دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تكثفت في الأيام الأخيرة عمليات تسليم مسلحين أنفسهم إلى السلطات المحلية، وذلك في أكثر من منطقة في سوريا، تتصدرها حتى الآن أرياف دمشق،وحمص وطرطوس، فيما قالت مصادر سورية معنية بتقدم هذه العملية إن أعداداً أخرى كبيرة تستعد لتسليم أنفسها في كل من حلب والرقة أيضاً.
وعرض التلفزيون السوري في نشرته الرئيسية أمس الأول، للمرة الأولى، وقائع عملية تسليم رجال من المسلحين أنفسهم، في محيط بلدة بيت سحم، وسط ركام المباني وتحت أزيز الرصاص.
ووفقاً لأحد الناشطين في عمليات المصالحة الوطنية، فإن نسبة عمليات التسليم ارتفعت «ألف في المئة « في الأسبوعين الأخيرين، ولاسيما بعد مرسوم العفو الذي صدر بحق الضباط الفارين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، بالإضافة إلى المدنيين من حاملي السلاح.
وبالرغم من أن العبارة التقليدية المتداولة إعلامياً وقانونياً هي «العفو عمن لم تتلطخ أيديهم بالدماء»، إلا أن تدفق المسلحين «التائبين أو المستسلمين»، يضعها في خلفية الصورة، لا مقدمتها.
واعترف على الشاشة الرسمية جلّ الذين تقدموا من حاجز الجيش مشياً على الأقدام، باستخدامهم السلاح في الأشهر الأخيرة، وذلك بمبررات من بينها «ضغط المجموعات المسلحة».
وعبر العشرات من الرجال، بثياب رثة، وهيئة متعبة خائفة، مئات الأمتار من الركام برفقة رجال بعضهم من رعاة عملية المصالحة، استقبلهم بعدها حاجز للجيش السوري، حيث خضعوا للتفتيش، على أن يخضعوا لاحقاً لعمليات تدقيق أمني، ولا سيما الفارين من الجيش. ويشكل هؤلاء النسبة الأكبر من الملتحقين بالدولة في ريف طرطوس وحمص، حيث بدأت البيئة الحاضنة للمعارضة تفقد تماسكها.
المبرر الذي يعتبره رئيس «لجنة المصالحة الوطنية» في سوريا أحمد منير كأساس عمليات الاستسلام التي تجري، والتي يرافقها تقدم الجيش على المستوى الميداني وانعدام آمال التدخل الخارجي نهائياً، الأمر الذي يحسم المعركة لمصلحة الدولة، وإن بعد حين.
ويضيف منير، وهو محافظ حمص السابق أيضاً، أن «البيئة الحاضنة لا تنهار فحسب، بل تنقلب بالاتجاه المعاكس»، معتبراً أن مثال تجربة تلكلخ (ريف طرطوس) التي رعاها بنفسه منذ عام تقريباً، هي «خير مثال على ذلك».
والمثال، هو في تسلم الجيش والسلطات المحلية عدة ضباط أمس الأول، تمكنوا من الهرب مع عائلاتهم باتجاه حاجز الجيش بعد عمليات تنسيق جرت. واللافت في شهادة منير أن شباناً سبق وقاتلوا الجيش من تلكلخ، هم من أنجحوا عملية التسليم السابقة. واختار البعض، وفقاً لأحد الذين يقومون بجهود في هذا الإطار، أمان عائلته وسلامة منزله ومستقبل أولاده على المدى الطويل.
واعترف البعض ممن سلموا أنفسهم، بإجباره من قبل المسلحين على القيام بأعمال «سخرة»، والتي تتمثل بأعمال الحفر للأنفاق، وبناء المتاريس، وفتح الطلاقيات (ثغرات جدارية للقنص) في الأبنية، إضافة إلى تحميل الذخيرة، وأحيانا المسروقات في الشاحنات.
ويجري التنسيق بين عدة هيئات قبل كل عملية، بينها ما هو ديني تبعاً لطبيعة المنطقة، وبينها ما هو اجتماعي، بالإضافة إلى التنسيق المباشر من الهيئات المدنية الحكومية وقيادة الجيش.
وقال محافظ حمص طلال البرازي في حديث إلى «السفير»، إن العفو الذي صدر كان بمثابة «تفويض بالتسويات»، معتبراً أن أهم تحدّ وقف في وجه هذه العملية كان «بناء المصداقية والثقة» بين الفارين والحكومة، ومؤكداً أن عمليات الإفراج عن الذين يسلمون أنفسهم لا تستغرق أكثر من أربع ساعات، «يمكنهم بعدها العودة إلى حياتهم الطبيعية». كما ارتفع عدد العسكريين العائدين، حيث أشار البرازي إلى أن 39 شخصاً من قرية الحصن (ريف طرطوس)، التي يحتلها مسلحون، سلموا أنفسهم مؤخراً جلهم من العسكريين وأبرزهم عقيد في الجيش.
ومنذ يومين ذكر مفتي سوريا أحمد حسون لـ«السفير» أن ضباطاً في الجيش برتبة مقدم استعادوا عملهم في القطع العسكرية كما في السابق، مستفيدين من مرسوم العفو الأخير.
ووفقاً لما قالته مصادر عسكرية عدة لـ«السفير»، فإن ضباطاً سبق ان فروا منذ عام أو أكثر، عادوا إلى خدمتهم بعد تسوية أوضاعهم.
وبالرغم مما يثيره موالون من تهديد أمني لهذه العملية العكسية، فإن مراقبين يعتبرون أن إعادة «تسليح بنية الجيش بهؤلاء أمر ضروري، لتأكيد وحدته في المعركة التي يخوضها». ووفقاً لما يردده إعلاميون يديرون شبكات رصد ميدانية موالية، فإن قسماً كبيراً من العساكر الفارين يخضع لاختبارات قبل قبول توبته، من بينها تأمين معلومات وتحديد مواقع حساسة لدى أعداء الجيش، وهو ما يفسر لدى هؤلاء قدرة الطيران الحربي والمدفعية في الأسبوعين الأخيرين، على تحقيق إصابات مباشرة في مناطق تواجد قيادات في «الجيش الحر» كما حصل في حلب.
ويشير منير، إلى أن ثمة مناطق كثيرة مرشحة للدخول في هذه العملية، لافتاً إلى أن اتصالات كثيفة تجري في حلب، ربما تتوج بعودة ما يزيد عن مئة ضابط من الشرطة والجيش إلى عمله. كما ذكر أن الحكومة، ولجان المصالحة تنسق مع عشائر عربية في الشمال الشرقي ولا سيما الرقة، تحضيراً لأية تحولات ميدانية يمكن أن تحصل مستقبلاً.
بدوره يذكر البرازي أن «الأسابيع المقبلة يمكن أن تحمل أخبارا جيدة في هذا السياق»، حيث تبذل جهود لتحقيق تسوية في أحياء حمص القديمة، وحي الوعر، وهي جهود لا تقتصر على «الخلية الفنية « المتمثلة بهيئات المصالحة الوطنية ولجانها المختلفة، وإنما اعتماداً على من عادوا مؤخراً أيضاً، بما يشكله هؤلاء من «عامل ثقة وتشجيع» بالنسبة إلى معارفهم ومحيطهم.
وبحسب ما قاله منير لـ«السفير»، فإن «الدولة استوعبت حاجة كثيرين إلى تسوية أوضاعهم بسبب التحولات الأخيرة»، وهو ما يتجسد بمراسم العفو، التي تستثمر التحولات الميدانية الحاصلة، والأجواء الدولية المساعدة، بالإضافة إلى «تغير المزاج العام»، الذي «بات ينتظر عودة الدولة ومؤسساتها، عبر دخول الجيش إلى مناطقه».
المصدر :
السفير /زياد حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة