لا أبالغ إذا قلت أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما يحتل قائمة أكثر الأشخاص كرها في أوساط معظم الحكومات الخليجية، وربما شعوبها أيضا، خاصة تلك التي أنفقت مليارات الدولارات على تمويل المجموعات  المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل منذ عامين من أجل الإطاحة بالنظام ، لأنه أي الرئيس اوباما أضفى الكثير من الشرعية على هذا النظام ورئيسه عندما لم يمض قدما بالضربات العسكرية العدوانية التي هدد بها أولا، وبات يتفاوض مع هذا النظام وممثليه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حول أسلحته الكيماوية وكيفية تقكيكها ومراقبتها وبالتالي تدميرها.

الرئيس اوباما كرر أكثر من مرة من أن "النظام السوري فقد شرعيته"، وأيامه معدودة، ولكن كارثة استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة الدمشقية الشرقية، وما ترتب عليها من تداعيات، وتطورات قلبت هذه المعادلة كليا، و"أعادت الشرعية للنظام " التي سحبتها منه الولايات المتحدة وبعض حلفائها العرب، وتجسدت في احتضان المعارضة السورية في اجتماعات مايسمى  أصدقاء الشعب السوري (أين ذهب هذا التجمع بالمناسبة) واعتبارها بديلا للنظام، على المستوى العالمي وتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية على المستوى الإقليمي العربي.

الرئيس اوباما يريد أمرين أساسيين في سورية الأول تجنب حرب جديدة في الشرق الأوسط، والثاني حماية "إسرائيل" من أي تهديد كيماوي مستقبلي، سواء من قبل النظام السوري أو من الجماعات الجهادية، وقد حققت له مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهدفين دفعة واحدة.

هناك هدف ثالث يمكن إضافته ألا وهو القضاء على هذه الجماعات الجهادية كخطوة أساسية على طريق التسوية السياسية التي من المفترض أن يتمخض عنها مؤتمر جنيف الثاني، وكان على جدول أعمال اللقاء الذي انعقد أمس بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في المدينة السويسرية للإعداد للمؤتمر الذي يحمل اسمها.

الأسلحة الأمريكية “الفتاكة” التي بدأت تتدفق على مليشيا الجيش الحر وتشرف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعملاؤها على توزيعها بحيث لا تقع في أيدي الجماعات الجهادية المستهدفة، لن تكون موجهة إلى النظام فقط، وإنما أيضا وربما بالدرجة الأولى إلى تلك الجماعات.

هناك بيانان صدرا في اليومين الماضيين ويؤكدان هذه الفرضية:

الأول: الذي أصدره زعيم القاعدة  أيمن الظاهري وهاجم فيه الولايات المتحدة وحلفاءها واستنزافها أينما كانت وذلك بمناسبة ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن الطبيعي أن ينطبق هذا على سورية.

الثاني: البيان الذي أصدرته الدولة الإسلامية في العراق والشام وهاجمت فيه مليشيا " الجيش  الحر" وقيادته، وأعلنت الحرب عليه باعتباره “جيشا عميلا” للنظام.

لا نستغرب أن تكون القوتان العظميان قد توصلتا إلى أرضية مشتركة ضد الجماعات الجهادية، والاتفاق بالتالي على تصفيتها، ومن قرأ مقال الرئيس بوتين الذي نشره أمس في صحيفة “نيويورك تايمز″ الأمريكية يتوصل إلى هذا الاستنتاج دون عناء. فقد حذر بوتين بشدة من حظر هذه الجماعات على سورية والمنطقة بأسرها، وأعاد تذكير الرئيس اوباما بان حكومته وضعت تنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام على قائمة الإرهاب، مثلما قال أيضا وبالحرف “علينا أن لا نتجاهل التقارير التي تقول أنهم يحضرون لشن هجوم كيماوي ضد إسرائيل”.

حكومات دول الخليج تعيش مأزقين حاليا، الأول هو تجاهلها أو إبعادها من الجهود الدبلوماسية المكثفة والجارية حاليا، وتتعلق بالملف الكيماوي السوري من قبل الدولتين العظميين، وخسارتها السيطرة على الجامعة العربية تدريجيا بعد التغيير الكبير الذي طرأ في الشهرين الماضيين في موقف الحكومة المصرية الحالية من الملف السوري وانعكس في معارضتها لأي عدوان على سورية (على عكس حكومة مرسي التي أعلنت الجهاد في سورية وساهمت في إطاحتها ضغوط السعودية والإمارات وأموالهم على وجه الخصوص)، الأمر الذي شجع دول أخرى مثل الجزائر موريتانيا وليبيا إلى المجاهرة بالشيء نفسه، وكانت معارضة وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز لأي تدخل عسكري أمريكي في سورية هي قمة المفارقات، وأكثرها غرابة، وهذا ما قد نتناوله في مقال قادم.

الجنوح إلى التعاطي الدبلوماسي مع الملف السوري وليس العسكري، مثلما تريد المعارضة السورية المسلحة والدول الخليجية الداعمة لها

  سيخيب آمال الطرفين إلى جانب آمال آلتها الإعلامية الجبارة والمتمثلة في قناتي الجزيرة والعربية على وجه الخصوص، وخبرائها ومحلليها العسكريين والسياسيين وما أكثرهم هذه الأيام.

احتمالات العمل العسكري الأمريكي في سورية ما زالت قائمة، ولكنها اضعف من أي وقت مضى، وربما تظل مؤجلة إلى حين كيفية حل أزمة البرنامج الكيماوي النووي الإيراني سلما أو حربا، وطلب الرئيس الإيراني من الرئيس بوتين أن يطلق مبادرة لمفاوضات جادة في هذا الملف يزيد من احتمالات الحل السياسي السلمي، الأمر الذي يشكل خطرا اكبر على دول الخليج من الحل العسكري.
  • فريق ماسة
  • 2013-09-13
  • 12157
  • من الأرشيف

اوباما الشخصية “الاكثر كرها” في الخليج لتراجعه عن الضربة ...عبد الباري عطوان

لا أبالغ إذا قلت أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما يحتل قائمة أكثر الأشخاص كرها في أوساط معظم الحكومات الخليجية، وربما شعوبها أيضا، خاصة تلك التي أنفقت مليارات الدولارات على تمويل المجموعات  المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل منذ عامين من أجل الإطاحة بالنظام ، لأنه أي الرئيس اوباما أضفى الكثير من الشرعية على هذا النظام ورئيسه عندما لم يمض قدما بالضربات العسكرية العدوانية التي هدد بها أولا، وبات يتفاوض مع هذا النظام وممثليه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حول أسلحته الكيماوية وكيفية تقكيكها ومراقبتها وبالتالي تدميرها. الرئيس اوباما كرر أكثر من مرة من أن "النظام السوري فقد شرعيته"، وأيامه معدودة، ولكن كارثة استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة الدمشقية الشرقية، وما ترتب عليها من تداعيات، وتطورات قلبت هذه المعادلة كليا، و"أعادت الشرعية للنظام " التي سحبتها منه الولايات المتحدة وبعض حلفائها العرب، وتجسدت في احتضان المعارضة السورية في اجتماعات مايسمى  أصدقاء الشعب السوري (أين ذهب هذا التجمع بالمناسبة) واعتبارها بديلا للنظام، على المستوى العالمي وتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية على المستوى الإقليمي العربي. الرئيس اوباما يريد أمرين أساسيين في سورية الأول تجنب حرب جديدة في الشرق الأوسط، والثاني حماية "إسرائيل" من أي تهديد كيماوي مستقبلي، سواء من قبل النظام السوري أو من الجماعات الجهادية، وقد حققت له مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهدفين دفعة واحدة. هناك هدف ثالث يمكن إضافته ألا وهو القضاء على هذه الجماعات الجهادية كخطوة أساسية على طريق التسوية السياسية التي من المفترض أن يتمخض عنها مؤتمر جنيف الثاني، وكان على جدول أعمال اللقاء الذي انعقد أمس بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في المدينة السويسرية للإعداد للمؤتمر الذي يحمل اسمها. الأسلحة الأمريكية “الفتاكة” التي بدأت تتدفق على مليشيا الجيش الحر وتشرف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعملاؤها على توزيعها بحيث لا تقع في أيدي الجماعات الجهادية المستهدفة، لن تكون موجهة إلى النظام فقط، وإنما أيضا وربما بالدرجة الأولى إلى تلك الجماعات. هناك بيانان صدرا في اليومين الماضيين ويؤكدان هذه الفرضية: الأول: الذي أصدره زعيم القاعدة  أيمن الظاهري وهاجم فيه الولايات المتحدة وحلفاءها واستنزافها أينما كانت وذلك بمناسبة ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن الطبيعي أن ينطبق هذا على سورية. الثاني: البيان الذي أصدرته الدولة الإسلامية في العراق والشام وهاجمت فيه مليشيا " الجيش  الحر" وقيادته، وأعلنت الحرب عليه باعتباره “جيشا عميلا” للنظام. لا نستغرب أن تكون القوتان العظميان قد توصلتا إلى أرضية مشتركة ضد الجماعات الجهادية، والاتفاق بالتالي على تصفيتها، ومن قرأ مقال الرئيس بوتين الذي نشره أمس في صحيفة “نيويورك تايمز″ الأمريكية يتوصل إلى هذا الاستنتاج دون عناء. فقد حذر بوتين بشدة من حظر هذه الجماعات على سورية والمنطقة بأسرها، وأعاد تذكير الرئيس اوباما بان حكومته وضعت تنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام على قائمة الإرهاب، مثلما قال أيضا وبالحرف “علينا أن لا نتجاهل التقارير التي تقول أنهم يحضرون لشن هجوم كيماوي ضد إسرائيل”. حكومات دول الخليج تعيش مأزقين حاليا، الأول هو تجاهلها أو إبعادها من الجهود الدبلوماسية المكثفة والجارية حاليا، وتتعلق بالملف الكيماوي السوري من قبل الدولتين العظميين، وخسارتها السيطرة على الجامعة العربية تدريجيا بعد التغيير الكبير الذي طرأ في الشهرين الماضيين في موقف الحكومة المصرية الحالية من الملف السوري وانعكس في معارضتها لأي عدوان على سورية (على عكس حكومة مرسي التي أعلنت الجهاد في سورية وساهمت في إطاحتها ضغوط السعودية والإمارات وأموالهم على وجه الخصوص)، الأمر الذي شجع دول أخرى مثل الجزائر موريتانيا وليبيا إلى المجاهرة بالشيء نفسه، وكانت معارضة وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز لأي تدخل عسكري أمريكي في سورية هي قمة المفارقات، وأكثرها غرابة، وهذا ما قد نتناوله في مقال قادم. الجنوح إلى التعاطي الدبلوماسي مع الملف السوري وليس العسكري، مثلما تريد المعارضة السورية المسلحة والدول الخليجية الداعمة لها   سيخيب آمال الطرفين إلى جانب آمال آلتها الإعلامية الجبارة والمتمثلة في قناتي الجزيرة والعربية على وجه الخصوص، وخبرائها ومحلليها العسكريين والسياسيين وما أكثرهم هذه الأيام. احتمالات العمل العسكري الأمريكي في سورية ما زالت قائمة، ولكنها اضعف من أي وقت مضى، وربما تظل مؤجلة إلى حين كيفية حل أزمة البرنامج الكيماوي النووي الإيراني سلما أو حربا، وطلب الرئيس الإيراني من الرئيس بوتين أن يطلق مبادرة لمفاوضات جادة في هذا الملف يزيد من احتمالات الحل السياسي السلمي، الأمر الذي يشكل خطرا اكبر على دول الخليج من الحل العسكري.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة