يفضح معتقل مطار الملكة علياء في الأردن زيف الادعاءات الأردنية بالتعاطف مع الشعب السوري، ويطرح أسئلة كثيرة عن دور منظمات حقوق الإنسان والطفل في كشف حقيقة ما يحدث للأطفال في معتقلات بلدان ترفع شعارات زائفة حول حرية الإنسان.

«على جميع المسافرين إلى عمان التوجه إلى البوابة رقم ثمانية». كان هذا آخر ما سمعه «المسافر 21» في بهو مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. لم تكن حقيبته ثقيلة الوزن، إلا أن ظله كان كذلك على السلطات الأردنية. أخبرته الموظفة «أن عليه حجز تذكرة عودة، فالمواطن السوري ممنوع من صعود الطائرة إن لم تكن معه تذكرة إياب».

أقلعت الطائرة، تحمل مواطنين أجانب وعرباً وسوريين، والأخير هو تصنيف جديد في قواميس الدول العربية. بعد 55 دقيقة من التحليق فوق بيروت ودمشق وحمص هبطت الطائرة في مطار الملكة علياء الدولي في عمّان.

لم يكن المطار مزدحماً، سوء الأحوال الجوية واستمرار تساقط الثلوج عطلا حركة السفر، وقطعا أوصال العاصمة عمان. غادر المسافرون الطائرة، توجهوا إلى صالة الدخول. عند كوة زجاجية سأله «عسكري نشمي»: «أنت سوري؟ قف جانباً».

اعتقد أنه وحيد، بعد لحظات أصبحوا ستة سوريين؛ أربعة رجال وامرأتان. صودرت جوازات السفر، التقطت السلطات صوراً للجميع، والحقائب ما زالت في أسفل الردهة تدور بحثاً عن أصحابها.

مرّت عشرون دقيقة ثم التقاهم ضابط في الاستخبارات الأردنية فُرادى، مستفهماً عن سبب زيارتهم للمملكة الأردنية الهاشمية. كان «المسافر 21» يرى نفسه الأكثر حظاً، فهو يحمل دعوة رسمية من جهة إعلامية اعتبارية. لم يكن يعلم أن هذه الدعوة ستكون سبباً آخر لمنعه من دخول المملكة.

«إذاً أنت صحافي؟ في أي مجال تكتب؟ في أي صحيفة تنشر؟ هل لديك أقارب هنا؟ من الذي دعاك؟»، أسئلة طرحها ضابط الاستخبارات، وأنهاها بعبارة، «انتظر في الخارج».

لم يدم الانتظار طويلاً، اقتاد عنصر أمن شاب جميع السوريين إلى غرفة الحجز، لم يعوا الأمر إلا بعد أن أصبحوا في ضيافة أشقائهم بالمعتقل، عشرات السوريين وبعض من العرب في معتقل «النشامى».

الشاب اليماني حامد بن كلب، من مدينة تعز، معتقل منذ أيام في مطار الملكة علياء، غادر المملكة السعودية بعد قرار الترحيل الأخير الذي شمل أكثر من مليوني عامل. قال لـ«الأخبار»: «منذ أيام جرى توقيفي في مطار الأردن، يسخر العناصر مني يتحدثون عن نبتة القات، جئت بحثاً عن فرصة عمل، إلا أنهم احتجزوني بانتظار طائرة مغادرة إلى اليمن».

ويتابع حامد حديثه: «أوضاع اليمن أفضل حالياً، لولا دخول تنظيم القاعدة، الرئيس علي عبد الله صالح، له تأثيره، حتماً هو من أدخل القاعدة إلى اليمن».

ما زالت عائلة سلام السورية محتجزة للأسبوع الثالث على التوالي، أب وأم وأربعة أطفال لم يتجاوزوا الخامسة من العمر، ساقهم القدر من ليبيا إلى الأردن، فاستضافهم الأشقاء في المعتقل من دون أي مراعاة لطفولتهم، أو ظروفهم الصحية.

يؤثّر التدخين المستمر على صحة الأطفال المحتجزين، إضافة إلى انعدام التهوية والرطوبة. أما الطعام وسوء التغذية فحالتان تلازمان المكان مع سحابة الدخان في ظل انقطاع وجبات الأكل إلا لمن يملك نقوداً. يتعامل العسكريون مع تجار للاتصالات وسماسرة يحضرون وجبات طعام إلى الحجز، هي فقط لمن يملك مالاً، أو فتاة تُجيد تسبيل عينيها.

يُعد الشاب السوداني عبد الرحمن الخفاجي «الأكثر حظاً» مع رفاقه الثمانية الذين جاؤوا بحثاً عن فرصة للعيش، فهم يحصلون على وجبة يومية مجانية.

ينفث الخفاجي دخان سيجارة «برنجي»، تُصنع محلياً في بلده، ويقول لـ«الأخبار»: «ظروفنا مأسوية، الشباب السوداني مظلوم ومضطهد، قصدنا الأردن بحثاً عن عمل، وانتهى بنا الأمر في المعتقل، الرئيس (عمر حسن) البشير لا يُجيد سوى إنشاء الكباري، وتعبيد الطرقات». ويضيف: «نحن محظوظون بما أننا سافرنا على متن الطائرة الأردنية وهذا يمنحنا وجبة طعام يومية من الطائرة حتى لحظة ترحيلنا».

يسخر العساكر «النشامى»، من حال السوريين، يمعنون في السباب وكيل الشتائم للدولة السورية، يحاولون استفزاز المواطن السوري. يدعون الله أن «تعود سوريا عروساً بسقوط النظام». تحوي غرفة الحجز «فرشات وأغطية» لمن أراد النوم. يستلقي عازف العود السوري خالد مع آلته الموسيقية، يحاول اصطناع النوم هرباً من واقعه المرير ومرض السكري الذي بدأ ينخر عظامه.

يجتمع بعض المعتقلين حول منفذ كهرباء وحيد لشحن اجهزتهم الخلوية، في زاوية أخرى توجد ذبذبات شبكة «واي فاي» تكاد تكون معدومة لكنهم يحاولون الاستفادة منها. يقف «المسافر 21» قرب الزجاج، يفكر كيف سمحت الاستخبارات لعاهرة كانت على متن الطائرة بالدخول ومنعته؟ لا بد من شحن الجوال لالتقاط بعض الصور. قضى وقته بحثاً عن تغطية جوال استعاره لاستقبال مكالمة من الروائية الدكتورة شهلا العجيلي: «الثلوج حالت دون وصولي إليك يا صديقي، سأفعل المستحيل إن استطعت». انقطع الاتصال، كان صوتها ولهفتها يشبهان رذاذ مطر على أرض يباب.

دقت الساعة الثامنة مساءً، حان موعد الرحلة المغادرة إلى بيروت، اقتيد السوريون الستة إلى الطائرة مُحاطين بالعسكر كأنهم مجرمون. يستمر تساقط الثلوج، هبطت الطائرة في مطار رفيق الحريري الدولي، وما زال المسافرون منذ سبعة أيام يبحثون عن حقائبهم التي بقيت في عمان ولم تصل بيروت حتى اللحظة. يُفاجأ العالم صباح يوم السبت الماضي بشريط مصور تناقلته قنوات إعلامية يُظهر «عبد الله المليك» يدفع سيارة مواطن علقت في الثلج، وحوله بعض مرافقيه يهتفون له ضمن «بروباغندا» إعلامية تفضح زيفها طفلة سورية جائعة ما زالت في معتقلات استخبارات المليك.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-22
  • 12835
  • من الأرشيف

الرحلة «314» إلى معتقل «النشامى»

يفضح معتقل مطار الملكة علياء في الأردن زيف الادعاءات الأردنية بالتعاطف مع الشعب السوري، ويطرح أسئلة كثيرة عن دور منظمات حقوق الإنسان والطفل في كشف حقيقة ما يحدث للأطفال في معتقلات بلدان ترفع شعارات زائفة حول حرية الإنسان. «على جميع المسافرين إلى عمان التوجه إلى البوابة رقم ثمانية». كان هذا آخر ما سمعه «المسافر 21» في بهو مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. لم تكن حقيبته ثقيلة الوزن، إلا أن ظله كان كذلك على السلطات الأردنية. أخبرته الموظفة «أن عليه حجز تذكرة عودة، فالمواطن السوري ممنوع من صعود الطائرة إن لم تكن معه تذكرة إياب». أقلعت الطائرة، تحمل مواطنين أجانب وعرباً وسوريين، والأخير هو تصنيف جديد في قواميس الدول العربية. بعد 55 دقيقة من التحليق فوق بيروت ودمشق وحمص هبطت الطائرة في مطار الملكة علياء الدولي في عمّان. لم يكن المطار مزدحماً، سوء الأحوال الجوية واستمرار تساقط الثلوج عطلا حركة السفر، وقطعا أوصال العاصمة عمان. غادر المسافرون الطائرة، توجهوا إلى صالة الدخول. عند كوة زجاجية سأله «عسكري نشمي»: «أنت سوري؟ قف جانباً». اعتقد أنه وحيد، بعد لحظات أصبحوا ستة سوريين؛ أربعة رجال وامرأتان. صودرت جوازات السفر، التقطت السلطات صوراً للجميع، والحقائب ما زالت في أسفل الردهة تدور بحثاً عن أصحابها. مرّت عشرون دقيقة ثم التقاهم ضابط في الاستخبارات الأردنية فُرادى، مستفهماً عن سبب زيارتهم للمملكة الأردنية الهاشمية. كان «المسافر 21» يرى نفسه الأكثر حظاً، فهو يحمل دعوة رسمية من جهة إعلامية اعتبارية. لم يكن يعلم أن هذه الدعوة ستكون سبباً آخر لمنعه من دخول المملكة. «إذاً أنت صحافي؟ في أي مجال تكتب؟ في أي صحيفة تنشر؟ هل لديك أقارب هنا؟ من الذي دعاك؟»، أسئلة طرحها ضابط الاستخبارات، وأنهاها بعبارة، «انتظر في الخارج». لم يدم الانتظار طويلاً، اقتاد عنصر أمن شاب جميع السوريين إلى غرفة الحجز، لم يعوا الأمر إلا بعد أن أصبحوا في ضيافة أشقائهم بالمعتقل، عشرات السوريين وبعض من العرب في معتقل «النشامى». الشاب اليماني حامد بن كلب، من مدينة تعز، معتقل منذ أيام في مطار الملكة علياء، غادر المملكة السعودية بعد قرار الترحيل الأخير الذي شمل أكثر من مليوني عامل. قال لـ«الأخبار»: «منذ أيام جرى توقيفي في مطار الأردن، يسخر العناصر مني يتحدثون عن نبتة القات، جئت بحثاً عن فرصة عمل، إلا أنهم احتجزوني بانتظار طائرة مغادرة إلى اليمن». ويتابع حامد حديثه: «أوضاع اليمن أفضل حالياً، لولا دخول تنظيم القاعدة، الرئيس علي عبد الله صالح، له تأثيره، حتماً هو من أدخل القاعدة إلى اليمن». ما زالت عائلة سلام السورية محتجزة للأسبوع الثالث على التوالي، أب وأم وأربعة أطفال لم يتجاوزوا الخامسة من العمر، ساقهم القدر من ليبيا إلى الأردن، فاستضافهم الأشقاء في المعتقل من دون أي مراعاة لطفولتهم، أو ظروفهم الصحية. يؤثّر التدخين المستمر على صحة الأطفال المحتجزين، إضافة إلى انعدام التهوية والرطوبة. أما الطعام وسوء التغذية فحالتان تلازمان المكان مع سحابة الدخان في ظل انقطاع وجبات الأكل إلا لمن يملك نقوداً. يتعامل العسكريون مع تجار للاتصالات وسماسرة يحضرون وجبات طعام إلى الحجز، هي فقط لمن يملك مالاً، أو فتاة تُجيد تسبيل عينيها. يُعد الشاب السوداني عبد الرحمن الخفاجي «الأكثر حظاً» مع رفاقه الثمانية الذين جاؤوا بحثاً عن فرصة للعيش، فهم يحصلون على وجبة يومية مجانية. ينفث الخفاجي دخان سيجارة «برنجي»، تُصنع محلياً في بلده، ويقول لـ«الأخبار»: «ظروفنا مأسوية، الشباب السوداني مظلوم ومضطهد، قصدنا الأردن بحثاً عن عمل، وانتهى بنا الأمر في المعتقل، الرئيس (عمر حسن) البشير لا يُجيد سوى إنشاء الكباري، وتعبيد الطرقات». ويضيف: «نحن محظوظون بما أننا سافرنا على متن الطائرة الأردنية وهذا يمنحنا وجبة طعام يومية من الطائرة حتى لحظة ترحيلنا». يسخر العساكر «النشامى»، من حال السوريين، يمعنون في السباب وكيل الشتائم للدولة السورية، يحاولون استفزاز المواطن السوري. يدعون الله أن «تعود سوريا عروساً بسقوط النظام». تحوي غرفة الحجز «فرشات وأغطية» لمن أراد النوم. يستلقي عازف العود السوري خالد مع آلته الموسيقية، يحاول اصطناع النوم هرباً من واقعه المرير ومرض السكري الذي بدأ ينخر عظامه. يجتمع بعض المعتقلين حول منفذ كهرباء وحيد لشحن اجهزتهم الخلوية، في زاوية أخرى توجد ذبذبات شبكة «واي فاي» تكاد تكون معدومة لكنهم يحاولون الاستفادة منها. يقف «المسافر 21» قرب الزجاج، يفكر كيف سمحت الاستخبارات لعاهرة كانت على متن الطائرة بالدخول ومنعته؟ لا بد من شحن الجوال لالتقاط بعض الصور. قضى وقته بحثاً عن تغطية جوال استعاره لاستقبال مكالمة من الروائية الدكتورة شهلا العجيلي: «الثلوج حالت دون وصولي إليك يا صديقي، سأفعل المستحيل إن استطعت». انقطع الاتصال، كان صوتها ولهفتها يشبهان رذاذ مطر على أرض يباب. دقت الساعة الثامنة مساءً، حان موعد الرحلة المغادرة إلى بيروت، اقتيد السوريون الستة إلى الطائرة مُحاطين بالعسكر كأنهم مجرمون. يستمر تساقط الثلوج، هبطت الطائرة في مطار رفيق الحريري الدولي، وما زال المسافرون منذ سبعة أيام يبحثون عن حقائبهم التي بقيت في عمان ولم تصل بيروت حتى اللحظة. يُفاجأ العالم صباح يوم السبت الماضي بشريط مصور تناقلته قنوات إعلامية يُظهر «عبد الله المليك» يدفع سيارة مواطن علقت في الثلج، وحوله بعض مرافقيه يهتفون له ضمن «بروباغندا» إعلامية تفضح زيفها طفلة سورية جائعة ما زالت في معتقلات استخبارات المليك.

المصدر : الأخبار/ فراس الهكار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة