جاءت زيارة مستشار رئيس «حزب الكتائب» سجعان قزي الى الرويس بعد التفجير الذي استهدفها، ثم مشاركته في ندوة سياسية ـ فكرية في قلب الضاحية الجنوبية، الى جانب لفتة نيكول أمين الجميل بتوزيع الزهور في مكان الانفجار... لتؤكد مضي «الكتائب» في التغريد السياسي خارج سرب «14 آذار» الذي لم يملك أي من صقوره وحمائمه الجرأة، او ربما الرغبة للعبور في أجواء الضاحية.

وأبعد من الضاحية، ابلغ الرئيس أمين الجميل لجنة مبادرة الرئيس نبيه بري خلال لقائه بها انه يفكر جديا في القيام بجولة على الجنوب، فأثنى الوفد على الفكرة، مؤكدا للجميل أنه مرحّب به، في أي وقت.

صحيح، أن «التبادل الديبلوماسي» لا يزال قائما بين «حزب الكتائب» وقوى «14 آذار»، إلا أن نظرة سريعة على كيفية مقاربة كل من الطرفين للملفات المفتوحة تُبيّن أن ما يفرقهما في هذه المرحلة يكاد يفوق ما يجمعهما، فيما تضج الغرف المغلقة بانتقادات ومآخذ متبادلة، توحي بأن ما حُبس في القلوب الملآنة هو أكبر بكثير مما يطفو على السطح.

وقد جاء جرح بلدة معلولا السورية ليحدث اهتزازا إضافيا في جسم العلاقة المترهّلة بين الجانبين، بعدما استاء «حزب الكتائب» بشدة من طريقة تعامل حلفائه الافتراضيين في «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» مع الهجوم الذي تعرضت له البلدة وأدى الى سقوط عدد من الضحايا في صفوف أبنائها.

فوجئت قيادة «الكتائب» باستخفاف «الحلفاء» بما عانت منه معلولا، وصولا الى محاولتهم طمس الوقائع وتحوير الواقع. وما صدم الحزب أكثر هو أن هؤلاء لم يكتفوا بتهميش أحداث البلدة التاريخية المسيحية، بل استكثروا على الآخرين ان يرفعوا الصوت، الى حد لامس التخوين.

بالنسبة الى الكتائبيين، ما جرى في معلولا لا يحتمل المناورة والمساومة، وبالتالي فهو يستحق إدانة قاطعة للمجموعات المسلحة التي نفذت الاعتداء، بعيدا عن أي مواربة، ومن دون الغرق في بحر الحسابات التي جعلت مواقف البعض تتسم بالميوعة.

ويسود انطباع في «الكتائب» بأن هناك في «14 آذار» من تعمّد تشويه حقائق معلولا والتخفيف من وطأتها، على قاعدة أنه لا يجوز التغطية على جريمة النظام باستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة وأخذ الامور في اتجاه آخر، «علما أن هذه النظرية أدت الى تقزيم معاناة مسيحيي معلولا وتهميشها».

ويتردد في أروقة «الكتائب» كلام مفاده انه إذا كان البعض في «14 آذار» يعتقد ان الجيش السوري النظامي هو الذي نفذ الاعتداء على معلولا، فلماذا لم تُمنح هذه القضية ما تستحقه من اهتمام ومتابعة لإحراج النظام وإدانته، أما إذا كان هذا البعض مقتنع بأن «جبهة النصرة» هي المسؤولة عن الهجوم فلماذا يغطون عليها ويخففون من وطأة فعلتها؟

ولئن كان الرئيس الجميل قد اتصل عند وقوع أحداث معلولا بنائب الامين العام للامم المتحدة جيفري فيلتمان والممثل الشخصي للأمين العام في لبنان وسفيري أميركا وفرنسا، لحثهم على المساعدة في حماية أبناء البلدة، كما حذّر المعارضة السورية من التداعيات الخطيرة لاستهداف المسيحيين في سوريا. فإن الكتائبيين يتساءلون في المقابل عما فعلته القيادات الأخرى في «14 آذار»، غير مهاجمة من نددوا بالتعرض لمعلولا وتوجيه الاتهامات العشوائية إليهم، معتبرين ان الاستناد الى تصريحات بعض رجال الدين المسيحيين للتخفيف من خطورة ما حصل، هو ليس في محله، لأن الظروف القاهرة المحيطة بتلك التصريحات معروفة، ويكفي أن شقيق أحد المراجع الدينية المسيحية مخطوف لدى المجموعات المسلحة.

وقبل معلولا وبعدها، تكبر لائحة التباينات بين «الكتائب» وباقي مكونات «14 آذار»:

ـ في موضوع الحوار الوطني، تشجع «الكتائب» على إحياء طاولة الحوار من دون شروط مسبقة، خلافا لرأي «القوات اللبنانية» التي ترفض مبدأ استئناف الحوار، ولموقف «تيار المستقبل» الذي يشترط تشكيل الحكومة الجديدة أولا.

ـ في ملف تأليف الحكومة، يدعو الحزب الى حكومة وحدة وطنية او حكومة أقطاب مصغّرة، بينما يرفض كل من «المستقبل» و«القوات» هاتين الصيغتين ويمنحان الأولوية لحكومة من التكنوقراط الحياديين.

ـ في شأن مبادرة الرئيس نبيه بري، تجاوب الرئيس أمين الجميل معها، بينما رفضتها «القوات» واعترض «المستقبل» على جزء واسع منها.

ـ في الأزمة السورية، تعارض «الكتائب» تدخلات بعض حلفائها وتورطهم في ما يتجاوز حدود الخيار السياسي، كما تأخذ عليهم البرودة في التعاطي مع التحديات التي تواجه الواقع المسيحي في سوريا بفعل سلوك بعض مجموعات المعارضة.

ويعقد حزب الكتائب خلوة خلال نهاية الأسبوع الحالي، لمناقشة الأزمة الداخلية والتطورات الإقليمية، على أن يصدر عنها بيان لا يخلو من الأهمية، كما يؤكد المساهمون في التحضير للخلوة.

  • فريق ماسة
  • 2013-09-19
  • 11187
  • من الأرشيف

ما بين «الكتائب» والحلفاء: معلولا وأشياء أخرى

جاءت زيارة مستشار رئيس «حزب الكتائب» سجعان قزي الى الرويس بعد التفجير الذي استهدفها، ثم مشاركته في ندوة سياسية ـ فكرية في قلب الضاحية الجنوبية، الى جانب لفتة نيكول أمين الجميل بتوزيع الزهور في مكان الانفجار... لتؤكد مضي «الكتائب» في التغريد السياسي خارج سرب «14 آذار» الذي لم يملك أي من صقوره وحمائمه الجرأة، او ربما الرغبة للعبور في أجواء الضاحية. وأبعد من الضاحية، ابلغ الرئيس أمين الجميل لجنة مبادرة الرئيس نبيه بري خلال لقائه بها انه يفكر جديا في القيام بجولة على الجنوب، فأثنى الوفد على الفكرة، مؤكدا للجميل أنه مرحّب به، في أي وقت. صحيح، أن «التبادل الديبلوماسي» لا يزال قائما بين «حزب الكتائب» وقوى «14 آذار»، إلا أن نظرة سريعة على كيفية مقاربة كل من الطرفين للملفات المفتوحة تُبيّن أن ما يفرقهما في هذه المرحلة يكاد يفوق ما يجمعهما، فيما تضج الغرف المغلقة بانتقادات ومآخذ متبادلة، توحي بأن ما حُبس في القلوب الملآنة هو أكبر بكثير مما يطفو على السطح. وقد جاء جرح بلدة معلولا السورية ليحدث اهتزازا إضافيا في جسم العلاقة المترهّلة بين الجانبين، بعدما استاء «حزب الكتائب» بشدة من طريقة تعامل حلفائه الافتراضيين في «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» مع الهجوم الذي تعرضت له البلدة وأدى الى سقوط عدد من الضحايا في صفوف أبنائها. فوجئت قيادة «الكتائب» باستخفاف «الحلفاء» بما عانت منه معلولا، وصولا الى محاولتهم طمس الوقائع وتحوير الواقع. وما صدم الحزب أكثر هو أن هؤلاء لم يكتفوا بتهميش أحداث البلدة التاريخية المسيحية، بل استكثروا على الآخرين ان يرفعوا الصوت، الى حد لامس التخوين. بالنسبة الى الكتائبيين، ما جرى في معلولا لا يحتمل المناورة والمساومة، وبالتالي فهو يستحق إدانة قاطعة للمجموعات المسلحة التي نفذت الاعتداء، بعيدا عن أي مواربة، ومن دون الغرق في بحر الحسابات التي جعلت مواقف البعض تتسم بالميوعة. ويسود انطباع في «الكتائب» بأن هناك في «14 آذار» من تعمّد تشويه حقائق معلولا والتخفيف من وطأتها، على قاعدة أنه لا يجوز التغطية على جريمة النظام باستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة وأخذ الامور في اتجاه آخر، «علما أن هذه النظرية أدت الى تقزيم معاناة مسيحيي معلولا وتهميشها». ويتردد في أروقة «الكتائب» كلام مفاده انه إذا كان البعض في «14 آذار» يعتقد ان الجيش السوري النظامي هو الذي نفذ الاعتداء على معلولا، فلماذا لم تُمنح هذه القضية ما تستحقه من اهتمام ومتابعة لإحراج النظام وإدانته، أما إذا كان هذا البعض مقتنع بأن «جبهة النصرة» هي المسؤولة عن الهجوم فلماذا يغطون عليها ويخففون من وطأة فعلتها؟ ولئن كان الرئيس الجميل قد اتصل عند وقوع أحداث معلولا بنائب الامين العام للامم المتحدة جيفري فيلتمان والممثل الشخصي للأمين العام في لبنان وسفيري أميركا وفرنسا، لحثهم على المساعدة في حماية أبناء البلدة، كما حذّر المعارضة السورية من التداعيات الخطيرة لاستهداف المسيحيين في سوريا. فإن الكتائبيين يتساءلون في المقابل عما فعلته القيادات الأخرى في «14 آذار»، غير مهاجمة من نددوا بالتعرض لمعلولا وتوجيه الاتهامات العشوائية إليهم، معتبرين ان الاستناد الى تصريحات بعض رجال الدين المسيحيين للتخفيف من خطورة ما حصل، هو ليس في محله، لأن الظروف القاهرة المحيطة بتلك التصريحات معروفة، ويكفي أن شقيق أحد المراجع الدينية المسيحية مخطوف لدى المجموعات المسلحة. وقبل معلولا وبعدها، تكبر لائحة التباينات بين «الكتائب» وباقي مكونات «14 آذار»: ـ في موضوع الحوار الوطني، تشجع «الكتائب» على إحياء طاولة الحوار من دون شروط مسبقة، خلافا لرأي «القوات اللبنانية» التي ترفض مبدأ استئناف الحوار، ولموقف «تيار المستقبل» الذي يشترط تشكيل الحكومة الجديدة أولا. ـ في ملف تأليف الحكومة، يدعو الحزب الى حكومة وحدة وطنية او حكومة أقطاب مصغّرة، بينما يرفض كل من «المستقبل» و«القوات» هاتين الصيغتين ويمنحان الأولوية لحكومة من التكنوقراط الحياديين. ـ في شأن مبادرة الرئيس نبيه بري، تجاوب الرئيس أمين الجميل معها، بينما رفضتها «القوات» واعترض «المستقبل» على جزء واسع منها. ـ في الأزمة السورية، تعارض «الكتائب» تدخلات بعض حلفائها وتورطهم في ما يتجاوز حدود الخيار السياسي، كما تأخذ عليهم البرودة في التعاطي مع التحديات التي تواجه الواقع المسيحي في سوريا بفعل سلوك بعض مجموعات المعارضة. ويعقد حزب الكتائب خلوة خلال نهاية الأسبوع الحالي، لمناقشة الأزمة الداخلية والتطورات الإقليمية، على أن يصدر عنها بيان لا يخلو من الأهمية، كما يؤكد المساهمون في التحضير للخلوة.

المصدر : السفير / عماد مرمل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة