دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لم يعد يسبق رئيس الجمهورية ميشال سليمان في انحيازه إلى الفريق المناهض لمحور المقاومة، سوى عضو «الائتلاف الوطني السوري» المعارض هيثم المالح ربما. ذهب سليمان بعيداً في التزامه خطاب 14 آذار إلى الحدّ الذي بات فيه كلامه يتناغم بأحسن الأحوال مع نائب «الحرية والاستقلال» خالد ضاهر. حتى إن التناغم أمس بدا فاقعاً بعد صدور بيان «الأمانة العامة لـ 14 آذار»، الذي وجد في كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن مسؤولية السعودية بتفجيري السفارة الإيرانية «رمياً للاتهامات جزافاً». «جزافاً» هي الكلمة السحرية، التي رددها سليمان أولاً قبل ظهر أمس، ثم نقلتها عنه 14 آذار لاحقاً. منذ الصباح الباكر، انهمك الرئيس ومن معه بتعديل الخطاب الذي ألقاه خلال افتتاح مؤتمر «الحوار الحقيقة والديموقراطية» الذي أقامه «المركز الدولي لعلوم الإنسان» في مدينة جبيل. وبدا من السياق، أن التعديل/ الرد على كلام نصر الله دخل لاحقاً في بنية الخطاب، الذي ذكر أفكاراً وطروحات عامة عن لبنان، تصلح للشعارات، ليس أكثر.
كلام سليمان، كما كلام 14 آذار عموماً، لم يعد يشكل مفاجأة لدى قوى 8 آذار أو حزب الله. في الوقت الباقي لسليمان في قصر بعبدا، كل شيء مبرّر ومباح. وعن النقد الحسّي لردّ سليمان على نصر الله، يقول مصدر نيابي بارز في 8 آذار، إن «السيد نصر الله لم يكن ليتهم السعودية بهذا الشكل العلني لو لم يكن لدى المقاومة وإيران أدلة قاطعة على تورط سعودي في استهداف السفارة الإيرانية». إلا أن هذا ليس لبّ البحث، فإذا كان ردّ سليمان على نصر الله مردّه «الحرص على علاقة لبنان بدولة عربية»، فهل تجرأ سليمان يوماً، وحتى من قبل الأزمة السورية، على انتقاد اتهام سياسي واحد من اتهامات 14 آذار اليومية لسوريا «جزافاً»، من دون أدلة أو حجج أو حتى تحليلات سياسية منطقية؟
وكما باتت قوى 8 آذار تتهم السعودية بنحو واضح وعلني بأعمال إرهابية، لم تعد هذه القوى تراعي موقع سليمان كرئيس للجمهورية اللبنانية، «لأن سليمان كسر موقعه عبر انحيازه إلى فريق دون آخر، وهو لم يعد رئيساً للجميع، بل رئيس فئة... لقد جلس سليمان وسمع بأذنيه الملك السعودي يهاجم حزب الله، فهل سأله إن كانت انتقاداته «جزافاً»؟ أم هزّ رأسه وصمت؟».
وإذا كان السفير الفرنسي في لبنان باتريس باولي قد همس في الأسابيع الماضية لعدد ممن يلتقيهم برغبة فرنسية بالتمديد لسليمان، وكذلك تيار المستقبل بإيعازٍ سعودي، فهل صدّق سليمان، في ذروة المتغيرات الدولية تجاه إيران، أن بإمكان فرنسا والسعودية فرض التمديد له من دون رضى أطراف فاعلة في لبنان، كحزب الله والتيار الوطني الحر؟
قد تكون هذه القناعة، بحدّ ذاتها، هي السبب وراء موقف سليمان الأخير أمس. أكثر من مصدر بارز في 8 آذار، يجزم بأن «التمديد لسليمان هو أمر خارج البحث»، وأنه «يقف وحيداً تقريباً إلّا من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بين أغلب المسيحيين المشرقيين، الذين يعتبرون أن ما يقوم به حزب الله هو عمل بطولي وتاريخي»، وأنه «لا مكان له في الفريق الآخر، لأنه انقلب عليه وقت حكّ الركب»، وبالتالي «لم يعد لديه خيار سوى الوقوف مع السعودية لضمان تقاعده المبكر، أو ربما منصب دولي موعود يعمل على تسويقه فيه مقربون له». مسألة أخرى مهمة. فات سليمان في خطابه الصباحي أن يستنكر اغتيال القائد المقاوم حسان اللقيس، فمرّ الخطاب من دون ذكره، ليعود سليمان ويمرّ على الاغتيال من دون أن يؤكد اتهام حزب الله لإسرائيل بالوقوف خلف الجريمة، بل واضعاً إياها في خانة «محاولات إثارة وضرب السلم الأهلي خدمة للأهداف الإسرائيلية». وطبعاً، التعليق كان مناسبة ليتذكر سليمان أن الجماعات المسلحة المرتبطة بالسعودية التي استنفر للدفاع عنها، اختطفت 12 راهبة من معلولا، «جزافاً». ومن كثرة حرص سليمان على الدفاع عن السعودية، كذلك نسي أن يذكر «إعلان بعبدا» في موقفيه أمس، خلافاً لما اعتاد فعله عبر تكرار الحديث عن «الإعلان» بمناسبة أو من دونها.
وإن كانت قوى 8 آذار ترى أن تعليق الرئيس سعد الحريري «هو تعليق طبيعي، فمن واجب الحريري الدفاع عن أسياده»، يقول مصدر نيابي بارز إن «ذكر السيد نصر الله للحريري بالاسم يعني أن لا مكان له بعد الآن في رئاسة الحكومة، لأن المتطرفين المهزومين لا مكان لهم في التسويات». وحسناً فعل الرئيس فؤاد السنيورة، حين نبش من الحقل المعجمي كل ما يرادف «جزافاً»، ليصف كلام نصر الله بـ«الاتهام الجائر والعشوائي والظالم»، ولم ينقل عن سليمان حرفية كلامه.
تجدر الإشارة إلى بيان 14 آذار، الذي أظهر حرصاً على أن لا تظهر فوارق في كلام نصر الله، وفي التصريحات الإيرانية بعد التفجيرين. وأشار البيان إلى ما سماه «تعدد أجنحة في إيران» بين «خط انفتاحي يمثله الرئيس حسن روحاني» و«خط يمثله الحرس الثوري الإيراني الذي ينتمي إليه نصر الله»!
المصدر :
فراس الشوفي -
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة