لا تُحصى الفرص التي ضيعها «حزب العدالة والتنمية» في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فيما لو استمر في سياساته التي انتهجها قبل الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية منذ ثلاث سنوات ولا تزال. من تلك الفرص دور البلد الوسيط الذي لا يهدأ وزير خارجيته في التنقل من عاصمة إلى أخرى سعياً لحل المشكلات، في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أجرته «المؤسسة التركية للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية»، ونشرت نتائجه أمس، أن شعبية تركيا تراجعت في الشرق الأوسط، خصوصاً بسبب سياستها حيال سوريا ومصر.

وأجري الاستطلاع بين شهري آب وأيلول الماضيين في 16 بلداً، على عينة شملت 2800 شخص. وأشار إلى أن تركيا ما زالت تتمتع بشعبية في المنطقة، بالرغم من تراجعها مقارنة مع تحقيق أجري في العام الماضي.

وقد خسرت تركيا موقع «البلد الأكثر شعبية في المنطقة» لحساب الإمارات، بحسب ما كشف الاستطلاع الذي يحمل عنوان «النظرة إلى تركيا في الشرق الأوسط 2013».

ففي العام 2011، كان لدى 78 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع رأي إيجابي. وهذه النسبة تراجعت إلى 69 في المئة في العام 2012، وإلى 59 في المئة في العام الحالي. وأصبحت الإمارات الدولة الأكثر شعبية (67 في المئة)، تليها السعودية (60 في المئة)، ثم تركيا (59 في المئة). والتراجع الأكبر في شعبية تركيا سجل في مصر وسوريا في السنة الأخيرة، حيث رأى 88 في المئة من السوريين، و68 في المئة من المصريين أن تركيا تتبع سياسة «معادية» حيال بلديهما.

وعودة إلى الفرص التركية المهدورة، عبّر سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» وعبد الحميد بالجي في صحيفة «زمان» وصولي أوزيل في صحيفة «خبر تورك»، وغيرهم الكثير، عن تلك الفرص في مقالات تعكس الحال المزرية التي وصلت إليها السياسة الخارجية التركية كما التطورات في الداخل.

كوهين أشار إلى اقتراح نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على تركيا التوسط بينها وبين النظام في سوريا. وقال كوهين إن «هذا العرض يعكس أمرين: الأول أن إيران باتت بعد الاتفاق النووي تستشعر في نفسها القوة والثقة بأنها يمكن أن تلعب أدوارا إقليمية مهمة وأنها ستلعب هذه الأدوار بسياسة الانفتاح الجديدة التي تعتمدها. والثاني الواقع المر لحال تركيا. إذ إن تركيا كانت إلى سنوات قليلة البلد الذي يتصدى لأدوار الوساطة ومن دون وضع أي حدود لهذا الدور، حتى تحولت الوساطة إلى قطاع جديد للسياسة الخارجية التركية». ويعدد كوهين «تلك الأدوار الوسيطة بين سوريا وإسرائيل وبين سوريا والعراق وبين حماس وفتح وبين باكستان وأفغانستان وبين اللبنانيين. ومع أن بعض الوساطات لم تنجح، وهذا طبيعي، لكن هذا الدور أكسب تركيا هالة على الساحة الدولية».

ويقول كوهين إن «القيام بهذا الدور يتطلب علاقات جيدة مع كل الأطراف وحوارا، لكن أنقرة في السنوات الأخيرة فقدت هذه الصفة وباتت طرفا في عدد كبير من المشكلات، وبدلا من أن تكون جزءا من الحل صارت جزءا من المشكلة. ومن الأمثلة على ذلك علاقاتها بسوريا والعراق ومصر وفلسطين وإسرائيل».

ويضيف ان «المواقف المبدئية لأي دولة لا تمنع اتباع سياسات متوازنة وإقامة حوار بناء مع كل الأطراف، ولو أن الحكومة التركية طبقت مثل هذه السياسة المتوازنة لكانت هي التي تقوم بالوساطات اليوم، ولم تكن لتقع في حالة نزاع مع كل هذه الدول»، معتبرا ان «الأخذ بالاعتبار دور حكومة نوري المالكي بشأن الاتفاقات النفطية مع كردستان العراق قد يكون بداية لسياسة متوازنة جديدة».

وفي صحيفة «زمان» كتب عبد الحميد بالجي متحدثا عن كيف ضيّعت تركيا في عهد «العدالة والتنمية» فرصة ان تكون بلدا نموذجا للحرية والديموقراطية والاسلام المعتدل.

وقال: «استنادا الى ما قاله بعض المفكرين الغربيين، فإن تركيا بجمعها بين الحداثة والتنمية، وبسياساتها العلمانية المعتمدة على العسكر، أسست لعلاقات جيدة مع الغرب، وكلما ابتعدت تركيا عن العلمانية كانت العلاقة المستقرة مع الغرب تهتز وكانت الديموقراطية تتعرض للسقوط». لكن الكاتب يرى ان هذه الطروحات سقطت مع نجاح «حزب العدالة والتنمية» في التنمية وعملية الدمقرطة رغم إضعاف دور المؤسسة العسكرية وباتت مثالا لعدد كبير من الدول المسلمة.

غير ان الكاتب يستطرد قائلا ان «العدالة والتنمية انقلب على هذه السياسات الناجحة بسعيه لوأد الديموقراطية والتضييق على الحريات والسعي للانضمام الى منظمة شنغهاي بدلا من الاتحاد الأوروبي، فابتعد عن الخط الذي حقق له النجاح وأحدث إحباطا كبيرا لدى مؤيديه في الداخل والخارج، وخرج من ان يكون عنصرا جاذبا في الشرق الأوسط». وبذلك، ينهي بالجي مقالته قائلا ان «العدالة والتنمية ضيّع فرصة تاريخية كان يتابعها الكثيرون ويشجعونها».

أما صولي أوزيل فكتب في صحيفة «خبر تورك» عن تقدم ايران وتراجع تركيا، قائلا ان «السياسات غير العقلانية لحزب العدالة والتنمية أفقدت تركيا حضورها وتأثيرها في المنطقة بدءا من أحداث جيزي في الداخل، ومن ثم تغليب العوامل الإخوانية في الموقف من إطاحة الإخوان المسلمين في مصر». وقال ان «فشل تركيا في سوريا، وانهيار آمال أنقرة على الربيع العربي، بل تحول تركيا نفسها الى ساحة ضد الديموقراطية واتباع سياسات مذهبية أوقعت تركيا في حالة من العزلة، وأفقدتها فرصا كبيرة وعكست عدم كفاءة الطاقم الحاكم».

  • فريق ماسة
  • 2013-12-04
  • 9217
  • من الأرشيف

سياسة أنقرة والفرص الضائعة

لا تُحصى الفرص التي ضيعها «حزب العدالة والتنمية» في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، فيما لو استمر في سياساته التي انتهجها قبل الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية منذ ثلاث سنوات ولا تزال. من تلك الفرص دور البلد الوسيط الذي لا يهدأ وزير خارجيته في التنقل من عاصمة إلى أخرى سعياً لحل المشكلات، في وقت أظهر فيه استطلاع للرأي أجرته «المؤسسة التركية للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية»، ونشرت نتائجه أمس، أن شعبية تركيا تراجعت في الشرق الأوسط، خصوصاً بسبب سياستها حيال سوريا ومصر. وأجري الاستطلاع بين شهري آب وأيلول الماضيين في 16 بلداً، على عينة شملت 2800 شخص. وأشار إلى أن تركيا ما زالت تتمتع بشعبية في المنطقة، بالرغم من تراجعها مقارنة مع تحقيق أجري في العام الماضي. وقد خسرت تركيا موقع «البلد الأكثر شعبية في المنطقة» لحساب الإمارات، بحسب ما كشف الاستطلاع الذي يحمل عنوان «النظرة إلى تركيا في الشرق الأوسط 2013». ففي العام 2011، كان لدى 78 في المئة من الذين شملهم الاستطلاع رأي إيجابي. وهذه النسبة تراجعت إلى 69 في المئة في العام 2012، وإلى 59 في المئة في العام الحالي. وأصبحت الإمارات الدولة الأكثر شعبية (67 في المئة)، تليها السعودية (60 في المئة)، ثم تركيا (59 في المئة). والتراجع الأكبر في شعبية تركيا سجل في مصر وسوريا في السنة الأخيرة، حيث رأى 88 في المئة من السوريين، و68 في المئة من المصريين أن تركيا تتبع سياسة «معادية» حيال بلديهما. وعودة إلى الفرص التركية المهدورة، عبّر سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» وعبد الحميد بالجي في صحيفة «زمان» وصولي أوزيل في صحيفة «خبر تورك»، وغيرهم الكثير، عن تلك الفرص في مقالات تعكس الحال المزرية التي وصلت إليها السياسة الخارجية التركية كما التطورات في الداخل. كوهين أشار إلى اقتراح نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على تركيا التوسط بينها وبين النظام في سوريا. وقال كوهين إن «هذا العرض يعكس أمرين: الأول أن إيران باتت بعد الاتفاق النووي تستشعر في نفسها القوة والثقة بأنها يمكن أن تلعب أدوارا إقليمية مهمة وأنها ستلعب هذه الأدوار بسياسة الانفتاح الجديدة التي تعتمدها. والثاني الواقع المر لحال تركيا. إذ إن تركيا كانت إلى سنوات قليلة البلد الذي يتصدى لأدوار الوساطة ومن دون وضع أي حدود لهذا الدور، حتى تحولت الوساطة إلى قطاع جديد للسياسة الخارجية التركية». ويعدد كوهين «تلك الأدوار الوسيطة بين سوريا وإسرائيل وبين سوريا والعراق وبين حماس وفتح وبين باكستان وأفغانستان وبين اللبنانيين. ومع أن بعض الوساطات لم تنجح، وهذا طبيعي، لكن هذا الدور أكسب تركيا هالة على الساحة الدولية». ويقول كوهين إن «القيام بهذا الدور يتطلب علاقات جيدة مع كل الأطراف وحوارا، لكن أنقرة في السنوات الأخيرة فقدت هذه الصفة وباتت طرفا في عدد كبير من المشكلات، وبدلا من أن تكون جزءا من الحل صارت جزءا من المشكلة. ومن الأمثلة على ذلك علاقاتها بسوريا والعراق ومصر وفلسطين وإسرائيل». ويضيف ان «المواقف المبدئية لأي دولة لا تمنع اتباع سياسات متوازنة وإقامة حوار بناء مع كل الأطراف، ولو أن الحكومة التركية طبقت مثل هذه السياسة المتوازنة لكانت هي التي تقوم بالوساطات اليوم، ولم تكن لتقع في حالة نزاع مع كل هذه الدول»، معتبرا ان «الأخذ بالاعتبار دور حكومة نوري المالكي بشأن الاتفاقات النفطية مع كردستان العراق قد يكون بداية لسياسة متوازنة جديدة». وفي صحيفة «زمان» كتب عبد الحميد بالجي متحدثا عن كيف ضيّعت تركيا في عهد «العدالة والتنمية» فرصة ان تكون بلدا نموذجا للحرية والديموقراطية والاسلام المعتدل. وقال: «استنادا الى ما قاله بعض المفكرين الغربيين، فإن تركيا بجمعها بين الحداثة والتنمية، وبسياساتها العلمانية المعتمدة على العسكر، أسست لعلاقات جيدة مع الغرب، وكلما ابتعدت تركيا عن العلمانية كانت العلاقة المستقرة مع الغرب تهتز وكانت الديموقراطية تتعرض للسقوط». لكن الكاتب يرى ان هذه الطروحات سقطت مع نجاح «حزب العدالة والتنمية» في التنمية وعملية الدمقرطة رغم إضعاف دور المؤسسة العسكرية وباتت مثالا لعدد كبير من الدول المسلمة. غير ان الكاتب يستطرد قائلا ان «العدالة والتنمية انقلب على هذه السياسات الناجحة بسعيه لوأد الديموقراطية والتضييق على الحريات والسعي للانضمام الى منظمة شنغهاي بدلا من الاتحاد الأوروبي، فابتعد عن الخط الذي حقق له النجاح وأحدث إحباطا كبيرا لدى مؤيديه في الداخل والخارج، وخرج من ان يكون عنصرا جاذبا في الشرق الأوسط». وبذلك، ينهي بالجي مقالته قائلا ان «العدالة والتنمية ضيّع فرصة تاريخية كان يتابعها الكثيرون ويشجعونها». أما صولي أوزيل فكتب في صحيفة «خبر تورك» عن تقدم ايران وتراجع تركيا، قائلا ان «السياسات غير العقلانية لحزب العدالة والتنمية أفقدت تركيا حضورها وتأثيرها في المنطقة بدءا من أحداث جيزي في الداخل، ومن ثم تغليب العوامل الإخوانية في الموقف من إطاحة الإخوان المسلمين في مصر». وقال ان «فشل تركيا في سوريا، وانهيار آمال أنقرة على الربيع العربي، بل تحول تركيا نفسها الى ساحة ضد الديموقراطية واتباع سياسات مذهبية أوقعت تركيا في حالة من العزلة، وأفقدتها فرصا كبيرة وعكست عدم كفاءة الطاقم الحاكم».

المصدر : محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة