منذ بداية الأحداث السورية بدت محاولات التوصل إلى حل سياسي في حلقة مفرغة تحكمها مفارقة استعداد الدولة الوطنية للحوار ومبادراتها لإطلاقه دون شروط

مسبقة وعجز المعارضات المتعددة والمتناحرة عن تقبل سقوط اوهامها تباعا وعجز عصابات اللصوص والمرتزقة وجماعات التمرد المسلح والإرهاب التكفيري عن إلحاق الهزيمة بالجيش والشعب اللذين صمدا بكل بسالة في وجه العدوان الاستعماري .

اولا يبدو واضحا في حصيلة التجربة الممتدة على مسار الأحداث ان نفير الإعداد للحوار في جنيف انطلق من رضوخ الولايات المتحدة قائدة العدوان الكوني لحقيقة الاستعصاء الذي يحتم الإقرار بصمود الدولة الوطنية السورية وبأنها في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد عصية على الكسر من خلال الحرب بالوكالة التي عملت الولايات المتحدة ودول الناتو وجميع الحكومات الإقليمية التابعة والتركية الخليجية خصوصا كل ما تستطيعه للنيل منها وتكفل اختبار القوة الذي أعقب الإعلان عن “ضربة اوباما ” بإسقاط وهم الحرب المباشرة لاعتبارات صارت ظاهرة للقاصي والداني وهي تتصل بقدرات سوريا وبإرادة المقاومة الشعبية والعسكرية وبصلابة الموقف السيادي والاستقلالي الوطني وكذلك ترتبط بكون سوريا قوة محورية في حلف المقاومة وفي التحالف العالمي المناهض للهيمنة الأحادية الأميركية في العالم .

وهكذا تبلور المشهد السريالي فالأميركي الذي عطل الحوار السوري ومنعه منذ بداية الأحداث هو الذي أبلغ حكومات تركيا وقطر والسعودية بأنه السبيل الوحيد المتبقي لتحصيل بعض المكاسب السياسية في سوريا بعد تمادي الفشل وتلاحق الهزائم والمقصود بتلك المكاسب محاولة زرع بعض المرتبطين بالغرب وبالخليج في مستقبل سوريا السياسي عبر حجز مقاعد لهم على طاولة جنيف 2 وامتداد عمليات التصعيد العسكري واستمرار المتورطين في تأمين مزيد من السلاح والمال يهدفان إلى محاولة تأمين الشروط التي يمكن بواسطتها لي ذراع الدولة الوطنية حول قوام الحوار وجدول أعماله.

ثانيا المأزق الفعلي الذي يواجه اختبار الحوار هو ان الواجهات السياسية التي اعتمدها الغرب وحلف العدوان عموما لا تملك سطوة فعلية على العصابات المسلحة بينما تهيمن على تركيبة العصابات قوى التكفير والإرهاب التي ليست شريكا سياسيا محتملا في الحوار باعتراف الأميركيين وأتباعهم المتورطين في الحرب على سورية فهي من تشكيلات القاعدة ومن نسيجها وقد تآكلت هيكلية الجيش الحر وتجوفت أمام صعود تلك الجماعات التي حصدت حصة رئيسية من المال والسلاح الذي تدفق إلى سوريا عبر تركيا والأردن ولبنان وفي حين يتراجع آلاف السوريين المسلحين عن خيار التمرد ويستفيدون من فرص العفو الرئاسي المتجدد يزداد حجم وتأثير عشرات آلاف المسلحين الأجانب الذي أرسلوا إلى سورية وحظوا بتسهيلات من دول الجوار السوري وفي عدادهم اتراك وسعوديون واردنيون يقدرون بالآلاف ناهيك عن جنسيات اخرى عربية وإسلامية وأوروبية .

هذه الإشكالية الجوهرية تجعل المشاركين في أي حوار على مقاعد المعارضة امام تحدي اتخاذ موقف مبدئي داعم للجيش العربي السوري وللدولة الوطنية في مكافحة الإرهاب الذي هو موضع رهان المعارضات التابعة في تعديل توازن القوى منذ اندلاع الأحداث وسيكون الفرز على حد الموقف من الإرهاب هو الفيصل في ظل مبادرات الدولة الوطنية لتسهيل ارتداد المسلحين السوريين عن خيار التمرد.

ثالثا القوى المعارضة الوطنية غير المرتبطة بالأجنبي وغير المتورطة في التمرد المسلح هي الجاهزة واقعيا للحوار وللبحث في طرق تطوير الشراكة الوطنية وتحديث البنى العامة للدولة الوطنية ومؤسساتها ولذلك يبدو الآخرون وبالذات ائتلاف الدوحة ومجلس اسطنبول وقادة الأخوان المسلمين في مأزق عقيم بعدما بات قبولهم للحوار بحد ذاته إقرارا بالهزيمة والفشل فهم جعلوا من شعار إسقاط النظام محور حركتهم السياسية في حين لا يملكون أي شيء يقدمونه بفراغ أيديهم من أي آليات ضبط وربط لتركيبة العصابات على الأرض وهم يهربون من هذه الحقيقة بالتهرب من جنيف 2 عبر الشروط السياسية التي يعلمون انها ستسقط في لحظة انعقاد الحوار الذي يجري مع الوفد الممثل للدولة الوطنية.

أما تنظيم الأخوان المسلمين فهو على الأرض مكون فعلي في تركيبة عصابات الإرهاب وهو بحكم التكوين شكل بيئة حاضنة للقاعدة وللتطرف التكفيري في سورية .

يستمر التلاعب السياسي الأميركي تحت عنوان تجهيز وفد مفاوض من الواجهات العميلة ويتواصل بالمقابل تقدم الجيش العربي السوري في الميدان وعاجلا ام آجلا وفي ظل حزم الشريك الروسي ستفرض التطورات تحولين بارزين : فرض التزام الحكومات المتورطة بوقف دعمها للإرهاب وفرض مكافحة الإرهاب كبعد رئيسي مكون لأي تفاهم سوري سوري ممكن حول مستقبل البلاد وعلى الطريق إلى ذلك سوف تتهاوى أسماء وواجهات كثيرة لتستقر الأمور على قاعدة تعكس التوازنات المتحولة في الميدان فالجيش العربي السوري الذي فرض حقيقة الحوار سوق يكون له الفضل الرئيسي في رسم قوامه الواقعي.

  • فريق ماسة
  • 2013-11-09
  • 11979
  • من الأرشيف

المعارضات السورية ومأزقها

منذ بداية الأحداث السورية بدت محاولات التوصل إلى حل سياسي في حلقة مفرغة تحكمها مفارقة استعداد الدولة الوطنية للحوار ومبادراتها لإطلاقه دون شروط مسبقة وعجز المعارضات المتعددة والمتناحرة عن تقبل سقوط اوهامها تباعا وعجز عصابات اللصوص والمرتزقة وجماعات التمرد المسلح والإرهاب التكفيري عن إلحاق الهزيمة بالجيش والشعب اللذين صمدا بكل بسالة في وجه العدوان الاستعماري . اولا يبدو واضحا في حصيلة التجربة الممتدة على مسار الأحداث ان نفير الإعداد للحوار في جنيف انطلق من رضوخ الولايات المتحدة قائدة العدوان الكوني لحقيقة الاستعصاء الذي يحتم الإقرار بصمود الدولة الوطنية السورية وبأنها في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد عصية على الكسر من خلال الحرب بالوكالة التي عملت الولايات المتحدة ودول الناتو وجميع الحكومات الإقليمية التابعة والتركية الخليجية خصوصا كل ما تستطيعه للنيل منها وتكفل اختبار القوة الذي أعقب الإعلان عن “ضربة اوباما ” بإسقاط وهم الحرب المباشرة لاعتبارات صارت ظاهرة للقاصي والداني وهي تتصل بقدرات سوريا وبإرادة المقاومة الشعبية والعسكرية وبصلابة الموقف السيادي والاستقلالي الوطني وكذلك ترتبط بكون سوريا قوة محورية في حلف المقاومة وفي التحالف العالمي المناهض للهيمنة الأحادية الأميركية في العالم . وهكذا تبلور المشهد السريالي فالأميركي الذي عطل الحوار السوري ومنعه منذ بداية الأحداث هو الذي أبلغ حكومات تركيا وقطر والسعودية بأنه السبيل الوحيد المتبقي لتحصيل بعض المكاسب السياسية في سوريا بعد تمادي الفشل وتلاحق الهزائم والمقصود بتلك المكاسب محاولة زرع بعض المرتبطين بالغرب وبالخليج في مستقبل سوريا السياسي عبر حجز مقاعد لهم على طاولة جنيف 2 وامتداد عمليات التصعيد العسكري واستمرار المتورطين في تأمين مزيد من السلاح والمال يهدفان إلى محاولة تأمين الشروط التي يمكن بواسطتها لي ذراع الدولة الوطنية حول قوام الحوار وجدول أعماله. ثانيا المأزق الفعلي الذي يواجه اختبار الحوار هو ان الواجهات السياسية التي اعتمدها الغرب وحلف العدوان عموما لا تملك سطوة فعلية على العصابات المسلحة بينما تهيمن على تركيبة العصابات قوى التكفير والإرهاب التي ليست شريكا سياسيا محتملا في الحوار باعتراف الأميركيين وأتباعهم المتورطين في الحرب على سورية فهي من تشكيلات القاعدة ومن نسيجها وقد تآكلت هيكلية الجيش الحر وتجوفت أمام صعود تلك الجماعات التي حصدت حصة رئيسية من المال والسلاح الذي تدفق إلى سوريا عبر تركيا والأردن ولبنان وفي حين يتراجع آلاف السوريين المسلحين عن خيار التمرد ويستفيدون من فرص العفو الرئاسي المتجدد يزداد حجم وتأثير عشرات آلاف المسلحين الأجانب الذي أرسلوا إلى سورية وحظوا بتسهيلات من دول الجوار السوري وفي عدادهم اتراك وسعوديون واردنيون يقدرون بالآلاف ناهيك عن جنسيات اخرى عربية وإسلامية وأوروبية . هذه الإشكالية الجوهرية تجعل المشاركين في أي حوار على مقاعد المعارضة امام تحدي اتخاذ موقف مبدئي داعم للجيش العربي السوري وللدولة الوطنية في مكافحة الإرهاب الذي هو موضع رهان المعارضات التابعة في تعديل توازن القوى منذ اندلاع الأحداث وسيكون الفرز على حد الموقف من الإرهاب هو الفيصل في ظل مبادرات الدولة الوطنية لتسهيل ارتداد المسلحين السوريين عن خيار التمرد. ثالثا القوى المعارضة الوطنية غير المرتبطة بالأجنبي وغير المتورطة في التمرد المسلح هي الجاهزة واقعيا للحوار وللبحث في طرق تطوير الشراكة الوطنية وتحديث البنى العامة للدولة الوطنية ومؤسساتها ولذلك يبدو الآخرون وبالذات ائتلاف الدوحة ومجلس اسطنبول وقادة الأخوان المسلمين في مأزق عقيم بعدما بات قبولهم للحوار بحد ذاته إقرارا بالهزيمة والفشل فهم جعلوا من شعار إسقاط النظام محور حركتهم السياسية في حين لا يملكون أي شيء يقدمونه بفراغ أيديهم من أي آليات ضبط وربط لتركيبة العصابات على الأرض وهم يهربون من هذه الحقيقة بالتهرب من جنيف 2 عبر الشروط السياسية التي يعلمون انها ستسقط في لحظة انعقاد الحوار الذي يجري مع الوفد الممثل للدولة الوطنية. أما تنظيم الأخوان المسلمين فهو على الأرض مكون فعلي في تركيبة عصابات الإرهاب وهو بحكم التكوين شكل بيئة حاضنة للقاعدة وللتطرف التكفيري في سورية . يستمر التلاعب السياسي الأميركي تحت عنوان تجهيز وفد مفاوض من الواجهات العميلة ويتواصل بالمقابل تقدم الجيش العربي السوري في الميدان وعاجلا ام آجلا وفي ظل حزم الشريك الروسي ستفرض التطورات تحولين بارزين : فرض التزام الحكومات المتورطة بوقف دعمها للإرهاب وفرض مكافحة الإرهاب كبعد رئيسي مكون لأي تفاهم سوري سوري ممكن حول مستقبل البلاد وعلى الطريق إلى ذلك سوف تتهاوى أسماء وواجهات كثيرة لتستقر الأمور على قاعدة تعكس التوازنات المتحولة في الميدان فالجيش العربي السوري الذي فرض حقيقة الحوار سوق يكون له الفضل الرئيسي في رسم قوامه الواقعي.

المصدر : الشرق الجديد / غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة