لا أولويّة ملحّة لأوروبا في منطقتنا، والدليل الأبرز أنّ موعد انعقاد مجلس وزراء الخارجية الأوروبيين حدّد في 21 الجاري. قد تكون سوريا أولويّة لفرنسا ولبريطانيا ولبعض الخبراء الأوروبيين والديبلوماسيين المعنيين بالمنطقة الجنوبية لحوض المتوسّط، لكنّ ملفات الشرق الأوسط تبقى ضمن الأولويات الأميركية أولا، خصوصا الملفان السوري، والفلسطيني ــ الإسرائيلي، في حين يتقاسم الأوروبيون مع الأميركيين أولويّة ملفّ العلاقة مع إيران، خصوصا انهم من ضمن مجموعة الـ(5+1)، كما أن الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية كاترين أشتون هي من تقود المفاوضات مع إيران.

يفاجأ زائر الاتحاد الأوروبي في هذه الأيام بالكلام الديبلوماسي الذي يسمعه على أعلى المستويات في ما يخصّ إيران، خصوصا في البرلمان الأوروبي. يعكس هذا المناخ الإيجابي مراجعة للمقاربة الأوروبية لملفات المنطقة عقب ما أسمي بـ «الربيع العربي»، وهي تسمية باتت لا تحظى بشعبية في أروقة الاتحاد الأوروبي، حيث يفضّل عدد من الديبلوماسيين استخدام عبارة «التغيير العربي».

يلحظ زائر مقارّ الاتحاد الأوروبي، سواء البرلمان أو المفوضية أو المجلس الأوروبي، انه في خلال الأعوام الثلاثة الماضية حصل تطوّر لافت في الموقف الأوروبي، إذ انتقل الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية من «التحسّر» على دعم «الديكتاتوريين العرب» الى الترويج «للإسلام السياسي» بحجة تقول: «هذا ما تريده الشعوب»، ليصل اليوم الى واقعية سياسية بدعم التغيير من دون أن يكون طرفا أو شريكا في أي حرب دولية، وهو ما تبدّى بوضوح برفض الاتحاد الأوروبي الانخراط في ضربة جوية ضدّ سوريا من دون غطاء قانوني من مجلس الأمن الدّولي، وذلك قبل إتمام الصفقة الأميركية الروسية في بطرسبرغ في أيلول الفائت إبان قمّة الدول العشرين.

وإذا كان هذا الموقف عطفا على عبارات الانفتاح والمودة التي يكيلها الديبلوماسيون الأوروبيون لطهران منسجما مع السلوك الأوروبي المرتكز على الحلّ السلمي للملف النووي، فإن ما لا يمكن فهمه بسهولة هو موقف فرنسا التي أظهرت انفتاحا غير مسبوق على الإيرانيين توّج بلقاء الرئيسين الفرنسي فرانسوا هولاند والإيراني حسن روحاني في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامّة للأمم المتّحدة، خصوصا أن باريس ولندن كانتا رأس الحربة في الحملة الديبلوماسية التي خيضت من أجل إدراج ما أسمي بـ«الجناح العسكري» لـ«حزب الله» على لائحة الإرهاب الأوروبية في تموز الفائت.

في هذا الإطار، يقول دبلوماسي أوروبي مخضرم في بروكسيل لـ«السفير» شارحا الموقف الفرنسي المستجد من الانفتاح على إيران: «لدى الرئيس هولاند وفريقه رغبة في تلقف العصا الطويلة التي تمدّها السلطة الإيرانية الجديدة. بالنتيجة تبقى إيران بلدا كبيرا حيث ربطتها بفرنسا علاقات متنوعة». يضيف: «إن الأمل بتطبيع محتمل يهمّ الفرنسيين، وفي العلاقات بين البلدين طراوة نشأت عام 2000 قبل وقوع هجمات 11 أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة الأميركية التي غيّرت المعطيات كلّها». ويلفت الدبلوماسي إلى أن فرنسا «لا ترغب بتوليد الإنطباع بأنها متأخرة عن اللحاق بالرّكب الأميركي، كما حصل معها في صفقة بطرسبرغ بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش قمّة مجموعة العشرين. من هنا كان التسريع بتنظيم لقاء هولاند وروحاني لاستعادة زمام المبادرة».

ويشرح الدبلوماسي ما يجري في الدّاخل الفرنسي «ثمة إرادة بإعادة التّوازن الى العلاقات مع العالم العربي كي لا تبقى الدول الأوروبية متعلقة ولاحقة لدول الخليج، أي السعودية وقطر والإمارات العربيّة، التي كانت محاور سياسية عربية رئيسية في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي».

 

معلولا أثرت على الموقف الأوروبي

 

هذا الجوّ الفرنسي المستجدّ حيال إيران والخليج يلاقي مناخا أوروبيا سائدا، خصوصا في البرلمان الأوروبي، حيث يسمع كلام جريء من برلمانيين أوروبيين من مختلف الاتجاهات السياسية، سواء من اليمين أو اليسار على حدّ سواء، وذلك على خلفية إدارة الأزمة السوريّة.

تقول برلمانية أوروبية تنتمي الى اليسار: «علينا التفاعل مع القيادة الإيرانية الجديدة التي تبعث بمؤشرات إيجابية. إذا عاينّا ما جرى في سوريا يتبيّن لنا أن بعض الدول التي دعمت المعارضة ذهب دعمها الى قوى معادية للديموقراطية».

تضيف البرلمانية التي تنتمي الى إحدى دول أميركا اللاتينية والتي رفضت الحديث باسمها: «صحيح أن إيران والأقليات المسيحية تدعم الأسد، لكن الطرف الآخر يستغلّ المتمردين، وثمة العديد من المنظمات الإرهابية التي لها أجندة مختلفة تتخطى نظام الأسد. لست واثقة أن العلاقة مع الخليج لوحده قادرة على درء أسوأ النتائج في سوريا. وأشير الى الأقلية المسيحية وما حدث لها في معلولا، ما يؤثر جدّا في المواقف الأوروبية التي ترى بعض دولها أن الأسد بات حاميا للمسيحيين».

وتشير البرلمانية الى زيارتها للبنان في نيسان 2012 قائلة: «حينذاك التقيت بمسؤولين في حزب الله وكانوا يشعرون بالحرج لعلاقتهم مع الأسد، وكانوا يرغبون في الوقت عينه بأن يكونوا مقبولين من القوى المعارضة له، خصوصا أن تمردها كان لأسباب وجيهة، ولكن أعتقد أن وضع حزب الله اليوم تبدّل وبات تحالفه بارزا مع إيران الى جانب الأسد».

من جهته، يقول برلماني أوروبي (فرنسي) ينتمي الى اليمين: «كان خطأ أن يهمّش ساركوزي الأسد، فلا يمكن الحديث عن حلّ سياسي وإقصاء طرف أساسي في الحكم».

يضيف: «إذا أردنا حسم المسألة السورية فمن غير الواقعي عدم إشراك الإيرانيين، علينا أن نراعيهم، وهنالك سابقة في حرب أفغانستان عام 2001، فبعد انتهاء العمليات ضدّ طالبان ومؤتمر بون، حيث بدأ حوار أميركي ـ إيراني، شكّل الإيرانيون جزءا من مجموعة الاتصال».

يقول: «حملت المقاربة الفرنسية خطآن: إذ تركزت أولا على الترويج للعقاب العسكري ضدّ الأسد، أما الخطأ الثاني فهو مقاربة الموضوع السوري من منطلق أخلاقي، فلا ينبغي أن تدار الديبلوماسية من خلال التوجه الأخلاقي. لا يمكنني أن اقرر خوض حرب من منطلق عاطفي، وإلا لكانت الحروب تعمّ أفريقيا وأيضا فلسطين».

ويردف: «وضعت فرنسا في فخ الخيار العسكري المبني على نزعة الأخلاق والعواطف، لذا أخفقت في المبادرة، وعثرت موسكو على الخيط الذي أدى الى الصفقة مع أميركا، ونحن نعرف انتهازية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لكنه نجح في تفكيك حرب ليست أيضا في مصلحة بلده، ونحن مضطرون الى إيجاد حل مع الروس وليس من دونهم».

ويلفت الى ضرورة بناء علاقة صحية مع إيران قائلا: «يجب أن يفهم شركاؤنا في الخليج أنهم ليسوا لوحدهم على الطاولة، بل هم شركاء، عليهم ان يفهموا ان أيّ حلّ غير ممكن في سوريا من دون الحديث مع إيران».

  • فريق ماسة
  • 2013-10-01
  • 9097
  • من الأرشيف

لقاء هولاند ـ روحاني: باريس تحاول اللحاق بالأميركيين

لا أولويّة ملحّة لأوروبا في منطقتنا، والدليل الأبرز أنّ موعد انعقاد مجلس وزراء الخارجية الأوروبيين حدّد في 21 الجاري. قد تكون سوريا أولويّة لفرنسا ولبريطانيا ولبعض الخبراء الأوروبيين والديبلوماسيين المعنيين بالمنطقة الجنوبية لحوض المتوسّط، لكنّ ملفات الشرق الأوسط تبقى ضمن الأولويات الأميركية أولا، خصوصا الملفان السوري، والفلسطيني ــ الإسرائيلي، في حين يتقاسم الأوروبيون مع الأميركيين أولويّة ملفّ العلاقة مع إيران، خصوصا انهم من ضمن مجموعة الـ(5+1)، كما أن الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية كاترين أشتون هي من تقود المفاوضات مع إيران. يفاجأ زائر الاتحاد الأوروبي في هذه الأيام بالكلام الديبلوماسي الذي يسمعه على أعلى المستويات في ما يخصّ إيران، خصوصا في البرلمان الأوروبي. يعكس هذا المناخ الإيجابي مراجعة للمقاربة الأوروبية لملفات المنطقة عقب ما أسمي بـ «الربيع العربي»، وهي تسمية باتت لا تحظى بشعبية في أروقة الاتحاد الأوروبي، حيث يفضّل عدد من الديبلوماسيين استخدام عبارة «التغيير العربي». يلحظ زائر مقارّ الاتحاد الأوروبي، سواء البرلمان أو المفوضية أو المجلس الأوروبي، انه في خلال الأعوام الثلاثة الماضية حصل تطوّر لافت في الموقف الأوروبي، إذ انتقل الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية من «التحسّر» على دعم «الديكتاتوريين العرب» الى الترويج «للإسلام السياسي» بحجة تقول: «هذا ما تريده الشعوب»، ليصل اليوم الى واقعية سياسية بدعم التغيير من دون أن يكون طرفا أو شريكا في أي حرب دولية، وهو ما تبدّى بوضوح برفض الاتحاد الأوروبي الانخراط في ضربة جوية ضدّ سوريا من دون غطاء قانوني من مجلس الأمن الدّولي، وذلك قبل إتمام الصفقة الأميركية الروسية في بطرسبرغ في أيلول الفائت إبان قمّة الدول العشرين. وإذا كان هذا الموقف عطفا على عبارات الانفتاح والمودة التي يكيلها الديبلوماسيون الأوروبيون لطهران منسجما مع السلوك الأوروبي المرتكز على الحلّ السلمي للملف النووي، فإن ما لا يمكن فهمه بسهولة هو موقف فرنسا التي أظهرت انفتاحا غير مسبوق على الإيرانيين توّج بلقاء الرئيسين الفرنسي فرانسوا هولاند والإيراني حسن روحاني في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامّة للأمم المتّحدة، خصوصا أن باريس ولندن كانتا رأس الحربة في الحملة الديبلوماسية التي خيضت من أجل إدراج ما أسمي بـ«الجناح العسكري» لـ«حزب الله» على لائحة الإرهاب الأوروبية في تموز الفائت. في هذا الإطار، يقول دبلوماسي أوروبي مخضرم في بروكسيل لـ«السفير» شارحا الموقف الفرنسي المستجد من الانفتاح على إيران: «لدى الرئيس هولاند وفريقه رغبة في تلقف العصا الطويلة التي تمدّها السلطة الإيرانية الجديدة. بالنتيجة تبقى إيران بلدا كبيرا حيث ربطتها بفرنسا علاقات متنوعة». يضيف: «إن الأمل بتطبيع محتمل يهمّ الفرنسيين، وفي العلاقات بين البلدين طراوة نشأت عام 2000 قبل وقوع هجمات 11 أيلول عام 2001 في الولايات المتحدة الأميركية التي غيّرت المعطيات كلّها». ويلفت الدبلوماسي إلى أن فرنسا «لا ترغب بتوليد الإنطباع بأنها متأخرة عن اللحاق بالرّكب الأميركي، كما حصل معها في صفقة بطرسبرغ بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على هامش قمّة مجموعة العشرين. من هنا كان التسريع بتنظيم لقاء هولاند وروحاني لاستعادة زمام المبادرة». ويشرح الدبلوماسي ما يجري في الدّاخل الفرنسي «ثمة إرادة بإعادة التّوازن الى العلاقات مع العالم العربي كي لا تبقى الدول الأوروبية متعلقة ولاحقة لدول الخليج، أي السعودية وقطر والإمارات العربيّة، التي كانت محاور سياسية عربية رئيسية في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي».   معلولا أثرت على الموقف الأوروبي   هذا الجوّ الفرنسي المستجدّ حيال إيران والخليج يلاقي مناخا أوروبيا سائدا، خصوصا في البرلمان الأوروبي، حيث يسمع كلام جريء من برلمانيين أوروبيين من مختلف الاتجاهات السياسية، سواء من اليمين أو اليسار على حدّ سواء، وذلك على خلفية إدارة الأزمة السوريّة. تقول برلمانية أوروبية تنتمي الى اليسار: «علينا التفاعل مع القيادة الإيرانية الجديدة التي تبعث بمؤشرات إيجابية. إذا عاينّا ما جرى في سوريا يتبيّن لنا أن بعض الدول التي دعمت المعارضة ذهب دعمها الى قوى معادية للديموقراطية». تضيف البرلمانية التي تنتمي الى إحدى دول أميركا اللاتينية والتي رفضت الحديث باسمها: «صحيح أن إيران والأقليات المسيحية تدعم الأسد، لكن الطرف الآخر يستغلّ المتمردين، وثمة العديد من المنظمات الإرهابية التي لها أجندة مختلفة تتخطى نظام الأسد. لست واثقة أن العلاقة مع الخليج لوحده قادرة على درء أسوأ النتائج في سوريا. وأشير الى الأقلية المسيحية وما حدث لها في معلولا، ما يؤثر جدّا في المواقف الأوروبية التي ترى بعض دولها أن الأسد بات حاميا للمسيحيين». وتشير البرلمانية الى زيارتها للبنان في نيسان 2012 قائلة: «حينذاك التقيت بمسؤولين في حزب الله وكانوا يشعرون بالحرج لعلاقتهم مع الأسد، وكانوا يرغبون في الوقت عينه بأن يكونوا مقبولين من القوى المعارضة له، خصوصا أن تمردها كان لأسباب وجيهة، ولكن أعتقد أن وضع حزب الله اليوم تبدّل وبات تحالفه بارزا مع إيران الى جانب الأسد». من جهته، يقول برلماني أوروبي (فرنسي) ينتمي الى اليمين: «كان خطأ أن يهمّش ساركوزي الأسد، فلا يمكن الحديث عن حلّ سياسي وإقصاء طرف أساسي في الحكم». يضيف: «إذا أردنا حسم المسألة السورية فمن غير الواقعي عدم إشراك الإيرانيين، علينا أن نراعيهم، وهنالك سابقة في حرب أفغانستان عام 2001، فبعد انتهاء العمليات ضدّ طالبان ومؤتمر بون، حيث بدأ حوار أميركي ـ إيراني، شكّل الإيرانيون جزءا من مجموعة الاتصال». يقول: «حملت المقاربة الفرنسية خطآن: إذ تركزت أولا على الترويج للعقاب العسكري ضدّ الأسد، أما الخطأ الثاني فهو مقاربة الموضوع السوري من منطلق أخلاقي، فلا ينبغي أن تدار الديبلوماسية من خلال التوجه الأخلاقي. لا يمكنني أن اقرر خوض حرب من منطلق عاطفي، وإلا لكانت الحروب تعمّ أفريقيا وأيضا فلسطين». ويردف: «وضعت فرنسا في فخ الخيار العسكري المبني على نزعة الأخلاق والعواطف، لذا أخفقت في المبادرة، وعثرت موسكو على الخيط الذي أدى الى الصفقة مع أميركا، ونحن نعرف انتهازية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لكنه نجح في تفكيك حرب ليست أيضا في مصلحة بلده، ونحن مضطرون الى إيجاد حل مع الروس وليس من دونهم». ويلفت الى ضرورة بناء علاقة صحية مع إيران قائلا: «يجب أن يفهم شركاؤنا في الخليج أنهم ليسوا لوحدهم على الطاولة، بل هم شركاء، عليهم ان يفهموا ان أيّ حلّ غير ممكن في سوريا من دون الحديث مع إيران».

المصدر : مارلين خليفة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة