صفير قذيفة تحلق في السماء، يتبعها دوي انفجار، ثم قطع للطرق بعض الوقت، سيارات الإسعاف تمر مسرعة، تحمل ضحايا ومصابين، هو مشهد ألفه سكان دمشق، فلا يكاد يمر يوم دون أن تنهال قذائف الهاون على أحياء العاصمة، لتحصد أرواح مواطنين ذنبهم الوحيد أنهم في مكان سقوط «قذيفة عمياء».

«هي كالقدر»، يقول أنس، وهو طالب في كلية الآداب في جامعة دمشق، مضيفا «في البداية كان الأمر مروعاً، أن تسقط في محيط منزلك قذيفة وتسمع نبأ استشهاد أحد أبناء حارتك وهو داخل منزله من دون أي سبب. تشعر حينها بالخطر يحيط بك، وبرائحة الموت تفوح من المكان، إلا أنه مع مرور الوقت يصبح الأمر عادياً. قد تكون مشاعرنا تبلّدت، أو أننا تأقلمنا مع الموت المفاجئ». ويضيف ساخراً «من يدري، قد أكون أنا هدفاً لإحداها غدا».

وفيما تصف ولاء، وهي مهندسة في شركة خاصة، قذائف الهاون بـ«قذائف الموت»، تقول: «مع اقتراب العام الثالث لبدء الأحداث في سوريا، لم يعد يخيفنا هذا السلاح، فما باليد حيلة سوى التأقلم مع إمكانية الموت في أية لحظة»، مضيفة «نتخذ بضعة إجراءات من شأنها أن تحمينا، كأن نبتعد عن مكان سقوط القذائف، لأنه في معظم الأحيان تسقط بضع قذائف تتالياً في المكان ذاته وفي محيطه، إضافة إلى الابتعاد عن النوافذ والشرفات».

وعلى الرغم من تحول سقوط قذائف الهاون على دمشق إلى «ظاهرة اعتيادية»، تتناولها وسائل الإعلام السورية في سياق تغطيتها للأحداث كخبر مكرر وممل، إلا أن عملية إحصاء بسيطة لعدد الضحايا الذي يخلفه هذا السلاح خلال فترة بسيطة (30 يوماً) تظهر حقيقة أخرى لهذا السلاح، الذي يقضم المدينة وسكانها ببطء، مخلفاً دماراً طال في مرات عديدة مواقع أثرية، أبرزها سور الجامع الأموي في دمشق.

وتفيد عملية الإحصاء، التي نفذها «المركز السوري للتوثيق»، وهو مركز مستقل، أنه خلال تشرين الثاني الماضي، سقطت على أحياء دمشق وريفها نحو 321 قذيفة، منها 192 سقطت في دمشق و129 في ريفها، تسببت بمقتل 60 شخصاً، وإصابة 323، كما ألحقت أضراراً مادية تراوحت بين احتراق سيارات وتضرر أبنية سكنية وعدة مدارس ودور عبادة.

كما تفيد الدراسة، التي أعدها المركز الذي يعمل على جمع المعلومات المتعلقة بالأحداث التي تجري في سوريا عبر عدة مصادر، ومقاطعتها مع أخبار مراسلي المركز في كل المحافظات السورية، حسبما يعرّف بنفسه، أن أبرز الأضرار التي تسببت بها هذه القذائف خلال فترة الإحصاء تمثلت بـ«تضرر أحد جدران الجامع الأموي في دمشق القديمة، وتضرر 4 كنائس في منطقة باب توما (الصليب، اللاتين، السريان الكاثوليك، والكرلس مقابل المستشفى الفرنسي في القصاع)، ومدرسة زيد بن الخطاب بالعباسيين، ومدرسة ابتدائية بالزاهرة، وحمّام أمونة في دمشق القديمة، ومحطة الحجاز، وسوق مدحت باشا الأثريين»، إضافة إلى تضرر أحد جدران السفارة الروسية وجرح عدد من الحراس.

ويقول الصحافي في «المركز» علاء إحسان، الذي قام وزميله زين عدلة، بإعداد الإحصاء، لـ«السفير»، «قد تحتوي عملية الإحصاء على نقص في بعض المعلومات نظراً لتداخل بعض المناطق والأحياء في العاصمة وريفها، وتنوع مصادر الحصول على المعلومات والخسائر البشرية».

وفيما يعتبر الهاون أحد أبرز الأسلحة التي تستخدمها المعارضة، تفيد جميع الدراسات حول هذا النوع من القذائف أن إصابتها غير دقيقة، ويصعب التحكم في إصابة هدف بدقة. ويذهب مصدر معارض إلى أبعد من ذلك بالقول «إذا رمينا قذيفتين من المكان ذاته، وبالزاوية ذاتها، فإنهما لا تصيبان الهدف ذاته». ويضيف «على الرغم من كونه سلاحاً غير دقيق الإصابة، إلا أن الثوار يستعملونه بسبب سهولة حمله ونقله واستخدامه»، ويضيف جازماً «كل المناطق التي يسيطر عليها النظام تصبح هدفا خلال المعارك».

يذكر أن عملية الإحصاء التي نفذها «المركز السوري للتوثيق» تظهر أن أياً من القذائف لم تطل مركز أمنية في دمشق، كما لم يسجل إصابة أي عنصر أمني أو حتى عسكري، خلال المدة التي شملتها عملية الإحصاء. فيما تركزت الإصابات بمجملها في مبان سكنية ومدارس ومناطق أثرية، كما طالت دور عبادة.

  • فريق ماسة
  • 2013-12-01
  • 9288
  • من الأرشيف

«قذائف الموت» على دمشق: حوالي 400 ضحية في شهر

صفير قذيفة تحلق في السماء، يتبعها دوي انفجار، ثم قطع للطرق بعض الوقت، سيارات الإسعاف تمر مسرعة، تحمل ضحايا ومصابين، هو مشهد ألفه سكان دمشق، فلا يكاد يمر يوم دون أن تنهال قذائف الهاون على أحياء العاصمة، لتحصد أرواح مواطنين ذنبهم الوحيد أنهم في مكان سقوط «قذيفة عمياء». «هي كالقدر»، يقول أنس، وهو طالب في كلية الآداب في جامعة دمشق، مضيفا «في البداية كان الأمر مروعاً، أن تسقط في محيط منزلك قذيفة وتسمع نبأ استشهاد أحد أبناء حارتك وهو داخل منزله من دون أي سبب. تشعر حينها بالخطر يحيط بك، وبرائحة الموت تفوح من المكان، إلا أنه مع مرور الوقت يصبح الأمر عادياً. قد تكون مشاعرنا تبلّدت، أو أننا تأقلمنا مع الموت المفاجئ». ويضيف ساخراً «من يدري، قد أكون أنا هدفاً لإحداها غدا». وفيما تصف ولاء، وهي مهندسة في شركة خاصة، قذائف الهاون بـ«قذائف الموت»، تقول: «مع اقتراب العام الثالث لبدء الأحداث في سوريا، لم يعد يخيفنا هذا السلاح، فما باليد حيلة سوى التأقلم مع إمكانية الموت في أية لحظة»، مضيفة «نتخذ بضعة إجراءات من شأنها أن تحمينا، كأن نبتعد عن مكان سقوط القذائف، لأنه في معظم الأحيان تسقط بضع قذائف تتالياً في المكان ذاته وفي محيطه، إضافة إلى الابتعاد عن النوافذ والشرفات». وعلى الرغم من تحول سقوط قذائف الهاون على دمشق إلى «ظاهرة اعتيادية»، تتناولها وسائل الإعلام السورية في سياق تغطيتها للأحداث كخبر مكرر وممل، إلا أن عملية إحصاء بسيطة لعدد الضحايا الذي يخلفه هذا السلاح خلال فترة بسيطة (30 يوماً) تظهر حقيقة أخرى لهذا السلاح، الذي يقضم المدينة وسكانها ببطء، مخلفاً دماراً طال في مرات عديدة مواقع أثرية، أبرزها سور الجامع الأموي في دمشق. وتفيد عملية الإحصاء، التي نفذها «المركز السوري للتوثيق»، وهو مركز مستقل، أنه خلال تشرين الثاني الماضي، سقطت على أحياء دمشق وريفها نحو 321 قذيفة، منها 192 سقطت في دمشق و129 في ريفها، تسببت بمقتل 60 شخصاً، وإصابة 323، كما ألحقت أضراراً مادية تراوحت بين احتراق سيارات وتضرر أبنية سكنية وعدة مدارس ودور عبادة. كما تفيد الدراسة، التي أعدها المركز الذي يعمل على جمع المعلومات المتعلقة بالأحداث التي تجري في سوريا عبر عدة مصادر، ومقاطعتها مع أخبار مراسلي المركز في كل المحافظات السورية، حسبما يعرّف بنفسه، أن أبرز الأضرار التي تسببت بها هذه القذائف خلال فترة الإحصاء تمثلت بـ«تضرر أحد جدران الجامع الأموي في دمشق القديمة، وتضرر 4 كنائس في منطقة باب توما (الصليب، اللاتين، السريان الكاثوليك، والكرلس مقابل المستشفى الفرنسي في القصاع)، ومدرسة زيد بن الخطاب بالعباسيين، ومدرسة ابتدائية بالزاهرة، وحمّام أمونة في دمشق القديمة، ومحطة الحجاز، وسوق مدحت باشا الأثريين»، إضافة إلى تضرر أحد جدران السفارة الروسية وجرح عدد من الحراس. ويقول الصحافي في «المركز» علاء إحسان، الذي قام وزميله زين عدلة، بإعداد الإحصاء، لـ«السفير»، «قد تحتوي عملية الإحصاء على نقص في بعض المعلومات نظراً لتداخل بعض المناطق والأحياء في العاصمة وريفها، وتنوع مصادر الحصول على المعلومات والخسائر البشرية». وفيما يعتبر الهاون أحد أبرز الأسلحة التي تستخدمها المعارضة، تفيد جميع الدراسات حول هذا النوع من القذائف أن إصابتها غير دقيقة، ويصعب التحكم في إصابة هدف بدقة. ويذهب مصدر معارض إلى أبعد من ذلك بالقول «إذا رمينا قذيفتين من المكان ذاته، وبالزاوية ذاتها، فإنهما لا تصيبان الهدف ذاته». ويضيف «على الرغم من كونه سلاحاً غير دقيق الإصابة، إلا أن الثوار يستعملونه بسبب سهولة حمله ونقله واستخدامه»، ويضيف جازماً «كل المناطق التي يسيطر عليها النظام تصبح هدفا خلال المعارك». يذكر أن عملية الإحصاء التي نفذها «المركز السوري للتوثيق» تظهر أن أياً من القذائف لم تطل مركز أمنية في دمشق، كما لم يسجل إصابة أي عنصر أمني أو حتى عسكري، خلال المدة التي شملتها عملية الإحصاء. فيما تركزت الإصابات بمجملها في مبان سكنية ومدارس ومناطق أثرية، كما طالت دور عبادة.

المصدر : علاء حلبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة