دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
منذ البداية، كان الغموض يلف الأحداث التي جرت في منطقة باب الهوى الحدودية بين سورية وتركيا، حيث سيطرت فصائل إسلامية متشددة (أحرار الشام وجيش الاسلام) على أهم مستودعات الأسلحة التابعة لـ«هيئة أركان الجيش الحر»، المدعومة من أميركا والغرب، و جاءت بعد ذلك الروايات المختلفة والتصريحات المتناقضة الصادرة عن قياديين في «الجيش الحر» أو في «أحرار الشام» كي تزيد الغموض غموضاً.
هذا التناقض في رواية الأحداث، كان مؤشراً على أن ثمة سرا لا يراد له أن يذاع، ووراء الأكمة ما وراءها، وأن ما جرى قد يكون أخطر من مجرد اشتباك عادي بين فصيلين مسلحين يتنازعان السيطرة على منطقة مهمة استراتيجياً بسبب المعبر الحدودي الذي لا غنى عنه.
وقد تزايدت قوة المؤشرات على خطورة ما حدث بعد صدور القرار الأميركي، ومن بعده البريطاني، بوقف إرسال المساعدات «غير القاتلة» عبر معبر باب الهوى إلى المعارضة السورية، بسبب ما قالت إنه سيطرة الإسلاميين على مقار ومستودعات تابعة لـ«الجيش الحر»، لا سيما أنه من المتوقع أن تحذو غالبية الدول الداعمة لـ«الجيش الحر» حذو واشنطن ولندن وتمتنع عن تقديم المساعدات عبر معبر باب الهوى، ما سيؤدي إلى التخفيف كثيراً من أهميته، وهو ما سيشكل عاملاً ضاغطاً على الفصائل الإسلامية كي تراجع موقفها وتعيد بعض حساباتها بخصوص علاقتها مع «الجيش الحر».
ولكن يبقى السؤال الأهم: لماذا غضبت أميركا وبريطانيا من سيطرة «أحرار الشام» على مقار ومستودعات «الجيش الحر» في باب الهوى، ما دام أن «هيئة الأركان» بقيادة سليم إدريس أعلنت صراحة في بيانها الرسمي أن هذه السيطرة تمت بالاتفاق بين الطرفين؟
فالمعروف أن سليم إدريس لا يخطو خطوة واحدة إلا بتوجيهات وتعليمات تأتيه من دوائر الاستخبارات الغربية التي يتبع لها عملياً! فكيف بخطوة من قبيل تسليم مستودعات الأسلحة التي منحته إياها هذه الدوائر واشترطت عليه لاستلامها عدم وصولها إلى الأيدي الخطأ بحسب المعلن من التصريحات؟
والأهم في هذا السياق، لماذا يصر سليم إدريس على نفي تعرض مقاره ومستودعاته لهجوم واقتحام من قبل الفصائل الإسلامية (وهي رواية المتحدث باسمه لؤي المقداد)، ويشدد على أن تسليم المستودعات كان بالتوافق لتأمين الحماية لهذه المستودعات، رغم أن رواية الهجوم والاقتحام كانت تصلح لتكون مبرراً يتذرع به أمام داعميه بأن الأمر خرج عن سيطرته ولم يستطع منعه. فهل يعقل أن سليم إدريس وضع مصلحة الفصائل الإسلامية أولوية قبل مصلحته؟
قد تحتاج هذه الأسئلة إلى مزيد من الوقت كي تتكشف الإجابة الحقيقية عنها. ولكن حتى ذلك الحين، فإن هناك وقائع مهمة قد تتشكل مؤشرات تدل على حقيقة ما جرى في باب الهوى.
في البداية، لا بد من التنبيه إلى أن رواية سليم إدريس عن التوافق والاستلام والتسليم بهدف تأمين الحماية للمستودعات، رواية غير صحيحة، وقد جاء تكذيبها من الأطراف كافة، لا سيما من «القائد العسكري لأحرار الشام» أبي طلحة، الذي يفترض أنه المعنيّ باستلام المستودعات وحمايتها بحسب رواية إدريس. وأكد أبو طلحة في تصريحات صحافية وحديث مع قناة «الجزيرة» أن عناصر «الأحرار» عندما وصلوا إلى مقارّ «الأركان» في باب الهوى وجدوها خالية تماماً، وهذا يعني أن المستودعات تعرضت لهجوم وسرقة من قبل فصيل مسلح آخر، وإلا كيف خوت فجأة من محتوياتها؟
وكان «المرصد المعارض» ذكر، أمس الأول، أن مخازن الأسلحة على باب الهوى كانت تحتوي على صواريخ مضادة للطائرات والدبابات.
وكان تقرير صادر عن «اتحاد العلماء الأميركيين»، وهو مؤسسة مستقلة تعمل في واشنطن وتركز على الدراسات الأمنية، ذكر ان منظومات صواريخ «ستينغر» وصلت إلى «الجيش الحر»، مشيرا إلى «احتمال وصولها أيضاً إلى تنظيمات متطرفة مثل «القاعدة» و«داعش»، بالإضافة إلى صواريخ «سام 7» و«سام 14» المتطورة.
ونقلت صحيفة «واشنطن تايمز» مؤخرا عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى قولهم إن «إدارة الرئيس أوباما مارست ضغوطاً مكثفة على السعودية لعدم المضي بتزويد قوى المعارضة السورية بتلك الأسلحة، مشيرة إلى أن السعودية في الوقت عينه سلمت أيضاً صواريخ مضادة للدبابات لقوى المعارضة».
ويعزز فرضية تعرّض المستودعات للهجوم، أن العديد من الشهادات صدرت يوم الحادثة، عن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكد فرار عناصر «هيئة الأركان» من دون أن يكون السبب واضحاً في تلك اللحظة، كون الحدث ما زال في بدايته، ومن هذه الشهادات شهادة عمار الزير، الذي غرّد في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر الجمعة الماضي بما يلي: «عاجل: هيئة أركان الجيش الحر تهرب من معبر باب الهوى وتترك مستودعات الذخيرة تحت حماية أحرار الشام». وعند سؤاله عن السبب أجاب انها قد تكون تتعرض لهجوم من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).
ولكن لا يمكن الاطمئنان تماماً إلى كل ما يقوله عمار الزير، فهو معروف بدفاعه عن «أحرار الشام» ومناهضته لـ«داعش». لذلك يبقى الثابت أن هجوماً حصل على مستودعات السلاح وأن عناصر «الأركان» شوهدوا وهم يهربون. أما من قام بالهجوم فهذا بحث آخر لا يمكن الاستناد فيه إلى شهادة الزير بسبب علاقته مع «أحرار الشام» وبغضه الشديد لـ«داعش».
وتشير المعلومات الى أن قائد الكتيبة المتمركزة في منطقة باب الهوى، هو الرائد بسام إدريس، وهو ابن عم رئيس «هيئة أركان الجيش الحر» اللواء سليم إدريس، وهذه الكتيبة من الكتائب الأساسية في «الجيش الحر» أو لدى سليم إدريس على الأقل، كونها بحسب معلومات حصلت عليها «السفير»، تتولى مهمة مرافقته وحمايته لدى دخوله الأراضي السورية، علاوة على علاقة القربى بينه وبين قائد الكتيبة التي تقول مصادر عديدة إن سليم إدريس شخصياً هو من عينه في هذا المنصب.
هنا تبرز شهادة منشورة بمقطع فيديو على موقع «يوتيوب» لملازم أول كان يتولى قيادة سرية في الكتيبة الأولى، وكان حاضراً ليلة الحادثة. فقد أكد قائد السرية أنه يوم الحادثة شوهد رتل يتحرك باتجاه الكتيبة قادماً من سرمدا، وأنه لدى إعلام قائد الكتيبة بسام إدريس قال لهم أنه رتل صديق، وأن الرتل استمر في التقدم حتى وقف على بوابة الكتيبة، حيث أمرهم قائد الكتيبة بفتح البوابة والسماح للرتل بالدخول.
ثم ذكر قائد السرية في شهادته أن سيارات الرتل انتشرت في أنحاء الكتيبة بما يشبه الحصار، بينما دخل قادته و«أمراؤه» إلى مكتب قائد الكتيبة لمدة خمس دقائق، كي تبدأ بعدها إجراءات أشبه ما تكون بإجراءات المداهمة، حيث طُلب منهم الانبطاح أرضاً وخضعوا لتفتيش دقيق، كما سرقت منهم محفظاتهم الشخصية وأجهزة الخلوي وبعض أجهزة الكومبيوتر المحمول، مشيراً إلى أن أحد هؤلاء عرّف عن نفسه بأنه «الأمير» في «حركة أحرار الشام» أبو موسى.
وأشار قائد السرية إلى أن عناصر «أحرار الشام» قاموا بخلع أبواب المباني والمستودعات والمكاتب وأخذوا كل شيء، بما في ذلك سيارات نقل بما عليها من رشاشات ومدافع، ودبابات، وعربات مصفحة، ولم يتركوا شيئاً.
وبينما جرى اصطحاب قائد الكتيبة من قبل «أحرار الشام» إلى جهة، قال قائد السرية أنه لا يعرفها، فقد خيّر الباقون بين الذهاب مع عناصر «أحرار الشام» والبقاء في الكتيبة أو المغادرة، وهو ما حدث فعلاً، حيث رافقهم قسم، بينما بقي قسم، وهرب قسم ثالث، وقد يكون هذا ما أوحى لبعض الناشطين بوجود حالة هروب من مقر «هيئة الأركان».
ومن النقاط المهمة في شهادة قائد السرية انه شدد على أن الكثير من عناصر «أحرار الشام» كانوا يسيئون معاملة عناصر الكتيبة ويتهمونهم بأنهم «مرتدون» ويجب قتلهم، مشيراً إلى أنه تعرض شخصياً لهذه الاتهامات.
وبالتالي يغدو واضحا أن رواية الهجوم التي تحدث عنها النشطاء، وأكدها لؤي المقداد، هي رواية صحيحة، وأن من قام بالهجوم هو «حركة احرار الشام» بمساعدة واضحة من قائد الكتيبة بسام إدريس الذي فتح لهم بوابة الكتيبة فدخلوها من دون طلقة واحدة. ومن المستبعد أن يكون بسام إدريس قد فعل ذلك من دون تنسيق مع اللواء سليم إدريس. يعزز ذلك أن سليم إدريس ما زال يتبنى رواية أنه لم يحصل هجوم ولا اقتحام، وأن المستودعات سلمت إلى «أحرار الشام» بموجب اتفاق بين الطرفين لحمايتها من هجوم مفترض لم يحصل.
المصدر :
السفير/ عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة