قدسيا، المعضمية، يلدا، ببيلا، برزة، القابون، قرى وبلدات ريف دمشق السائرة بخطى ثابتة نحو مصالحات تكلل بعضها بالغطاء السياسي وكان إخراجه الإعلامي مناسباً لمقتضيات معينة، ومتوافقاً مع خصوصية كل بلدة ومنطقة وناحية في الريف الدمشقي الذي بدأ يستعيد بعضاً من هدوء افتقده لشهور طويلة.

«لقد خسرنا الكثير»، يؤكد أحد الذين ألقوا السلاح وعملوا على تسوية أوضاعهم، موضحاً أن الكثيرين من أمثاله لم يعرفوا معنى «الخسارة» إلا بعدما تيقنوا أن من دفعهم للتدمير، لا نية له على الإطلاق في البناء، «لم أصبح مؤيداً، ولم أغير آرائي، لكني على يقين أني اخترت الطريق الخاطئ»، وبعد جمل طويلة من السباب والشتائم لمن أوصلهم إلى هذا الحال، يقول «كيف سيعيدون البناء، وهم تركونا للجوع والعطش والنقص والحاجة لكل شيء، وقطعوا عنا المال كي لا نشتري به شيئاً غير السلاح، وأصبحوا يزودوننا بالسلاح بعد تعيين أشخاص غير سوريين مراقبين علينا»، ينهي طارق حديثه مبرراً ثورته على كل هؤلاء مؤكداً أنه بعد رؤية مسارعة الهيئات والمؤسسات الحكومية للبناء والإعمار والمساعدة، كانت صدمته أكبر، «لم أتوقع ذلك، صدقني لم أتوقع».

يبحث «طارق» الآن عن عمل، لا يحتاج الشاب الثلاثيني إلى من يخبره بصعوبة ذلك، فلا نية لديه بالإلتحاق بالجيش كما يقول، كما فعل البعض، وله أسبابه الخاصة، لم يعد يطيق السلاح أياً كان عنوانه، يبتسم وهو يقول «عاملونا جيداً، لكن هناك مشكلة، ربما في نفسي، لا استطيع تصديق كل شيء».

كل المصالحات التي جرت في مناطق كانت «جبهات قتال» لا ينتهي، يمكن تصديقها، ولا تُعد مفاجأة على الإطلاق، لكن ما علمت به «سلاب نيوز» من مصادرها الخاصة في دمشق، يكاد يكون نوعاً من «المفاجآت» ذات العيار الثقيل، فبعد برزة والقابون، حيث ساهمت الروابط العائلية بشكل كبير في تفكيك عقد «تسوية المصالحة» فيهما، تلوح في الأفق بوادر «تسوية صاعقة» لأحد الأحياء المتربعة على قلب «دمشق» وتعتبر من أكثر الأحياء خطورة على العاصمة، التي يتم استخدامها لإستهداف المناطق المحيطة بها بالهاون، كما تم استخدامها في السابق كقواعد ارتكاز لهجمات كان يُراد من خلالها تنفيذ اقتحامات، لساحات ومناطق استراتيجية أخرى، تشكل «عقدة طرقها» مناطق مفتوحة على احتمالات كثيرة.

تؤكد المعلومات، من مصادرنا، أن هناك فصيلاً مهماً، يتبع له أكثر من ٩ مجموعات مسلحة موزعة على أحياء محيطة بالعاصمة دمشق، قد عقد بعض قياداته اجتماعاً هاماً للغاية مع ضباط في الجيش السوري، وكانت النتائج الأولية للإجتماع مشجعة وايجابية الى حد كبير، أثمرت بالدرجة الأولى اتفاقاً على هدنة غير محددة الأمد، تسمح فيما بعد بمواصلة النقاش حول التسوية الممكن الوصول اليها، بناء على تجارب المناطق والأحياء الأخرى المحيطة بدمشق.

وليس بعيداً كثيراً، عن العاصمة، يجري قادة ميدانيون، اتصالات يومية بمسؤولي مجموعات في منطقة «حساسة»، يعتبرها هؤلاء جدية جداً، خصوصاً أن الاتصال جاء من طرف قائد تلك المجموعات المباشر، عارضاً هدنة شبيهة بهدنة «جوبر» السابقة، على قاعدة الاستمرارية، والنقاش المفتوح في بنود التسوية التي يريد كما عبر بوضوح أن «تتضمن فطوراً يعد به نفسه منذ زمن طويل في سوق الحميدية»، وباللهجة السورية قالها «خيو، بدي افطر على صحن فول، بصير؟»، وعندما تم تأمين طلبه الخاص من المطعم الذي حدده، جاءت رسالته المحددة والواضحة أكثر «الفطور الجاي بالمطعم»، واعداً بتقديم طلبه المتضمن شروطه ومسلحيه للتسليم وتسوية أوضاعهم في الحد الأقصى، أو الحفاظ على هدنة تتضمن فتح المعابر والطرقات ودخول كافة الهيئات الرسمية بما فيها الشرطة، وتسليم السلاح الثقيل، وإخفاء الخفيف والمتوسط، مقابل ما يطلبه الجيش السوري، الذي اكتفى ضباطه بوعد «نقل الطلبات» لمن يعنيهم الأمر، للدراسة والرد.

هذه الأجواء ليست بعيدة على الإطلاق عن حديث الشارع الدمشقي، الذي ينعم منذ فترة بهدوء بدأت مساحته تتوسع تدريجياً، مما عزز الأسئلة التي تكتنف «تداول الأخبار» حول جدية الهدنة الحالية وحقيقة وجود مفاوضات للتسوية في أحياء مثل «جوبر» و«زملكا»، أو حتى «حرستا»، خصوصاً أن سكان دمشق، يعتبرون أن الحديث عن هذه المناطق ليس سهلاً، فهي معاقل للمجموعات المسلحة، وإن كان للعائلات حضورها وقرارها، يبقى برأي البعض، أن هناك كثيرين ممن لا يناسبهم مثل هذا التغير في المحاور الجغرافية المحيطة بالعاصمة، وبالتأكيد سيعمل على إفشالها، فيما يرد البعض الآخر، بأن الحديث نفسه، والتشاؤم ذاته كان سائداً عند الحديث عن برزة والقابون، وكذلك المعضمية، وجرت الأمور فجأة وبسرعة غير متوقعة، وبشكل سلس جداً وايجابي.

الأوساط الرسمية السورية لا تخوض كثيراً في التفاصيل، وإن كانت لا تنفي ولا تؤكد، لكن علامات الارتياح البادية على الوجوه، تشي بوجود ما يطمئن إلى أن انطلاق ورش التأهيل والإعمار في الضواحي التي جرت فيها التسويات والمصالحات، بدأ يفعل فعله في العقول المتصلبة، والمجموعات المنهكة من القتال بلا جدوى.

  • فريق ماسة
  • 2014-01-23
  • 8777
  • من الأرشيف

خفايا المصالحات في دمشق..قائد إحدى المجموعات المسلحة: "خيو.. بدي أفطر على صحن فول من الحميدية ..بتصير المصالحة"

قدسيا، المعضمية، يلدا، ببيلا، برزة، القابون، قرى وبلدات ريف دمشق السائرة بخطى ثابتة نحو مصالحات تكلل بعضها بالغطاء السياسي وكان إخراجه الإعلامي مناسباً لمقتضيات معينة، ومتوافقاً مع خصوصية كل بلدة ومنطقة وناحية في الريف الدمشقي الذي بدأ يستعيد بعضاً من هدوء افتقده لشهور طويلة. «لقد خسرنا الكثير»، يؤكد أحد الذين ألقوا السلاح وعملوا على تسوية أوضاعهم، موضحاً أن الكثيرين من أمثاله لم يعرفوا معنى «الخسارة» إلا بعدما تيقنوا أن من دفعهم للتدمير، لا نية له على الإطلاق في البناء، «لم أصبح مؤيداً، ولم أغير آرائي، لكني على يقين أني اخترت الطريق الخاطئ»، وبعد جمل طويلة من السباب والشتائم لمن أوصلهم إلى هذا الحال، يقول «كيف سيعيدون البناء، وهم تركونا للجوع والعطش والنقص والحاجة لكل شيء، وقطعوا عنا المال كي لا نشتري به شيئاً غير السلاح، وأصبحوا يزودوننا بالسلاح بعد تعيين أشخاص غير سوريين مراقبين علينا»، ينهي طارق حديثه مبرراً ثورته على كل هؤلاء مؤكداً أنه بعد رؤية مسارعة الهيئات والمؤسسات الحكومية للبناء والإعمار والمساعدة، كانت صدمته أكبر، «لم أتوقع ذلك، صدقني لم أتوقع». يبحث «طارق» الآن عن عمل، لا يحتاج الشاب الثلاثيني إلى من يخبره بصعوبة ذلك، فلا نية لديه بالإلتحاق بالجيش كما يقول، كما فعل البعض، وله أسبابه الخاصة، لم يعد يطيق السلاح أياً كان عنوانه، يبتسم وهو يقول «عاملونا جيداً، لكن هناك مشكلة، ربما في نفسي، لا استطيع تصديق كل شيء». كل المصالحات التي جرت في مناطق كانت «جبهات قتال» لا ينتهي، يمكن تصديقها، ولا تُعد مفاجأة على الإطلاق، لكن ما علمت به «سلاب نيوز» من مصادرها الخاصة في دمشق، يكاد يكون نوعاً من «المفاجآت» ذات العيار الثقيل، فبعد برزة والقابون، حيث ساهمت الروابط العائلية بشكل كبير في تفكيك عقد «تسوية المصالحة» فيهما، تلوح في الأفق بوادر «تسوية صاعقة» لأحد الأحياء المتربعة على قلب «دمشق» وتعتبر من أكثر الأحياء خطورة على العاصمة، التي يتم استخدامها لإستهداف المناطق المحيطة بها بالهاون، كما تم استخدامها في السابق كقواعد ارتكاز لهجمات كان يُراد من خلالها تنفيذ اقتحامات، لساحات ومناطق استراتيجية أخرى، تشكل «عقدة طرقها» مناطق مفتوحة على احتمالات كثيرة. تؤكد المعلومات، من مصادرنا، أن هناك فصيلاً مهماً، يتبع له أكثر من ٩ مجموعات مسلحة موزعة على أحياء محيطة بالعاصمة دمشق، قد عقد بعض قياداته اجتماعاً هاماً للغاية مع ضباط في الجيش السوري، وكانت النتائج الأولية للإجتماع مشجعة وايجابية الى حد كبير، أثمرت بالدرجة الأولى اتفاقاً على هدنة غير محددة الأمد، تسمح فيما بعد بمواصلة النقاش حول التسوية الممكن الوصول اليها، بناء على تجارب المناطق والأحياء الأخرى المحيطة بدمشق. وليس بعيداً كثيراً، عن العاصمة، يجري قادة ميدانيون، اتصالات يومية بمسؤولي مجموعات في منطقة «حساسة»، يعتبرها هؤلاء جدية جداً، خصوصاً أن الاتصال جاء من طرف قائد تلك المجموعات المباشر، عارضاً هدنة شبيهة بهدنة «جوبر» السابقة، على قاعدة الاستمرارية، والنقاش المفتوح في بنود التسوية التي يريد كما عبر بوضوح أن «تتضمن فطوراً يعد به نفسه منذ زمن طويل في سوق الحميدية»، وباللهجة السورية قالها «خيو، بدي افطر على صحن فول، بصير؟»، وعندما تم تأمين طلبه الخاص من المطعم الذي حدده، جاءت رسالته المحددة والواضحة أكثر «الفطور الجاي بالمطعم»، واعداً بتقديم طلبه المتضمن شروطه ومسلحيه للتسليم وتسوية أوضاعهم في الحد الأقصى، أو الحفاظ على هدنة تتضمن فتح المعابر والطرقات ودخول كافة الهيئات الرسمية بما فيها الشرطة، وتسليم السلاح الثقيل، وإخفاء الخفيف والمتوسط، مقابل ما يطلبه الجيش السوري، الذي اكتفى ضباطه بوعد «نقل الطلبات» لمن يعنيهم الأمر، للدراسة والرد. هذه الأجواء ليست بعيدة على الإطلاق عن حديث الشارع الدمشقي، الذي ينعم منذ فترة بهدوء بدأت مساحته تتوسع تدريجياً، مما عزز الأسئلة التي تكتنف «تداول الأخبار» حول جدية الهدنة الحالية وحقيقة وجود مفاوضات للتسوية في أحياء مثل «جوبر» و«زملكا»، أو حتى «حرستا»، خصوصاً أن سكان دمشق، يعتبرون أن الحديث عن هذه المناطق ليس سهلاً، فهي معاقل للمجموعات المسلحة، وإن كان للعائلات حضورها وقرارها، يبقى برأي البعض، أن هناك كثيرين ممن لا يناسبهم مثل هذا التغير في المحاور الجغرافية المحيطة بالعاصمة، وبالتأكيد سيعمل على إفشالها، فيما يرد البعض الآخر، بأن الحديث نفسه، والتشاؤم ذاته كان سائداً عند الحديث عن برزة والقابون، وكذلك المعضمية، وجرت الأمور فجأة وبسرعة غير متوقعة، وبشكل سلس جداً وايجابي. الأوساط الرسمية السورية لا تخوض كثيراً في التفاصيل، وإن كانت لا تنفي ولا تؤكد، لكن علامات الارتياح البادية على الوجوه، تشي بوجود ما يطمئن إلى أن انطلاق ورش التأهيل والإعمار في الضواحي التي جرت فيها التسويات والمصالحات، بدأ يفعل فعله في العقول المتصلبة، والمجموعات المنهكة من القتال بلا جدوى.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة