دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يقترب موعد "جنيف - 2"، وفي المدة الفاصلة عن 22 كانون الثاني تتزاحم المواقف والملفات، كما تشتد المواجهات في وجهيْها العنفي والسياسي، لأن سنة 2014 سترسم أفق النظام العالمي الجديد،الذي يشهد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، وانبعاث قوى جديدة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً متمثلة بروسيا والصين، ومعهما مجموعة "البريكس" ومجموعة شنغهاي، ونهوض قوة جديدة عظمى على المستوى الإقليمي متمثلة بإيران، يتعزز دورها دولياً، لتصبح كقوة عظمى جديدة تتكامل مع العملاقيْن الروسي والصيني، وبالتالي تلعب دورها البارز والمؤثر بالجغرافيا السياسية العالمية، ليتحول هذا "الثالوث" بامتداداته وتحالفاته من تحالف جيو- سياسي إلى جيو – استراتيجي.
أحد الخبراء الاستراتيجيين يذهب إلى القول، إن المواجهة منذ نحو ثلاث سنوات كانت تنصبّ على سورية، لأخذها، وبالتالي إلغاء دورها المتوسطي البارز على الشاطئ الآسيوي للمتوسط، لكن الصمود الأسطوري للدولة الوطنية السورية قلب الموازين، وبدأ برسم المعادلة الجيو – استراتيجية الجديدة، خصوصاً أن سورية منذ أكثر من عشر سنوات وهي في قلب المواجهة الكبرى التي بدأت مع الغزو الأميركي للعراق، وما تلاها من تطورات، بدأت بشروط كولن باول التي رفضها الأسد، مروراً باغتيال رفيق الحريري، وما تبعها من تطورات واتهامات، ثم حرب تموز - آب 2006، التي يمكن القول إنها للمرة الأولى تكلَّف "إسرائيل" بحرب واسعة مفتوحة فتفشل فشلاً ذريعاً في امتحان القوة أمام المقاومة الإسلامية في لبنان، بيد أن هذا الخبير الاستراتيجي لا يعني بهذه النتيجة أن واشنطن لم تعد بوارد توفير خطوط الحماية الاستراتيجية للدولة العبرية، واستخدام النفوذ الأميركي والغربي لحماية هذا الكيان من التحولات الطارئة على توازنات المنطقة الجديدة، والتي أخذت تفرض نفسها بقوة، وتتجسد في أحد أوجهها في المفاوضات الغربية - الإيرانية حول الملف النووي، والذي ستكون نتيجته حتى 20 الجاري الاعتراف بالقوة الإيرانية العظمى، في الوقت نفسه الذي يجري التحضير فيه لمؤتمر "جنيف - 2" في ما يخص الأزمة السورية، والمقرر عقده في 22 الجاري، وبالتالي ثمة نوع من السباق بين الإقرار بانتصار الدولة الوطنية السورية، التي سعى ويسعى الأميركيون بالشراكة مع السعودية لإطالة استنزافها وعرقلة نهوضها بعد هذه الحرب الكونية الشاملة على بلاد الأمويين.
وفي الوقت الذي أخذت السعودية ترى نفسها محشورة حتى الاختناق بالاتهامات التي أخذت تطالها بدعم الإرهاب، وجد قسم واسع من الأسرة المالكة، خصوصاً جناح بندر – سعود وتركي الفيصل الخلاص باللجوء إلى الدول الإرهابية الأولى؛ الكيان الصهيوني، والتحالف معه، في محاولة لفرط الاتفاق النووي الإيراني وتوسيع رقعة الحرب على سورية، مع تسعيرها في بلاد الرافدين، لكن كما بدأت الأمور تتكشف، فإن الوقت قد فات على مملكة الرمال، لأن التفاهم الإيراني - الأميركي - الغربي سينفّذ في 20 الجاري، ومعركة إزالة الدولة الوطنية السورية قد فشلت، رغم فترة السماح التي أعطيت للسعودية على مدى أكثر من عام، وآخرها كان تعهدها باستئصال "داعش" من العراق وسورية عبر خطة تقوم على مواجهتها بالعشائر في الأنبار، وعبر "الجبهة الإسلامية" بقيادة زهران علوش في سورية.. لكن تبين أن مملكة الرمال عاجزة عن هذه المهمة، وبالتالي ثمة حقائق بدأت تتكشف أمام العالم، أهمها أن مواجهة الإرهاب الذي غذته أساساً السعودية لا يمكن مواجهته ودحره إلا عبر الجيوش، فكان المشروع السريع والحاسم بتقوية وتطوير الجيش العراقي، وتجهيزه بالمعدات القتالية اللازمة.
أما في سورية فكان الحلّ بالجيش العربي السوري، الذي قدّم كفاءة عالية ونادرة عجزت عنها أعتى جيوش العالم، كالجيش الأميركي وقبله الجيش الأحمر السوفياتي، في اللحظة نفسها التي بدأ الجيش المصري إعادة رسم الخريطة السياسية والأمنية في أرض الكنانة.
وكان في لبنان الاهتمام بدعم الجيش اللبناني، الذي لا بد له من التنسيق مع الجيش العربي السوري لمواجهة بقعة الزيت الإرهابية، ولا بد من الاعتراف رغماً عن أنوفهم بدور المقاومة في لبنان في حصار الظاهرات التكفيرية الإرهابية، خصوصاً أن تجربتي نهر البارد وأحمد الأسير ما تزالان طرية في البال..
يبقى السؤال: هل ستشارك إيران في مؤتمر "جنيف - 2"؟
طهران كان موقفها واضحاً؛ إنها مستعدة للمشاركة دون أي شروط مسبقة، وهنا بدأت الأصوات تعلو: كيف تشارك السعودية وتركيا وقطر ودول غربية في "جنيف" وهي تشارك علناً في سفك الدم السوري وتدعم الإرهاب؟!
في واقع الأمر، مشاركة إيران ستكون حاسمة، والموعد مفتوح حتى 20 الجاري؛ موعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي.. لكن كيف تتمثل المعارضات السورية المنقسمة والمتشققة والمتصارعة؟
ثمة حقيقة بدأ العالم يتجه للتسليم بها، وهي أن إيران ستكون لها اليد الطولى في ترتيب النظام الإقليمي الجديد، وقد بدأ وزير الخارجية الإيراني جولته لافتتاح هذا الخط.. فحبذا لو يتابع الجميع تصريحاته في لبنان، خصوصاً بالنسبة للسعودية، التي كانت محسوبة بميزان الجوهرجي.
وثمة حقيقة أخرى هامة، وهي أن روسيا ستكون الأساسي في إدارة النظام العالمي الجديد، ولهذا بدأ الكثير من أساتذة علم الاجتماع السياسي في العالم يُطلقون على سيرغي لافروف "أبو الدبلوماسية الدولية الجديدة"..
من سيمثّل المعارضات السورية في جنيف؟ ليس هناك من له حجم: "الجبهة الإسلامية" المدعومة من السعودية تبدو عاجزة وعادت "داعش" لتسحقها، و"داعش" و"النصرة" مصنَّفتان إرهابيتين، و"الإخوان المسلمون" ضائعون ومشتتون، و"الائتلاف الوطني" أصبح ائتلافات..
إذاً، في "جنيف - 2" سيكون على الجميع أن يحسموا أمرهم بالحرب على الإرهاب، وبالتالي فهذا المؤتمر لن يكون للمصالحة الوطنية، إنما للحرب على الإرهاب بقيادة الدولة الوطنية السورية والجيش العربي السوري.
المصدر :
الثبات /أحمد زين الدين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة