دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يشير عدد من الباحثين والسياسيين المؤيدين للمعارضة السورية، أن "الحرب على الارهاب" التي باتت تتردد على أساس أنها الإطار الذي يجب أن تندرج تحته أي مفاوضات مقبلة في مدينة مونترو السويسرية أو ما بات يُعرف باسم جنيف 2، يشيرون إلى أنها استراتيجية معتمدة من قبل النظام السوري وحلفائه لحفظ بقائه، وتصويره مدماكًا رئيسيًا لحفظ الاستقرار في المنطقة والقضاء على الإرهاب الذي بات يهدد المنطقة وقد يمتد إلى جوارها الروسي والأوروبي.
وقد يكون هذا الكلام صحيحًا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الحملة الدولية على الإرهاب، وما يطرحه الروس من عنوان أساسي وعريض يجب أن تندرج تحته أي مفاوضات بين المعارضة والنظام السوري، باعتبار أن الإرهاب بات يهدد الجميع. ولكن، إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، ودرسنا كيف سمحت المعارضة وداعميها للأسد بالوصول إلى تكريس حكومته وجيشه كمعطى لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب العالمية على الإرهاب، نجد ما يلي
أولاً: لقد أخطأت المعارضة السورية وحلفائها منذ البداية في تقديرها لمخاطر الاستعانة بالقاعدة وأخواتها في حربهم ضد النظام السوري، ولعل الخطأ العلني بدأ منذ الدفاع المستميت والشرس الذي قام به المعارضون السوريون عن "جبهة النصرة" حين أدرجها الأميركيون على لائحة المنظمات الإرهابية. ومنذ ذلك الوقت، كان واضحًا جدًا أن من أسموا أنفسهم "أصدقاء سوريا" يلعبون لعبة خطرة جدًا من ضمن التحالف مع الشيطان، وها هي اليوم قد ارتدت سلبًا عليهم، وسمحت للنظام السوري بتأكيد نظريته بأنه لا يقاتل معارضة وطنية تطالب بإصلاحات وإنما يقاتل مجموعات إرهابية تمارس القتل والتنكيل بالجثث وأكل الأكباد وقطع الرؤوس.
ثانيًا: لم تقم المملكة العربية السعودية بجهد للقيام بتمييز واضح بين الموقف الرسمي السعودي وبين تصرفات وتصريحات بعض الأمراء السعوديين، بالعكس إن السكوت السعودي الرسمي عن تصريحات بعض الأمراء أو سياساتهم الجنونية ترافق بسياسة "حرد" دفعته إلى رفض مقعد غير دائم في مجلس الأمن، وكل ما جرى بعد الاتفاق النووي الإيراني الغربي، دفع المراقبين إلى عدم تمييز بين الموقفين، ما ساهم في إضفاء صدقية على ما يقوله الإيرانيون وحزب الله والنظام السوري حول ضلوع السعودية في تمويل الإرهابيين أو أكثر من ذلك، كما تمّ إعلانه من قبل السيد حسن نصرالله وآخرين عن التحقيقات في تفجير السفارة الإيرانية في بيروت.
بالمقابل، تقوم إيران بسياسة دبلوماسية خارقة عنوانها "اليد الممدودة" للجميع، فها هو الرئيس روحاني يحضر القمم العالمية ويوزع الابتسامات والكلام الجذاب، ووزير خارجيته ظريف يقوم بجولات إقليمية وعالمية، ويتحدث بنفس انفتاحي، وضرورة الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، ويمد اليد إلى السعودية التي اتهمها الإيرانيون في وقت سابق بدعم الإرهاب. هذه السياسة الإيرانية، تزيد في إحراج داعمي المعارضة السورية الذين يبدون وكأنهم ضد السلام والاستقرار بينما تسعى إليه إيران بقوة.
ثالثًا: قيام الأوروبيين بتسهيل مغادرة الإرهابيين والمتطرفين من أوروبا إلى سورية، ضمن سياسة التخلص منهم وإرسالهم للموت في سورية، وهي سياسة تبدو مقصودة وممنهجة وليست أمرًا اعتباطيًا أو بصورة غير مقدّرة كما يتوهم البعض. ولعل مراجعة التقارير الأوروبية، ومنها تقرير رئيس البوليس السرّي السويدي السابق في عامي 2010 و2013، تشير إلى ذلك بوضوح، فقد تمّ الإعلان عام 2010 عن وجود 200 أصولي متطرف قد يشكّلون خطرًا على السويديين في الداخل، أما في العام 2013، فقد تناقص العدد إلى 125، بسبب ذهاب 75 منهم إلى القتال في سورية.
قد تكون هذه السياسة الأوروبية، هي بالتحديد، سبب إطالة أمد القتال في سورية، فالدول الأوروبية لا تريد عودة هؤلاء إلى بلدانهم بالتأكيد، وقد يناسبها أن يرحل المزيد منهم، وكلما طال أمد القتال في سورية، كلما تمّ التخلص من هؤلاء وإبعاد خطرهم عن المجتمعات الاوروبية.
من كل ما سبق، نستنتج أن خسارة هذا الفريق ونجاح ذاك، وتكريس النظام السوري نفسه بأنه ضرورة لمكافحة الإرهاب، وتكريس دور إيران الإقليمي كعامل استقرار في المنطقة لا يعود فقط إلى كفاءة هذا الفريق وإنما إلى الاستراتيجيات الخاطئة التي اتبعها الفريق الداعم للمعارضة السورية، فكما كنا قد حذّرنا يومًا من أن فكر "القاعدة" ونهجها لا يمكن أن يبنيا ديمقراطية، ولا يمكن أن يبنيا دولة تطمح إليها شعوب المنطقة، ومن يريد أن يستعين بالشيطان سيجد نفسه في جهنم لا محالة، يبدو أنه يتحقق اليوم كمسار حتمي، فقد تتحول الأرض السورية إلى جهنم قاتلة للجميع، إن لم يتمّ الاستدراك والذهاب الى بداية حل في جنيف 2.
المصدر :
الماسة السورية/د. ليلى نقولا الرحباني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة