كثيرة هي تحليلات ما بعد التراجع الأميركي عن الحرب على سورية واتفاق جنيف الكيميائي بين سيرغي لافروف وجون كيري،غير أن الثابت في كل ما جرى هو ان أميركا لم تعد قادرة على اتخاذ القرارات الدولية بمفردها، بحسب تأكيدات روسية رسمية، واللاعبون على الساحة باتوا كثر.

تراجعت اميركا رسميا بإتفاق جنيف عن حربها المتوسطية، على الساحل الشرقي لتلك المياه الدافئة، التي لطالما دغدغت الأحلام الروسية، ليرتسم توازن عسكري جديد، بعد توازن سياسي أصبح بحكم الأمر الواقع في مجلس الأمن الدولي.

فالأزمة السورية اخرجت "الدب الروسي" إلى الشمس في منطقة الشرق الأوسط، كما أخرجت حرب اوسيتيا الجنوبية - جورجيا في آب / العام 2008 هذا الدب في آسيا الوسطى، فدمشق بالنسبة إلى موسكو، ليس نظاما سياسيا فحسب، بل علاقات استراتيجية تمتد إلى عقود خلت من الزمن - 3 أنظمة متعاقبة في سورية و 5 مثيلاتها في روسيا منذ الاتحاد السوفياتي إلى عهد فلاديمير بوتين.

وتتحكم بسياسة "روسيا الموحدة" في سورية ممارسات غربية في آسيا الوسطى، حاولت عزل تلك الدولة، عبر إحاطتها بدول اطلسية على حدودها، ودرع صاروخية اميركية، هددت المجال الحيوي الروسي، وقادتها إلى الدفاع عن أحد أبرز وآخر المواقع الاستراتيجية على ساحل المتوسط الشرقي، بعد فلسطين المحتلة وتركيا بدرجة ثانية.

دفاع تجلى في صلابة الموقف الروسي، ومستند الى صمود للقيادة والشعب والجيش في سوريا، انتج رضوخا اميركيا في جنيف، على الرغم من سعي عواصم الغرب على اظهار الامر وكانه استسلام من محور موسكو - دمشق- ايران، فالدولة السورية ليست بحاجة إلى توازن الكيماوي مع العدو الإسرائيلي، وهنا شدد المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي السوري حسن حسن في اتصال مع موقع المنار، على أن أكثر ما يخيف الكيان الإسرائيلي هو قوة الردع الصاروخية وليس السلاح الكيميائي، واستدل حسن على هذا الأمر بالمناورات التي أجراها العدو الصهيوني في الداخل، والتي كانت تخشى صواريخ حزب الله وسوريا وإيران وليس الأسلحة الكيماوية، فـ "بدلا من استخدام سلاح محرم دوليا، تم استبدال هذا السلاح بامطار من الصواريخ على كامل الأراضي المحتلة".

ولفت حسن إلى أن الإشارة الأولى للتسوية لم تأتي من الجانب الروسي أو من الحكومة السورية، بل أتت من وزير الخارجية الأميركية جون كيري في قمة التصعيد، عندما صرح من لندن على أنه يمكن لسوريا تجنب "الضربة" إذا تخلت عن سلاحها الكيميائي، فلو كانت أميركا على ثقة بأنها الأقوى أو قادرة على حسم الأمور لصالحها، لما كان هذا الأمر.

وهنا لعبت روسيا دورا سياسيا ودبلوماسيا وصفه الخبير السوري بالأكثر ابداعا، عندما تحدث لافروف بأن بلاده لن تكون طرفا بأي حرب، وأوضح حسن ان لافروف أغرى الأميركي فرفع منسوب تصعيده، وجعل من سوريا طرف، ومن الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها طرفاً آخراً، وترك لذاته امكانية لعب دور الوجيه الذي يمكن ان يتدخل ويفض الاشتباك.

وهناك من يقول إن لروسيا حسابا مع الغرب ينبغي الجلوس على طاولة الحوار لتصفيته، بعد ما اعتبرته موسكو خيانة الغرب لتفويض مجلس الامن وفيه روسيا في ليبيا، وعمل على إسقاط نظام معمر القذافي وقتله لاحقاً، ومن هنا كانت تصريحات المسؤولين الداعية إلى عدم انتهاج نفس السياسة في سوريا، فهناك مصالح لروسيا يجب على الجميع اخذها بالإعتبار.

دخلت روسيا الى محور احتاج مساعدتها تدعوه واشنطن شريراً "ايران - سوريا - حزب الله" كانت فيه روسيا داعمة له، أم أن روسيا دخلت إلى محور شكل رافعة لها في العالم وفي الشرق الأوسط خصوصا؟؟؟ سؤالان مشروعان غير متناقضين، والإجابات عليهما مفتوحة وطلائعها تبدأ من سوريا.

وبحسب الخبير حسن فإن دخول روسيا كان ابداعا استراتيجيا روسيا، فقد استطاعت هذه الدولة ان تستثمر في قوة هذا المحور وان تمنحه عوامل قوة إضافية، وبالوقت نفسه، تستمد منه عوامل قوة إضافية لها، وشدد على أن هذا التكامل (الدبلوماسي والسياسي والعسكري)، خلط كل الأوراق وغير كل الحسابات التي كانت متخذة في المنطقة والعالم.

تكامل روسي مع أقطاب المنطقة ولمصلحة شعوبها، بعكس علاقات التبعية التي تقيمها الولايات المتحدة مع بعض الدول، ففي الاولى علاقة استراتيجية مبنية على أسس متينة عمرها عقود من الزمن، وفي الثانية حلف نفطي ترفضه الجماهير العربية، وداست اقدامها علم اميركا طويلا.

  • فريق ماسة
  • 2013-09-16
  • 10134
  • من الأرشيف

مهلا أميركا قالتها روسيا ... هنا دمشق

كثيرة هي تحليلات ما بعد التراجع الأميركي عن الحرب على سورية واتفاق جنيف الكيميائي بين سيرغي لافروف وجون كيري،غير أن الثابت في كل ما جرى هو ان أميركا لم تعد قادرة على اتخاذ القرارات الدولية بمفردها، بحسب تأكيدات روسية رسمية، واللاعبون على الساحة باتوا كثر. تراجعت اميركا رسميا بإتفاق جنيف عن حربها المتوسطية، على الساحل الشرقي لتلك المياه الدافئة، التي لطالما دغدغت الأحلام الروسية، ليرتسم توازن عسكري جديد، بعد توازن سياسي أصبح بحكم الأمر الواقع في مجلس الأمن الدولي. فالأزمة السورية اخرجت "الدب الروسي" إلى الشمس في منطقة الشرق الأوسط، كما أخرجت حرب اوسيتيا الجنوبية - جورجيا في آب / العام 2008 هذا الدب في آسيا الوسطى، فدمشق بالنسبة إلى موسكو، ليس نظاما سياسيا فحسب، بل علاقات استراتيجية تمتد إلى عقود خلت من الزمن - 3 أنظمة متعاقبة في سورية و 5 مثيلاتها في روسيا منذ الاتحاد السوفياتي إلى عهد فلاديمير بوتين. وتتحكم بسياسة "روسيا الموحدة" في سورية ممارسات غربية في آسيا الوسطى، حاولت عزل تلك الدولة، عبر إحاطتها بدول اطلسية على حدودها، ودرع صاروخية اميركية، هددت المجال الحيوي الروسي، وقادتها إلى الدفاع عن أحد أبرز وآخر المواقع الاستراتيجية على ساحل المتوسط الشرقي، بعد فلسطين المحتلة وتركيا بدرجة ثانية. دفاع تجلى في صلابة الموقف الروسي، ومستند الى صمود للقيادة والشعب والجيش في سوريا، انتج رضوخا اميركيا في جنيف، على الرغم من سعي عواصم الغرب على اظهار الامر وكانه استسلام من محور موسكو - دمشق- ايران، فالدولة السورية ليست بحاجة إلى توازن الكيماوي مع العدو الإسرائيلي، وهنا شدد المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي السوري حسن حسن في اتصال مع موقع المنار، على أن أكثر ما يخيف الكيان الإسرائيلي هو قوة الردع الصاروخية وليس السلاح الكيميائي، واستدل حسن على هذا الأمر بالمناورات التي أجراها العدو الصهيوني في الداخل، والتي كانت تخشى صواريخ حزب الله وسوريا وإيران وليس الأسلحة الكيماوية، فـ "بدلا من استخدام سلاح محرم دوليا، تم استبدال هذا السلاح بامطار من الصواريخ على كامل الأراضي المحتلة". ولفت حسن إلى أن الإشارة الأولى للتسوية لم تأتي من الجانب الروسي أو من الحكومة السورية، بل أتت من وزير الخارجية الأميركية جون كيري في قمة التصعيد، عندما صرح من لندن على أنه يمكن لسوريا تجنب "الضربة" إذا تخلت عن سلاحها الكيميائي، فلو كانت أميركا على ثقة بأنها الأقوى أو قادرة على حسم الأمور لصالحها، لما كان هذا الأمر. وهنا لعبت روسيا دورا سياسيا ودبلوماسيا وصفه الخبير السوري بالأكثر ابداعا، عندما تحدث لافروف بأن بلاده لن تكون طرفا بأي حرب، وأوضح حسن ان لافروف أغرى الأميركي فرفع منسوب تصعيده، وجعل من سوريا طرف، ومن الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها طرفاً آخراً، وترك لذاته امكانية لعب دور الوجيه الذي يمكن ان يتدخل ويفض الاشتباك. وهناك من يقول إن لروسيا حسابا مع الغرب ينبغي الجلوس على طاولة الحوار لتصفيته، بعد ما اعتبرته موسكو خيانة الغرب لتفويض مجلس الامن وفيه روسيا في ليبيا، وعمل على إسقاط نظام معمر القذافي وقتله لاحقاً، ومن هنا كانت تصريحات المسؤولين الداعية إلى عدم انتهاج نفس السياسة في سوريا، فهناك مصالح لروسيا يجب على الجميع اخذها بالإعتبار. دخلت روسيا الى محور احتاج مساعدتها تدعوه واشنطن شريراً "ايران - سوريا - حزب الله" كانت فيه روسيا داعمة له، أم أن روسيا دخلت إلى محور شكل رافعة لها في العالم وفي الشرق الأوسط خصوصا؟؟؟ سؤالان مشروعان غير متناقضين، والإجابات عليهما مفتوحة وطلائعها تبدأ من سوريا. وبحسب الخبير حسن فإن دخول روسيا كان ابداعا استراتيجيا روسيا، فقد استطاعت هذه الدولة ان تستثمر في قوة هذا المحور وان تمنحه عوامل قوة إضافية، وبالوقت نفسه، تستمد منه عوامل قوة إضافية لها، وشدد على أن هذا التكامل (الدبلوماسي والسياسي والعسكري)، خلط كل الأوراق وغير كل الحسابات التي كانت متخذة في المنطقة والعالم. تكامل روسي مع أقطاب المنطقة ولمصلحة شعوبها، بعكس علاقات التبعية التي تقيمها الولايات المتحدة مع بعض الدول، ففي الاولى علاقة استراتيجية مبنية على أسس متينة عمرها عقود من الزمن، وفي الثانية حلف نفطي ترفضه الجماهير العربية، وداست اقدامها علم اميركا طويلا.

المصدر : احمد فرحات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة