هل حقاً ما يتردد الآن في الاروقة الديبلوماسية من ان المنطقة دخلت في مرحلة التسويات الكبرى (ام الصفقات الكبرى؟).

يقال انه عندما طرح سيرغي لافروف على نظيره السوري وليد المعلم مسألة تفكيك الترسانة الكيميائية في بلاده لان ادارة باراك اوباما عاقدة العزم على القيام بضربة عسكرية لا ريب ان نتائجها ستكون كارثية إن بالنسبة الى النظام في سورية او بالنسبة الى الدولة في سورية، كان الرد سؤالاً مزدوجاً: ما هي الضمانة بألا يتم تنفيذ الضربة بعد ذلك؟ وما هي الضمانة بألا يتم ابتداع سيناريو آخر لحمل دمشق على خطوة قد تكون اكثر حساسية بكثير، لا سيما وان الجهات العربية الضاغطة، ومعها الجهات الاسرائيلية الضاغطة، لن تتوقف هنا بل ستعمل على تكثيف هذا الضغط لتعرية سورية حتى من ديناميات البقاء.

يقال ايضاً ان لافروف اطلع المعلم على كل الاستعدادات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة، وعلى الضغوط الهائلة التي تمارس لتحويل «الضربة المحدودة» الى حرب شاملة ضد النظام في سورية تشارك فيها تركيا ودول عربية مع ما يعنيه ذلك من تدمير كامل لكل مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية.. وكان واضحاً من كلام لافروف ان بلاده غير المستعدة لخوض مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، ضغطت بكل امكانياتها من اجل ان تكون الضربة محدودة او موضعية.

ولكن هناك من اعدوا سيناريوات رديفة ( او سيناريوات الظل) للعبور الى الداخل السوري في ظل صواريخ التوماهوك وبالصورة التي تستحيل معها السيطرة على الارض… ومما يتردد في الاروقة الديبلوماسية ايضا ان لافروف ابلغ المعلم بأن المخزون الكيميائي لا يعدو كونه، في احسن الاحوال، عاملاً تكتيكياً في مفهوم توازن الرعب، وهو مفهوم ملتبس جداً اذ ما اخذ بالاعتبار ان الترسانة النووية الاسرائيلية هي لتكريس واقع سيكولوجي اكثر منه لتكريس واقع عسكري… لم يكن دقيقاً ذلك الكلام حول طلب المعلم ابرام معاهدة استراتيجية بين دمشق وموسكو تكون مماثلة لتلك التي عقدت إبان العهد السوفياتي، وهي المعاهدة التي لم تسقط قانوناً او واقعاً، ومع اعتبار انه كان للسياسة التي انتهجها الرئيس فلاديمير بوتين دور محوري في  الحيلولة دون سقوط الدولة في سورية بفعل الخطة التركية (العربية) التي وضعت في منتصف عام 2011 والتي كانت ترمي الى احتلال اللاذقية  والقامشلي (منطقة الاكراد)، اضافة الى حلب التي هي هاجس عثماني قديم، او بفعل التعبئة العقائدية التي حملت كل سكان الكهوف الى الداخل السوري… لا بل ان السوريين الذين طالما اشتكوا من « التثاؤب السوفياتي» في مواجهة الديناميكية الاميركية، يعتبرون ان السياسات التي اعتمدها فلاديمير بوتين تعدت بفاعليتها تلك التي اعتمدها يوري اندروبوف خلال ولايته القصيرة جداً، بين 12 تشرين الثاني 1982 و9 شباط 1984.

في الاروقة الديبلوماسية ايضا كلام عن اتصالات مكوكية تقوم بها موسكو لوضع حد لما دعاها ديفيد ميتشوم بـ «ديبلوماسية الاسنان الضائعة» بين واشنطن وطهران. وكما نجح الكرملين في معالجة ملف البرنامج الكيميائي السوري يرجح نجاحه في معالجة ملف البرنامج النووي الايراني الذي لن يتم تفكيكه في اي حال (مع اعتبار الفارق النوعي بين البرنامجين)، اذ ان المساعي التي يتبناها، بجدية، الرئيس حسن روحاني انما تتمحور حول طريقة التعاطي مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، واتاحة المجال امام مراقبة شفافة وشاملة للمسار التقني للبرنامج.. واذ يجري الحديث عن «مناخات براغماتية» في طهران وهو ما يتجلى في تبني مرشد الجمهورية آية لله علي خامينيئي لترشح روحاني للرئاسة، فإن الباحثين الغربيين يتحدثون عن «التعب الاميركي»، وعن «الارتباك الاميركي»،اذ ان باستطاعة ادارة باراك اوباما ان تلعب بصورة افضل في الشرق الاوسط اذا ما اعادت النظر في سياساتها العبثية، والمضنية، والمقفلة حيال ايران، حتى ان ميتشوم يتحدث عن «صيحات الهنود الحمر» في التعاطي مع  ايران ان واشنطن باتت بحاجة ماسة الى الابداع الديبلوماسي (والاستراتيجي) لا الى الاجترار الديبلوماسي ( والاستراتيجي).

هل حقاً ان المفترق الخطير الذي طالما جرى الحديث عنه لن يفضي الى الحروب بل الى التسويات ، بما في ذلك معاهدات السلام مع اسرائيل التي تتطلع الى معاهدة سلام مع كل من بيروت ودمشق، حتى ليتردد ان واشنطن هي التي تقف وراء ذلك التباطؤ اللبناني المثير للتساؤل في مسار الملف النفطي، اذ انها لن تسمح بالتنقيب الا عبر شراكة لبنانية – اسرائيلية يتقاطع فيها التداخل الجيولوجي مع التداخل الاستراتيجي.. لم يكن فلاديمير بوتين المشعوذ بل القيصر حين قال ان قواعد النظام الجديد تخرج من سورية . انها البداية…
  • فريق ماسة
  • 2013-09-14
  • 8816
  • من الأرشيف

"التسويات الكبرى" .... انها البداية فقط

هل حقاً ما يتردد الآن في الاروقة الديبلوماسية من ان المنطقة دخلت في مرحلة التسويات الكبرى (ام الصفقات الكبرى؟). يقال انه عندما طرح سيرغي لافروف على نظيره السوري وليد المعلم مسألة تفكيك الترسانة الكيميائية في بلاده لان ادارة باراك اوباما عاقدة العزم على القيام بضربة عسكرية لا ريب ان نتائجها ستكون كارثية إن بالنسبة الى النظام في سورية او بالنسبة الى الدولة في سورية، كان الرد سؤالاً مزدوجاً: ما هي الضمانة بألا يتم تنفيذ الضربة بعد ذلك؟ وما هي الضمانة بألا يتم ابتداع سيناريو آخر لحمل دمشق على خطوة قد تكون اكثر حساسية بكثير، لا سيما وان الجهات العربية الضاغطة، ومعها الجهات الاسرائيلية الضاغطة، لن تتوقف هنا بل ستعمل على تكثيف هذا الضغط لتعرية سورية حتى من ديناميات البقاء. يقال ايضاً ان لافروف اطلع المعلم على كل الاستعدادات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة، وعلى الضغوط الهائلة التي تمارس لتحويل «الضربة المحدودة» الى حرب شاملة ضد النظام في سورية تشارك فيها تركيا ودول عربية مع ما يعنيه ذلك من تدمير كامل لكل مؤسسات الدولة بما في ذلك المؤسسة العسكرية.. وكان واضحاً من كلام لافروف ان بلاده غير المستعدة لخوض مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، ضغطت بكل امكانياتها من اجل ان تكون الضربة محدودة او موضعية. ولكن هناك من اعدوا سيناريوات رديفة ( او سيناريوات الظل) للعبور الى الداخل السوري في ظل صواريخ التوماهوك وبالصورة التي تستحيل معها السيطرة على الارض… ومما يتردد في الاروقة الديبلوماسية ايضا ان لافروف ابلغ المعلم بأن المخزون الكيميائي لا يعدو كونه، في احسن الاحوال، عاملاً تكتيكياً في مفهوم توازن الرعب، وهو مفهوم ملتبس جداً اذ ما اخذ بالاعتبار ان الترسانة النووية الاسرائيلية هي لتكريس واقع سيكولوجي اكثر منه لتكريس واقع عسكري… لم يكن دقيقاً ذلك الكلام حول طلب المعلم ابرام معاهدة استراتيجية بين دمشق وموسكو تكون مماثلة لتلك التي عقدت إبان العهد السوفياتي، وهي المعاهدة التي لم تسقط قانوناً او واقعاً، ومع اعتبار انه كان للسياسة التي انتهجها الرئيس فلاديمير بوتين دور محوري في  الحيلولة دون سقوط الدولة في سورية بفعل الخطة التركية (العربية) التي وضعت في منتصف عام 2011 والتي كانت ترمي الى احتلال اللاذقية  والقامشلي (منطقة الاكراد)، اضافة الى حلب التي هي هاجس عثماني قديم، او بفعل التعبئة العقائدية التي حملت كل سكان الكهوف الى الداخل السوري… لا بل ان السوريين الذين طالما اشتكوا من « التثاؤب السوفياتي» في مواجهة الديناميكية الاميركية، يعتبرون ان السياسات التي اعتمدها فلاديمير بوتين تعدت بفاعليتها تلك التي اعتمدها يوري اندروبوف خلال ولايته القصيرة جداً، بين 12 تشرين الثاني 1982 و9 شباط 1984. في الاروقة الديبلوماسية ايضا كلام عن اتصالات مكوكية تقوم بها موسكو لوضع حد لما دعاها ديفيد ميتشوم بـ «ديبلوماسية الاسنان الضائعة» بين واشنطن وطهران. وكما نجح الكرملين في معالجة ملف البرنامج الكيميائي السوري يرجح نجاحه في معالجة ملف البرنامج النووي الايراني الذي لن يتم تفكيكه في اي حال (مع اعتبار الفارق النوعي بين البرنامجين)، اذ ان المساعي التي يتبناها، بجدية، الرئيس حسن روحاني انما تتمحور حول طريقة التعاطي مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، واتاحة المجال امام مراقبة شفافة وشاملة للمسار التقني للبرنامج.. واذ يجري الحديث عن «مناخات براغماتية» في طهران وهو ما يتجلى في تبني مرشد الجمهورية آية لله علي خامينيئي لترشح روحاني للرئاسة، فإن الباحثين الغربيين يتحدثون عن «التعب الاميركي»، وعن «الارتباك الاميركي»،اذ ان باستطاعة ادارة باراك اوباما ان تلعب بصورة افضل في الشرق الاوسط اذا ما اعادت النظر في سياساتها العبثية، والمضنية، والمقفلة حيال ايران، حتى ان ميتشوم يتحدث عن «صيحات الهنود الحمر» في التعاطي مع  ايران ان واشنطن باتت بحاجة ماسة الى الابداع الديبلوماسي (والاستراتيجي) لا الى الاجترار الديبلوماسي ( والاستراتيجي). هل حقاً ان المفترق الخطير الذي طالما جرى الحديث عنه لن يفضي الى الحروب بل الى التسويات ، بما في ذلك معاهدات السلام مع اسرائيل التي تتطلع الى معاهدة سلام مع كل من بيروت ودمشق، حتى ليتردد ان واشنطن هي التي تقف وراء ذلك التباطؤ اللبناني المثير للتساؤل في مسار الملف النفطي، اذ انها لن تسمح بالتنقيب الا عبر شراكة لبنانية – اسرائيلية يتقاطع فيها التداخل الجيولوجي مع التداخل الاستراتيجي.. لم يكن فلاديمير بوتين المشعوذ بل القيصر حين قال ان قواعد النظام الجديد تخرج من سورية . انها البداية…

المصدر : الديار / نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة