلّفها على لسان بعض الناشطات. ربّما كان الأمر صحيحاً. ففي حين حظيت بعض النساء بفرصة القتال، عانت أخريات من ثقل الموروث التقليدي للمجتمع الفلسطيني. هذا التحليل والنقاش المهم ستخوضهما إرفينغ في الفصل الخامس «نساء ثوريات». ستجري أيضاً مقارنة بين موقع المرأة الفلسطينية ونضالها العسكري في صفوف الفصائل اليسارية في الماضي وبين تراجع دورها اليوم في المجتمع الفلسطيني (الديني). بعدما قبلت ليلى على مضض تمثيل الجبهة في «الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية» نزولاً عند طلب الحكيم جورج حبش، شهدت حياتها مفترقاً جديداً تمثّل في النضال الفعلي والمباشر لأجل المرأة وظروفها. أسهمت في أنشطة «الحركة النسائية الفلسطينية»، وقادت مع رفيقاتها في الجبهة حملة لتغيير مواقف الحزب تجاه النساء فيه، وهذا ما دفعه لاحقاً إلى إدراج القضايا النسائية ضمن برامجه التعليمية والتثقيفية، وتسلّم مجموعة من النساء مناصب في «اللجنة المركزية للجبهة». اليوم، لن يخطر لنا أنّ هذه الصبية التي شهدت حياتها المخاطر والخسارات، والتحولات الشخصية من زواجها وخسارة أختها وخطيبها، ستبقى بهذه القوة. هي تواصل نضالها اليوم في عمان من خلال بعض المؤتمرات والعمل السياسي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». وحتى اليوم، لا يغيب اسم ليلى عن التظاهرات، وخصوصاً تلك الداعية إلى الوحدة الوطنية بين «حماس» و«فتح»، وصورتها الأيقونية بالكلاشنيكوف رسمها الشباب الفلسطيني على جدار الفصل العنصري. وفي حين يواجه العالم العربي تغيّرات جذرية أرجعت القضية الأساس إلى خلفية المشهد، تأتي ليلى لتعيد توجيه البوصلة، معتبرةً أنّ «الولايات المتحدة والغرب سيدعمان تيارات الإسلام المعتدل بهدف تحويل عداء العالم العربي من إسرائيل نحو إيران». في بريطانيا... هجمة صهيونية على الكاتبة قبل موعد توقيع Leila Khaled: Icon of Palestinian Liberation في مكتبة Blackwell's في مدينة مانشستر البريطانية عام 2012، نظّم اللوبي الصهيوني حملة ضدّ إطلاقه عن طريق مضايقة موظفي المكتبة من خلال المكالمات الهاتفية والرسائل الإلكترونية، ما أدى إلى إلغاء التوقيع. لكن نتائج هذه الحملة جاءت معاكسة تماماً، إذ أسهمت في تقديم دعاية كبيرة للكتاب، وخصوصاً على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وبعد فترة، وقّعت سارة إرفينغ كتابها في ‹Madlab (مانشستر)، ثم في لندن. كذلك نظّمت في تموز (يوليو) 2012 جولة لتوقيع الكتاب في القدس الشرقية، وبيت لحم، ورام الله، إلى جانب نشاطات أخرى.  

المصدر : الأخبار /روان عز الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة