دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ثمة كثير من الضحك في الأروقة الدبلوماسية الدولية على "الحرد" السعودي، يصل عند البعض إلى الضحك بصوت عالٍ على هذه الاستفاقة المفاجئة لـ"اليقظة القومية" السعودية، التي تجعلها تتخلى عن العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي.
أكثر ما يثيرهم هو تلك الغيرة المفاجئة على الحقوق الفلسطينية التي تناستها على مدى أكثر من سبعين عاماً، لاسيما أن هناك الكثير من الوثائق على التعهدات السعودية أمام الإنكليز ثم الأميركيين بالحرص على الكيان الصهيوني، وإحباط أي مشروع عربي أو إسلامي من شأنه أن يقوي العرب في مواجهة العدوانية التوسعية الصهيونية على شتى المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، حتى أنها هي من لعبت الدور الأساسي في منع قيام السوق العربية المشتركة.
السعودية ودبلوماسيتها المهزوزة والمريضة بقيادة سعود الفيصل تريد إصلاح الأمم المتحدة؟!
تلك كانت النكتة الكبيرة التي تندّر بها الكثير من الدبلوماسيين، لأن بلداً يبدو أنه ما يزال يعيش في غياهب القرون الوسطى في العلاقات الإنسانية والاجتماعية، حيث عائلة من بضعة آلاف تتحكم ببلاد غنية مترامية الأطراف جعلتها على اسمها، وتمارس أبشع أنواع التمييز الذي يقترب من العنصرية بحق الناس والشعب.
يضحك طويلاً بعض الدبلوماسيين من هذا الحَرَد السعودي، لأن أساسه وسببه هو سورية، ولا صحة بتاتاً لمطالب إصلاحية من بلد عصية العائلة التي تحكمه عن أي إصلاح..
إنه غضب بطل المصارعة الفاشل الذي بدأ يخسر النقاط على الحلبة، وصار منهك القوى ويخشى من الضربة القاضية، أو إعلان الحَكَم خسارته، بعد أن بدأ عجزه يتزايد ويتراكم على الحلبة السورية، في وقت أخذ جمهور المصارع المتهاوي ينفضّ من حوله، فلم يعد يجد مصفقاً له سوى الصهيوني في الدولة العبرية.
إذاً، المملكة الهرمة بدأت تجد نفسها وحيدة، بعد أن فشلت على مدى نحو 32 شهراً في قلب النظام السوري، وأخذت عواصم العالم تفتّش عن كيفية الانسحاب من الرمال السورية، بعد أن تبيّن لها أن بشار الأسد أقوى مما يتصورون، فلم يعد أحد يتحدث عن قرب نهايته، لا بل صار كثيرون يخطبون الاتصال به، وإن كان بعضهم يحاول ذلك من تحت الطاولة.
السعودية لم تعد تملك في مواجهة الوقائع الميدانية السورية والتحولات الغربية والعربية - بحسب العديد من الأوساط الدبلوماسية - سوى العتب الشديد على حلفائها، ودبلوماسيتها الصامتة لم تعد قادرة على كبت طموحاتها، فانفجرت تتساءل عن سر تركها وحيدة، فجاءتها جائزة الترضية من جون كيري، الذي اعتبر أن اعادة انتخاب بشار الأسد سيمدد أجل الحرب، وهو ما يتعارض مع الوقائع اللوجسيتة لتطورات الأزمة السورية، والتي تتميز في الفترة الراهنة بعدة اتجاهات أبرزها:
- التقارب الإيراني - الأميركي، بحيث تبدو كل الأمور أمام صلابة الموقف الإيراني وتمسكه بثوابته، أن واشنطن لا هدف لها سوى إرضائه.
- التقارب الروسي - الأميركي للوصول إلى تسوية في سورية، والتي يبدو واضحاً فيها أن الأميركي المنهَك بحروبه السابقة وأزماته المالية والاقتصادية، مسلِّماً بدور موسكو وشروطها، والتي سبق لفلاديمير بوتين أن أعلنها أن "أمن دمشق من أمن موسكو".
- العواصم الغربية تتدرّج في سحب يدها من سورية، وبعضها بدأ يطلب ودّ دمشق سراً أو علناً.
- عواصم عربية، خصوصاً خليجية، أخذت تبحث عن شكل لائق لها للانسحاب من التأييد الأعمى للمؤامرة على سورية.
وقد ترافق كل ذلك مع سلسلة وقائع ميدانية باهرة أحرزها الجيش العربي السوري في الميدان، أبرزها:
- انتهاء الحديث من عواصم الغرب وبعض العرب، وحتى من المجموعات المسلحة، عن قرب معركة دمشق، لا بل إن الميدان شهد تحوّلات جذرية، وتوجيه ضربات قاصمة للمسلحين في أرياف دمشق ودرعا وحلب وحمص ودير الزور وغيرها.
- أخذت الصورة تتوضح أكثر فأكثر أمام الإعلام الغربي عن فظائع المسلحين وجرائمهم، وقتل المسيحيين أو خطفهم، وسبي النساء، و"جهاد النكاح" الذي أخذ يثير موجة سخط عارمة.
- ازدياد الصراع بين المعارضات السورية؛ كل حسب مصدر تمويله، فبدأ الصراع يتخذ أشكالاً مختلفة، منها كسب الوقت من أجل أوسع عمليات نهب وفرض خوات، ما أدى إلى معارك دموية فيما بينهم قضى على مئات المسلحين، وهو الواقع الذي استغلته "داعش" و"جبهة النصرة" اللتان بدأتا تتلقيان الدعم من السعودية، فأخذت بتصفية المجموعات المسلحة الأخرى، فكانت معارك تصفية ما يسمى "الجيش الحر" ومجموعات مسلحة أخرى مستقلة.. لكن الصراع أيضاً انتقل إلى "جبهة النصرة" و"داعش" اللتين بدأتا في أكثر من مكان معارك وحروب تصفيات.
وفي كل هذه التطورات ثمة تقدّم هائل يحققه الجيش العربي السوري في الميادين..
الكل من حلف أعداء سورية صار مصدوماً بهذه التحولات الميدانية من جهة، وبالانقلاب العالمي على واقع الحرب على الدولة الوطنية السورية.
وهكذا.. قطر بدأت بالانسحاب، وبدأت رسائلها العلنية والسرية الودية نحو دمشق وحلفائها.
تركيا.. يتوسع مأزق أردوغان - أوغلو، فالإرهابيون في اسطنبول وأنقرة وأضنة، وهذا الثنائي هو من سهّل دخولهم إلى بلاد الأمويين، وأقام معسكرات التدريب لهم، وصار يفتّش عن مَن ينقذه من الغرق، فلا يجد أي يد تمتد إليه.
السعودية وحيدة وجّهت صرختها من الأمم المتحدة، لكنها كانت صرخة في وادٍ أثارت ضحك الدبلوماسية الدولية.
أخيراً، المعارضات السورية، خصوصاً الخارجية، بعضها مهزوم وبعضها مأزوم وبعضها ضائع، ولكل منها وجهة نظر مختلفة؛ بعضها مع جنيف وبعضها ضد، وبعضها يحاول أن يضع شروطاً..
رد جون كيري على القلق والصرخة السعودية مطمئناً، وبالتالي "جنيف-2" لن يكون في 23 تشرين الثاني، ويبدو أنه لا بد من صراخ سعودي إضافي، لكن ثمة أصوات سعودية داخلية وأصوات من عواصم العالم بدأت تنادي بصوت عالٍ: "لا بد من الإصلاح في مملكة القرون الغابرة.. لا بد من نسيم الحرية".
المصدر :
أحمد زين الدين- الثبات
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة