دولٌ وجهاتٌ عدّة تعوّل على نجاح مؤتمر "جنيف 2". وروسيا تضع كلّ ثقلها السياسي لعقد المؤتمر يومي 23 و24 تشرين الثاني، وهو الموعد الذي كشفه نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل في تصريح له في الماضي القريب. وحالياً، يواصل مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، جولته على دول المنطقة، ومنها سوريا بطبيعة الحال، في محاولة أخيرة لإنجاح المؤتمر الموعود. لكن خمسة عناوين كبرى تؤكّد الفشل المسبق للمؤتمر، وهي:

أوّلاً: المطلب الرئيس لقوى المعارضة السورية يتمثّل في أن يكون بند تنحّي الرئيس السوري بشّار الأسد مدرجاً في أساس أيّ جدول أعمال لأي مؤتمر سلام موعود، على أن تتولّى هيئة حكم إنتقاليّة كاملة السلطات، قيادة سوريا في مرحلةٍ انتقالية. وهذا ما ترفضه القيادة السوريّة كلياً، حيث تعتبر أنّ الإنتخابات هي وحدها من يُحدّد مصير الرئيس الأسد، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّه حتى في حال عدم توفّر الظروف المناسبة لتنظيم انتخاباتٍ حرّة وديمقراطية في حزيران 2014، سيتم التمديد مرحلياً للرئيس الأسد إلى حين توفّر ظروف ميدانية أفضل.

ثانياً: الخلافات بين فصائل المعارضة تزداد وتتسع، وهي باتت أمنيّة-ميدانية داخل سوريا، وليس سياسية-إعلامية من على المنابر فحسب. وهذا ما يُشكّل صعوبة كبرى في اختيار مجموعة من الممثّلين عن "المعارضات" السورية، خصوصًا في ظلّ المواقف العنيفة الرافضة للتفاوض مع النظام لعددٍ كبير من فصائل المعارضة، إضافةً إلى عدم تقيّد الكثير من الميليشيات المعارضة المسلّحة بأيّ قرارٍ سياسي يصدر عن الهيئات المعارضة في الخارج.

ثالثاً: تطالب "المعارضات" السورية أن يقوم النظام السوري بالإفراج عن المعتقلين في سجونه، وبفك الطوق عن المناطق المحاصرة، كبادرة حسن نيّة مرافقة لأي مفاوضات سلام، على أن تقابله جماعات المعارضة السورية بوقف فوري للعمليّات العسكرية والهجمات ضد الجيش السوري. لكن هذا المطلب لا يناسب القيادة السورية إطلاقاً في المرحلة الراهنة، باعتبار أنّ تنفيذه يسمح للمعارضة المسلّحة بإعادة تنظيم صفوفها، تحضيراً لجولات قتالية مقبلة. وبالتالي، لا مجال للقبول به، خصوصًا وأنّ الجيش السوري هو الذي يتّخذ الوضعيّة الهجومية في أغلبيّة مواقع الصدام الحالية.

رابعاً: رفض الجانب التركي الذي يؤثّر على مجريات الأحداث في سوريا نتيجة موقعه الجغرافي، تسهيل إنجاح المؤتمر، بسبب عدم أخذ مطالبه في الإعتبار في جدول الأعمال المرتقب، بالنسبة إلى مسألة الوجود الكردي على الحدود التركية. وكذلك الأمر رفض المملكة العربية السعودية، صاحبة الثقل الأكبر لدى المعارضة السورية، بإنجاح أيّ مؤتمر لا يكون لها فيه كلمة مؤثّرة وفاعلة، لاسيما في حال جاءت تحضيرات المؤتمر من جهاتٍ غربيّة وغير عربيّة، كما هي الحال مع "جنيف 2"، وفي ظلّ السعي الجدّي لإشراك الجانب الإيراني.

خامساً: إنحياز الجانب الروسي بشكل واضح إلى جانب القيادة السورية، في مقابل بلبلة الجانب الأميركي نتيجة سلسلة من المشاكل التي يعاني منها، إن مع الدول الغربيّة الداعمة للمعارضة السورية بسبب تُهم التجسّس، أو مع الفريق الإقليمي الأقوى، أي المملكة العربيّة السعودية، بفعل التباين في المواقف من كل من القضيّة السورية والملف النووي الإيراني وغيرها من المشاكل.

في الختام، كلُّ المعطيات الحالية ترجّح عدم عقد مؤتمر "جنيف 2" خلال تشرين الثاني، ولا خلال العام 2013، بحسب أكثر من خبير دولي متابع للمواضيع والأزمات في الشرق الأوسط. وحتى لو سلّمنا جدلاً أنّ تقاطع المصالح الغربيّة سيضغط لعقد المؤتمر "بمن حضر" من أطراف المعارضة، فإنّ أيّ قرارات متّخذة لن تكون سوى "حبراً على ورق"، حيث سترفض القوى المعارضة التي تسيطر على الأرض تنفيذ أيّ بند. وما يُحكى عن قطع للتمويل بالمال والسلاح غير واقعي كون مصادر التمويل متعدّدة ومتباينة الجهات والأهداف. ومصلحة الكثير من هذه المصادر حالياً تكمن بمضاعفة هذا الدعم، وليس بقطعه. وبالتالي، الفشل هو العنوان الأبرز لمحاولات حلّ الأزمة السورية سلمياً، أقلّه في المرحلة الراهنة، حيث ستبقى الكلمة في الأشهر القليلة المقبلة للغّة السلاح، في إنتظار تبدّل في المعطيات الميدانية!

  • فريق ماسة
  • 2013-10-27
  • 9778
  • من الأرشيف

5 وقائع تؤكّد الفشل المسبق لمؤتمر "جنيف 2"

دولٌ وجهاتٌ عدّة تعوّل على نجاح مؤتمر "جنيف 2". وروسيا تضع كلّ ثقلها السياسي لعقد المؤتمر يومي 23 و24 تشرين الثاني، وهو الموعد الذي كشفه نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل في تصريح له في الماضي القريب. وحالياً، يواصل مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، جولته على دول المنطقة، ومنها سوريا بطبيعة الحال، في محاولة أخيرة لإنجاح المؤتمر الموعود. لكن خمسة عناوين كبرى تؤكّد الفشل المسبق للمؤتمر، وهي: أوّلاً: المطلب الرئيس لقوى المعارضة السورية يتمثّل في أن يكون بند تنحّي الرئيس السوري بشّار الأسد مدرجاً في أساس أيّ جدول أعمال لأي مؤتمر سلام موعود، على أن تتولّى هيئة حكم إنتقاليّة كاملة السلطات، قيادة سوريا في مرحلةٍ انتقالية. وهذا ما ترفضه القيادة السوريّة كلياً، حيث تعتبر أنّ الإنتخابات هي وحدها من يُحدّد مصير الرئيس الأسد، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّه حتى في حال عدم توفّر الظروف المناسبة لتنظيم انتخاباتٍ حرّة وديمقراطية في حزيران 2014، سيتم التمديد مرحلياً للرئيس الأسد إلى حين توفّر ظروف ميدانية أفضل. ثانياً: الخلافات بين فصائل المعارضة تزداد وتتسع، وهي باتت أمنيّة-ميدانية داخل سوريا، وليس سياسية-إعلامية من على المنابر فحسب. وهذا ما يُشكّل صعوبة كبرى في اختيار مجموعة من الممثّلين عن "المعارضات" السورية، خصوصًا في ظلّ المواقف العنيفة الرافضة للتفاوض مع النظام لعددٍ كبير من فصائل المعارضة، إضافةً إلى عدم تقيّد الكثير من الميليشيات المعارضة المسلّحة بأيّ قرارٍ سياسي يصدر عن الهيئات المعارضة في الخارج. ثالثاً: تطالب "المعارضات" السورية أن يقوم النظام السوري بالإفراج عن المعتقلين في سجونه، وبفك الطوق عن المناطق المحاصرة، كبادرة حسن نيّة مرافقة لأي مفاوضات سلام، على أن تقابله جماعات المعارضة السورية بوقف فوري للعمليّات العسكرية والهجمات ضد الجيش السوري. لكن هذا المطلب لا يناسب القيادة السورية إطلاقاً في المرحلة الراهنة، باعتبار أنّ تنفيذه يسمح للمعارضة المسلّحة بإعادة تنظيم صفوفها، تحضيراً لجولات قتالية مقبلة. وبالتالي، لا مجال للقبول به، خصوصًا وأنّ الجيش السوري هو الذي يتّخذ الوضعيّة الهجومية في أغلبيّة مواقع الصدام الحالية. رابعاً: رفض الجانب التركي الذي يؤثّر على مجريات الأحداث في سوريا نتيجة موقعه الجغرافي، تسهيل إنجاح المؤتمر، بسبب عدم أخذ مطالبه في الإعتبار في جدول الأعمال المرتقب، بالنسبة إلى مسألة الوجود الكردي على الحدود التركية. وكذلك الأمر رفض المملكة العربية السعودية، صاحبة الثقل الأكبر لدى المعارضة السورية، بإنجاح أيّ مؤتمر لا يكون لها فيه كلمة مؤثّرة وفاعلة، لاسيما في حال جاءت تحضيرات المؤتمر من جهاتٍ غربيّة وغير عربيّة، كما هي الحال مع "جنيف 2"، وفي ظلّ السعي الجدّي لإشراك الجانب الإيراني. خامساً: إنحياز الجانب الروسي بشكل واضح إلى جانب القيادة السورية، في مقابل بلبلة الجانب الأميركي نتيجة سلسلة من المشاكل التي يعاني منها، إن مع الدول الغربيّة الداعمة للمعارضة السورية بسبب تُهم التجسّس، أو مع الفريق الإقليمي الأقوى، أي المملكة العربيّة السعودية، بفعل التباين في المواقف من كل من القضيّة السورية والملف النووي الإيراني وغيرها من المشاكل. في الختام، كلُّ المعطيات الحالية ترجّح عدم عقد مؤتمر "جنيف 2" خلال تشرين الثاني، ولا خلال العام 2013، بحسب أكثر من خبير دولي متابع للمواضيع والأزمات في الشرق الأوسط. وحتى لو سلّمنا جدلاً أنّ تقاطع المصالح الغربيّة سيضغط لعقد المؤتمر "بمن حضر" من أطراف المعارضة، فإنّ أيّ قرارات متّخذة لن تكون سوى "حبراً على ورق"، حيث سترفض القوى المعارضة التي تسيطر على الأرض تنفيذ أيّ بند. وما يُحكى عن قطع للتمويل بالمال والسلاح غير واقعي كون مصادر التمويل متعدّدة ومتباينة الجهات والأهداف. ومصلحة الكثير من هذه المصادر حالياً تكمن بمضاعفة هذا الدعم، وليس بقطعه. وبالتالي، الفشل هو العنوان الأبرز لمحاولات حلّ الأزمة السورية سلمياً، أقلّه في المرحلة الراهنة، حيث ستبقى الكلمة في الأشهر القليلة المقبلة للغّة السلاح، في إنتظار تبدّل في المعطيات الميدانية!

المصدر : ناجي س. البستاني - مقالات النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة