انقلبت صورة الأوضاع الميدانية السورية فجأة، وتسابقت الانجازات التي حققها الجيش السوري في معظم المحاور وخصوصاً في أرياف دمشق وحلب ودرعا. فما هو السر؟


بعد إجهاض الضربة العسكرية التي كانت مقررة أميركياً ضدّ سوريا وما تبعها من أجواء انفتاح دولي تجاه دمشق، إختلطت الحسابات على المستويات السورية كافة، فشعرت المعارضة أنها خسرت آخر فرصة لضرب النظام، وصارت ملزمة للمشاركة في مؤتمر جنيف اثنين، لكن التباين بين صفوفها المسلحة وصل الى حد النزاع بين "الجيش الحر" و "داعش" و "النصرة".

يقول المطلعون أنّ أسباب الخلاف تتعدى التوجهات الذاتية إلى قضية الصراع الدولي الداعم للمعارضة السورية ومسلحيها.

الصراع بدأ بين أجنحة المسلحين من شمال سوريا المصنف عمليا تحت سيطرة المعارضة، وامتدّ إلى ريف دمشق ودرعا. شعر المواطنون في تلك المناطق أنّ الأزمة تزداد صعوبة في الوقت الذي ظهرت فيه قدرة النظام على الصمود والاستمرار، وهدّد مسلحون منظمون في "الجيش الحر" "الكتائب الاسلامية" بالقتال الى جانب الجيش النظامي.

يتحدث مطلعون عن أنّ مواطنين و مسلحين قدموا معلومات إلى الجيش ساهمت في التقدم تحديدا في ريف حلب، وهذا ما كان يفتقد اليه الجيش في الأشهر الماضية، كما أنّ ضباطا في الجيش تعاملوا بالليونة مع "التائبين" أو "المسلحين المتعاونين"، وأنتج هذا الأسلوب في عدد من المناطق "تسوية أوضاع".

يضيف مطلعون من جهة ثانية أنّ الجيش السوري اعتمد تكتيكات جديدة في قتال المسلحين، كإرسال فرق استطلاع ترصد كل تفصيل قبل تحديد خطة القتال، والقيام بعنصر المباغتة، والاعتماد على فرق المشاة ضمن مجموعات صغيرة بعدما كان تركيز السوريين على الطائرات بشكل أساسي.

كسب الجيش السوري خبرة في حرب العصابات، وصار يعرف أنّ خط الدفاع الاول عند المسلحين هو أصعب خطوط المواجهة، وحين يسقط تتهاوى المقرات المتتالية سريعا كما حصل في القصير سابقا وخناصر منذ أيام. يروي مقاتلون في الجيش أنّ سقوط خط المسلحين عن خناصر في ريف حلب أفقد المجموعات السيطرة على عشرات القرى المحيطة بسرعة، وفتح الطريق باتجاه حلب.

ساهم المواطنون كثيراً في تحقيق الجيش العربي السوري لإنجازاته، وعملوا على إقناع المسلحين السوريين بتسليم أنفسهم كما حصل في قرية المتراس على أطراف صافيتا مثلا بعد اشتباكات بسيطة نسبيا. ومن هنا تترسخ معادلة الضغط الاهلي على المسلحين لمنع حصول دمار و تهجير. لكن هذه الحالة لا تنطبق على المناطق التي يسيطر عليها متطرفو "داعش" و"النصرة".

حن السوريون في المناطق المتوترة الى الاستقرار، بعد معاناة طويلة مع "ظلم الغرباء" وتصرفاتهم من المسلحين القادمين "للجهاد"، أو الحصار كما في حلب، أو الغلاء كما في معظم سوريا، في الوقت الذي كانت فيه حمص مثلا تتدرج في فرض حياتها الطبيعية، وتحضر لمرحلة الاعمار كما بدا في مخططات محافظها طلال البرازي، طبعا باستثناء ثلاثة أحياء في المدينة وأكثر من بلدة في ريفها يعيشون الحرب بين الجيش والمسلحين.

يقول المطلعون أنّ سرّ انهيار جبهات المسلحين هو فقدان البيئة الحاضنة لهم بمعظم المناطق بعد اتضاح الصورة، فالدولة لم تضعف وبقيت الرواتب تصل إلى جيوب الموظفين مع الزيادات، وأيقن السوريون أنّ نتيجة أيّ معركة محسومة لصالح الجيش، في الوقت الذي فرض فيه مسلحون قراراتهم بقوة النار ما أدّى إلى نفور الأهالي "الموعودين بحلاوة الحرية والعيش الرغيد"... فإذا بالآبار النفطية تسرق، والمصافي تحرق، ونساء تسبى، وخُوّات تفرض، وعادات غريبة تحل باسم الدين... حتى الرهانات سقطت، ومع تبدل الصورة الخارجية من مصر إلى تعاطي الأميركيين مع الروس والإيرانيين تغيّرت المعطيات، وهناك من قرر في سوريا العودة لكنف الدولة. وبات المشهد السوري الآن يشبه أول أشهر الأزمة.

اللافت في الأيام القليلة الماضية أنّ الجيش تقدم على طول المساحة الجغرافية، من دير الزور على الحدود مع العراق إلى درعا على الحدود مع الأردن إلى ريف دمشق وحلب... وإذا استمرت المعطيات تتوالى بهذا الشكل ستكون سوريا امام واقع جديد خلال فترة قريبة جداً على ذمة ما يقوله المطلعون أنفسهم، وقد لا تحتاج حينها إلى مؤتمر جنيف اثنين لفرض الحل.
  • فريق ماسة
  • 2013-10-14
  • 10803
  • من الأرشيف

سرّ تقدّم الجيش السوري وانهيار جبهات المسلحين ...

انقلبت صورة الأوضاع الميدانية السورية فجأة، وتسابقت الانجازات التي حققها الجيش السوري في معظم المحاور وخصوصاً في أرياف دمشق وحلب ودرعا. فما هو السر؟ بعد إجهاض الضربة العسكرية التي كانت مقررة أميركياً ضدّ سوريا وما تبعها من أجواء انفتاح دولي تجاه دمشق، إختلطت الحسابات على المستويات السورية كافة، فشعرت المعارضة أنها خسرت آخر فرصة لضرب النظام، وصارت ملزمة للمشاركة في مؤتمر جنيف اثنين، لكن التباين بين صفوفها المسلحة وصل الى حد النزاع بين "الجيش الحر" و "داعش" و "النصرة". يقول المطلعون أنّ أسباب الخلاف تتعدى التوجهات الذاتية إلى قضية الصراع الدولي الداعم للمعارضة السورية ومسلحيها. الصراع بدأ بين أجنحة المسلحين من شمال سوريا المصنف عمليا تحت سيطرة المعارضة، وامتدّ إلى ريف دمشق ودرعا. شعر المواطنون في تلك المناطق أنّ الأزمة تزداد صعوبة في الوقت الذي ظهرت فيه قدرة النظام على الصمود والاستمرار، وهدّد مسلحون منظمون في "الجيش الحر" "الكتائب الاسلامية" بالقتال الى جانب الجيش النظامي. يتحدث مطلعون عن أنّ مواطنين و مسلحين قدموا معلومات إلى الجيش ساهمت في التقدم تحديدا في ريف حلب، وهذا ما كان يفتقد اليه الجيش في الأشهر الماضية، كما أنّ ضباطا في الجيش تعاملوا بالليونة مع "التائبين" أو "المسلحين المتعاونين"، وأنتج هذا الأسلوب في عدد من المناطق "تسوية أوضاع". يضيف مطلعون من جهة ثانية أنّ الجيش السوري اعتمد تكتيكات جديدة في قتال المسلحين، كإرسال فرق استطلاع ترصد كل تفصيل قبل تحديد خطة القتال، والقيام بعنصر المباغتة، والاعتماد على فرق المشاة ضمن مجموعات صغيرة بعدما كان تركيز السوريين على الطائرات بشكل أساسي. كسب الجيش السوري خبرة في حرب العصابات، وصار يعرف أنّ خط الدفاع الاول عند المسلحين هو أصعب خطوط المواجهة، وحين يسقط تتهاوى المقرات المتتالية سريعا كما حصل في القصير سابقا وخناصر منذ أيام. يروي مقاتلون في الجيش أنّ سقوط خط المسلحين عن خناصر في ريف حلب أفقد المجموعات السيطرة على عشرات القرى المحيطة بسرعة، وفتح الطريق باتجاه حلب. ساهم المواطنون كثيراً في تحقيق الجيش العربي السوري لإنجازاته، وعملوا على إقناع المسلحين السوريين بتسليم أنفسهم كما حصل في قرية المتراس على أطراف صافيتا مثلا بعد اشتباكات بسيطة نسبيا. ومن هنا تترسخ معادلة الضغط الاهلي على المسلحين لمنع حصول دمار و تهجير. لكن هذه الحالة لا تنطبق على المناطق التي يسيطر عليها متطرفو "داعش" و"النصرة". حن السوريون في المناطق المتوترة الى الاستقرار، بعد معاناة طويلة مع "ظلم الغرباء" وتصرفاتهم من المسلحين القادمين "للجهاد"، أو الحصار كما في حلب، أو الغلاء كما في معظم سوريا، في الوقت الذي كانت فيه حمص مثلا تتدرج في فرض حياتها الطبيعية، وتحضر لمرحلة الاعمار كما بدا في مخططات محافظها طلال البرازي، طبعا باستثناء ثلاثة أحياء في المدينة وأكثر من بلدة في ريفها يعيشون الحرب بين الجيش والمسلحين. يقول المطلعون أنّ سرّ انهيار جبهات المسلحين هو فقدان البيئة الحاضنة لهم بمعظم المناطق بعد اتضاح الصورة، فالدولة لم تضعف وبقيت الرواتب تصل إلى جيوب الموظفين مع الزيادات، وأيقن السوريون أنّ نتيجة أيّ معركة محسومة لصالح الجيش، في الوقت الذي فرض فيه مسلحون قراراتهم بقوة النار ما أدّى إلى نفور الأهالي "الموعودين بحلاوة الحرية والعيش الرغيد"... فإذا بالآبار النفطية تسرق، والمصافي تحرق، ونساء تسبى، وخُوّات تفرض، وعادات غريبة تحل باسم الدين... حتى الرهانات سقطت، ومع تبدل الصورة الخارجية من مصر إلى تعاطي الأميركيين مع الروس والإيرانيين تغيّرت المعطيات، وهناك من قرر في سوريا العودة لكنف الدولة. وبات المشهد السوري الآن يشبه أول أشهر الأزمة. اللافت في الأيام القليلة الماضية أنّ الجيش تقدم على طول المساحة الجغرافية، من دير الزور على الحدود مع العراق إلى درعا على الحدود مع الأردن إلى ريف دمشق وحلب... وإذا استمرت المعطيات تتوالى بهذا الشكل ستكون سوريا امام واقع جديد خلال فترة قريبة جداً على ذمة ما يقوله المطلعون أنفسهم، وقد لا تحتاج حينها إلى مؤتمر جنيف اثنين لفرض الحل.

المصدر : النشرة/ عباس ضاهر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة