للمرة الاولى، رئيس اميركي في قبضة العرب. من امبراطور الى شيخ قبيلة. في تلة الكابيتول ثمة من يقول ان باراك اوباما اصيب باللوثة إياها التي طالما لاحقت رؤساء آخرين. من يريد ان يدخل التاريخ لا بد ان يقرع الطبول. من زمان، سخر بنيامين فرنكلين من ذلك التاريخ الذي يشبه المقبرة. انه التاريخ الذي لا يدخله الحفاة، كما قال، بل الاقدام المرصعة بالدم…

اسرائيل التي ظهرت كما لو انها حالة عربية (هل الاميركيون بجبروتهم هم الذين يحمونها ام الذي يحميها هو ذلك التهتك العربي؟)، تريد للضربة ان تكون كاسحة. لا تبقي حجراً على حجر اذا كان اوباما، الهارب من طفولته كما الهارب من لونه، يريد تطبيق النصوص المقدسة على الارض. يشعر الحاخام عوفاديا يوسف بالانتشاء: ها هي الملائكة المدمرة التي طالما ابتهل اليها تدمر العراق ثم تدمر سوريا، وها هي تحوم حول مصر التي يبدو انها دخلت، بدورها، ثقافة السيارات المفخخة، ودائما بيد اولئك الاسلاميين الذين قلنا اكثر من مرة انهم استعاضوا عن لغة القرآن بلغة التلمود..

العرب الذين يعلمون ان سوريا دولة مركبة، حتى ان الاكثرية المذهبية هي عبارة عن اقليات، طبقياً وجغرافياً واتنياً وسياسياً وحتى قبلياً اذا ما عدنا الى الخمسينات ولاحظنا مصطلحات من قبيل «ضباط دير الزور» و«ضباط حمص» و«ضباط حلب». اجل، العرب يدركون ذلك، لكنهم يعتقدون انهم، بالتنسيق العملاني والاستراتيجي مع رجب طيب اردوغان، يستطيعون ضبط الشظايا. ما المشكلة اذا ما تم الحاق مدينة حلب بالسلطنة (وغداً الموصل) ما دامت تركيا دولة اسلامية وما دامت دولة شقيقة؟

لا مشكلة ايضا اذا ما رفرفت نجمة داود على تمثال يوسف العظمة في دمشق. نحن امام تبدل شامل ودراماتيكي في المشهد. ما كنتم ترونه قبل الآن لن تعودوا ترونه بعد الآن. سوريا، ببهائها، لن تكون سوريا لان العربان يريدون ان يناموا الى الابد، ودائماً تحت قدمي (او تحت ساقي) شهرزاد..

على سوريا التي طالما عانت ..ان تكون رهينة وقهرمانة وعارية ومقطعة الاوصال. ها ان قادة «الجيش الحر» يطلقون، وقبل ان تصل صواريخ التوماهوك، صيحات النصر، لا بل ان هناك من نقل الينا انهم اعدوا الاهازيج لاستقبالها على انها صواريخ التحرير. حتماً صواريخ الديموقراطية التي، وكما نلاحظ، في ذروة تألقها في تلك الدول العربية التي تخجل منها حتى القرون الوسطى…

لكن اوباما الذي تمهل او تريث، وذهب الى الكونغرس وهو يصيح كما لو انه زعيم لاحدى قبائل الهنود الحمر، اكتشف ان العالم لم يعد كما كان، وان اميركا لم تعد كما كانت. جون الترمان يستعيد كلام بول كنيدي حول غروب الامبراطورية، ليسأل: كيف يقبل الرئيس الاميركي ان يساق كما تساق الابل؟

اذاً، باستطاعة العربان  ان يشتروا البيت الابيض. مسكين باراك اوباما حتى عندما يسقط بين اسنان نيوت غينغريتش (على ال..سي. إن. إن). من يتصور ان هذا اليميني المتغطرس والعتيق والذي طالما كان عاصفاً في وجه اي عربي معاد لاسرائيل، يحذر من الانزلاق مرة اخرى في نيران الشرق الاوسط التي كما لو انها النيران الميتولوجية، متسائلاً ما اذا كانت الامبراطورية ستغرق مرة اخرى هناك، ومذكراً «كيف خرجنا حفاة، حفاة تماماً، من العراق»، وان كانت مادلين اولبرايت تتحدث عن «مهمتنا المقدسة في الشرق الاوسط»، اذ ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تحتفظ بعظمتها دون نفط (وجغرافية) هذه المنطقة…

نحن، بدورنا نسأل العربان، ودون ان نكون بالضرورة الى جانب ذلك النظام الذي طالما تحدثنا عن مثالبه: أليس العراق، ايها الاشاوس، امامكم؟. من يقرأ هذا السؤال لا بد من ان يستغرب مدى حماقة السائل. أَوَ ليس العربان هم الذين يفعلون بأرض الرافدين ما يفعلونه الآن؟

الذي يثير استهجاننا ليس اولئك الذين يقولون انهم مستعدون للتحالف مع الشيطان لازالة النظام (مرة اخرى…اي نظام؟) وانما العديد من الكتّاب والمعلقين والمثقفين العرب الذين يكتبون و يتحدثون بلغة القبائل البدائية، كما لو اننا جميعاً لسنا بالقبائل البدائية. واذ راحوا يستحثون اعضاء الكونغرس على التصديق على الضربة كما لو ان هؤلاء يعتبرون العرب بشراً، فقد بدوا واثقين من ان الضربة آتية لا ريب فيها، وبأن احمد العاصي الجربا الذي لو تعرفون ماضيه و تعرفون مواصفاته وتعرفون كفاءاته، هو من سيقود سوريا الى المجد (هكذا قال). المجد الذي تحت اقدام العثمانيين والاميركيين ومولانا ابي محمد الجولاني وصنوه ابي بكر البغدادي…

لكن هؤلاء الذين يهللون لاوباما تصدمهم تصريحاته حول «الضربة المحدودة» التي تعكس مدى الارتباك الاميركي والغربي، قبل ان يستدركوا اذ ان التوما هوك ستدمر مفاصل اساسية في هيكلية القوة لدى النظام، على ان يستكمل الآخرون، اي الاتراك والباكستانيون وكل شذاذ الآفاق، المهمة، مع ان واشنطن، وكنا اول من كشف عن ذلك، كانت تفاوض السوريين خلسة، حتى اذا ما قبلوا تفكيك ترسانتهم غير التقليدية التي اقاموها اساساً لغرض تأمين حد ادنى من التوازن مع الترسانة النووية الاسرائيلية، ألغيت الضربة او تم تنفيذها في العراء فقط لوقف صراخ القبائل العربية الغراء…

الضربة اذا ما نفذت، فإن تداعياتها ستكون وبالاً على الجميع لا على جهة دون اخرى. نعلم الكثير مما حدث وراء الضوء، وبعدما اوغلت بعض العواصم العربية في تلك الرهانات المجنونة مع انه كان باستطاعتها تفعيل ديناميات التسوية التي تضع حداً لهيستيريا الدم في سوريا لا دفعها نحو الافغنة او الصوملة ناهيك بالعرقنة…

الذين يعلمون ما هي سوريا واين تقع في الجغرافيا كما في التاريخ يدركون اي شرق اوسط بعض الضربة التي، حتماً، ستضرب الجميع. اللعبة باتت عارية تماماً. واضعوا السيناريوات، واتباعهم، يتلمسون رؤوسهم. كلنا نتلمس رؤوسنا!

  • فريق ماسة
  • 2013-09-09
  • 9479
  • من الأرشيف

رئيس أميركي في قبضة…العربان

للمرة الاولى، رئيس اميركي في قبضة العرب. من امبراطور الى شيخ قبيلة. في تلة الكابيتول ثمة من يقول ان باراك اوباما اصيب باللوثة إياها التي طالما لاحقت رؤساء آخرين. من يريد ان يدخل التاريخ لا بد ان يقرع الطبول. من زمان، سخر بنيامين فرنكلين من ذلك التاريخ الذي يشبه المقبرة. انه التاريخ الذي لا يدخله الحفاة، كما قال، بل الاقدام المرصعة بالدم… اسرائيل التي ظهرت كما لو انها حالة عربية (هل الاميركيون بجبروتهم هم الذين يحمونها ام الذي يحميها هو ذلك التهتك العربي؟)، تريد للضربة ان تكون كاسحة. لا تبقي حجراً على حجر اذا كان اوباما، الهارب من طفولته كما الهارب من لونه، يريد تطبيق النصوص المقدسة على الارض. يشعر الحاخام عوفاديا يوسف بالانتشاء: ها هي الملائكة المدمرة التي طالما ابتهل اليها تدمر العراق ثم تدمر سوريا، وها هي تحوم حول مصر التي يبدو انها دخلت، بدورها، ثقافة السيارات المفخخة، ودائما بيد اولئك الاسلاميين الذين قلنا اكثر من مرة انهم استعاضوا عن لغة القرآن بلغة التلمود.. العرب الذين يعلمون ان سوريا دولة مركبة، حتى ان الاكثرية المذهبية هي عبارة عن اقليات، طبقياً وجغرافياً واتنياً وسياسياً وحتى قبلياً اذا ما عدنا الى الخمسينات ولاحظنا مصطلحات من قبيل «ضباط دير الزور» و«ضباط حمص» و«ضباط حلب». اجل، العرب يدركون ذلك، لكنهم يعتقدون انهم، بالتنسيق العملاني والاستراتيجي مع رجب طيب اردوغان، يستطيعون ضبط الشظايا. ما المشكلة اذا ما تم الحاق مدينة حلب بالسلطنة (وغداً الموصل) ما دامت تركيا دولة اسلامية وما دامت دولة شقيقة؟ لا مشكلة ايضا اذا ما رفرفت نجمة داود على تمثال يوسف العظمة في دمشق. نحن امام تبدل شامل ودراماتيكي في المشهد. ما كنتم ترونه قبل الآن لن تعودوا ترونه بعد الآن. سوريا، ببهائها، لن تكون سوريا لان العربان يريدون ان يناموا الى الابد، ودائماً تحت قدمي (او تحت ساقي) شهرزاد.. على سوريا التي طالما عانت ..ان تكون رهينة وقهرمانة وعارية ومقطعة الاوصال. ها ان قادة «الجيش الحر» يطلقون، وقبل ان تصل صواريخ التوماهوك، صيحات النصر، لا بل ان هناك من نقل الينا انهم اعدوا الاهازيج لاستقبالها على انها صواريخ التحرير. حتماً صواريخ الديموقراطية التي، وكما نلاحظ، في ذروة تألقها في تلك الدول العربية التي تخجل منها حتى القرون الوسطى… لكن اوباما الذي تمهل او تريث، وذهب الى الكونغرس وهو يصيح كما لو انه زعيم لاحدى قبائل الهنود الحمر، اكتشف ان العالم لم يعد كما كان، وان اميركا لم تعد كما كانت. جون الترمان يستعيد كلام بول كنيدي حول غروب الامبراطورية، ليسأل: كيف يقبل الرئيس الاميركي ان يساق كما تساق الابل؟ اذاً، باستطاعة العربان  ان يشتروا البيت الابيض. مسكين باراك اوباما حتى عندما يسقط بين اسنان نيوت غينغريتش (على ال..سي. إن. إن). من يتصور ان هذا اليميني المتغطرس والعتيق والذي طالما كان عاصفاً في وجه اي عربي معاد لاسرائيل، يحذر من الانزلاق مرة اخرى في نيران الشرق الاوسط التي كما لو انها النيران الميتولوجية، متسائلاً ما اذا كانت الامبراطورية ستغرق مرة اخرى هناك، ومذكراً «كيف خرجنا حفاة، حفاة تماماً، من العراق»، وان كانت مادلين اولبرايت تتحدث عن «مهمتنا المقدسة في الشرق الاوسط»، اذ ان الولايات المتحدة لا يمكن ان تحتفظ بعظمتها دون نفط (وجغرافية) هذه المنطقة… نحن، بدورنا نسأل العربان، ودون ان نكون بالضرورة الى جانب ذلك النظام الذي طالما تحدثنا عن مثالبه: أليس العراق، ايها الاشاوس، امامكم؟. من يقرأ هذا السؤال لا بد من ان يستغرب مدى حماقة السائل. أَوَ ليس العربان هم الذين يفعلون بأرض الرافدين ما يفعلونه الآن؟ الذي يثير استهجاننا ليس اولئك الذين يقولون انهم مستعدون للتحالف مع الشيطان لازالة النظام (مرة اخرى…اي نظام؟) وانما العديد من الكتّاب والمعلقين والمثقفين العرب الذين يكتبون و يتحدثون بلغة القبائل البدائية، كما لو اننا جميعاً لسنا بالقبائل البدائية. واذ راحوا يستحثون اعضاء الكونغرس على التصديق على الضربة كما لو ان هؤلاء يعتبرون العرب بشراً، فقد بدوا واثقين من ان الضربة آتية لا ريب فيها، وبأن احمد العاصي الجربا الذي لو تعرفون ماضيه و تعرفون مواصفاته وتعرفون كفاءاته، هو من سيقود سوريا الى المجد (هكذا قال). المجد الذي تحت اقدام العثمانيين والاميركيين ومولانا ابي محمد الجولاني وصنوه ابي بكر البغدادي… لكن هؤلاء الذين يهللون لاوباما تصدمهم تصريحاته حول «الضربة المحدودة» التي تعكس مدى الارتباك الاميركي والغربي، قبل ان يستدركوا اذ ان التوما هوك ستدمر مفاصل اساسية في هيكلية القوة لدى النظام، على ان يستكمل الآخرون، اي الاتراك والباكستانيون وكل شذاذ الآفاق، المهمة، مع ان واشنطن، وكنا اول من كشف عن ذلك، كانت تفاوض السوريين خلسة، حتى اذا ما قبلوا تفكيك ترسانتهم غير التقليدية التي اقاموها اساساً لغرض تأمين حد ادنى من التوازن مع الترسانة النووية الاسرائيلية، ألغيت الضربة او تم تنفيذها في العراء فقط لوقف صراخ القبائل العربية الغراء… الضربة اذا ما نفذت، فإن تداعياتها ستكون وبالاً على الجميع لا على جهة دون اخرى. نعلم الكثير مما حدث وراء الضوء، وبعدما اوغلت بعض العواصم العربية في تلك الرهانات المجنونة مع انه كان باستطاعتها تفعيل ديناميات التسوية التي تضع حداً لهيستيريا الدم في سوريا لا دفعها نحو الافغنة او الصوملة ناهيك بالعرقنة… الذين يعلمون ما هي سوريا واين تقع في الجغرافيا كما في التاريخ يدركون اي شرق اوسط بعض الضربة التي، حتماً، ستضرب الجميع. اللعبة باتت عارية تماماً. واضعوا السيناريوات، واتباعهم، يتلمسون رؤوسهم. كلنا نتلمس رؤوسنا!

المصدر : الديار/ نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة