الجولة التي بدأها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى المنطقة تستهدف بشكل أولى «حل» أو «تسوية» الخلافات الأميركية مع مصر والمملكة العربية السعودية التي نشأت بعد تحول الموقف الأميركي من الأزمة السورية وتراجع دور واشنطن في الإتجاه الذي كانت تسلكه فيها والتي عبرت عنه من خلال انكفائها عن شن العدوان العسكري على سورية في لحظة حرجة كادت أن تضع المنطقة على حافة الإنفجار الكبير.

ما تسعى اليه الإدارة الأميركية على ما يبدو هو انتهاج سياسة «تصفير المشاكل» وهي النظرية التركية التي فشل في تحقيقها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو لبلاده في المنطقة غير أن الأميركيين الذين يحاولون استغلال لحظة كسر الجليد مع إيران يرون أن الفرصة مناسبة لإقامة «تحالف» مع المتخاصمين الإثنين الكبيرين في المنطقة أي السعودية وإيران ولعب دور يعتقدون بأنه سيكون مفيداً جدا لمصالحهم ووجودهم الذي تعرض لانتكاسات كبيرة جداً منذ اكثر من عقدين من الاستنزاف السياسي والعسكري بعد تدخلهم في أفغانستان وغزوهم للعراق.

أقر الأميركيون ضمناً بهزيمتهم في سورية عبر التحول الذي طرأ على مواقفهم الأخيرة حيالها في حين أن مصادر دبلوماسية غربية تقول إن لديها معلومات مؤكدة أن الإدارة الأميركية وعلى راسها الرئيس باراك اوباما لم تكن في وارد تنفيذ «ضربة» عسكرية لسورية في نهاية الأمر وأن التراجع كان حتمياً تحت أية مبررات ممكنة وإنما كان المقصود إيصال التهويل والتهديد إلى أبعد مدى ممكن وأعلى درجة من التوتر وذلك بالإستناد الى تحركات ميدانية عبرت عنها تحركات الأساطيل البحرية مشيرة الى أن ذلك كان بالتنسيق الكامل بين الإدارة السياسية في واشنطن والقيادات العسكرية الكبرى في «البنتاغون» والتي لم تكن موافقة بأي شكل من الاشكال على الدخول في حرب جديدة نتيجة معطيات مؤكدة أن الحرب قد لا تكون في صالح جيوشهم المنتشرة في المنطقة ناهيك عن إجماع الجانبين السياسي والعسكري في الولايات المتحدة على أن كلفة الحرب المادية الباهظة لن تستطيعها واشنطن في ظل أزمة مالية واقتصادية تسعى البلاد بجهد للإلتفاف عليها.

ما تريده واشنطن من خلال زيارة رئيس دبلوماسيتها الى مصر والسعودية هو إعادة الأمور الى نصابها في العلاقات مع البلدين اللذين يدركان بدورهما أنهما لا يستطيعان الخروج بسهولة من عباءة واشنطن. فإذا كانت القاهرة تعتقد أن بإمكانها الإستعاضة عن المساعدات المالية الأميركية السنوية بتلك التي تقدمها السعودية ودول عربية أخرى إلا أنها تدرك أن بيد واشنطن الكثير من أوراق الضغط التي بإمكانها ممارستها حيالها وقد أظهرت إحداها عبر ما صار يعرف بـ»السد الإثيوبي» وما يمكن أن ينتج عنه من أزمات وربما حروب قد تدخلها مصر على مجمل الجانب الإفريقي منها وباتجاهاته المتعددة.

أما بالنسبة الى السعودية فإن واشنطن تسعى بما لا يدع مجالا للشك الى إزاحة «غمامة الصيف» التي اعترت العلاقات بين البلدين وهو التوصيف الإسرائيلي الذي اعتمده مركز أبحاث الأمن القومي في الدولة العبرية الذي يرى في تقرير أصدره أخيراً أن حاجة المملكة للولايات المتحدة هي حاجة مصيرية تصل الى حد ضمان أمن الدولة الخليجية الكبرى واستقرارها في الداخل وفي المحيط الإقليمي الذي ترتفع مخاطره بشدة في ضوء التغييرات الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي هذا السياق فإن المركز الإسرائيلي نفسه ينتقد عدم قيام إدارة اوباما بمبادرات جدية منذ عامين لطمأنة السعودية ولاحتواء هواجسها منذ ما وصفه بالتخلي الأميركي عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك وتركيز جهود الإدارة في ملفات اخرى من ضمنها دعم الإخوان المسلمين بالشراكة مع قطر وتركيا وهو ما أثار قلقا سعودياً جدياً.

وإذا كان مركز ابحاث الأمن القومي الأسرائيلي ركز في تقريره على العوامل الخارجية في ملف العلاقات السعودية الأميركية وتوترها فإن تقريراً آخر لـ»معهد واشنطن» الذي يديره محافظو اللوبي الصهيوني «إيباك» وأعده سايمون هندرسون الباحث المتخصص في شؤون الخليج ونشر قبل أيام يربط بين معالجة الحرد أو «الغضب» السعودي ومباشرة البحث الأميركي في إعادة ترتيب هيكيلية النظام السعودي الذي يفتقر على مفصل التحولات الدولية والإقليمية إلى مركز للقرار.ويورد تقرير هندرسون في هذا السياق الى أسماء الشخصيات الفاعلة في القرار السعودي ويعرض أوضاعها من مرض الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى «خرف» ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز واعتلال وزير الخارجية سعود الفيصل فيما المرجح ان هذا الأمر سيكون إحدى اوراق الملف الثقيل الذي يحمله كيري والوفد المرافق حيث يسمي هندرسون صانعي القرار السعودي مع توصيفات لكل منهم ما يشير بوضع أمر الخيارات الأميركية داخل المملكة على جدول الأعمال ربطا بمقتضيات التكيف مع الاستراتيجيات الأميركية بعد الفشل في سورية.

وإذ يركز هندرسون في الشق الخارجي من تقريره على مخاوف المملكة من نتائج الحوار الأميركي مع إيران وانعكاساته السياسية والاستراتيجية في محيطها الإقليمي المباشر والتراجع عن العدوان على سورية يؤكد هندرسون المعلومات عن استمرار الدعم السعودي المتواصل لاستمرار الحرب في سورية عبر مدّ المسلحين هناك بالسلاح والمال عبر الأردن وتركيا معاً الأمر الذي ترجح مصادر دبلوماسية عربية أن يكون على بساط البحث بين المسؤولين السعوديين ووزير الخارجية الأميركي «الملتزم» تنفيذ اتفاقه مع الروس حول توفير كل السبل لانعقاد مؤتمر جنيف 2 حول الحل السياسي للأزمة في سورية والتي بات الأطراف مقتنعين أن اهمها وقف الدعم والتسليح للجماعات المسلحة متعددة الجنسيات التي تقاتل هناك ضمن معادلة الحرب «الإقليمية» بعد انحسارها «دولياً».

  • فريق ماسة
  • 2013-11-04
  • 10618
  • من الأرشيف

كيري.. مرحلة «تسوية» الخلافات

الجولة التي بدأها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى المنطقة تستهدف بشكل أولى «حل» أو «تسوية» الخلافات الأميركية مع مصر والمملكة العربية السعودية التي نشأت بعد تحول الموقف الأميركي من الأزمة السورية وتراجع دور واشنطن في الإتجاه الذي كانت تسلكه فيها والتي عبرت عنه من خلال انكفائها عن شن العدوان العسكري على سورية في لحظة حرجة كادت أن تضع المنطقة على حافة الإنفجار الكبير. ما تسعى اليه الإدارة الأميركية على ما يبدو هو انتهاج سياسة «تصفير المشاكل» وهي النظرية التركية التي فشل في تحقيقها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو لبلاده في المنطقة غير أن الأميركيين الذين يحاولون استغلال لحظة كسر الجليد مع إيران يرون أن الفرصة مناسبة لإقامة «تحالف» مع المتخاصمين الإثنين الكبيرين في المنطقة أي السعودية وإيران ولعب دور يعتقدون بأنه سيكون مفيداً جدا لمصالحهم ووجودهم الذي تعرض لانتكاسات كبيرة جداً منذ اكثر من عقدين من الاستنزاف السياسي والعسكري بعد تدخلهم في أفغانستان وغزوهم للعراق. أقر الأميركيون ضمناً بهزيمتهم في سورية عبر التحول الذي طرأ على مواقفهم الأخيرة حيالها في حين أن مصادر دبلوماسية غربية تقول إن لديها معلومات مؤكدة أن الإدارة الأميركية وعلى راسها الرئيس باراك اوباما لم تكن في وارد تنفيذ «ضربة» عسكرية لسورية في نهاية الأمر وأن التراجع كان حتمياً تحت أية مبررات ممكنة وإنما كان المقصود إيصال التهويل والتهديد إلى أبعد مدى ممكن وأعلى درجة من التوتر وذلك بالإستناد الى تحركات ميدانية عبرت عنها تحركات الأساطيل البحرية مشيرة الى أن ذلك كان بالتنسيق الكامل بين الإدارة السياسية في واشنطن والقيادات العسكرية الكبرى في «البنتاغون» والتي لم تكن موافقة بأي شكل من الاشكال على الدخول في حرب جديدة نتيجة معطيات مؤكدة أن الحرب قد لا تكون في صالح جيوشهم المنتشرة في المنطقة ناهيك عن إجماع الجانبين السياسي والعسكري في الولايات المتحدة على أن كلفة الحرب المادية الباهظة لن تستطيعها واشنطن في ظل أزمة مالية واقتصادية تسعى البلاد بجهد للإلتفاف عليها. ما تريده واشنطن من خلال زيارة رئيس دبلوماسيتها الى مصر والسعودية هو إعادة الأمور الى نصابها في العلاقات مع البلدين اللذين يدركان بدورهما أنهما لا يستطيعان الخروج بسهولة من عباءة واشنطن. فإذا كانت القاهرة تعتقد أن بإمكانها الإستعاضة عن المساعدات المالية الأميركية السنوية بتلك التي تقدمها السعودية ودول عربية أخرى إلا أنها تدرك أن بيد واشنطن الكثير من أوراق الضغط التي بإمكانها ممارستها حيالها وقد أظهرت إحداها عبر ما صار يعرف بـ»السد الإثيوبي» وما يمكن أن ينتج عنه من أزمات وربما حروب قد تدخلها مصر على مجمل الجانب الإفريقي منها وباتجاهاته المتعددة. أما بالنسبة الى السعودية فإن واشنطن تسعى بما لا يدع مجالا للشك الى إزاحة «غمامة الصيف» التي اعترت العلاقات بين البلدين وهو التوصيف الإسرائيلي الذي اعتمده مركز أبحاث الأمن القومي في الدولة العبرية الذي يرى في تقرير أصدره أخيراً أن حاجة المملكة للولايات المتحدة هي حاجة مصيرية تصل الى حد ضمان أمن الدولة الخليجية الكبرى واستقرارها في الداخل وفي المحيط الإقليمي الذي ترتفع مخاطره بشدة في ضوء التغييرات الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي هذا السياق فإن المركز الإسرائيلي نفسه ينتقد عدم قيام إدارة اوباما بمبادرات جدية منذ عامين لطمأنة السعودية ولاحتواء هواجسها منذ ما وصفه بالتخلي الأميركي عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك وتركيز جهود الإدارة في ملفات اخرى من ضمنها دعم الإخوان المسلمين بالشراكة مع قطر وتركيا وهو ما أثار قلقا سعودياً جدياً. وإذا كان مركز ابحاث الأمن القومي الأسرائيلي ركز في تقريره على العوامل الخارجية في ملف العلاقات السعودية الأميركية وتوترها فإن تقريراً آخر لـ»معهد واشنطن» الذي يديره محافظو اللوبي الصهيوني «إيباك» وأعده سايمون هندرسون الباحث المتخصص في شؤون الخليج ونشر قبل أيام يربط بين معالجة الحرد أو «الغضب» السعودي ومباشرة البحث الأميركي في إعادة ترتيب هيكيلية النظام السعودي الذي يفتقر على مفصل التحولات الدولية والإقليمية إلى مركز للقرار.ويورد تقرير هندرسون في هذا السياق الى أسماء الشخصيات الفاعلة في القرار السعودي ويعرض أوضاعها من مرض الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى «خرف» ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز واعتلال وزير الخارجية سعود الفيصل فيما المرجح ان هذا الأمر سيكون إحدى اوراق الملف الثقيل الذي يحمله كيري والوفد المرافق حيث يسمي هندرسون صانعي القرار السعودي مع توصيفات لكل منهم ما يشير بوضع أمر الخيارات الأميركية داخل المملكة على جدول الأعمال ربطا بمقتضيات التكيف مع الاستراتيجيات الأميركية بعد الفشل في سورية. وإذ يركز هندرسون في الشق الخارجي من تقريره على مخاوف المملكة من نتائج الحوار الأميركي مع إيران وانعكاساته السياسية والاستراتيجية في محيطها الإقليمي المباشر والتراجع عن العدوان على سورية يؤكد هندرسون المعلومات عن استمرار الدعم السعودي المتواصل لاستمرار الحرب في سورية عبر مدّ المسلحين هناك بالسلاح والمال عبر الأردن وتركيا معاً الأمر الذي ترجح مصادر دبلوماسية عربية أن يكون على بساط البحث بين المسؤولين السعوديين ووزير الخارجية الأميركي «الملتزم» تنفيذ اتفاقه مع الروس حول توفير كل السبل لانعقاد مؤتمر جنيف 2 حول الحل السياسي للأزمة في سورية والتي بات الأطراف مقتنعين أن اهمها وقف الدعم والتسليح للجماعات المسلحة متعددة الجنسيات التي تقاتل هناك ضمن معادلة الحرب «الإقليمية» بعد انحسارها «دولياً».

المصدر : محمد شمس الدين - البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة