بدت حملة الرئيس الأميركي باراك أوباما للترويج للحرب على سورية غير منطقية، وحتى جنونية، ما جعل العديد يتساءلون: «ما الذي يحصل»؟ و«من» يريده أن يحصل؟ القليل من الأميركيين اعتقدوا أن الرئيس الحائز جائزة «نوبل» للسلام أراد فجأة ضرب سورية لأن «(الرئيس السوري بشار) الأسد قتل شعبه بالغاز».

العديد من المراقبين اعتبروا، وهو أمر صحيح، أن الأهداف الجيوسياسية تعتبر حافزاً أساسياً لحراك أوباما من أجل ضرب سورية، على اعتبار أنها بوابة إيران. معلقون آخرون ناقشوا، وهم أيضاً على حق، أن المصالح الاقتصادية (الرأسمالية تحديداً) تعتبر محفزاً للحرب. أما غيرهم فلا يزالون يصرون، وهم أيضاً محقون، على أهمية إسرائيل كعامل أساسي للحث على شن حرب على سورية، وبطبيعة الحال على إيران. كل تلك التحليلات صحيحة، ويجمعها الكثير من التوافق المعقد، وحتى من الصعب تعداده، خصوصاً أن جزءا كبيراً من الحقيقة مخفي عن الرأي العام.

تظهر المشاكل تحديداً في التحليلات عندما يتم فصل واحدة من تلك القضايا عن الإطار الأوسع، كما حصل على سبيل المثال في مقال لجون بركموت وديانا جونستون، بعنوان: «الشعب ضد غوريلا تزن 800 باوند»، حيث يشدد الكاتبان على أهمية دور اللوبي الإسرائيلي في أميركا، أي «الغوريلا التي تزن 800 باوند»، ودوره في الحث على شن الحرب، مقابل التقليل أو حتى نبذ دوافع أخرى وهي الاقتصادية والسياسية.

وبالطبع، يتحدث المقال عن نقاط صحيحة، خصوصاً في ما يتعلق بدور اللوبي الإسرائيلي ممثلاً بـ«لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية» (أيباك) في الدعوة المتعصبة للحرب على سورية. كما أن الكونغرس الأميركي يحاول الابتعاد تماماً عن أي نقاش حول نشاطات «أيباك»، خشية من اتهامات «معاداة السامية».

أما المشكلة في المقال، فهي أن الكاتبين يرفعان من «الغوريلا الإسرائيلية» إلى مقام عال لا تنتمي إليه. ومن بين الامور التي قلل الكاتبان من أهميتها، طبقة الرأسماليين الأميركيين. ومن الممكن تلخيص ما كتبا في مقطع من مقالهما يقولان فيه إن «الأشخاص الذين يعتقدون أن الرأسماليين يريدون الحرب للحصول على الأرباح، عليهم أن يخصصوا المزيد من الوقت في مراقبة مجلس الإدارة في أي من الشركات الكبيرة: الرأسمالية بحاجة إلى الاستقرار، وليس الفوضى، والحروب الأخيرة لم تحضر سوى المزيد من الفوضى».

بالطبع، يجد الكثيرون أن هذا الطرح صحيح، خصوصاً الشركات الأميركية. كما أن الكاتبين محقان في مناقشة فكرة أن الكتاب العاديين الذين يلجأون إلى التركيز على دور الرأسمالية لشرح الحروب يرون في الرأسمالية لاعباً واحداً يصدر التعليمات ليذعن لها السياسيون على أساس تحليلات حذرة. والكاتبان على حق هنا في الإِشارة إلى أن هذا النوع من التحليل ينقصه العمق ويجب رفضه. ولكنهما ايضا فشلا في تقديم الرأسمالية كما يجب، بل اكتفيا بأفكار عامة. وعلى سبيل المثال، فإنهما يختصران تعريف الرأسمالية بأسس محددة، ولا يتطرقان إلا إلى أنواع معينة تتحمل مسؤولية الترويج للحرب، ولكنهما ينفيان اعتبار الرأسمالية «غوريلا» أصغر من اللوبي الإسرائيلي.

عبر تسمية بعض أسماء الشركات، يضيء الكاتبان على نقاط أساسية، لكنهما بطريقة ما يقفزان عن «غوريلا» تزن 1600 باوند، وهي عبارة عن المصارف الكبرى، وهي المولد الأساسي للرأسمالية في الولايات المتحدة. قد يرد الكاتبان على هذا النوع من الانتقاد بالقول إنه تم حذف المصارف على اعتبار أنها لا تستفيد بشكل مباشر من الحرب، وبالتالي فإنها ليست في طليعة من يروج لها.

ولكن ذلك قد لا يكون صحيحاً. وعلى اعتبار أنها القطاع المسيطر في الرأسمالية الأميركية، فإن المصارف هي الأكثر «عالمية»، وقد ربحت مؤخراً 42,2 مليار دولار، وغالبية تلك الأموال حصلت عليها عبر استثمارات خارجية عن طريق اللجوء إلى الدولارات الرخيصة المطبوعة من الاحتياطي الفدرالي.

لكن عندما تواجه تلك المصارف عوائق مرتبطة بالتحكم بالعملة أو بقيود أخرى على الاستثمارات الخارجية، كما هي الحال في سوريا وإيران والصين، فإنها تنظر إلى تلك الدول كعدو لها، وتشجع على تدميرها. أما الدولة الخاضعة، والتي تعتمد الاقتصاد المفتوح، فهي المثالية بالنظر إلى أرباح الشركات الأميركية، والخضوع ليس سوى نتيجة الخوف، أي التهديد بالتدخل العسكري.

وبالطبع لا تعمل المصارف وحدها، بل انها تقود تحالفاً من الشركات المؤيدة للحرب، ومن بينها مصانع الأسلحة، وشركات البناء الكبرى التي تطمح إلى إعادة إعمار الدول المستهدفة، بالإضافة إلى شركات النفط، وسرب من الشركات الأخرى. كما تجدر الإشارة إلى أن للشركات المتعددة الجنسية الأميركية مصلحة في التأكد من أن أعمالها تدار في بيئة آمنة، بعيداً عن تعرضها للتأميم من الدول المستضيفة. وبالتالي، فإن لوبي الشركات يعمل بشكل أفضل من خلال هذا التحالف ومراكز الأبحاث وشركائهم.

وبالنتيجة، فإن التحالف الأميركي المؤيد للحرب يحث السياسة الخارجية على السير باتجاهها، وخصوصاً ضد الدول المعادية للرأسمالية الأميركية، وبالطبع الـ«أيباك» تسير خلف هذا التحالف، الذي يتحدث باسمه المحافظون الجدد ومراكز الأبحاث المهمة، حين يناقشون كيفية الإضاءة على القوة العسكرية للولايات المتحدة في الخارج.

إن الإستراتيجيات، ومن بينها مشروع «من أجل قرن أميركي جديد» (مشروع يهدف إلى شرح أهمية القيادة الأميركية على اعتبار أنها جيدة لأميركا وللعالم، وهي تتطلب قوى عسكرية، وحيوية ديبلوماسية، والتزاما بالمبادئ)، تقع في طليعة الرأسمالية الأميركية، أما الإطار العام لأهدافها الجيوسياسية فمرتبط بالمصالح الاقتصادية للشركات التي تستفيد من الاستثمارات الخارجية. وبالتالي، فإن هذه الحملة المتعصبة للإبقاء وحتى توسيع إمبراطورية القواعد العسكرية الأميركية، تعتبر مقوماً جوهرياً للوصول إلى المكاسب الضخمة، التي هي أساساً دافع الرأسمالية الأميركية.

أما مصطلح «الإمبراطورية» فهو في حد ذاته «غوريلا تزن 800 باوند»، لم يتطرق الكاتبان إليه. وبالرغم من أنهما محقان في طرحهما أن الرأسماليين الأميركيين يفضلون السيطرة على الأسواق الخارجية عبر عمليات تجارية طبيعية، إلا ان هذا النوع من التجارة السلمية بدأ يصبح أكثر صعوبة بالنظر إلى تراجع الولايات المتحدة اقتصادياً بالمقارنة مع الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل. وبالنتيجة، فإن الاقتصاد يعتمد على القوات المسلحة للحفاظ على التحالفات وإخضاع المنافسين، بالإضافة إلى دورها الدائم في الحفاظ على طرق التجارة مفتوحة وآمنة. ولذلك، فإن أي إمبراطورية في مرحلة التراجع، مثل الولايات المتحدة، تعتبر خطرة جداً، لأنها تلجأ إلى وسائلها الأكثر حدة القصف بغض النظر عن مدى عدم منطقية تلك الضربات.

إن لعبة الجيوسياسة الدولية تعكس تنافس الشركات من أجل السيطرة على الأسواق العالمية. ومع كل دولة تسيطر عليها الولايات المتحدة سياسياً عبر الحرب، تستفيد الشركات الأميركية، عبر تجارة الأسلحة، والحصول على امتيازات الموارد الطبيعية، وعلى عقود البناء الكبرى.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الكاتبين يتجاهلان دور النفط في تحديد سياسة الولايات المتحدة الخارجية. ليس شركات النفط الفردية وإنما الدور الذي يقوم به النفط في الاستراتيجية الجيوسياسية الأوسع، فضلاً عن كونه محرك الاقتصاد الأميركي. إن احتكار الموارد الطبيعية يسمح للعجز المالي الأميركي باللجوء إلى تجارة «البترودولار» لتغطية مصاريف الحرب، وفي الوقت ذاته التأكيد على أن الدول المنافسة ستشعر بالتهديد نتيجة التخوف من قطع إمدادات النفط. لذلك، يبقى الشرق الأوسط الهدف الأول للسياسة الخارجية الأميركية. وبالطبع، تقوم شركات النفط الضخمة بدور كبير في هذا المجال.

إلى ذلك، يقلل الكاتبان من أهمية الصناعة العسكرية، عبر القول ان الانسحاب من أفغانستان والعراق أسهم في تراجعها، وذلك لأن «الحروب الغبية» (بحسب تعبير أوباما نفسه) تعود بنظرة سلبية على الصناعة العسكرية.

بالفعل، فإن الجيش وشركاته الطفيلية تؤمن علاقات عامة أفضل عند تفادي «الحروب الغبية»، لكن هذه النظرة التحليلية السطحية تتجاهل «نجاح» التدخل العسكري في ليبيا. كما أنه ليس صحيحاً، أن الصناعة العسكرية تكتفي فقط بالتهديد بالحرب للحفاظ على مكاسبها. لكنها، مثل أي شركة أخرى، إن امتلاء مخازنها بالسلع (قذائف في هذه الحالة)، فإنه لن يكون هناك حاجة إلى طلبات جديدة، وهذا ما يؤدي إلى تراجع الانتاجية، والمكاسب.

ولتفادي العلاقات العامة السيئة التي تتسبب بها التدخلات العسكرية المباشرة، لجأ أوباما إلى ضربات الطائرات من دون طيار غير الشرعية، وإلى حملات جوية شبيهة بما حصل في ليبيا. ولأن سياسة التدخل غير المباشر تجعل من إسقاط النظام أمراً مستحيلاً، فإن سياسة صقور السياسة الخارجية الأميركية بدأت بالتوجه نحو «السياسة البلقانية»، حيث انه لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل دولاً مستقلة وقوية تدافع عن مصالحها، خصوصاً في الشرق الأوسط. من الممكن أن تكون الدولة مستقلة قوية، مثل تركيا وإسرائيل، لكن فقط إن كانت ملتزمة باقتصاد الولايات المتحدة وسياستها الخارجية.

بالطبع، يستحق اللوبي الإسرائيلي مكاناً خاصاً في أي تحليل للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. لكن هذا اللوبي يعكس قوته بشكل أفضل كجزء من تحالف مؤيدي الحرب. صحيح أن لـ«أيباك» قوة مستقلة تسمح لها بالتحرك، أي دولة إسرائيل، فهي قادرة على إعطاء الوعود (الرشى) من الأنواع كافة. وصحيح أن لإسرائيل موقعاً خاصاً في إطار الجيوسياسة الأميركية، وخصوصاً كونها قاعدة عسكرية ضخمة للسياسة الأميركية في المنطقة الغنية بالنفط، إلا ان الصورة الأكبر هي أن «أيباك» مرتبطة بالقطاع المصرفي، وبصناعة الأسلحة، وبشركات ضخمة أخرى، وبالتالي، يجب النظر إليها كجزء من التحالف المؤيد للحرب الذي تقوده المصارف الكبرى.

لكن تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وجدت قبل دولة إسرائيل، وهي قادرة على البقاء في حال لم تعد موجودة. لا يملأ إدارة أوباما رجال الـ«أيباك»، بل رجال المصارف الأغنياء. إن الهدف الأساسي من الحرب في السياسة الخارجية الأميركية هو حماية أغنياء الأميركيين، أي مثيري الحروب بهدف الربح، والذين هم أكثر خطورة من اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس.

(عن موقع «كاونتر بانش»)

  • فريق ماسة
  • 2013-09-24
  • 16937
  • من الأرشيف

الرأسمالية وإثارة الشهية للحرب على سورية

بدت حملة الرئيس الأميركي باراك أوباما للترويج للحرب على سورية غير منطقية، وحتى جنونية، ما جعل العديد يتساءلون: «ما الذي يحصل»؟ و«من» يريده أن يحصل؟ القليل من الأميركيين اعتقدوا أن الرئيس الحائز جائزة «نوبل» للسلام أراد فجأة ضرب سورية لأن «(الرئيس السوري بشار) الأسد قتل شعبه بالغاز». العديد من المراقبين اعتبروا، وهو أمر صحيح، أن الأهداف الجيوسياسية تعتبر حافزاً أساسياً لحراك أوباما من أجل ضرب سورية، على اعتبار أنها بوابة إيران. معلقون آخرون ناقشوا، وهم أيضاً على حق، أن المصالح الاقتصادية (الرأسمالية تحديداً) تعتبر محفزاً للحرب. أما غيرهم فلا يزالون يصرون، وهم أيضاً محقون، على أهمية إسرائيل كعامل أساسي للحث على شن حرب على سورية، وبطبيعة الحال على إيران. كل تلك التحليلات صحيحة، ويجمعها الكثير من التوافق المعقد، وحتى من الصعب تعداده، خصوصاً أن جزءا كبيراً من الحقيقة مخفي عن الرأي العام. تظهر المشاكل تحديداً في التحليلات عندما يتم فصل واحدة من تلك القضايا عن الإطار الأوسع، كما حصل على سبيل المثال في مقال لجون بركموت وديانا جونستون، بعنوان: «الشعب ضد غوريلا تزن 800 باوند»، حيث يشدد الكاتبان على أهمية دور اللوبي الإسرائيلي في أميركا، أي «الغوريلا التي تزن 800 باوند»، ودوره في الحث على شن الحرب، مقابل التقليل أو حتى نبذ دوافع أخرى وهي الاقتصادية والسياسية. وبالطبع، يتحدث المقال عن نقاط صحيحة، خصوصاً في ما يتعلق بدور اللوبي الإسرائيلي ممثلاً بـ«لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية» (أيباك) في الدعوة المتعصبة للحرب على سورية. كما أن الكونغرس الأميركي يحاول الابتعاد تماماً عن أي نقاش حول نشاطات «أيباك»، خشية من اتهامات «معاداة السامية». أما المشكلة في المقال، فهي أن الكاتبين يرفعان من «الغوريلا الإسرائيلية» إلى مقام عال لا تنتمي إليه. ومن بين الامور التي قلل الكاتبان من أهميتها، طبقة الرأسماليين الأميركيين. ومن الممكن تلخيص ما كتبا في مقطع من مقالهما يقولان فيه إن «الأشخاص الذين يعتقدون أن الرأسماليين يريدون الحرب للحصول على الأرباح، عليهم أن يخصصوا المزيد من الوقت في مراقبة مجلس الإدارة في أي من الشركات الكبيرة: الرأسمالية بحاجة إلى الاستقرار، وليس الفوضى، والحروب الأخيرة لم تحضر سوى المزيد من الفوضى». بالطبع، يجد الكثيرون أن هذا الطرح صحيح، خصوصاً الشركات الأميركية. كما أن الكاتبين محقان في مناقشة فكرة أن الكتاب العاديين الذين يلجأون إلى التركيز على دور الرأسمالية لشرح الحروب يرون في الرأسمالية لاعباً واحداً يصدر التعليمات ليذعن لها السياسيون على أساس تحليلات حذرة. والكاتبان على حق هنا في الإِشارة إلى أن هذا النوع من التحليل ينقصه العمق ويجب رفضه. ولكنهما ايضا فشلا في تقديم الرأسمالية كما يجب، بل اكتفيا بأفكار عامة. وعلى سبيل المثال، فإنهما يختصران تعريف الرأسمالية بأسس محددة، ولا يتطرقان إلا إلى أنواع معينة تتحمل مسؤولية الترويج للحرب، ولكنهما ينفيان اعتبار الرأسمالية «غوريلا» أصغر من اللوبي الإسرائيلي. عبر تسمية بعض أسماء الشركات، يضيء الكاتبان على نقاط أساسية، لكنهما بطريقة ما يقفزان عن «غوريلا» تزن 1600 باوند، وهي عبارة عن المصارف الكبرى، وهي المولد الأساسي للرأسمالية في الولايات المتحدة. قد يرد الكاتبان على هذا النوع من الانتقاد بالقول إنه تم حذف المصارف على اعتبار أنها لا تستفيد بشكل مباشر من الحرب، وبالتالي فإنها ليست في طليعة من يروج لها. ولكن ذلك قد لا يكون صحيحاً. وعلى اعتبار أنها القطاع المسيطر في الرأسمالية الأميركية، فإن المصارف هي الأكثر «عالمية»، وقد ربحت مؤخراً 42,2 مليار دولار، وغالبية تلك الأموال حصلت عليها عبر استثمارات خارجية عن طريق اللجوء إلى الدولارات الرخيصة المطبوعة من الاحتياطي الفدرالي. لكن عندما تواجه تلك المصارف عوائق مرتبطة بالتحكم بالعملة أو بقيود أخرى على الاستثمارات الخارجية، كما هي الحال في سوريا وإيران والصين، فإنها تنظر إلى تلك الدول كعدو لها، وتشجع على تدميرها. أما الدولة الخاضعة، والتي تعتمد الاقتصاد المفتوح، فهي المثالية بالنظر إلى أرباح الشركات الأميركية، والخضوع ليس سوى نتيجة الخوف، أي التهديد بالتدخل العسكري. وبالطبع لا تعمل المصارف وحدها، بل انها تقود تحالفاً من الشركات المؤيدة للحرب، ومن بينها مصانع الأسلحة، وشركات البناء الكبرى التي تطمح إلى إعادة إعمار الدول المستهدفة، بالإضافة إلى شركات النفط، وسرب من الشركات الأخرى. كما تجدر الإشارة إلى أن للشركات المتعددة الجنسية الأميركية مصلحة في التأكد من أن أعمالها تدار في بيئة آمنة، بعيداً عن تعرضها للتأميم من الدول المستضيفة. وبالتالي، فإن لوبي الشركات يعمل بشكل أفضل من خلال هذا التحالف ومراكز الأبحاث وشركائهم. وبالنتيجة، فإن التحالف الأميركي المؤيد للحرب يحث السياسة الخارجية على السير باتجاهها، وخصوصاً ضد الدول المعادية للرأسمالية الأميركية، وبالطبع الـ«أيباك» تسير خلف هذا التحالف، الذي يتحدث باسمه المحافظون الجدد ومراكز الأبحاث المهمة، حين يناقشون كيفية الإضاءة على القوة العسكرية للولايات المتحدة في الخارج. إن الإستراتيجيات، ومن بينها مشروع «من أجل قرن أميركي جديد» (مشروع يهدف إلى شرح أهمية القيادة الأميركية على اعتبار أنها جيدة لأميركا وللعالم، وهي تتطلب قوى عسكرية، وحيوية ديبلوماسية، والتزاما بالمبادئ)، تقع في طليعة الرأسمالية الأميركية، أما الإطار العام لأهدافها الجيوسياسية فمرتبط بالمصالح الاقتصادية للشركات التي تستفيد من الاستثمارات الخارجية. وبالتالي، فإن هذه الحملة المتعصبة للإبقاء وحتى توسيع إمبراطورية القواعد العسكرية الأميركية، تعتبر مقوماً جوهرياً للوصول إلى المكاسب الضخمة، التي هي أساساً دافع الرأسمالية الأميركية. أما مصطلح «الإمبراطورية» فهو في حد ذاته «غوريلا تزن 800 باوند»، لم يتطرق الكاتبان إليه. وبالرغم من أنهما محقان في طرحهما أن الرأسماليين الأميركيين يفضلون السيطرة على الأسواق الخارجية عبر عمليات تجارية طبيعية، إلا ان هذا النوع من التجارة السلمية بدأ يصبح أكثر صعوبة بالنظر إلى تراجع الولايات المتحدة اقتصادياً بالمقارنة مع الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل. وبالنتيجة، فإن الاقتصاد يعتمد على القوات المسلحة للحفاظ على التحالفات وإخضاع المنافسين، بالإضافة إلى دورها الدائم في الحفاظ على طرق التجارة مفتوحة وآمنة. ولذلك، فإن أي إمبراطورية في مرحلة التراجع، مثل الولايات المتحدة، تعتبر خطرة جداً، لأنها تلجأ إلى وسائلها الأكثر حدة القصف بغض النظر عن مدى عدم منطقية تلك الضربات. إن لعبة الجيوسياسة الدولية تعكس تنافس الشركات من أجل السيطرة على الأسواق العالمية. ومع كل دولة تسيطر عليها الولايات المتحدة سياسياً عبر الحرب، تستفيد الشركات الأميركية، عبر تجارة الأسلحة، والحصول على امتيازات الموارد الطبيعية، وعلى عقود البناء الكبرى. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الكاتبين يتجاهلان دور النفط في تحديد سياسة الولايات المتحدة الخارجية. ليس شركات النفط الفردية وإنما الدور الذي يقوم به النفط في الاستراتيجية الجيوسياسية الأوسع، فضلاً عن كونه محرك الاقتصاد الأميركي. إن احتكار الموارد الطبيعية يسمح للعجز المالي الأميركي باللجوء إلى تجارة «البترودولار» لتغطية مصاريف الحرب، وفي الوقت ذاته التأكيد على أن الدول المنافسة ستشعر بالتهديد نتيجة التخوف من قطع إمدادات النفط. لذلك، يبقى الشرق الأوسط الهدف الأول للسياسة الخارجية الأميركية. وبالطبع، تقوم شركات النفط الضخمة بدور كبير في هذا المجال. إلى ذلك، يقلل الكاتبان من أهمية الصناعة العسكرية، عبر القول ان الانسحاب من أفغانستان والعراق أسهم في تراجعها، وذلك لأن «الحروب الغبية» (بحسب تعبير أوباما نفسه) تعود بنظرة سلبية على الصناعة العسكرية. بالفعل، فإن الجيش وشركاته الطفيلية تؤمن علاقات عامة أفضل عند تفادي «الحروب الغبية»، لكن هذه النظرة التحليلية السطحية تتجاهل «نجاح» التدخل العسكري في ليبيا. كما أنه ليس صحيحاً، أن الصناعة العسكرية تكتفي فقط بالتهديد بالحرب للحفاظ على مكاسبها. لكنها، مثل أي شركة أخرى، إن امتلاء مخازنها بالسلع (قذائف في هذه الحالة)، فإنه لن يكون هناك حاجة إلى طلبات جديدة، وهذا ما يؤدي إلى تراجع الانتاجية، والمكاسب. ولتفادي العلاقات العامة السيئة التي تتسبب بها التدخلات العسكرية المباشرة، لجأ أوباما إلى ضربات الطائرات من دون طيار غير الشرعية، وإلى حملات جوية شبيهة بما حصل في ليبيا. ولأن سياسة التدخل غير المباشر تجعل من إسقاط النظام أمراً مستحيلاً، فإن سياسة صقور السياسة الخارجية الأميركية بدأت بالتوجه نحو «السياسة البلقانية»، حيث انه لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل دولاً مستقلة وقوية تدافع عن مصالحها، خصوصاً في الشرق الأوسط. من الممكن أن تكون الدولة مستقلة قوية، مثل تركيا وإسرائيل، لكن فقط إن كانت ملتزمة باقتصاد الولايات المتحدة وسياستها الخارجية. بالطبع، يستحق اللوبي الإسرائيلي مكاناً خاصاً في أي تحليل للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط. لكن هذا اللوبي يعكس قوته بشكل أفضل كجزء من تحالف مؤيدي الحرب. صحيح أن لـ«أيباك» قوة مستقلة تسمح لها بالتحرك، أي دولة إسرائيل، فهي قادرة على إعطاء الوعود (الرشى) من الأنواع كافة. وصحيح أن لإسرائيل موقعاً خاصاً في إطار الجيوسياسة الأميركية، وخصوصاً كونها قاعدة عسكرية ضخمة للسياسة الأميركية في المنطقة الغنية بالنفط، إلا ان الصورة الأكبر هي أن «أيباك» مرتبطة بالقطاع المصرفي، وبصناعة الأسلحة، وبشركات ضخمة أخرى، وبالتالي، يجب النظر إليها كجزء من التحالف المؤيد للحرب الذي تقوده المصارف الكبرى. لكن تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وجدت قبل دولة إسرائيل، وهي قادرة على البقاء في حال لم تعد موجودة. لا يملأ إدارة أوباما رجال الـ«أيباك»، بل رجال المصارف الأغنياء. إن الهدف الأساسي من الحرب في السياسة الخارجية الأميركية هو حماية أغنياء الأميركيين، أي مثيري الحروب بهدف الربح، والذين هم أكثر خطورة من اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس. (عن موقع «كاونتر بانش»)

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة