دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يبدو الموقف الراهن وكأنه يعطي صورة اختفاء شبح الحرب من الوضع العام في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. إلا أنه يبدو غير قادر على التخلص من صورة احتمال الحرب بين إسرائيل وإيران.
ويبدو واضحاً مع هذا التغير امران: اولهما ان اسرائيل تغامر بحدوث اختلاف عميق بينها وبين الولايات المتحدة، عند نقطة بدا فيها ان تحسناً قد طرأ على الوضع بالنسبة للعلاقات الاميركية الايرانية، نتيجة لما أسفرت عنه نتيجة الانتخابات الرئاسية الايرانية. ثانياً ـ ونتيجة للنقطة السابقة ـ فإنه يبدو ان الولايات المتحدة اقتربت من إيران بمقدار ما ابتعدت عن إسرائيل.
الواقع ان هناك اختلافاً الآن بين العلاقات الاميركية – الايرانية عما كانت في زمن الازمة، لكن هذا الاختلاف لا يرقى أبداً الى مستوى يُفهم منه ان المشكلات التي كانت تقوم بين الولايات المتحدة وايران قد دخلت دور التلاشي، وخاصة ظن الولايات المتحدة بأن إيران قد بدأت بالفعل السير على طريق إنتاج سلاح نووي وأنه لم يعد باقياً بينها وبين تحقيق هذا الهدف سوى فترة قصيرة تحسب بالشهور أكثر مما تحسب بالسنين. وينبغي ان لا يغيب عن التفكير ان العلاقات بين اميركا وإيران في أسوأ اطوارها انما كانت ثلاثية لا ثنائية، بمعنى ان اسرائيل كانت الضلع الثالث في مثلث هذه العلاقات. فهل يمكننا ان نتصور ان اسرائيل قد خرجت من هذا المثلث ولم تعد ضلعاً ثالثاً فيه؟
الواقع يشهد أيضاً باستحالة حدوث تغير يطيح العلاقة الأميركية الإسرائيلية في ضوء حقائق ثابتة، اولاها حقيقة ان بين الولايات المتحدة وإسرائيل علاقات تتجاوز كثيراً تأثيرات إيران وسياستها المعادية لإسرائيل. ولقد أدّت الولايات المتحدة دورها كاملا في تصوير العلاقات الاميركية بإيران باعتبارها مرهونة بما تمليه اسرائيل على العقل السياسي الاميركي بشأن إيران وطموحاتها ومستقبلها. ولا تزال اسرائيل تؤدي هذا الدور وتطالب الولايات المتحدة بأن تستمر في رؤية إيران والسياسة الايرانية والإستراتيجية الايرانية كما هي، مهما بدا من تغير في الموقف الايراني نتيجة لما ادت اليه الانتخابات الايرانية الرئاسية الاخيرة. والمعنى الواضح هنا اننا ازاء ثلاثة أطراف تغير موقف اثنين منها، بينما بقي موقف الثالث ثابتاً على حاله. فالمفترض ان ايران تغيرت وأن أميركا تغيرت ايضاً نتيجة لذلك، اما اسرائيل فقد بقيت على حالها. ويمكن مع هذا الافتراض بأن التغيير الذي يفترض حدوثه في الموقف الايراني بعد الانتخابات هو تغير صوري بحت لا يصاحبه تغير حقيقي في المواقف السياسية والإستراتيجية. ومعنى هذا ان الولايات المتحدة إما تتعامل مع هذا التغيير الايراني باعتباره تغييراً حقيقياً وعميقاً، أي أنها تقع في خطأ واضح في فهم الموقف الايراني. وفي هذه الحالة يكون الموقف الاسرائيلي الثابت هو الموقف الصحيح.
كذلك فإنه من الممكن تصور صحة الموقف الايراني باعتباره تعبيراً عن تغير في سياسة طهران، ورغبة قوية من جانبها في جذب الولايات المتحدة نحو إدراك واقعي وحقيقي تجاه سياسة ايران، وبالتالي إبعادها ـ اي الولايات المتحدة ـ عن التحالف العسكري مع اسرائيل ضد ايران. فيكون قلق اسرائيل الراهن من هذا التغيير امراً مفهوماً وله أسبابه الحقيقية. وبالتالي تبقى احتمالات انشقاق اسرائيل على أميركا واتجاه القادة الاسرائيليين الى تنفيذ ما سبق ان هددوا به، وهو شن هجوم عنيف على المواقع الايرانية القوية التي تهدد بالتحول ـ في رأي اسرائيل ـ الى نقاط هجوم على اسرائيل، بصرف النظر عما اذا كانت هذه المواقع نووية او شبه نووية او غير نووية بأي حال. ومعنى هذا ان موقف الولايات المتحدة يمثل الدور الفاصل، فهو الذي يحدد اذا كانت الولايات المتحدة ستبتعد عن التفسير الاسرائيلي للقوة الايرانية او ستهجر كلية فكرة الاقتراب الى ايران والتوصل معها الى تسوية مرضية لهذا الموقف المعقد والغامض.
يوصلنا هذا الاحتمال إلى استمرار التحالف بجميع معانيه وصوره مع اسرائيل. وهذا يعني العمل من جانب أميركا على إفشال خطة التوصل الى اتفاق ودي مع ايران، ينهي ازمة الاصرار الاسرائيلي على ان ايران دخلت طريق امتلاك السلاح النووي. وما يبدو حتى الآن يوحي بأن الولايات المتحدة مصممة على مواصلة التفاهم مع ايران. ومعنى هذا الاختلاف مع اسرائيل. وهو امر لم يحدث على مدى السنوات الاربعين او الخمسين الماضية. ان توقع ان تختار الولايات المتحدة تصديق ايران وليس تصديق اسرائيل في اللحظة التاريخية الراهنة يبدو، في ضوء التجارب التاريخية الماضية للعلاقات بينهما، أمراً مستبعداً.
لكن التجربة الاسرائيلية تفرض على اسرائيل ان تتشبث بموقفها من الازمة مع ايران، متوقعة ان ترضخ الولايات المتحدة للرأي الاسرائيلي. وهو امر حدث لمصلحة اسرائيل في ازمات كبيرة سابقة، مثل الازمة التي واكبت حرب تشرين الاول 1973. واذا ما تشبثت اسرائيل بموقفها فإنها ستحظى بالتأكيد بتأييد عالي الرنين من جانب منظمات اللوبي اليهودية في داخل الولايات المتحدة. وتدل تجارب الماضي على ان الادارات الاميركية ترضخ لضغوط اللوبي اليهودي لمصلحة اسرائيل، خاصة في قضايا الحرب والسلام.
لقد ابدت اسرائيل تردداً شديداً في الاقدام على حرب مع ايران، وكانت تطمع في ان تخوضها اميركا بدلا منها. وتواجه اسرائيل الآن احتمال ان تضطر الى خوض هذه الحرب وحدها، وأن لا تخوضها الولايات المتحدة نزولا عند رغبتها. والخيار صعب للغاية امام اسرائيل. ربما هو أصعب من الخيار الذي تواجهه اميركا. وقد اضطر الرئيس اوباما إلى ان يتراجع عن تهديداته الحادة بضرب سوريا من الجو ولقي في ذلك تأييداً من الاميركيين. وينتظر ان يكون موقف الشعب الاميركي مماثلا اذا ترك اوباما اسرائيل تخوض وحدها حرباً ضد ايران. ولكن اسرائيل لن تحتمل هذه التجربة مرتين متتاليتين. ومن المؤكد ان تثير ضد ادارة اوباما كل ما لديها من اعتراضات وخصومات، وحتى ما هو أكثر من ذلك.
الامر المؤكد ان اسرائيل تواجه من الآن اختباراً بالغ الصعوبة لحقيقة علاقتها مع الولايات المتحدة. ويمكن ان يراهن بعض المحللين على ان ايران انما تدفع الامور بسلوكها اللين مع ادارة اوباما في هذا الاتجاه الذي يخلق أزمة خطيرة بين اميركا وإسرائيل.
انما هل سيكون مقبولاً من قبل الولايات المتحدة في الظروف الراهنة؟ اننا نعني بتعبير الظروف الراهنة على وجه التحديد المجهود الذي تقوم به ادارة اوباما لإقناع اسرائيل والحكومة الفلسطينية بالتوصل معها في غضون عام واحد لا أكثر الى «اتفاق سلام». هل ستتمكن ادارة اوباما من الضغط على اسرائيل للتوصل الى مثل هذا الاتفاق مع الفلسطينيين والسكوت في الوقت نفسه عن اتفاق مع إيران؟
ألا يبدو واضحاً أكثر من اي وقت مضى ان إسرائيل تخوض تجربة غير مسبوقة في مواجهة إيران، سواء تطورت هذه التجربة الى حرب حقيقية بينهما او اضطرت اسرائيل لان تصرف النظر عن خوض تجربة الحرب في مواجهة ايران؟
إن شبح الحرب لا يبدو في طريق الاختفاء، انما يبدو في طريق اختبار اسرائيل في المجال الذي فضّلته دائماً وهو خيار الحرب، خاصة اذا وجدت نفسها مضطرة الى مواجهة الحرب مع ايران بمفردها.
المصدر :
السفير/سمير كرم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة