برغم اضطرار وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال موشي يعلون للاعتذار شخصياً لوزير الخارجية الأميركي جون كيري عن تصريحاته "المهينة وغير المسؤولة"، فإن الغضب الأميركي لم يتبدد. فالمسألة ليست شخصية في نظر الأميركيين، وهو ما أفصح عنه كيري شخصياً حينما أكد استمرار مساعيه لأن "بضع ملاحظات" لن تعيقه عن بذل الجهود للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. والواقع أن تصريحات يعلون، التي وصف فيها كيري بـ"المهووس" و"المسيحاني" الطامح لجائزة "نوبل" للسلام، وضعت الإدارة الأميركية وجهاً لوجه أمام المواقف الإسرائيلية الحقيقية.

وقال كيري في رده على اعتذار يعلون "لا يمكن أن ندع تصريحات تقوض هذا الجهد ولا أعتزم ذلك... إننا نحاول التقدم حالياً، سنواصل العمل سوياً، نعمل بحزم. بعد خمسة شهور مفاوضات أنا أؤمن بفرص السلام. الوضع الراهن لن يدوم". وأضاف إنه يعرف أن الوقت عصيب للطرفين، وأنه "كلما اقتربنا من هذا الوقت، ستغدو الأمور أصعب. وجميعنا يعرف أننا نقف أمام خيارات صعبة جداً. أنا سأواصل عملي بعزم". وأشارت مصادر أميركية إلى أن واشنطن غير مكتفية بالاعتذار، وأن البيت الأبيض ينتظر من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يعرب عن معارضته علناً لأقوال يعلون وانعدام ثقته بمحادثات السلام.

وكان يعلون قد رفض في البداية الاعتذار لكيري بل إنه واصل حملته العلنية عليه في لقاء له مع طلاب حتى بعد نشر "يديعوت أحرنوت" لأقواله. ولكن اجتماعاً دام أكثر من ساعتين بينه وبين نتنياهو قاده إلى إصدار الاعتذار. ويشهد هذا الاجتماع على أن الإدارة الأميركية أوضحت لإسرائيل بشكل لا لبس فيه أنها ضجرت من التهجمات العلنية والتسريبات السرية وأنها سوف تتخذ موقفاً. وهذا ما بدا واضحاً حتى من اللهجة الديبلوماسية للمتحدثة باسم الخارجية الأميركية، التي أكدت أن كلام يعلون نكران للجميل، وهو ليس ما تنتظره أميركا من وزير دفاع حليف قريب.

ولهذا السبب لم تكتف الإدارة الأميركية باعتذار يعلون الشخصي لكيري، وهو اعتذار لم يتضمن أي تراجع عن جوهر المواقف، التي أعلنها، وطالبت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتحديد موقفه من أقوال يعلون حول التسوية مع الفلسطينيين. وكان جوهر موقف يعلون هو رفض الخطة الأميركية للترتيبات الأمنية في غور الأردن من ناحية، وقناعته بأن التفاوض مع الفلسطينيين بلا جدوى لأن الرئيس محمود عباس ليس شريكاً، وهو قائم فقط على حراب الإسرائيليين.

وهناك قناعة أميركية بأن كلام يعلون يعبر جوهرياً عن مواقف الكثيرين في حكومة نتنياهو، خصوصاً من داخل الليكود. ولذلك ليس منطقياً الاكتفاء فقط بإعلان يعلون أن كيري يقود إلى السلام، بل المهم هو ما تفعله إسرائيل من أجل السلام. وبكلمات أخرى يبدو أن الإدارة الأميركية تريد أن يحدد نتنياهو شخصياً موقفه، ولا يتخفى بعد الآن خلف مواقف هذا أو ذاك من وزرائه.

وكتب حامي شاليف في "هآرتس" إن رد الفعل الأميركي الحاد يعبر ليس فقط عن غضب مما اعتبر تجاوزاً لحدود اللياقة، وإنما خطوة مدروسة "لتبريد التهجمات الزائدة في إسرائيل ضد اتفاقية الإطار التي ينوي كيري عرضها. وبعدما استبدل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان جلده، ولبس رداء الراشد المسؤول، تحول يعلون إلى الرمز اليميني القائد لمعارضة الاتفاق. الأميركيون طلبوا أمس يداً قاسية ضد يعلون، ليس فقط لوضعه في مكانه، وإنما أيضاً لتأديب كل من سيسير على خطاه".

ومن المعلوم أن اليمين المتشدد في الليكود يشكل طوال الوقت عنصر ضغط داخلياً حاسماً ومرعباً لنتنياهو، الذي يتجنب كل صدام معه إما لقناعة بأفكاره أو خوفاً من نتائج الصدام معه. وقد وقف هذا اليمين إلى جانب تصريحات يعلون، معتبراً أنه "على حق" في إطلاقها. كذلك، فإن كل المعطيات تشير إلى أن جزءاً كبيراً من وزراء الليكود، فضلاً عن وزراء "البيت اليهودي"، يحملون مثل هذه الأفكار عن التسوية عموماً وضد وزير الخارجية الأميركي جون كيري ومساعيه خصوصاً.

وفضلاً عن ذلك، لا أحد يتجاهل واقع أن السنوات الخمس الأخيرة كانت سنوات صدام، كثيراً ما كان علنياً، بين نتنياهو نفسه وإدارة الرئيس باراك أوباما. وأن هذا الصدام دار طوال الوقت حول موضوعي التسوية مع الفلسطينيين والموقف من المشروع النووي الإيراني. وسبق لنتنياهو أن وجه الكثير من الاتهامات إلى أوباما وكبار المسؤولين في إدارته، وهو ما انعكس جلياً في مواقف العديد من المسؤولين الإسرائيليين ضد هؤلاء.

وأمس، وحتى بعد اعتذار يعلون، أكد نائب وزير الدفاع داني دانون أن ما جرى هو في الواقع بداية مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة. وقال دانون للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي "إنني لست في موضع إعطاء علامات لكيري أو ليعلون، ولكن في المواضيع الجوهرية هناك خلاف مع الأميركيين ويجب قول ذلك". وأضاف إنه "من الجائز أننا سنضطر قريباً لقول أمور لا تحب الولايات المتحدة سماعها". وشدد دانون على رفض إسرائيل العودة إلى حدود الـ67 أو التنازل عن غور الأردن، مؤكداً أن "أقوالاً كهذه تطلق من كل الاتجاهات، وبحسب رأيي يجب تظهير الخلافات وعدم طمسها".

ووجهت عضو الكنيست ميري ريغف من الليكود رسالة تأييد ليعلون قالت فيها "بودي تأييدك على أقوالك الشجاعة والصائبة بشأن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وتحديداً حول تدخل وزير الخارجية جون كيري... وتحديداً في هذه اللحظة التي تتساقط عليك فيها سهام مسمومة، اخترت أن أقول لك إن فعلك هو إشارة تحذير".

  • فريق ماسة
  • 2014-01-15
  • 4692
  • من الأرشيف

اليمين الإسرائيلي يدعم وزير الدفاع في مواجهة كيري

برغم اضطرار وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال موشي يعلون للاعتذار شخصياً لوزير الخارجية الأميركي جون كيري عن تصريحاته "المهينة وغير المسؤولة"، فإن الغضب الأميركي لم يتبدد. فالمسألة ليست شخصية في نظر الأميركيين، وهو ما أفصح عنه كيري شخصياً حينما أكد استمرار مساعيه لأن "بضع ملاحظات" لن تعيقه عن بذل الجهود للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. والواقع أن تصريحات يعلون، التي وصف فيها كيري بـ"المهووس" و"المسيحاني" الطامح لجائزة "نوبل" للسلام، وضعت الإدارة الأميركية وجهاً لوجه أمام المواقف الإسرائيلية الحقيقية. وقال كيري في رده على اعتذار يعلون "لا يمكن أن ندع تصريحات تقوض هذا الجهد ولا أعتزم ذلك... إننا نحاول التقدم حالياً، سنواصل العمل سوياً، نعمل بحزم. بعد خمسة شهور مفاوضات أنا أؤمن بفرص السلام. الوضع الراهن لن يدوم". وأضاف إنه يعرف أن الوقت عصيب للطرفين، وأنه "كلما اقتربنا من هذا الوقت، ستغدو الأمور أصعب. وجميعنا يعرف أننا نقف أمام خيارات صعبة جداً. أنا سأواصل عملي بعزم". وأشارت مصادر أميركية إلى أن واشنطن غير مكتفية بالاعتذار، وأن البيت الأبيض ينتظر من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يعرب عن معارضته علناً لأقوال يعلون وانعدام ثقته بمحادثات السلام. وكان يعلون قد رفض في البداية الاعتذار لكيري بل إنه واصل حملته العلنية عليه في لقاء له مع طلاب حتى بعد نشر "يديعوت أحرنوت" لأقواله. ولكن اجتماعاً دام أكثر من ساعتين بينه وبين نتنياهو قاده إلى إصدار الاعتذار. ويشهد هذا الاجتماع على أن الإدارة الأميركية أوضحت لإسرائيل بشكل لا لبس فيه أنها ضجرت من التهجمات العلنية والتسريبات السرية وأنها سوف تتخذ موقفاً. وهذا ما بدا واضحاً حتى من اللهجة الديبلوماسية للمتحدثة باسم الخارجية الأميركية، التي أكدت أن كلام يعلون نكران للجميل، وهو ليس ما تنتظره أميركا من وزير دفاع حليف قريب. ولهذا السبب لم تكتف الإدارة الأميركية باعتذار يعلون الشخصي لكيري، وهو اعتذار لم يتضمن أي تراجع عن جوهر المواقف، التي أعلنها، وطالبت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتحديد موقفه من أقوال يعلون حول التسوية مع الفلسطينيين. وكان جوهر موقف يعلون هو رفض الخطة الأميركية للترتيبات الأمنية في غور الأردن من ناحية، وقناعته بأن التفاوض مع الفلسطينيين بلا جدوى لأن الرئيس محمود عباس ليس شريكاً، وهو قائم فقط على حراب الإسرائيليين. وهناك قناعة أميركية بأن كلام يعلون يعبر جوهرياً عن مواقف الكثيرين في حكومة نتنياهو، خصوصاً من داخل الليكود. ولذلك ليس منطقياً الاكتفاء فقط بإعلان يعلون أن كيري يقود إلى السلام، بل المهم هو ما تفعله إسرائيل من أجل السلام. وبكلمات أخرى يبدو أن الإدارة الأميركية تريد أن يحدد نتنياهو شخصياً موقفه، ولا يتخفى بعد الآن خلف مواقف هذا أو ذاك من وزرائه. وكتب حامي شاليف في "هآرتس" إن رد الفعل الأميركي الحاد يعبر ليس فقط عن غضب مما اعتبر تجاوزاً لحدود اللياقة، وإنما خطوة مدروسة "لتبريد التهجمات الزائدة في إسرائيل ضد اتفاقية الإطار التي ينوي كيري عرضها. وبعدما استبدل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان جلده، ولبس رداء الراشد المسؤول، تحول يعلون إلى الرمز اليميني القائد لمعارضة الاتفاق. الأميركيون طلبوا أمس يداً قاسية ضد يعلون، ليس فقط لوضعه في مكانه، وإنما أيضاً لتأديب كل من سيسير على خطاه". ومن المعلوم أن اليمين المتشدد في الليكود يشكل طوال الوقت عنصر ضغط داخلياً حاسماً ومرعباً لنتنياهو، الذي يتجنب كل صدام معه إما لقناعة بأفكاره أو خوفاً من نتائج الصدام معه. وقد وقف هذا اليمين إلى جانب تصريحات يعلون، معتبراً أنه "على حق" في إطلاقها. كذلك، فإن كل المعطيات تشير إلى أن جزءاً كبيراً من وزراء الليكود، فضلاً عن وزراء "البيت اليهودي"، يحملون مثل هذه الأفكار عن التسوية عموماً وضد وزير الخارجية الأميركي جون كيري ومساعيه خصوصاً. وفضلاً عن ذلك، لا أحد يتجاهل واقع أن السنوات الخمس الأخيرة كانت سنوات صدام، كثيراً ما كان علنياً، بين نتنياهو نفسه وإدارة الرئيس باراك أوباما. وأن هذا الصدام دار طوال الوقت حول موضوعي التسوية مع الفلسطينيين والموقف من المشروع النووي الإيراني. وسبق لنتنياهو أن وجه الكثير من الاتهامات إلى أوباما وكبار المسؤولين في إدارته، وهو ما انعكس جلياً في مواقف العديد من المسؤولين الإسرائيليين ضد هؤلاء. وأمس، وحتى بعد اعتذار يعلون، أكد نائب وزير الدفاع داني دانون أن ما جرى هو في الواقع بداية مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة. وقال دانون للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي "إنني لست في موضع إعطاء علامات لكيري أو ليعلون، ولكن في المواضيع الجوهرية هناك خلاف مع الأميركيين ويجب قول ذلك". وأضاف إنه "من الجائز أننا سنضطر قريباً لقول أمور لا تحب الولايات المتحدة سماعها". وشدد دانون على رفض إسرائيل العودة إلى حدود الـ67 أو التنازل عن غور الأردن، مؤكداً أن "أقوالاً كهذه تطلق من كل الاتجاهات، وبحسب رأيي يجب تظهير الخلافات وعدم طمسها". ووجهت عضو الكنيست ميري ريغف من الليكود رسالة تأييد ليعلون قالت فيها "بودي تأييدك على أقوالك الشجاعة والصائبة بشأن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وتحديداً حول تدخل وزير الخارجية جون كيري... وتحديداً في هذه اللحظة التي تتساقط عليك فيها سهام مسمومة، اخترت أن أقول لك إن فعلك هو إشارة تحذير".

المصدر : الماسة السورية/ حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة