دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يغطي اللون الأسود كل شيء. مئات القذائف الفارغة تملأ الساحات المنكوبة. إنها أرض المعركة في مهين. الجثث المنتشرة في كل مكان هي أجساد من سقط في سبيل بدء «عملية حمص الكبرى»، بالنسبة إلى المعارضة المسلّحة، ومن حاول الدفاع عن المستودعات الضخمة، بالنسبة إلى الجيش السوري. بدا استيلاء المسلحين على ثاني أكبر مستودعات الذخيرة في حمص ثغرة عسكرية فجّة. سقوط المستودعات شكّل صدمة للسوريين، فبات الجيش مطالَباً بالرد واستعادة الموقع العسكري في مهين، ولا سيّما بعد استشهاد حرّاسه، دفاعاً عنه، من دون أية تحصينات إضافية للمستودعات المُهدّدة.
يزعم مقاتلو المعارضة إخلاءهم 80% من ذخيرة المستودعات. أمرٌ ينفيه الضباط السوريون من خلال ما يرصدونه من مكالمات المسلحين في ما بينهم عبر الهواتف اللاسلكية عن عزمهم على إخلاء مستودعات الذخيرة في مهين خلال مدة أقصاها أربعون يوماً.
حتى هذه المزاعم يدحضها الضباط السوريون أيضاً، إذ إن الجيش السوري نفسه «يلزمه ما يقارب ستة أشهر» لإخلاء المستودعات، حسب قولهم. تعزيزات الجيش وصلت متأخرة من داخل مدينة حمص إلى مشارف مهين. يحاول عناصر الجيش الوصول إلى المستودعات محصّنين بقوة نارية هائلة، حيث تكتفي قوات النخبة بضرب محاولات المسلحين لإخراج الذخيرة من المستودعات، وقصف سياراتهم وخطوط إمدادهم القادمة من الصحراء.
«معركة سورية في مهين »
الطريق إلى مهين ليس بهذه السهولة. حرارة الطقس المنخفضة تعرّض جنود الجيش السوري للمرض في الجبال الصحراوية القاحلة التي كانت في السابق تحصّن مواقع مستودعات الذخيرة المتناثرة تباعاً بين جبلَين. كل عسكريّ انتقل إلى مهين ودّع أهله بحزن، وهذا ما أدّى إلى وعي الحمصيين لخطورة الوضع في ريف مدينتهم الشرقي. حالة من السخط الشعبي ترافق الأخبار القادمة من هُناك. البعض يستنكر إهمال تحصين المستودعات، ليصل الأمر إلى حدّ توريط المعارضة المسلّحة قوات الجيش في معركة لم يكن أوانها قد آن بعد. «إنها معركة سوريا كلها، وليست معركة حمص فقط»، يقول أحد الضباط المسؤولين عن العملية العسكرية في مهين. الهدف لم يكن، في الأساس، مستودعات الذخيرة في مهين، بحسب النبرة الجدّية للضابط الميداني، بل التثبيت في صدد، عسكرياً، لجعل مطار الشعيرات العسكري شمالاً، تحت مرمى صواريخ المعارضة المسلّحة.
تبعد بلدة مهين عن مدينة حمص 85 كلم إلى الجنوب الشرقي. وتمتد بين بلدة القريتين شرقاً وصدد غرباً، وبين حوارين شمالاً وسلسلة جبال مهين التي تصل حتى جبال القلمون جنوباً. يزيد عدد سكان البلدة على 20 ألف مدني تشرّدوا في كل الاتجاهات، ونزح معظمهم إلى القريتين وحوارين والحدث. يمتد جبل مهين الكبير غرب المستودعات على عرض 2 كلم، ويبعد عن قرية مهين مسافة 3 كلم جنوباً. تسيطر المعارضة المسلحة على الجبل الكبير الذي ترابط قوات الجيش السوري على تخومه في محاولة للتقدم البري بالتزامن مع قصف المنطقة التي تحتوي على 32 مستودعاً للذخيرة موزعة على 200 «هنغار »، فُجِّر مستودعان منها خلال المعارك الدائرة.
ويحاول مقاتلو المعارضة، عبثاً، نقل كميات من الذخيرة، بسبب القصف المدفعي العنيف من قبل الجيش دون توقف، بالإضافة إلى القصف الجوّي.
خطر المسلحين على المطارَين
يواصل الضابط السوري شرح دوافع الهرع للدفاع عن صدد والحفر، القريتين المسيحيتين المستهدفتين من قبل كتائب المعارضة، بغية استدراك الاختراقات العسكرية الحاصلة في المنطقة. من صدد كان سيبدو الطريق إلى مطار الشعيرات الاستراتيجي أقرب، وهذا القرب الجغرافي كان سيمكّن المسلحين من التثبيت العسكري بهدف نصب الصواريخ وتوجيهها إلى المطار لتحقيق إصابات دقيقة ومباشرة. الوضع الآن، بحسب الضابط، ليس أفضل كثيراً بعدما انسحب المسلحون إلى مهين التي تبعد عن صدد 16 كلم فقط. تهديد مهين ليس خطراً على نقل الذخيرة إلى مقاتلي المعارضة المهدّدين، أساساً، بنقص الذخيرة وقلة العتاد في الفترة الأخيرة. بل يتعدى ذلك إلى تهديد أهم على طريق إمدادات مطار التيفور العسكري، وهو ما سيجعل القريتين، بدورها، تحت مرمى نيران المعارضة. بينما استعادة الجيش السيطرة على جبل مهين الكبير ستقلب المعارك لمصلحة الدولة السورية، وتضمن كشف خط إمدادات المعارضة من الشمال الشرقي عبر الصحراء نحو القلمون والغوطة الشرقية. وما بين معركة صدد واستمرار المعارك في مهين، يؤكد الضابط أن عدد قتلى المسلحين يصل حتى 2000، بالإضافة إلى تدمير 200 سيارة رباعية الدفع. المعركة في مهين حتمية، بحسب الإصرار المخيّم على وجوه الضباط. لا انسحاب أو تراجع تحت وطأة الظروف القتالية الصعبة. والجهود المبذولة لتحرير المستودعات تضاهي ما قام به الجيش في صدد والسخنة وبقية المناطق التي عادت إلى سيطرة الدولة. أحد جنود الجيش السوري في مهين أكّد صعوبة المعركة خلال اليوم الأول، حيث سقطت المستودعات في أيدي المسلحين. البرد الشديد على المرتفعات بالنسبة إلى العناصر القادمين من وسط مدينة حمص كان مفاجأة سيئة، بسبب الفروقات في حال الطقس، بالإضافة إلى الجو الغائم والضباب الكثيف حتى ساعات متأخرة من الصباح، وهو ما جعل القدرة على تمييز الأهداف أصعب، ومنع تقدّم قوات الجيش.
المطاران الاستراتيجيان
يقع مطار الشعيرات العسكري على بعد 31 كلم جنوب شرق مدينة حمص. يتميز المطار بدفاعاته الجوّية المحصّنة واحتوائه على عدد كبير من طائرات «ميغ 23» و«ميغ 25» و«سوخوي 25» القاذفة، بحسب بنك الأهداف المحتملة الذي وضعه مخططون بريطانيون خلال فترة التهديدات الأميركية على سوريا، حيث كان مطار الشعيرات على لائحة الأهداف العسكرية للقصف الأميركي. المطار هو الرئيسي في المنطقة الوسطى لإمداد الفرق العسكرية بما تحتاج إليه من تعزيزات وقوة نارية للدخول إلى أية منطقة. وقد أدى دوراً مهماً في معركة القصير لإعادتها إلى سيطرة الدولة. وحاول المسلّحون استهداف المطار مرّات عدة بقذائف الهاون، التي لم تُجدِ أمام تحصيناته القوية. أما مطار التيفور، فهو يقع شرقي حمص على طريق حمص ــــ تدمر القديم. يبعد عن مركز مدينة حمص مسافة 100 كلم، وعن بلدة القريتين المجاورة لمهين مسافة 25 كلم. المطار هو أكبر المطارات الحربية السورية، وثالثها من حيث الأهمية. وقد حاول المسلحون استهدافه بالصواريخ والقذائف للسيطرة عليه من دون جدوى.
المصدر :
الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة