دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أرض الشام تحت ظلال الشريعة قريباً. قُضي الأمر بالنسبة إلى «جهاديي سورية»، بعدما حسمت الذراع الأقوى لـ «تنظيم القاعدة» خيارها،
باستباق أي تسوية محتملة ستكون حتماً على حسابها. هكذا أعلنت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» حرباً وقائية ضد مجموعات المعارضة المسلّحة، عنوانها «إقصاء المنافقين». وهكذا بدأت معركة التمكين في أرض الشام وانطلقت المعركة الكبرى في أرض الشام. فتح التنظيم الأكثر راديكالية في سورية حرباً استباقية. بدأ معركة تثبيت أركان «الدولة الإسلامية»، وحتّى رسم حدودها بالدم. رأس حربته «مُجاهدو الدولة»، المقاتلون الغرباء القادمون من مختلف أصقاع الأرض فحسب. السوريون قلّة بينهم. هؤلاء أعلنوا القطيعة مع جميع فصائل المعارضة السورية، وحتى الإسلامية منها. أشهروا عداءهم لهم، ثمّ أعلنوا الحرب المفتوحة ضد الجميع. أوّل من أمس، انطلقت من بلدة أعزاز شرارة المواجهة، بعدما كانت قد سبقتها عدة حوادث لُملمت ذيولها لتأخير الانفجار. «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قالت كلمتها: الأمر لي، ثمّ شنّت هجوماً كاسحاً على أعزاز. ضربت لواء عاصفة الشمال. قتلت من عناصره واعتقلت آخرين ثم احتلّت معاقله. كذلك فعلت مع لواء أحفاد الرسول، الذي اعتقلت قادته أيضاً. واشتبكت مع لواء التوحيد التابع لـ «جماعة الإخوان المسلمين». وقبلها، اغتالت قيادياً في «حركة أحرار الشام»، ذات النهج السلفي المتشدّد.
لم يسلم من بطش «الدولة الإسلامية في العراق والشام» حتى «جبهة النصرة». فرع «القاعدة» وجد نفسه أيضاً في مواجهة «الدولة الإسلامية» في الميدان السوري، فانكفأ حقنا لدماء" المجاهدين".
ماذا يحصل بالضبط على أرض سورية؟ تساؤلٌ يُجيب عنه قادة إسلاميون بأنّ السوريين سيتمنّون حُكم «تنظيم القاعدة» ألف شهر على تحكّم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بهم شهراً واحداً. يستعيد هؤلاء تاريخ التنظيم الذي وُلد من رحم «دولة العراق الإسلامية». التنظيم الأكثر تشدداً الذي يقوده الشيخ أبو بكر البغدادي، تربطه علاقة متوتّرة أيضاً بـ «تنظيم القاعدة العالمي»، الذي يتزعمه أيمن الظواهري، إذ يُزايد هؤلاء في تطرّفهم على أصولية «القاعدة» نفسه، ولا سيّما أن زعيم التنظيم الراحل أسامة بن لادن كان قد نبّه مراراً وتكراراً الأمراء الجهاديين في العراق للتخفيف من الغلو والبطش بحق مخالفيهم. وبحسب التجربة في العراق، فإن طبيعتهم معاداة كل الناس. وتُعرف عنهم رغبتهم الدائمة في الدخول في حرب استنزاف. يتحدث قادة إسلاميون عن جلافة وتشدّد يحكمان تصرفاتهم قلّ نظيرهما، وفق منطق «الحق معنا وغيرنا الباطل». ويستعير هؤلاء القادة مواقف قادة إسلاميين منهم، فيذكرون أن قائد «لواء الاسلام» زهران علّوش سمّاهم «الفئة الباغية». أمّا أمير «حركة أحرار الشام» أبو عبد الله الحموي، فوصفهم غير مرّة بـ «الغلاة المنبوذين من الشارع السوري»، ناعياً أحد قادة الحركة، الذي قتله عناصر «داعش»، قائلاً «رحم الله أبا عبيدة، قتله البغاة الذين اختزلوا الدين بثوب قصير وشعر نابت في الوجه. هنيئا لكم طريق عبدتموه إلى سقر».
تتعدّد الوقائع الميدانية التي بدأت العلاقة تتدهور بسببها بعدما كان عناصر «الدولة الإسلامية في العراق والشام» يُستقبلون استقبال الأبطال. يُذكر منها في البدايات، على سبيل المثال، اعتقال قائد كتيبة الفاروق في منبج، الملقّب بـ «البرنس»، وسجنه في مستشفى العيون في حلب، رغم اعتراض فصائل المعارضة. حادثة أُخرى تضاف إلى سجلّهم. اعتقال إمام مسجد أبي حنيفة النعمان في منبج الشيخ محمد سعيد الديبو، الذي كان ينتقد تصرّفاتهم في خطبه، مشيرا إلى أنها حرام شرعاً، ولا سيما الإعدامات العشوائية. اعتقاله أشعل التظاهرات الشعبية ضُدّهم. أُُطلق سراحه، لكنه اغتيل عقب صلاة الفجر بعدها بأيام. وُجّهت أصابع الاتهام فوراً إلى مسلّحي «الدولة الإسلامية». تعاظمت الكراهية الشعبية ضد هؤلاء، فأصدروا بياناً أعلنوا فيه أنّ «مسلّحي الجيش الحر إخوتنا، لكن كل من لا يريد الدولة الإسلامية في العراق والشام مرتدّ يجب قتاله».
أما بالنسبة إلى شرارة اندلاع الاشتباكات الأخيرة، فتُفيد المعلومات أن الخلاف بدأ بعدما قام طبيب ألماني في أعزاز بتصوير أحد جرحى «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وقع خلاف عندها، تطوّر إلى إطلاق نار قُتل خلاله عنصران من «الدولة الإسلامية»، لكنّه لم يلبث أن تطوّر إلى مواجهات ضارية، بعد رفض لواء عاصفة الشمال تسليم الطبيب ومُطلق النار. في المقابل، تحدثت معلومات عن أن «خلفية قرار جنود الدولة الإسلامية تطهير مدينة أعزاز من لواء عاصفة الشمال مردّها إلى خوات صار يفرضها هؤلاء أخيراً على المجاهدين القادمين من الخارج». إزاء ذلك، وتحت عنوان «كشف الحقيقة»، نشرت مواقع جهادية شريطا مصوراً نسبته إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تحدثت فيه عن «شرارة الاقتتال بين الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولواء عاصفة الشمال في أعزاز». وذكرت أن «الاشتباكات بدأت بعد اغتيال عنصر من لواء عاصفة الشمال اثنين من مجاهدي الدولة»، مشيرة إلى أنّ «الدولة طالبت بتسليم قاتل المجاهدين في أعزاز، لكنّ قادة عاصفة الشمال رفضوا، فوقعت اشتباكات، أدت إلى مقتل خمسة منهم». وتطرّق المقطع المصوّر إلى الخلاف مع لواء أحفاد الرسول، كاشفاً عن أن «عناصر أحفاد الرسول هاجموا الدولة الإسلامية في الرقة، واستهدفوا أحد قادتها بعبوة ناسفة، ما أدى إلى مقتله، وأدى ذلك إلى اندلاع اشتباكات، ثم زُعم أن الدولة تقتل أحفاد الرسول». كذلك ذكر البيان نفسه معلومات تفيد عن «مهاجمة كتائب الفاروق مقر الدولة في البحتري، وتفجير الآليات والاعتداء بالأسلحة على المجاهدين، بعد تعرّض مقرّهم للقصف من القوات السورية»، مشيراً إلى حرب إعلامية شعواء تُشنّ ضدها.
ورغم ذلك، فإن ارتكابات «الدولة الإسلامية» لا تُعدّ ولا تُحصى. ضجّت بها فصائل المعارضة المسلّحة بكافة أطيافها. كذلك الأمر شعبياً، إذ خرجت أمس تظاهرة للأهالي في بستان القصر في حلب، تطالب برحيل الأجانب، بعد اشتباكات دارت ظهراً بين «داعش» والجيش الحر. كذلك توعّد متحدث باسم لواء عاصفة الشمال عبر الإعلام بأن «الجيش الحر يحشد لاستعادة أعزاز قبل 4 ساعات من انتهاء المهلة مع داعش».
وتقاطعت مصادر الجهاديين على أن الأيام المقبلة ستشهد احتداماً في المعارك بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من جهة، ومختلف الفصائل من جهة أخرى. وتُشير المعلومات إلى أن «خيارها اتُّخذ بالمواجهة المفتوحة، كنوعٍ من حرب وقائية للقضاء على باقي الفصائل، التي تفترض أنّها ستتكتّل لقتالها مستقبلاً إذا نضجت تسوية دولية».
المصدر :
الأخبار/رضوان مرتضى
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة