دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا يختلف اثنان من المراقبين الموضوعين والعاقلين على أن السعودية باتت في طليعة الخاسرين في العدوان على سورية، ودخلت في دائرة عزلة دولية تشدد الخناق عليها ،
ثم انها ومن جهة اخرى وبقصر نظر في السياسة والقراءة السياسية والتقدير الاستراتيجي استنكفت عن اعتماد استراتيجية تحديد الخسائر كما يفعل العاقلون والواقعيون ، واصرت على المكابرة وضرب الرأس بالحائط مؤملة – بشكل جنوني – ان تدمر حائط الصوان اوالفولاذ بنطحاتها . لكن وطبعا الامل الاحمق شيء والحقيقة الواقعية القطعية شيء اخر .
في ظل هذا الوضع الذي اقحمت السعودية نفسها فيه ، وفي سياق قيادتها الميدانية بتكليف من اميركا بعد فشل قطر وتركيا بالمهمة –العدوان على سورية وتحشيد الارهابيين وتسخير الاعلام الاصفر واغداق الاموال وحبك التلفيقات المتعددة من سياسية وغيرها ومحاصرة سورية ايضا بالنار في العراق ولبنان بسيارات التفجير والقتل
العشوائي الذي ليس له افق الا انه يزهق الارواح البريئة ويزعزع الامن والاستقرار في الدولتين المستهدفتين بدوافع مذهبية حاقدة ، في ظل هذا الوضع قامت السعودية : بـ «التطاول» ظاهريا على سيدتها اميركا حتى ظن البعض من البسطاء ان المملكة التي انشئت في الاصل لاجهاض فكرة الوحدة العربية وهدر الحقوق العربية ، ومنع تشكل اي اطار للوحدة الاسلامية معتمدة فكرا تكفيريا اقصائيا يستبعد اكثر من 95 % من المسلمين ويكفرهم بصيغة او باخرى ، ان المملكة التي هذه وظيفتها وطبيعتها انقلبت على ذاتها وتاريخها وباتت حريصة على حقوق العرب ودمائهم ولاجل ذلك تتنفض للكرامة العربية وتتخذ من المواقف ضد اميركا وفي الامم المتحدة ما يشير الى هذه الانتفاضة الظاهرة .( لوكانت صادقة فيما تدعي لاتخذت موقفا واحدا ضد اسرائيل وتهويد الاقصى ولما كانت ارسلت مبعوثيها الى اسرائيل للاستعانة بها لضرب سورية ودفعت 15 مليون دولار لاطلاق صاروخ واحد ضد الجيش العربي السوري )
لكن ومنذ بدأ « الغضب السعودي « يترجم افعالا ظاهرة ، ومنذ ان بدأت السعودية تتفرد تقريبا بالمواقف العدوانية ضد سورية تشجيعا للقتل والتدمير فيها كنا نرى بان الامر لا يتعدى لعبة اميركية في سياق توزيع الادوار ، اوفي سياق الاستدراج لانشاء واقع معين يتيح لاميركا صنع شيء تريده في السعودية ويحتاج الى ذريعة اومبرر لترويجه ، تماما كما فعلت في العراق منذ عقدين عندما ارسلت الى صدام حسين « جميلة شقراء « برتبة سفير وبوظيفة اغراء واستدراج لغزوالكويت ، ولما فعل فعلته ووقع بالفخ، الخديعة كانت الذريعة التي تريدها اميركا قد تحققت فسارعت للارتكاز عليها وغزت الخليج كله و انتشرت بقواتها العسكرية فيه ولا زالت ، واقامت القواعد الثابتة التي حولت ما يسمى «دول عربية في الخليج « الى منطقة عسكرية اميركية بالاحتلال المباشر والرضائي .
لقد اتخذت السعودية من المواقف والسلوكيات المعلنة والمستترة في الشهر الاخير ما تبرره بانه رد على التغيير في السياسة الاميركية حيال سورية ومجريات العدوان عليها والتي كان اهمها اخيرا احجام اميركا عن تنفيذ تهديدها بالعدوان العسكري المباشر على سورية ، وحاولت ان توحي بانها «تعاقب اميركا « وتريد ان تتفلت من القيود والاغلال التي تثقل جوارحها .. ولكن لوكان الامر لعبة صبية واطفال مراهقين لكان الامر محتمل التصديق كما تريد السعودية ان توحي به اما في ميدان لعبة الامم فالامر يختلف تماما . لان السعودية تعرف اوعليها ان تعرف ان احدا من الذين تتوجه اليهم بالتصرفات تلك لا يمكن ان يصدقها اذا درس الواقع وحلل جزئياته .
قد يكون بعض المسؤولين في السعودية يعرفون ان المملكة كيان لا يمكن لاميركا ان تستغني عنه ، لا بل انه كيان محوري لسياستها الشرق اوسطية يلي في الاهمية موقع اسرائيل في تلك السياسة ، ولاجل ذلك قد يظن هذا البعض بان الغضب السعودي قد يترجم ضغطا على اميركا يلزمها بالتراجع عن سياسة اعتمدت اوعن قرار اتخذت لا يناسب الاهواء السعودية . ولكن هذا قد يدخل في دائرة الصحة والاحتمال الراجح اذا كانت السعودية ندا لاميركا وحليفا متكافئا لها ، اما وان هذا غير متحقق لان اميركا لا ترى في السعودية ندية اوتحالفية واقعية اواتفاقية ، بل لا ترى فيها اكثر من اداة لسياستها وتابع لها حيث تريد فان الظن السعودي مع هذه الحقيقة يكون بعيدا عن ميدان الواقع والصواب .
ومن جهة اخرى لا نشك بان معظم ما تقوم به السعودية اليوم لم يكن الا بموافقة وتكليف اميركي تحت عنوان الضغط على الاخر اوالذريعة لاعتماد تدبير معين حيالها ولهذا السبب كان « التساهل الاميركي « مع السعودية فيما قامت به عبر «الثنائي المغرور « بندر وسعود ، ( مدير المخابرات ووزير الخارجية ) ، اما الان فاننا نعتقد بأن ظروف اميركا تغيرت بتأثير من عدة عوامل ذات علاقة وثيقة بمجريات الازمة السورية ، وبات الوضع السوري ضاغطا على اميركا للاسراع في حل سياسي ما يحدد من خسائرها بعد ان بات الحل العسكري بوجهيه التقليدي عبر الجيوش اوغير التقليدي عبر العصابات المسلحة والجماعات الارهابية بات الحل العسكري مستحيلا وان التلهي به اصبح ضربا من الحمق واضاعة الوقت.
اننا الان وللمرة الاولى منذ ان شن العدوان على سورية بتنا نجنح للتصديق والقبول مع التحفظ بفكرة السعي الاميركي للحل السلمي علها تحقق عبرها ما عجزت عن تحقيقه بالقوة العسكرية ، سعي اضطرت اليه اميركا بعد ان خسرت الرهان على الحل الاخر ، ثم جاءت الاسابيع الخمسة الماضية لتقطع اي شك اميركي بذلك وتثبت لها بان الميدان السوري بات تحت السيطرة الاستراتيجية للجيش العربي السوري الذي ومنذ ان انطلق في مهام التطهير واستعادة الامن والاستقرار الى المناطق التي افسد الارهابيون امنها ، منذ بدء تلك المرحلة والانجازات الميدانية تتراكم الى الحد الذي يمكن المراقب العسكري والاستراتيجي من القول بان استكمال المهم الميدانية بالنسبة للدولة بات مسألة وقت فقط وكل يوم جديد يحمل بشائر انجاز نوعي جديد من مثيل انجازات القصير والريف الدمشقي وريف اللاذقية ومؤخرا السفيرة وسواها .
وتعلم اميركا ان استمرار النجاحات العسكرية السورية سيضيق عليها فرص التأثير في الحل السلمي لاحقا وان ما يمكن ان تلعبه اليوم من اوراق سيكون اكبر مما قد يتاح لها تقليبه غدا على طاولة التفاوض في جنيف 2 اذا انعقد ، ولاجل ذلك وفي سياق سياسة تحديد الخسائر باتت اميركا بحاجة الى التسريع في انعقاد المؤتمر في شروط محددة تراها ، اوصرف النظر عنه كليا اذا عجزت عن ذلك وعندها سيكون صراع من نوع آخر حيث سيترك الامر للدولة السورية ومحور المقاومة للتعامل مع الموضوع بشكل ثنائي مع ما يعنيه الامر من نتائج وعندها تكون قمة الخسارة الاميركية .
لكل ذلك يقوم جون كيري وزير الخارجية الامريكية بجولته التي تقوده الى السعودية لاعادة تقييم الموقف ولتكليفها بوظيفة تناسب الظرف المستجد وفقا للاحتياجات الامريكية ، وليغريها عبرها بدور يحفظها في الخريطة الاستراتيجية للمنطقة كعنصر قائم دون ان يحفظ لها لها ما كانت تطمح به من ريادة للموقع في تلك الخريطة ، فالخاسر لا يبقى في موقع القيادة ، وكما ان خسارة حرب 1967 نقلت القيادة العربية من مصر الى السعودية فان اندحار العدوان على سورية سيطيح بتلك القيادة ولا يمكن للسعودية ان تحلم باستعادة موقع متفرد بالتأثير في الساحات التي كانت تطمع بها من لبنان الى سورية او العراق او اليمن ، ويبقى للبحرين كلام اخر لن يكون مريحا للسعودية ايضا .
وعليه فان المهمة الامريكية تجاه السعودية اليوم تتلخص في تحديد دورها الجديد الذي يتحمل عن اميركا خسارتها دور لا ينتمي لفئة الصف الاول وهذا قمة ما تستطيع اميركا تقديمه لها في هذا الظرف ، فان تلقفت الفرصة تكون قد تمسكت بحبل النجاة الاميركي القي اليها من اجل خدمة اميركا اولاً ، وان اخطأت التقدير فلن تأسف اميركا كثيرا عندما ينقلب الحبل بوظيفته الى دور اخر يلف عنق بعض المغرورين اوقد يتجاوز الاشخاص الى ابعد من ذلك .
المصدر :
أمين حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة