دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تراجعت النبرة الدولية، لكن الجميع يتصرف على أساس أن الحرب الأميركية الغربية على سورية واقعة حتما بمعزل عن التوقيت والحجم والمدى الزمني.
برغم ذلك، بدا الإيقاع الدمشقي، أمس، عاديا جدا.
عجقة شوارع وناس وسماع أصوات انفجارات بعيدة. استعدادات للامتحانات المدرسية ومواسم الجامعات على الأبواب. المطاعم تكاد تفيض بروادها ليلا. لا إجراءات أمنية أو عسكرية فوق العادة. ومن وصل إلى العاصمة السورية من بيروت، مثلا، شعر أن مناخ الخوف عند أهل لبنان، أكبر بدرجات من عند أهل الشام.
لكأن السوريين قد أدمنوا الموت، بعد سنتين ونصف السنة من عمر أزمتهم ـ حربهم الأهلية المفتوحة. هي الصورة نفسها التي اعتادها جيرانهم اللبنانيون طوال عقد ونصف من الزمن.
فجأة، تبدلت تسريبات المواعيد. ظلت طبول الحرب الأميركية ضد سوريا تقرع، لكن من دون مكبرات صوت.
وظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس، ليعلن أنه لم يتخذ قراراً بعد بشأن ضربة عسكرية في سوريا، إلا أنه أشار إلى أن هدف أي عمل عسكري محدود سيكون ردع استخدام أسلحة كيميائية في المستقبل.
وقال أوباما في مقابلة مع شبكة التلفزيون العامة الأميركية إن «التحرك بشكل واضح وحاسم لوقف استخدام أسلحة كيميائية في سوريا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على أمننا القومي على المدى الطويل»، موضحاً أنه تلقى خيارات من الجيش الأميركي بشأن ضربة عسكرية محتملة.
ولفت إلى أن بلاده لا تريد التورط في الحرب الأهلية في سوريا، معتبراً أن الولايات المتحدة «يمكنها أن تنهج مقاربة لا تجرها إلى صراع طويل أو تكرار حرب العراق».
وأضاف الرئيس الأميركي أن «مسؤولين أميركيين يعتقدون أن الحكومة السورية هي المسؤولة عن الهجوم الذي شُن قبل أسبوع في ريف دمشق، ولا يعتقدون أن المعارضة السورية لديها أسلحة كيميائية يمكن استخدامها على ذلك النطاق».
طلب الأميركيون، أمس الأول، إنهاء مهمة فريق الخبراء الدوليين المعنيين بتقصي استخدام السلاح الكيميائي. لكنهم فجأة يقررون، أمس، العكس، فيطلبون الإيعاز للمراقبين أن يكملوا مهمتهم في الغوطة الشرقية. سبق ذلك اتصال جرى بين وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف والموفد الدولي الأخضر الابراهيمي. صدر موقفان مفاجئان لكل من الابراهيمي ورئيسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يصبان في خانة اعطاء مهمة الخبراء مداها الزمني (اربعة ايام يفترض أنها تنتهي اليوم) و«بعد ذلك سيقوم المحققون بتحاليل علمية ثم يجب أن يعدوا تقريراً إلى مجلس الأمن الدولي كي يتخذ الإجراءات التي يراها ضرورية»، على حد تعبير بان كي مون.
كان خطاب الأميركيين وحلفائهم الغربيين، قبل ذلك بنحو 24 ساعة، متمحوراً حول فكرة الذهاب الى خيار الضربة بمعزل عن مجلس الأمن الدولي. فجأة صار مجلس الأمن هو الممر الإلزامي. مشاورات عاجلة وغير رسمية في نيويورك يشارك فيها مندوبو الدول الخمس دائمة العضوية، محورها الورقة البريطانية الداعية الى صدور قرار دولي يسمح باتخاذ إجراءات (عسكرية) بموجب الفصل السابع لحماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيميائية. لم تمض ساعات، حتى انسحب المندوبان الروسي والصيني وتركا على طاولة الآخرين علماً وخبراً بأن بكين وموسكو ستستخدمان حق النقض (الفيتو).
أُسقط في يد الأميركيين والبريطانيين. تمسك الروس بروايتهم حول الجهة التي استخدمت السلاح الكيميائي وقالوا إنهم يملكون وثائق وأدلة «سنزودكم بها واذا كان هناك من يشكك فيها فلننتظر نتائج التحقيق، ثمة مجموعات من المعارضة السورية المسلحة أطلقت السلاح الكيميائي من منطقة دوما رداً على خرق استراتيجي وكبير جداً قام به الجيش النظامي عند مدخل دمشق الجنوبي».
هل هذا هو ما أدى الى كبح جماح الأميركيين وحلفائهم، برغم الحماسة العربية والخليجية التي فاقت المعتاد لشن الضربة العسكرية؟
كل نقاشات دوائر القرار في دمشق كانت تتمحور حول طبيعة الردّ الممكن، وذلك تبعاً لحجم الضربة الأميركية. «إسرائيل هي وجهة الرد». هذه الإشارة أطلقها أولاً وزير خارجية سورية وليد المعلم عندما قال إن الحرب تخوضها واشنطن لمصلحة اسرائيل. «بنك الأهداف» السورية وفرته جهات عدة، ولكن تل أبيب قالت «الأمر لي». تضمن «البنك» كل ما يعتقده الإسرائيليون مستودعات لأسلحة صاروخية وجهتها «حزب الله».
«خيار الرد على اسرائيل متوفر ومُتاح ويملك الجيش السوري، قدرات صاروخية عالية ومتطورة جداً، وحتماً سيكون وقعها مؤلماً».
حاول الأميركيون، خاصة عن طريق جهات اقليمية ودولية تطمين «من يعنيهم الأمر» بأن الضربة ستكون «عبارة عن جراحة موضعية ربطاً بعنوان محدد». لكن قيل لهم «أنتم من يملك خيار الطلقة الأولى، لكن خيار الطلقة الأخيرة لن يكون بيدكم».
يتصرّف أهل النظام في دمشق على قاعدة أن الضربة ستحصل بعد دقائق أو ساعات قليلة. هم أنجزوا ترتيبات إعادة التموضع العسكري «لكن كيف يمكن أن تتدحرج الأمور.. هذا أمر متروك لطبيعة الضربة العسكرية من جانب الأميركيين. هل نرد وكيف ومتى أم لا نرد. هذا أمر متروك للميدان».
ليست الخيارات محصورة بالنظام السوري. ثمة حلفاء أبرزهم الحليفان الايراني واللبناني، لكن المؤكد أن أياً منهما لن يقدم على اية ردة فعل الا على قاعدة القرار السوري أولاً. سيصل وفد برلماني ايراني كبير في غضون ايام قليلة الى دمشق حاملا رسالة تضامنية من القيادة الايرانية مفادها «الرد سيكون على إسرائيل، لكن الأمرة متروكة لكم».
أدرك الاسرائيلي بعض المعطيات الميدانية، وبات يتصرف على أساس أن الرد سيطاله أولاً.. وأخيراً. قررت هيئة الأركان الاسرائيلية، بعد اعلان الجهوزية، استدعاء بعض الاحتياط، وهذه خطوة تأخّر اتخاذها ابان حرب تموز 2006 في لبنان.
صحيح أن حلفاء دمشق وخاصة «حزب الله» يتعمدون الغموض المقلق للإسرائيليين والأميركيين، وهم لم ولن يفصحوا عما سيفعلون، لكن جهوزيتهم العالية جداً للمرة الأولى منذ سبع سنوات والانتشار العسكري من اللبونة جنوباً الى القصير وريفها شرقاً ومطار الضبعة مروراً بالضاحية الجنوبية والمقلب الشرقي للسلسلة الغربية وكل البقاع، زاد منسوب القلق الإسرائيلي.
توقع الإسرائيليون في الساعات الأخيرة أن يطل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ليعلن موقف حزبه من التطورات السورية، غير أن تأخر الإطلالة زاد قلقهم، خاصة أن «حزب الله» جزء لا يتجزأ من المعركة السورية على أرض سوريا، فهل يمكن أن يكون خارجها اذا تدحرجت الأمور؟
عندما يقرر السيد نصرالله أن يتحدث، فهذا يعني أنه سيعلن عن مجموعة خطوات وقرارات اتخذتها المقاومة وستضعها موضع التنفيذ، على جاري عادتها، في إظهار صدقيتها العالية أمام جمهورها وعدوها على حد سواء، وطالما أن «السيد» لم يفعل ذلك حتى الآن، «للإسرائيلي أن يخمّن ويخمّن.. ماذا أنجز «حزب الله» من الجهوزية وعناصر الرد».
في واشنطن، تم تجاوز «الخط الأحمر» الذي حدده باراك اوباما في 20 آب 2012، مع «ثبوت» واقعة استخدام السلاح الكيميائي. الصحافة الأميركية وبرغم عدم تأييد أغلبية الرأي العام الأميركي للضربة العسكرية، تركز على مصداقية سيد البيت الأبيض. يكاد يقول أوباما بصريح العبارة «لن أقوم بأكثر من ضربة عسكرية رمزية محدودة جداً لا تستدعي أية ردة فعل. ليس على جدول أعمالنا إسقاط النظام السوري».. إذا اقتضى الأمر، فلن يتردد الأميركيون بشمول ضرباتهم بعض المواقع الحساسة لمجموعات جهادية على ارض سوريا وخاصة في الرقة وريف دمشق.
يريد الأميركي حفظ ماء الوجه من جهة، وإعطاء جرعة من المعنويات للمعارضة السورية من جهة ثانية. الهدف السياسي للعمل العسكري هو بلوغ «جنيف 2» على قاعدة إعادة التوازن إلى ميزان القوى بعد اختلاله مؤخراً لمصلحة النظام في ريف دمشق ومحيطها.
يأمل الأميركيون أن تخلق الضربة العسكرية واقعاً ميدانياً ومناخاً سياسياً جديدين، لكن من قال إن التداعيات يمكنهم التحكم بها؟
المصدر :
الماسة السورية/ السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة