لماذا ادار ابو محمد الجولاني ظهره للجمهور: توخياً للالتباس باعتبار ان الشخصية الملتبسة تثير حينا الافتتان وحينا آخر الهلع، ام توخيا للقداسة، فهل رأى احدكم الخليفة، او امير المؤمنين، وحتى النبي، يخفي وجهه عن الرعية؟

هذا ما يفعله عادة عرابو المافيا او قطاع الطرق، ودون ان نعثر على مبرر، حتى المبرر الامني، لذلك التصرف الاستعراضي الذي يتماهى في بدائيته مع المقاربة السياسية واللاهوتية للقضايا الراهنة، لكنه حاول فعلا ان يظهر قديسا. لن تتفرد «جبهة النصرة» بالسلطة، بل انها ستأخذ بالشراكة، باعتبار ان الديمقراطية لم تعد مصطلحا وثنيا ويعتمده اهل الشرك، ولن تلجأ الى التكفير الذي تحكمه ضوابط شرعية يتحكم بها، وبذلك التأويل الميكانيكي للنص، مصاصو الدماء، فهل شاهد الجولاني ما فعله احد رجاله امام الكاميرا وهو يحمل الساطور الذي يقطر دماً في احدى قرى دير الزور…

ذاك الرجل الذي بدا كما لو انه خارج للتو من قعر جهنم (ومع الاعتذار الشديد من جهنم) فاخر بأنه دخل الى احد المنازل حيث تقطن عائلة تنتمي الى مذهب آخر وذبح الاولاد امام ابيهم قبل ان يذبح الاب ايضا لان هذا ما "قضى به شرع الله"..

الآن، دعونا نعتذر من الشيطان. الجولاني الديمقراطي استخدم في وصف ابناء احد المذاهب الكبرى عبارة لا تستخدمها، عادة، الا الحثالة. والغريب انه تحدث عن» الدكتور» ايمن الظواهري، ولم يعتبر ان هذه الكلمة من المنتجات الوثنية ايضا. لكن البارز في حديثه التلفزيوني الى قناة الجزيرة هو وصفه للخلاف مع تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) بأنه خلاف البيت الواحد، ملمحاً، ضمناً، الى التعاون مع انظمة عربية محددة..

 

حتما لا مجال للمقارنة بين الظواهري الذي يختزن الكثير من الافكار والكثير من التجارب، وبين الجولاني بشخصيته الببغائية. كانت مقاربته للامور هشة، وسطحية، ومتناقضة، ومع ذلك وجد في لبنان من يطلق النار ابتهاجا حتى بظهور جانب من كتفه، فضلا عن يده، ودون ان نعرف حتى الآن لماذا اخفى وجهه. وهذا ما لم يفعله حتى اسامة بن لادن الذين كانت تلاحقه كل اجهزة الاستخبارات في العالم حتى انتهى جثة في قاع المحيط الهندي…

من حق من اطلقوا الرصاص ان يبتهجوا. هم على خطى الجولاني في رؤيتهم للامور، وهو بالنسبة اليهم الرجل الذي سيأتي الى المسلمين في سوريا وسائر بلاد الشام بالخلاص، او ببطاقات دخول الى السلطة، ومن لن يتسنى له الدخول الى السلطة ثمة بطاقات للدخول الى الجنة. ماذا تقول الملائكة حين تشاهد رجلا يحمل معه الساطور، وهو يقطر دما، الى العالم الاخر؟

نعلم ان «جبهة النصرة» هي النسخة السورية من تنظيم «القاعدة» الذي قتل في افغانستان وفي الصومال وفي العراق وحتى في اندونيسيا من السنة ما يفوق قتلى الشيعة، فمن يصدق ان ذلك العقل التوتاليتاري الذي يقرأ النصوص، كما يقرأ الناس، بعيون العناكب، يمكن ان يقبل بمبدأ الشراكة، وهو الذي يصف ابناء الطوائف او المذاهب الاخرى بمفردات لا تليق حتى بالقردة. لا نعتقد ان الجولاني يقبل بأن يكون هناك قردة في مجلس الشورى او في بلاط الخليفة.

ابو محمد الجولاني قال انه ضد جنيف -2، وبالتالي ضد اي تسوية سياسية في سوريا، وشعاره ليس اجتثاث النظام واهله فحسب، بل اقامة دولة الشريعة، تماما على الطريقة الافغانية في عهد الملاّ عمر، وعلى السوريين ان يستعدوا للتفاعل مع ثقافة الغاء الانسان في الانسان، بل والله في الانسان…

ما هو مآل اهل الذمة في هذه الحال، الجزية ام الجزاء بقطع الرؤوس ام بقطع الارزاق، اذا لم يرحلوا عن «ديار الاسلام» ويحطوا الرحال عند اخوانهم الهراطقة؟

فقط نلاحظ كيف ان الجولاني لامس مخمليا الشقيقة اسرائيل. لا نأتي بجديد حين نقول ان هناك كتبا صدرت وفتاوى باتت بين الايدي، حول تفضيل الاسرائيليين على ابناء المذاهب الاسلامية الاخرى. يحدث هذا في سياسة الدول ايضا. هل تدرون ما يجري الآن في الردهات الباذخة. حين يضيع من يتعانقون سرا وعلناً هذه الايام بين فناجين القهوة المرة وكؤوس الويسكي..

هل يعني هذا ان المجتمعات المحطمة، وسواء في الدول التي عاشت الدوامة الدموية بكل اهوالها او في الدول التي تعيش ثقافة القرون الوسطى، في طريقها الى التجزئة، ودون ان يكون باستطاعة اي قوة الحيلولة دون قيام امارات في العراق وفي سوريا، وحتما في لبنان حيث دولة المافيات على انواعها؟ مسكين الاخضر الابراهيمي حين يتحدث بتفاؤل عن جنيف-2، فيما يتناهى الينا ان الرجل ابلغ اكثر من جهة ان المنطقة ذاهبة الى التصدع الجغرافي والعقائدي والسياسي بل والى الانفجار…

ألم يقل محمد حسنين هيكل في بيروت شيئا من هذا، وحاذر ان يجاهر بذلك علناً.المشكلة ان القياصرة الذين يتولون ادارة الدم لا يمتلكون اي تصور محدد حول الخارطة العتيدة للدول ما يعني ان الهيستيريا الدموية ستتواصل الى ما لا نهاية…

لا، ليس المشهد سوداويا الى هذا الحد، كما يقول ديفيد ميتشوم « اوقفوا لعبة الدم في سوريا تتوقف اللعبة في العراق ولبنان وربما في اليمن ايضا». المشكلة من سيفعل ذلك؟ من يتجرأ على فعل ذلك وسط هذه الادغال؟

  • فريق ماسة
  • 2013-12-21
  • 9382
  • من الأرشيف

لماذا ادار الجولاني ظهره للجمهور؟

لماذا ادار ابو محمد الجولاني ظهره للجمهور: توخياً للالتباس باعتبار ان الشخصية الملتبسة تثير حينا الافتتان وحينا آخر الهلع، ام توخيا للقداسة، فهل رأى احدكم الخليفة، او امير المؤمنين، وحتى النبي، يخفي وجهه عن الرعية؟ هذا ما يفعله عادة عرابو المافيا او قطاع الطرق، ودون ان نعثر على مبرر، حتى المبرر الامني، لذلك التصرف الاستعراضي الذي يتماهى في بدائيته مع المقاربة السياسية واللاهوتية للقضايا الراهنة، لكنه حاول فعلا ان يظهر قديسا. لن تتفرد «جبهة النصرة» بالسلطة، بل انها ستأخذ بالشراكة، باعتبار ان الديمقراطية لم تعد مصطلحا وثنيا ويعتمده اهل الشرك، ولن تلجأ الى التكفير الذي تحكمه ضوابط شرعية يتحكم بها، وبذلك التأويل الميكانيكي للنص، مصاصو الدماء، فهل شاهد الجولاني ما فعله احد رجاله امام الكاميرا وهو يحمل الساطور الذي يقطر دماً في احدى قرى دير الزور… ذاك الرجل الذي بدا كما لو انه خارج للتو من قعر جهنم (ومع الاعتذار الشديد من جهنم) فاخر بأنه دخل الى احد المنازل حيث تقطن عائلة تنتمي الى مذهب آخر وذبح الاولاد امام ابيهم قبل ان يذبح الاب ايضا لان هذا ما "قضى به شرع الله".. الآن، دعونا نعتذر من الشيطان. الجولاني الديمقراطي استخدم في وصف ابناء احد المذاهب الكبرى عبارة لا تستخدمها، عادة، الا الحثالة. والغريب انه تحدث عن» الدكتور» ايمن الظواهري، ولم يعتبر ان هذه الكلمة من المنتجات الوثنية ايضا. لكن البارز في حديثه التلفزيوني الى قناة الجزيرة هو وصفه للخلاف مع تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) بأنه خلاف البيت الواحد، ملمحاً، ضمناً، الى التعاون مع انظمة عربية محددة..   حتما لا مجال للمقارنة بين الظواهري الذي يختزن الكثير من الافكار والكثير من التجارب، وبين الجولاني بشخصيته الببغائية. كانت مقاربته للامور هشة، وسطحية، ومتناقضة، ومع ذلك وجد في لبنان من يطلق النار ابتهاجا حتى بظهور جانب من كتفه، فضلا عن يده، ودون ان نعرف حتى الآن لماذا اخفى وجهه. وهذا ما لم يفعله حتى اسامة بن لادن الذين كانت تلاحقه كل اجهزة الاستخبارات في العالم حتى انتهى جثة في قاع المحيط الهندي… من حق من اطلقوا الرصاص ان يبتهجوا. هم على خطى الجولاني في رؤيتهم للامور، وهو بالنسبة اليهم الرجل الذي سيأتي الى المسلمين في سوريا وسائر بلاد الشام بالخلاص، او ببطاقات دخول الى السلطة، ومن لن يتسنى له الدخول الى السلطة ثمة بطاقات للدخول الى الجنة. ماذا تقول الملائكة حين تشاهد رجلا يحمل معه الساطور، وهو يقطر دما، الى العالم الاخر؟ نعلم ان «جبهة النصرة» هي النسخة السورية من تنظيم «القاعدة» الذي قتل في افغانستان وفي الصومال وفي العراق وحتى في اندونيسيا من السنة ما يفوق قتلى الشيعة، فمن يصدق ان ذلك العقل التوتاليتاري الذي يقرأ النصوص، كما يقرأ الناس، بعيون العناكب، يمكن ان يقبل بمبدأ الشراكة، وهو الذي يصف ابناء الطوائف او المذاهب الاخرى بمفردات لا تليق حتى بالقردة. لا نعتقد ان الجولاني يقبل بأن يكون هناك قردة في مجلس الشورى او في بلاط الخليفة. ابو محمد الجولاني قال انه ضد جنيف -2، وبالتالي ضد اي تسوية سياسية في سوريا، وشعاره ليس اجتثاث النظام واهله فحسب، بل اقامة دولة الشريعة، تماما على الطريقة الافغانية في عهد الملاّ عمر، وعلى السوريين ان يستعدوا للتفاعل مع ثقافة الغاء الانسان في الانسان، بل والله في الانسان… ما هو مآل اهل الذمة في هذه الحال، الجزية ام الجزاء بقطع الرؤوس ام بقطع الارزاق، اذا لم يرحلوا عن «ديار الاسلام» ويحطوا الرحال عند اخوانهم الهراطقة؟ فقط نلاحظ كيف ان الجولاني لامس مخمليا الشقيقة اسرائيل. لا نأتي بجديد حين نقول ان هناك كتبا صدرت وفتاوى باتت بين الايدي، حول تفضيل الاسرائيليين على ابناء المذاهب الاسلامية الاخرى. يحدث هذا في سياسة الدول ايضا. هل تدرون ما يجري الآن في الردهات الباذخة. حين يضيع من يتعانقون سرا وعلناً هذه الايام بين فناجين القهوة المرة وكؤوس الويسكي.. هل يعني هذا ان المجتمعات المحطمة، وسواء في الدول التي عاشت الدوامة الدموية بكل اهوالها او في الدول التي تعيش ثقافة القرون الوسطى، في طريقها الى التجزئة، ودون ان يكون باستطاعة اي قوة الحيلولة دون قيام امارات في العراق وفي سوريا، وحتما في لبنان حيث دولة المافيات على انواعها؟ مسكين الاخضر الابراهيمي حين يتحدث بتفاؤل عن جنيف-2، فيما يتناهى الينا ان الرجل ابلغ اكثر من جهة ان المنطقة ذاهبة الى التصدع الجغرافي والعقائدي والسياسي بل والى الانفجار… ألم يقل محمد حسنين هيكل في بيروت شيئا من هذا، وحاذر ان يجاهر بذلك علناً.المشكلة ان القياصرة الذين يتولون ادارة الدم لا يمتلكون اي تصور محدد حول الخارطة العتيدة للدول ما يعني ان الهيستيريا الدموية ستتواصل الى ما لا نهاية… لا، ليس المشهد سوداويا الى هذا الحد، كما يقول ديفيد ميتشوم « اوقفوا لعبة الدم في سوريا تتوقف اللعبة في العراق ولبنان وربما في اليمن ايضا». المشكلة من سيفعل ذلك؟ من يتجرأ على فعل ذلك وسط هذه الادغال؟

المصدر : الديار/نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة