دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا يكاد يمر يوم من دون أن يصل فيه سعودي آخر إلى سوريا بهدف الانضمام إلى التنظيمات «الجهادية» والقتال في صفوفها.
ورغم التعدد الكبير في الجنسيات التي تتوافد منها قوافل «الجهاديين»، إلا أن السعوديين هم مصدر القيادات «الجهادية»، وخزّان منفذي العمليات الانتحارية، ما يعطيهم ميزة لا يمتلكها غيرهم.
قد نعلم أن آخر سعودي وصل إلى الأراضي السورية، حتى الآن، هو الفتى معاذ المعتق، البالغ من العمر 17 عاماً، ولكن لن يكون بالإمكان أبداً معرفة أول سعودي قصد سوريا بهدف القتال، ولا التاريخ الدقيق لوصوله.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن عبد العزيز العثمان هو أقدم سعودي وصل إلى سوريا، حيث وصل بحسب أدق التقديرات مع بداية العام 2012، وقد كان العثمان قيادياً بارزاً في «جبهة النصرة»، حتى أن بعض الروايات عن مقتله في منطقة الشدادي في الحسكة تقول إنه كان متواجداً في سيارة واحدة مع كل من زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني والمسؤول الشرعي العام أبي ماريا القحطاني، ما يشير إلى أنه كان مقرباً وموثوقاً، وقد قتل معه في نفس الحادثة سعودي آخر هو عمر المحيسني.
ولكن لا يعني ذلك أنه لم يصل سعوديون إلى سوريا قبل ذلك التاريخ، بل المرجح أن توافد «الجهاديين» السعوديين إلى سوريا بدأ بالتزامن مع بداية الأزمة فيها، ولكنه آنذاك لم يكن يجري على سبيل «النفير العام»، وإنما على سبيل الاستدعاء الشخصي لبعض قيادات تنظيم «القاعدة» القديمة أو قدامى الرعيل الأول من الأفغان العرب، للسفر إلى سوريا واستكشاف أفضل طرق العمل فيها، والمقصود طبعاً إنشاء خلايا أولية تكون اللبنة الأساسية لبناء تنظيمات «جهادية».
وبحسب معلومات خاصة حصلت عليها «السفير» من مصدر في «حركة أحرار الشام»، فإن ثمة شخصية بعيدة عن الأضواء لكنها لعبت دوراً بارزاً في تشكيل أولى الكتائب المسلحة ذات التوجه الإسلامي، كما أنها سعت منذ البداية إلى إعادة التواصل مع رموز كبيرة في «القاعدة» للتشاور والتعاون في أفضل الطرق للعمل «الجهادي» في سوريا، والمقصود هو أبو خالد السوري، وهو شخصية لها وزنها في التاريخ «الجهادي»، وهو من وجه له أبو مصعب السوري الإهداء في كتابه «دعوة إلى الجهاد العالمي» مع قيادي آخر في «القاعدة» هو عطية الله الليبي، ما يشير إلى أهمية أبو خالد السوري ومركزيته. ويزيد من هذه الأهمية إذا علمنا أن أبو خالد السوري هو أيضاً من اختاره، مؤخراً، زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري ليكون حكماً يشرف على حل الخلاف بين الجولاني وزعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) أبو بكر البغدادي، فالرجل إذاً موثوق وله مكانة قيادية في تنظيم «القاعدة» لا تخفى على أحد.
وبحسب المصدر فإن عدداً من «المهاجرين» ومن بينهم سعوديون، كانوا يتواجدون فوق الأراضي السورية بالتزامن مع نشأة «حركة أحرار الشام»، التي يعتبر أبو خالد السوري أحد مؤسسيها وقادتها الكبار، أي منذ أيار العام 2011، حيث كان غالبية المهاجرين ينتسبون سراً إلى «أحرار الشام» باعتبارها الفصيل المزكّى من قبل قادة «القاعدة». ولكن غالبية هؤلاء «المهاجرين» انتقلوا إلى «جبهة النصرة» عند تأسيسها. أما أبو خالد السوري فقد بقي مع «أحرار الشام» في خطوة قد يكون المقصود منها تقوية «التيار القاعدي» ضمن الحركة لاستغلاله في الوقت المناسب.
ويثير الانتقال السهل لرموز من «القاعدة» وشخصيات من الرعيل الأول من الأفغان العرب، من السعودية ودخولهم الأراضي السورية، تساؤلات حول دور أجهزة الأمن السعودية في رصد ومتابعة هؤلاء، وهل هذا الانتقال هو مؤشر على غض الطرف من قبل أجهزة الاستخبارات السعودية، أم الأمر أكبر من ذلك؟.
حسب المعطيات المتوفرة، فإن الشيخ «عبد الواحد»، الملقب بـ«صقر الجهاد»، قد يكون أول قيادي من الرعيل الأول من الأفغان العرب، وصل إلى الأراضي السورية بعد نشوب الأزمة فيها بأشهر قليلة، حيث استقر في جبال اللاذقية وعمل على تشكيل كتيبة «صقور العز» التي استقطب عبد الواحد من خلالها رموزاً كبيرة في العمل «الجهادي» في أفغانستان، نذكر منهم عبدالملك الإحسائي (أبو لين) وزيد البواردي (أبو عمار المكي) وابو محمد الحلبي، وهم جميعاً من الرعيل الأول وأمضوا أكثر من 25 عاماً في القتال، من أفغانستان إلى البوسنة ومن ثم الشيشان والعراق، وقد قتلوا ثلاثتهم في سوريا. وكان لكتيبة «صقور العز» دور آخر، هو العمل على استقبال «المهاجرين» على الحدود السورية- التركية، وتأمين مأوى لهم إلى أن يحين وقت فرزهم.
بعد ذلك لحق بالشيخ عبد الواحد رجال لا يقلون أهمية عنه، مثل «نجم الدين آزاد» واسمه الحقيقي عادل العتيبي، وقد قاتل مع زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن والقائد خطاب في أفغانستان. وانتقل العتيبي من السعودية إلى سوريا رغم أن إحدى ساقيه مقطوعة. وكذلك فايز المتعب الذي يعتبر صديقاً شخصياً لبن لادن، حيث كان الأخير ينزل في منزله أثناء زيارته السعودية، وغيرهم كثير من رموز «الجهاد» الأفغاني الذي يفترض أن من شاركوا به أصبحوا مصنفين على أنهم إرهابيون دولياً وملاحقون أو على الأقل مراقبون! وهو ما يثير التساؤل كيف امتلك هؤلاء المصنفون إرهابيين، وبشكل مفاجئ مع بداية الأزمة السورية، حرية التنقل عبر الحدود من دون أي قيود أو مراقبة؟
هل يعقل أن يكون ذلك قد جرى دون علم الاستخبارات السعودية؟ وإذا افترضنا أن أوائل النافرين لـ«الجهاد» في سوريا قد غافلوا السلطات السعودية وتمكنوا من الالتحاق بالتنظيمات «الجهادية» السورية، فلماذا يتوالى حتى الآن وصول زملائهم من قدامى الأفغان العرب، ولم تحاول الاستخبارات السعودية إيقافهم أو ممارسة ضغوط عليهم كي لا يخرجوا؟.
وقد ازدادت وتيرة «نفير» السعوديين، بعد الإعلان عن تأسيس «جبهة النصرة» والبدء بتنفيذ عملياتها الانتحارية. وكانت قوافل «الجهاديين» تصل بشكل مستمر وشبه منتظم عبر الحدود التركية وصولاً إلى مقر «كتيبة صقور العز» في جبال اللاذقية، ومنها يجري الالتحاق إما بـ«جبهة النصرة»، أو البقاء مع «صقور العز»، لكن الغالبية كانت تذهب إلى «النصرة» لأن تزكية شيوخ القاعدة في هذه الأثناء تحولت عن «أحرار الشام» إلى «جبهة النصرة».
وقد التحق «عبد الحكيم الموحد»، واسمه الحقيقي عبد العزيز السبيعي، بـ«جبهة النصرة»، لكن السبيعي لم يكن عنصراً عادياً، كما أنه لم يكن من أصحاب الخبرة في «الجهاد»، لكن ميزته أنه كان ممنوعاً من السفر بموجب قرار من السلطات السعودية، وناشطاً في التحريض على اعتصام «الطرفية» في مدينة البريدة السعودية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى أنه بمجرد وصوله إلى سوريا تحول إلى «منسق» يعمل على استقدام السعوديين لـ«الجهاد» في سوريا من دون أن يقعوا فريسة بين يدي أجهزة الأمن السورية.
وللغرابة، فإن السبيعي ليس أول ولا آخر مواطن سعودي ممنوع من السفر يتمكن من الوصول إلى سوريا! ولا نغالي إذا قلنا ان المعطيات المتوفرة بين يدينا تشير إلى أن عددا كبيرا من «الجهاديين» السعوديين الموجودين في سوريا هم في الواقع ممنوعون من السفر بموجب قرار رسمي صادر عن السلطات السعودية، نذكر منهم عبدالله بن قاعد العتيبي وبدر بن عجاب المقاطي وعبدالله السديري وعقاب ممدوح المرزوقي وعشرات غيرهم ممن وصلوا سوريا رغم منعهم من السفر. مع الإشارة إلى أن هؤلاء خرجوا عن طريق مطار الرياض كما يؤكد معظمهم ممن يغرد على «تويتر».
وينبغي أن نشير إلى أن السبيعي قتل منذ حوالي شهرين ونصف الشهر في جوبر بدمشق، فسارع شقيقه سليمان السبيعي إلى «النفير» ووصل إلى سوريا من دون أي إعاقة، علماً أن عبد العزيز كان قد سافر بجواز سفر شقيقه سليمان!، أي أن سليمان استحصل على جواز سفر جديد وتأشيرة وغادر المطار، رغم أن القيود الرسمية تشير إلى أنه مسافر ولم يعد بعد؟.
وما يزيد الاستغراب هو بروز تلك الظاهرة بخصوص نشطاء الاعتصامات والتظاهرات ضد الحكومة السعودية، حيث تحول هؤلاء فجأة من نشطاء ومعارضين إلى «مجاهدين»، فتركوا الاعتصامات وأخلوا الشوارع من التظاهرات ضد نظام الحكم في بلادهم، وزهدوا بقضية المعتقلين وضرورة الإفراج عنهم، وقرروا «النفير» إلى سوريا لـ«الجهاد» ضد نظام الحكم فيها.
وللمصادفة فإن هذا التحول يجري دائماً بعد اعتقالهم لمدة أسبوعين أو ثلاثة، فيخرج أحدهم من السجن وقد أصبح حلم حياته «الجهاد» في سوريا. ومعتقلو ما اصطلح على تسميته بـ «اعتصام الطرفية» هم مثال بارز على هذه الظاهرة، فغالبية من اعتقلتهم السلطات السعودية من نشطاء ومتظاهرين في أعقاب اعتصام الطرفية في القصيم، قرروا «النفير» إلى سوريا والالتحاق بالتنظيمات «الجهادية» فيها، رغم عدم امتلاكهم أي خبرة قتالية، وهذا ما أدى إلى مقتل عدد منهم بعد وصولهم إلى سوريا بأيام فقط. وأشهر هؤلاء هو محمد الطلق، أحد معتقلي اعتصام الطرفية، والذي قتل بعد خمسة أيام من وصوله إلى الأراضي السورية نتيجة عدم خبرته في حمل السلاح والقتال.
هل يمكن أن يحدث كل ذلك من دون علم السلطات السعودية؟
يخرج كبار رجال «القاعدة»، ثم عدد كبير من الممنوعين من السفر، ثم عدد آخر من النشطاء والمعتصمين، ويغادرون عبر مطار الرياض، والسلطات السعودية غافلة عما يجري فوق أراضيها؟.
وللحق فإنه لا يمكن مطالبة السلطات السعودية بأن تمنع خروج مواطنيها أو بوقف السفر في مطارات المملكة، لمجرد أن هناك أزمة في سوريا تستقطب إليها رموز «الجهاد» العالمي! ولكن من البديهي ألا يشمل ذلك فئة الممنوعين من السفر، لأن هؤلاء غير مسموح لهم بالسفر في أي ظرف، فكيف صادف أن تمكن قسم كبير منهم من السفر إلى تركيا ومن خلالها إلى سوريا، خلال فترات متقاربة؟ علاوة على أن بعض هؤلاء يعود إلى السعودية لوقت قصير في ما يشبه إجازة من «الجهاد»، ثم يعود إلى سوريا مرة أخرى، وكل ذلك تحت أنظار السلطات السعودية التي لا تتخذ أي إجراء وتكتفي بالمراقبة؟.
ولكن أليس من قبيل المبالغة في حسن النية، أن نفترض أن السلطات السعودية لا تعلم بخطورة ما يحدث على صعيد «النفير» من أراضيها إلى سوريا؟ وكأن أجهزة الاستخبارات السعودية قررت فجأة الالتزام الأخلاقي بفضيلة «غض الطرف» وعدم مراقبة من تعتبرهم أخطر الفئات عليها؟.
وعلى العكس، فإن وتيرة «النفير» السعودي إلى سوريا تزداد يوماً بعد يوم، بل يلاحظ أن ظاهرة «النفير» في الأشهر الأخيرة بدأت تنتشر في أوساط الطبقة الوسطى وطبقة ما تحت طبقة الأمراء ـ إن صح التعبير ـ ولم تعد تقتصر على الفقراء أو المهمشين أو مستوري الحال.
فهناك الكثير من الدعاة الإسلاميين وصلوا إلى سوريا، قد يكون أبرزهم مؤخراً الشيخ عبدالله المحيسني، وكذلك اساتذة الجامعة مثل الشيخ عثمان آل نازح والأطباء وكتاب العدل ومدير شركة كهرباء.. وأيضاً ضباط في الجيش السعودي أو اقرباء ضباط. فقد قتل منذ أيام في دير عطية عادل نايف الشمري وهو ضابط برتبة رائد في حرس الحدود السعودي، قيل أنه انشق وانضم إلى الجماعات «الجهادية» في سوريا، ولكن لم يصدر عنه شخصياً ما يدل ويثبت أنه انشق فعلاً. وكذلك قتل في حلب مطلق المطلق الذي تبين أنه نجل اللواء عبدالله مطلق السديري مدير مركز الضباط، وبعد الاستقصاء علمت «السفير» أن مطلق المطلق كان من الداعمين العلنيين للجهاديين في سوريا من العام الماضي، وكان يقوم بحملات لجمع التبرعات وإرسالها إليهم. وبعد مقتله في سوريا سربت أجهزة الاستخبارات السعودية انه كان مطلوباً لديها، وأنه سافر إلى سوريا خوفاً من القبض عليه! ولكن ما يثير الشكوك في رواية الاستخبارات السعودية المسربة، أن عم مطلق المطلق، أي شقيق اللواء، متواجد أيضاً في سوريا ضمن صفوف التنظيمات «الجهادية»، وهو الذي استلم أغراض ابن أخيه بعد مقتله! فهل من قبيل المصادفة أيضاً أن تقرر عائلة لواء في الجيش السعودي «النفير» إلى سوريا والانضمام إلى الجماعات المتشددة فيها؟.
المصدر :
السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة