فتح قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن حق حكومة بنيامين نتنياهو اتخاذ القرار حول نسبة الغاز المسموح تصديرها من الحقول المكتشفة في عرض البحر المتوسط الباب أمام تنافس حاد على حصص تصدير الغاز. وأعادت شركة «وودسايد» الأسترالية التفاوض مع شركتي «نوبل إنرجي» الأميركية و«ديلك» الإسرائيلية لشراء 30 في المئة من امتياز حقل «لفيتان». وتقوم الولايات المتحدة برعاية اتصالات لتنظيم تصدير الغاز من حقول البحر المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا بمشاركة كل من إسرائيل وقبرص وربما مصر.

وقد أعطت المحكمة العليا يوم الاثنين الماضي الضوء الأخضر للحكومة لتنفيذ قرارها بتصدير 40 في المئة من مخزونات الحقول الإسرائيلية والاحتفاظ بـ60 في المئة لمصلحة الاقتصاد الداخلي. وبذلك رفضت المحكمة اعتراضات جهات برلمانية وشعبية وسياسية عدة، التي عارضت تصدير الغاز واعتبرته نهباً لأموال الإسرائيليين وتكريساً لمصالح كبار الرأسماليين من أصحاب شركات الامتياز. وقد جاء القرار بعد 14 شهراً من تقديم لجنة «شيشنسكي» توصياتها بشأن تصدير الغاز، وبعد أربعة أشهر من قرار الحكومة تبني التوصيات مع بعض التعديلات.

وحاجج المعارضون بأن بقاء القرار بشأن تصدير الغاز بيد الحكومة يحرم الكنيست، بوصفها الممثل الشرعي للإسرائيليين، من حق اتخاذ هذا القرار المصيري. وطالب هؤلاء بنقض قرار الحكومة بشأن توصيات لجنة «شيشنسكي» وترك القرار بيد الكنيست. وكما سلف حسمت المحكمة العليا الخلاف، واعتبرت أن تصدير الغاز والقرارات بشأنه من صلاحية الحكومة وليس من صلاحية الكنيست.

ولكن بعض الخبراء يعتقدون أن قرار المحكمة لم ينه الخلاف بين المعارضين والمؤيدين لتصدير الغاز، وأن القضية ستظل لفترة طويلة موضع صراع قضائي وشعبي وإجرائي. ويعتقد هؤلاء أن الصراع الحقيقي هو صراع ما بعد المحكمة العليا، وهو يتعلق بشكل التصدير ووجهته. وهناك صراعات جانبية أخرى ستقوم بين مختلف المستثمرين في الحقول المختلفة، والتي تختلف نسب التصدير منها وكميات الغاز المصدر ووتيرته.

وأياً يكن الحال فإنه وبرغم وجود عدد من حقول الغاز الفاعلة والمكتشفة، إلا أن الحديث عن تصدير الغاز يعني أساساً تصديره من حقل «لفيتان». فالغاز المنتج في حقل «تمار» شبه مبيع بشكل تام لشركات إسرائيلية، وقد يصل جزء منه إلى الأردن وإلى شركة الكهرباء الفلسطينية في الضفة الغربية. وهناك خبراء يقولون أن إسرائيل ستعاني في العام 2015 من نقص في إمدادات الغاز بسبب التراجع المحتمل في انتاج حقل «تمار» واحتمالات نضوبه قبل أن يدخل حقل «لفيتان» إلى حيز الخدمة الفعلية والإنتاج. وربما لهذا السبب يعاند كثيرون ويُصرّون على عدم التصدير لتجنيب الاقتصاد معضلة قريبة.

وفي كل حال، فإن إسرائيل أو الشركات صاحبة الامتياز في حقل «لفيتان» سعت لبيع قسم من الامتياز بغرض تسهيل الاستثمار في منصات الانتاج. وهكذا اتفقت مع شركة «وودسايد» الأسترالية على شراء 30 في المئة من امتياز «لفيتان» بمبلغ 2,5 مليار دولار. ولكن «وودسايد» تأخرت عن دفع الدفعة الأولى من الصفقة بسبب الخشية من ألا تقر المحكمة العليا قرار الحكومة بتصدير 40 في المئة من الانتاج. وتفيد التقارير بأن قطيعة حدثت بين «نوبل إنرجي» و«ديلك» مع «وودسايد» خلال الأشهر القليلة الماضية، ولكن المفاوضات تجددت مؤخراً. وبحسب ما نشر في إسرائيل فإن أصحاب امتياز «لفيتان» صاروا يطلبون من «وودسايد» مبلغاً أكبر بسبب ما قيل عن زيادة بحوالي 20 في المئة في حجم المخزون من ناحية وفوارق الأسعار من ناحية ثانية.

وهنا تظهر مسألة تصدير الغاز ووجهته. وطوال العامين الأخيرين نشرت أنباء كثيرة عن خطط لمد أنابيب مثلاً من حقل «لفيتان» إلى كل من إسرائيل وقبرص وبعدها إلى اليونان. وجرت مفاوضات موسعة حول خطط كهذه، إلا أنه سرعان ما تبين أنها كانت مجرد ألاعيب إعلامية أو سياسية. فقد تبين أن إنشاء محطة تسييل للغاز على الشاطئ الفلسطيني يحتاج إلى منطقة لا تقل عن ألف دونم، وهو أمر غير متوفر في إسرائيل. كما أن الشيء نفسه يسري على شواطئ قبرص. ومن الوجهة العملية، فإن الحل الوحيد هو تصدير الغاز بما في ذلك القبرصي عبر تركيا، وهو ما تحاول الإدارة الأميركية استغلاله في إطار «الاقتصاد لخدمة السلام».

وبرغم تردي العلاقات الإسرائيلية - التركية إلا أن حكومة نتنياهو ترحب بالتعاون مع تركيا لمد أنبوب من حقل «لفيتان» إلى الشواطئ التركية. وتركيا بحاجة للغاز الإسرائيلي نظراً لارتفاع تكلفة الغاز الروسي والإيراني، والذي يتراوح بين 11 و14 دولاراً لكل مليون BTU (وحدة حرارية)، وحتى شراء غاز مسال من الجزائر وليبيا بسعر مضاعف. وتشير التقديرات إلى أن أنبوب الغاز يمكنه أن يزود تركيا بثمانية إلى عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، بتكلفة سبعة إلى تسعة دولارات لكل مليون BTU. وترحب إسرائيل بعروض تركية لشراء الغاز من فوهة الحقل مباشرة على أن تتولى هي مد الأنبوب إلى تركيا عبر شركات دولية إيطالية وفرنسية. ويعتقد أن تكلفة تطوير حقل «لفيتان» ومد الأنبوب إلى تركيا تبلغ خمسة مليارات دولار، وتقدر عائدات أصحاب امتياز «لفيتان» سنوياً بثلاثة مليارات دولار.

  • فريق ماسة
  • 2013-10-23
  • 13618
  • من الأرشيف

الغاز الإسرائيلي: واشنطن ترعى التصدير بمشاركة تركية

فتح قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن حق حكومة بنيامين نتنياهو اتخاذ القرار حول نسبة الغاز المسموح تصديرها من الحقول المكتشفة في عرض البحر المتوسط الباب أمام تنافس حاد على حصص تصدير الغاز. وأعادت شركة «وودسايد» الأسترالية التفاوض مع شركتي «نوبل إنرجي» الأميركية و«ديلك» الإسرائيلية لشراء 30 في المئة من امتياز حقل «لفيتان». وتقوم الولايات المتحدة برعاية اتصالات لتنظيم تصدير الغاز من حقول البحر المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا بمشاركة كل من إسرائيل وقبرص وربما مصر. وقد أعطت المحكمة العليا يوم الاثنين الماضي الضوء الأخضر للحكومة لتنفيذ قرارها بتصدير 40 في المئة من مخزونات الحقول الإسرائيلية والاحتفاظ بـ60 في المئة لمصلحة الاقتصاد الداخلي. وبذلك رفضت المحكمة اعتراضات جهات برلمانية وشعبية وسياسية عدة، التي عارضت تصدير الغاز واعتبرته نهباً لأموال الإسرائيليين وتكريساً لمصالح كبار الرأسماليين من أصحاب شركات الامتياز. وقد جاء القرار بعد 14 شهراً من تقديم لجنة «شيشنسكي» توصياتها بشأن تصدير الغاز، وبعد أربعة أشهر من قرار الحكومة تبني التوصيات مع بعض التعديلات. وحاجج المعارضون بأن بقاء القرار بشأن تصدير الغاز بيد الحكومة يحرم الكنيست، بوصفها الممثل الشرعي للإسرائيليين، من حق اتخاذ هذا القرار المصيري. وطالب هؤلاء بنقض قرار الحكومة بشأن توصيات لجنة «شيشنسكي» وترك القرار بيد الكنيست. وكما سلف حسمت المحكمة العليا الخلاف، واعتبرت أن تصدير الغاز والقرارات بشأنه من صلاحية الحكومة وليس من صلاحية الكنيست. ولكن بعض الخبراء يعتقدون أن قرار المحكمة لم ينه الخلاف بين المعارضين والمؤيدين لتصدير الغاز، وأن القضية ستظل لفترة طويلة موضع صراع قضائي وشعبي وإجرائي. ويعتقد هؤلاء أن الصراع الحقيقي هو صراع ما بعد المحكمة العليا، وهو يتعلق بشكل التصدير ووجهته. وهناك صراعات جانبية أخرى ستقوم بين مختلف المستثمرين في الحقول المختلفة، والتي تختلف نسب التصدير منها وكميات الغاز المصدر ووتيرته. وأياً يكن الحال فإنه وبرغم وجود عدد من حقول الغاز الفاعلة والمكتشفة، إلا أن الحديث عن تصدير الغاز يعني أساساً تصديره من حقل «لفيتان». فالغاز المنتج في حقل «تمار» شبه مبيع بشكل تام لشركات إسرائيلية، وقد يصل جزء منه إلى الأردن وإلى شركة الكهرباء الفلسطينية في الضفة الغربية. وهناك خبراء يقولون أن إسرائيل ستعاني في العام 2015 من نقص في إمدادات الغاز بسبب التراجع المحتمل في انتاج حقل «تمار» واحتمالات نضوبه قبل أن يدخل حقل «لفيتان» إلى حيز الخدمة الفعلية والإنتاج. وربما لهذا السبب يعاند كثيرون ويُصرّون على عدم التصدير لتجنيب الاقتصاد معضلة قريبة. وفي كل حال، فإن إسرائيل أو الشركات صاحبة الامتياز في حقل «لفيتان» سعت لبيع قسم من الامتياز بغرض تسهيل الاستثمار في منصات الانتاج. وهكذا اتفقت مع شركة «وودسايد» الأسترالية على شراء 30 في المئة من امتياز «لفيتان» بمبلغ 2,5 مليار دولار. ولكن «وودسايد» تأخرت عن دفع الدفعة الأولى من الصفقة بسبب الخشية من ألا تقر المحكمة العليا قرار الحكومة بتصدير 40 في المئة من الانتاج. وتفيد التقارير بأن قطيعة حدثت بين «نوبل إنرجي» و«ديلك» مع «وودسايد» خلال الأشهر القليلة الماضية، ولكن المفاوضات تجددت مؤخراً. وبحسب ما نشر في إسرائيل فإن أصحاب امتياز «لفيتان» صاروا يطلبون من «وودسايد» مبلغاً أكبر بسبب ما قيل عن زيادة بحوالي 20 في المئة في حجم المخزون من ناحية وفوارق الأسعار من ناحية ثانية. وهنا تظهر مسألة تصدير الغاز ووجهته. وطوال العامين الأخيرين نشرت أنباء كثيرة عن خطط لمد أنابيب مثلاً من حقل «لفيتان» إلى كل من إسرائيل وقبرص وبعدها إلى اليونان. وجرت مفاوضات موسعة حول خطط كهذه، إلا أنه سرعان ما تبين أنها كانت مجرد ألاعيب إعلامية أو سياسية. فقد تبين أن إنشاء محطة تسييل للغاز على الشاطئ الفلسطيني يحتاج إلى منطقة لا تقل عن ألف دونم، وهو أمر غير متوفر في إسرائيل. كما أن الشيء نفسه يسري على شواطئ قبرص. ومن الوجهة العملية، فإن الحل الوحيد هو تصدير الغاز بما في ذلك القبرصي عبر تركيا، وهو ما تحاول الإدارة الأميركية استغلاله في إطار «الاقتصاد لخدمة السلام». وبرغم تردي العلاقات الإسرائيلية - التركية إلا أن حكومة نتنياهو ترحب بالتعاون مع تركيا لمد أنبوب من حقل «لفيتان» إلى الشواطئ التركية. وتركيا بحاجة للغاز الإسرائيلي نظراً لارتفاع تكلفة الغاز الروسي والإيراني، والذي يتراوح بين 11 و14 دولاراً لكل مليون BTU (وحدة حرارية)، وحتى شراء غاز مسال من الجزائر وليبيا بسعر مضاعف. وتشير التقديرات إلى أن أنبوب الغاز يمكنه أن يزود تركيا بثمانية إلى عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، بتكلفة سبعة إلى تسعة دولارات لكل مليون BTU. وترحب إسرائيل بعروض تركية لشراء الغاز من فوهة الحقل مباشرة على أن تتولى هي مد الأنبوب إلى تركيا عبر شركات دولية إيطالية وفرنسية. ويعتقد أن تكلفة تطوير حقل «لفيتان» ومد الأنبوب إلى تركيا تبلغ خمسة مليارات دولار، وتقدر عائدات أصحاب امتياز «لفيتان» سنوياً بثلاثة مليارات دولار.

المصدر : حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة