دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في إسرائيل اليوم مشكلة صامتة بين المستويين الأمني والعسكري من جهة ، والمستوى السياسي من جهة أخرى، اسمها "العلاقة السافرة مع المجموعات الإرهابية في سوريا"!
ومرة أخرى يكون الإعلام الإسرائيلي، الذي يتمتع بهامش واسع من الحرية، باستثناء ما يتصل بـ"الأمن القومي" الذي يجب على مواضيعه المرور بين شفرتي مقص الرقيب العسكري، الصاعق الذي يفجر القنبلة.
الذي يتمتع بهامش واسع من الحرية، باستثناء ما يتصل بـ"الأمن القومي" الذي يجب على مواضيعه المرور بين شفرتي مقص الرقيب العسكري، الصاعق الذي يفجر القنبلة.
حتى الأمس القريب، كانت "اسرائيل "ورغم التقارير الإعلامية المتواترة عن التواصل الإسرائيلي الرسمي مع "المعارضة السورية المسلحة"، تضع الأمر في خانة" الخدمة الإنسانية" التي تقتصر على تقديم الخدمات الطبية لبعض الجرحى الذين يتعرضون للإصابة خلال المواجهات مع الجيش السوري في المنطقة المحررة من الجولان. إلا أن الأمور سرعان ما تطورت وصولا إلى إقامة مشفى ميداني للجيش الإسرائيلي في شباط / فبراير الماضي قريبا من خط وقف إطلاق النار في الجولان السوري المحتل، مهمته استقبال الجرحى من المسلحين قبل تحويلهم إلى مشافي شمال الاراضي المحتلة ، لاسيما صفد ونهاريا، حين تكون الإصابات خطرة وغير قابلة للعلاج ميدانيا. ومع تزايد عدد الإصابات ليبلغ المئات، وتحول الأمر إلى"ظاهرة" وعبء على الخزينة العامة، واحتجاج الهيئات المعنية على ذلك بسب كلفته العالية وتحقيقه على حساب المواطن /دافع الضرائب والجندي "الإسرائيلي" نفسه، أمر رئيس الحكومة طاقمه السياسي بعدم الحديث عن الأمر، لكنه لم يستطع منع الصحافة من الحديث عنه، بالنظر لعدم إمكانية تصنيفه في خانة"الأمن القومي وأسرار الجيش والدولة". والشيء الوحيد الذي استطاع فعله على هذا الصعيد هو إصدار الأوامر بمنع الصحافة من دخول المشافي ومقابلة الجرحى طيلة العامين الماضيين، والذي اضطر إلى إلغائه الأسبوع الماضي تحت ضغط الرأي العام والمعارضة، اللذين يريدان معرفة ما يجري في كواليس العلاقة مع الجماعات السورية المسلحة. ورغم ذلك ، فقد تمكن بعض القنوات الإسرائيلية من "التسلل" إلى داخل إحدى المشافي والحديث مع عدد من مقاتلي مليشيا "الجيش الحر" الشهر الماضي، حيث لم يبخل معظمهم من كيل المديح للدولة الصهيونية على "خدمتها الإنسانية" وتحميل "النظام السوري و"الروافض" مسؤولية كراهية الشعب السوري "لإسرائيل" خلال عشرات السنين، في كتب المدارس والإعلام"، كما قال أحد ضباط "لواء الفرقان" في "الجيش الحر" ممن يعالجون في مشفى "زئيف" في صفد؛ والذي أضاف القول" نحن، كمسلمين، لا نشعر بأية كراهية إزاء اليهود، فهم إخوتنا في الإيمان باعتبارهم أهل كتاب، أم "الشيعة والعلويون"، فكفار لا يؤمنون بأي كتاب سماوي. وحين نتخلص من النظام ، سيكون بإمكاننا الذهاب إلى حيفا والسهر والمتاجرة والعودة إلى دمشق كما كنا نفعل قبل اغتصاب السلطة من قبل البعثيين! لكن المتحدث الجاهل، أو المنافق،لم يقل إن ذلك كان متاحا فقط قبل إنشاء الدولة العبرية، وليس بعد ذلك!
خلال العامين الماضيين لم يتردد الكثير من قادة المعارضة السورية في إجراء مقابلات مباشرة مع وسائل الإعلام الإسرائيلية. وكان أول من دشن ذلك عبد الحليم خدام، الذي أدلى بحديث للقناة الإسرائيلية الثانية أشرف على ترتيبها سكرتيره الشخصي آنذاك و الناطق لاحقا باسم"الجيش الحر" في باريس فهد الأرغا المصري، الذي جندته"الموساد" قبل بضع سنوات عن طريق مراسل الإذاعة الإسرائيلية في العاصمة الفرنسية، جدعون كاوتس، كما يقول هذا الأخير لزملائه في المؤسسة العامة للإذاعة الإسرائيلية. وبعد خدام، وعلى القناة نفسها، جاء دور المراقب العام (آنذاك) لجماعة الأخوان المسلمين ، علي صدر البيانوني، الذي سلّف الدولة العبرية موقفا لم يتجرأ الأخوان المسلمون من قبل على فعله، وهو التأكيد على أن ما بين سوريا والدولة العبرية "خلاف حدودي" يتعلق بالجولان، و"الجماعة" مستعدة لإبرام سلام مع إسرائيل على أساس قرارات الأمم المتحدة، وفق تعبيره الحرفي!
بعد خدام والبيانوني، جاء دور عضو مايسمى "المجلس الوطني السوري" خالد خوجا، الذي أرسل رسالة لبنيامين نتنياهو باسم"المجلس الأعلى للثورة السورية" و"المجلس الوطني"، طالبه فيها ـ وفق ما أكده في مقابلة مع القناة السابعة ـ بـ"مساندة إسرائيل للثوة السورية وإسقاط نظام الأسد المعادي لإسرائيل والشعب السوري حسب قوله ، لأن مصلحة" إسرائيل" تكمن في إسقاط نظام الأسد الذي يعمل لصالح أعداء إسرائيل وأعداء الشعب السوري ، وهم إيران وحزب الله وحماس". وشددت الرسالة على أن عدم إسقاط النظام السوري "سيؤدي إلى انتصار إيران وتنفيذ تهديدها بإبادة "إسرائيل" والشعب اليهودي"! وتلا خالد خوجا الناطق الإعلامي باسم"المجلس الوطني"، آنذاك، الإعلامي رياض معسعس، وهو ذو خلفية ناصرية وعضو سابق في حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يقوده حسن عبد العظيم ، وصديق شخصي للمعارض السوري الوطني البارز هيثم مناع. وقد أكد معسعس ، ولكن هذه المرة لصحيفة تونسية ناطقة بالإنكليزية وليس لقناة" إسرائيلية"، أن"هدف الثورة السورية هو إطاحة الديكتاتورية وليس إقامة حكومة تعادي إسرائيل أو تهاجمها، ولن يكون في سوريا أي شيء تخشاه إسرائيل بعد سقوط الأسد"!
وبعد معسعس، جاء دور رئيس "المجلس الوطني"، جورج صبرة، الذي أطلق تصريحات مشابهة لموقع"ديبكا فايل" المقرب من الاستخبارات العسكرية، الذي كان رئيس تحريره ضيف شرف على اجتماعات "المجلس" في استانبول.
هذه الاندفاعة السورية المعارضة نحو إسرائيل شجعت وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، أفيكتور ليبرمان، على الخروج عن التحفظ الرسمي والإعلان في آذار /مارس من العام الماضي عن أن وزارته سترعى حفلا لمغني الروك الإسرائيلي أركادي دوتشين يرصد ريعه لصالح"الجيش السوري الحر"!
برر المستوى السياسي الإسرائيلي ما سبق كله بأنه علاقة مع"القوى المعتدلة في الساحة السورية". إلا أن ما كشفته "القناة العاشرة"، و وسائل إعلام إسرائيلية أخرى( "يديعوت أحرونوت" خصوصا)، يومي الخميس والجمعة الماضيين، ذهب حد التأكيد على أن العلاقة ليست مع الاتجاهات"المعتدلة" في سوريا فقط، بل حتى مع فرعي "القاعدة" في سوريا، "جبهة النصرة" و"دولة العراق والشام الإسلامية"(داعش)! وطبقا لما كشفته القناة، فإن عدد مسلحي "جبهة النصرة" وحدها، الذين يعالجون في مشفى نهاريا، وصل إلى مئة وستة جرحى، فضلا عن 300 جريح آخر من تنظيمات عسكرية أخرى مثل "لواء اليرموك" و" لواء الفرقان"، بعضهم عولج وخرج، وبعضهم الآخر توفي بسبب خطورة إصابته، فيما البعض الثالث لا يزال قيد العلاج. ونقلت القناة عن مدير المشفى الدكتور مسعد برهوم قوله إن الجيش الإسرائيلي هو المسؤول عن إحضار الجرحى وعن تأمين الحراسات على غرفهم ، مشددا على أن معظمهم يعانون من إصابات تتراوح ما بين الخطرة والخطرة جدا، وأن اثنين منهما توفي قبل أن تتمكن سيارات إسعاف الجيش الإسرائيلي من إيصالهم إلى غرف الطوارىء. أما ضابط سلاح الطب (الإدارة الطبية) في الجيش الإسرائيلي، الجنرال الطبيب "إيتسك كرايس"، فأكد أن "غالبية الجرحى يعانون وضعا حرجا". وأجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية ، نقلا عن إدارة المشافي، على القول"إن معظم الجرحى من المقاتلين السوريين"يحتاجون إلى عمليات جراحية وعلاج مكثف، وهم يرقدون في أقسام الجراحة والعظام، بينما يضع الجيش الإسرائيلي حراسة على مدخل غرفة كل جريح حراسة خاصة من الاستخبارات العسكرية، ولا يسمح سوى للطاقم الطبي بالدخول إليها، كما لا يسمح لهذا الطاقم بالحديث إلى وسائل الإعلام سوى عن الوضع الصحي للجرحى وإصاباتهم".
الأسبوع الماضي سمحت الحكومة "الإسرائيلية" وقيادة الجيش في المنطقة الشمالية لوسائل الإعلام الإسرائيلية بالدخول إلى غرف الجرحى، ولكن بشرط عدم إظهار وجوههم أو ذكر أسمائهم. وكانت "القناة العاشرة" هي السباقة إلى مقابلتهم. وهنا كان هول المفاجأة : إنهم من"القاعدة" ، بشعبيتها "جبهة النصرة" و"داعش"، وليس من "القوى المعتدلة في الثورة السورية"، كما حاول المستويان السياسي والأمني تبرير استقبال هؤلاء منذ شباط / فبراير الماضي حين افتتح لهم الجيش مشفى ميدانيا في أحد معسكراته في الجولان المحتل!
الجرحى الذين قابلتهم القناة أجمعوا كلهم على "شكر "إسرائيل" على ما قدمته لـ الثورة السورية"، والذي لم تقدمه الدول العربية". وقال أحدهم بالعربية العامية" يكثر خير "إسرائيل" . في مثل عنا بيقول : يلي بمد إيدو إلك ، ما بيجوز تعضها. وهكذا سنتعامل مع إسرائيل، فلن نعض يدها في المستقبل"!
الريبورتاج الذي بثته القناة المذكورة فجر مشكلة بين المستويين السياسي والأمني ـ العسكري. ففي الوقت الذي أنكر المستوى الأول علمه بأن هؤلاء ينتمون إلى "القاعدة"، دافع المستوى الثاني بالقول"إن علاج هؤلاء الجرحى حقق لإسرائيل ما عجز عن تحقيقه جواسيس إسرائيل في سوريا منذ قيام الدولة ، وفتحوا قناة اتصال مع الشعب السوري لم تستطع حتى اتفاقية كامب ديفيد نفسها تحقيقه من تطبيع مع الشعب المصري. إنهم الاستثمار الإسرائيلي الأكثر أهمية في سوريا للمستقبل، وعلى المستوى السياسي أن يخرج من حذره غير المبرر. فهو لا يدرك أهمية الاستثمار في مجموعات أصولية هدفها الأول والأخير محاربة محور الشر الذي يشكله "الشيعة" في المنطقة، من طهران شرقا إلى حدودنا الشمالية غربا" في لبنان...!
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة