من دون قفّازات، السعودية تريد تفجير المنطقة من بغداد إلى بيروت، على الأقل، هكذا يشعر محور المقاومة. التفجير ليس في الأمن وحسب، بعد فشل الضغوط لتشكيل حكومة أمر واقع، الحكومة مؤجلة إلى أيلول، لعلّ وعسى، ينقلب المشهد السوري

لم يعد بيان «كتلة الوفاء للمقاومة» بياناً كلاسيكياً كما درجت عليه العادة. بعد تصعيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير عقب تفجير الرويس الإرهابي، قالت الكتلة بعد اجتماعها أمس ما يشبه «البيان رقم واحد».

إذ رأت «أن هذا التفجير الإرهابي دبرته أجهزة مخابرات دنيئة في المنطقة تستثمر مجموعات من الإرهابيين التكفيريين، وتستفيد من الحاضنة السياسية التحريضية التي يشكلها ويغذِّيها بعض قوى 14 آذار لفرض مسارات استراتيجية وسلطوية في لبنان». واعتبرت «أن فشل المجموعات التكفيرية في تحقيق الغايات التآمرية المرسومة لها في سوريا وعند الحدود السورية ـــ اللبنانية، دفع مشغّليها إلى استخدامها في الداخل اللبناني علهم يعوضون عن فشلهم الذريع هناك».

بالطبع، لم يعد خافياً على أحد أن حزب الله ومن معه لم يُنكروا التوّرط السعودي، وبالتحديد مدير جهاز المخابرات السعودية العامة بندر بن سلطان، في تفجيري بئر العبد والرويس، أقلّه على مستوى القرار، بل ذهب أبعد من ذلك، لم يتّهم إسرائيل، المشتبه الرئيسي دائماً في أي عمل تخريبي يطال أمن المقاومة وأمن جمهورها. وفي بيان الكتلة أمس، اتهامٌ واضحٌ يتطابق مع ما سُرب عن تورط أجهزة إقليمية في إرهاب جمهور المقاومة وقتله.

المسألة أبعد من تفجير الرويس. تقتنع مصادر مقرّبة من حزب الله بأن مسار الأحداث في سوريا والعراق ولبنان يدلّ على شيءٍ واحد، «قرار سعودي واضح ومن خلفه دفع أميركي لتفجير المنطقة من بغداد إلى بيروت».

لماذا انتقلت السعودية إلى موقعها الجديد إذاً؟ تقول المصادر إن كل ما هو متاح دولياً وإقليمياً لأجل إسقاط النظام السوري، بمعزلٍ عن التدخل العسكري الخارجي المباشر، قد استخدم إلى حدٍّ بعيد منذ عامين ونصف عام حتى الآن، ولم يحقّق النتيجة المرجوّة، «حتى تسليح المعارضة بأسلحة مضادة للدروع والطائرات حديثة وفعالة يتمّ على قدمٍ وساق، وما يحكى عكس ذلك هو كذب».

تدرك السعودية أن «بقاء النظام السوري وحلفائه سيرتّب عليها في السنوات المقبلة هزائم وسيزعزع استقرار المملكة، وبالتالي المطلوب التحرّك». وتضيف المصادر أن «الواقع المصريّ لا يشكّل انتصاراً سعودياً بالمعنى الملموس، بل انتصاراً معنوياً قد يتبدل في أي لحظة إلى هزيمة في حال تغيّرت المعطيات المصريّة، وبالتالي فإن التعويض عن صمود النظام السوري وحليفه حزب الله لن يكون إلّا بإشعال الساحة اللبنانية».

السعودية، ومن خلفها أميركا، لم تعد تريد الاستقرار اللبناني إذاً، بعدما كان البلد محيّداً عن التداعيات الجدية للأزمة السورية، ووقع التطورات الأمنية فيه محصوراً ضمن خطوط حمراء عريضة. سقطت الخطوط الحمراء في لبنان، سعودياً. إذ إن «إشعال لبنان بالنسبة لمحور الرياض ــ واشنطن بات ضرورة ملحة لصرف نظر حزب الله عن مجرى المعارك في سوريا، وإرباك جمهور الحزب وتحميله كلفة باهظة نتيجة المشاركة في الحرب السورية، مما يحدّ من مشاركة الحزب عسكرياً على جبهات حمص وريف دمشق وتحويل وجهة اهتمامه إلى الداخل اللبناني بدل ساحة المعركة الأساسية، أي سوريا».

ولا ينحصر تصعيد بندر في المستوى الأمني، إذ تقول مصادر مقرّبة من حزب الله أيضاً، إن «مراكز قوى في المملكة السعودية مارست ضغوطاً كبيرة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة تمام سلام لتشكيل حكومة أمر واقع، أو على الأقل إنهاء أمر الحكومة الحالية بتشكيل حكومة لا تحظى بثقة المجلس النيابي فتبقى حكومة تصريف أعمال، وبالتالي عزل حزب الله». ومع إدراك سليمان وسلام صعوبة البحث في حكومة لا تحظى برضا النائب وليد جنبلاط، خفت صوت الضغوط والتشكيل، لتنحسر تماماً بعد انفجار الرويس وتصريحات نصر الله الواضحة حول رفض أي شكل من أشكال الأمر الواقع.

وتقول مصادر سلام، إن الرئيس المكلّف يريد تشكيل حكومة بأي ثمن لأن «بقاء البلاد من دون حكومة هو أسوأ الاحتمالات، لكنّ هذا لا يعني أن الرئيس قد يُقدم على إعلان حكومة تفجيرية، والبحث الآن يتركّز على حكومة سياسية تخفف الاحتقان في البلد». وتقتنع مصادر أخرى مقربة من حزب الله بأن موفدي جنبلاط، النائب وائل أبو فاعور وابنه تيمور، حاولا شرح الموقف للسعوديين، بأن البلد لا يحتمل حكومة مواجهة مع حزب الله، والمطلوب حكومة تهدئة، وليس حكومة مواجهة. على مقلب الحزب التقدمي الاشتراكي، تنفي مصادر الحزب أن يكون السعوديون قد مارسوا مثل هذه الضغوط سابقاً على جنبلاط على عكس ما أشيع، مؤكدةً أن البحث مع بندر بن سلطان تناول قضايا المنطقة ومن ضمنها لبنان، «ولا يشغل بال السعودية الآن سوى مصر».

وحول الحكومة المرتقبة، تؤكّد المصادر المقربة من حزب الله أن مرحلة ما بعد انفجار الرويس «دفعت بسليمان لإبلاغ حزب الله أنه لن يشكّل سوى حكومة سياسية تستطيع تهدئة البلد، وهو ليس في وارد السير في أي حكومة مواجهة».

ما تقوله هذه المصادر، يتقاطع مع ما تقوله مصادر سلام، عن أن البحث الجدي حول الحكومة مؤجل إلى ما بعد منتصف شهر أيلول المقبل. لماذا أيلول؟ تقول المصادر المقربة من حزب الله إن «محور واشنطن ــ الرياض ينتظر حدثاً كبيراً على الساحة السورية، يغير المعادلات الداخلية في لبنان، ويسهّل عزل حزب الله».

ربّما لم يتسن للمعنيين بمتابعة الملفّ الحكومي اللبناني، رؤية صورة مسؤول الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك في البذلة العسكرية المرقّطة التي انتشرت أمس على صفحات الإنترنت، لكنهم بالطبع استمعوا إلى الرئيس نبيه برّي يقول بعد لقاء الأربعاء النيابي أول من أمس عن مشروع «عرقنة لبنان» ان «لبنان ليس العراق وهذا المخطط لن يمر بأي شكل من الأشكال». في بيان كتلة المقاومة ما يكفي ويزيد: «حكومة الوحدة الوطنية هي الحل السياسي الجامع والموضوعي الذي يرفع الغطاء عن الإرهابيين والعابثين بالبلد، أمَّا الاتجاه لفرض أمر واقع استفزازي وغير ميثاقي في الحكومة الجديدة فمن شأنه أن يفاقم الأزمة ويأخذها بعيداً في مدى التصعيد والاحتقان».

 

  • فريق ماسة
  • 2013-08-22
  • 5888
  • من الأرشيف

الحكومة تنتظر أيلول والسعودية تريد تفجير لبنان

من دون قفّازات، السعودية تريد تفجير المنطقة من بغداد إلى بيروت، على الأقل، هكذا يشعر محور المقاومة. التفجير ليس في الأمن وحسب، بعد فشل الضغوط لتشكيل حكومة أمر واقع، الحكومة مؤجلة إلى أيلول، لعلّ وعسى، ينقلب المشهد السوري لم يعد بيان «كتلة الوفاء للمقاومة» بياناً كلاسيكياً كما درجت عليه العادة. بعد تصعيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير عقب تفجير الرويس الإرهابي، قالت الكتلة بعد اجتماعها أمس ما يشبه «البيان رقم واحد». إذ رأت «أن هذا التفجير الإرهابي دبرته أجهزة مخابرات دنيئة في المنطقة تستثمر مجموعات من الإرهابيين التكفيريين، وتستفيد من الحاضنة السياسية التحريضية التي يشكلها ويغذِّيها بعض قوى 14 آذار لفرض مسارات استراتيجية وسلطوية في لبنان». واعتبرت «أن فشل المجموعات التكفيرية في تحقيق الغايات التآمرية المرسومة لها في سوريا وعند الحدود السورية ـــ اللبنانية، دفع مشغّليها إلى استخدامها في الداخل اللبناني علهم يعوضون عن فشلهم الذريع هناك». بالطبع، لم يعد خافياً على أحد أن حزب الله ومن معه لم يُنكروا التوّرط السعودي، وبالتحديد مدير جهاز المخابرات السعودية العامة بندر بن سلطان، في تفجيري بئر العبد والرويس، أقلّه على مستوى القرار، بل ذهب أبعد من ذلك، لم يتّهم إسرائيل، المشتبه الرئيسي دائماً في أي عمل تخريبي يطال أمن المقاومة وأمن جمهورها. وفي بيان الكتلة أمس، اتهامٌ واضحٌ يتطابق مع ما سُرب عن تورط أجهزة إقليمية في إرهاب جمهور المقاومة وقتله. المسألة أبعد من تفجير الرويس. تقتنع مصادر مقرّبة من حزب الله بأن مسار الأحداث في سوريا والعراق ولبنان يدلّ على شيءٍ واحد، «قرار سعودي واضح ومن خلفه دفع أميركي لتفجير المنطقة من بغداد إلى بيروت». لماذا انتقلت السعودية إلى موقعها الجديد إذاً؟ تقول المصادر إن كل ما هو متاح دولياً وإقليمياً لأجل إسقاط النظام السوري، بمعزلٍ عن التدخل العسكري الخارجي المباشر، قد استخدم إلى حدٍّ بعيد منذ عامين ونصف عام حتى الآن، ولم يحقّق النتيجة المرجوّة، «حتى تسليح المعارضة بأسلحة مضادة للدروع والطائرات حديثة وفعالة يتمّ على قدمٍ وساق، وما يحكى عكس ذلك هو كذب». تدرك السعودية أن «بقاء النظام السوري وحلفائه سيرتّب عليها في السنوات المقبلة هزائم وسيزعزع استقرار المملكة، وبالتالي المطلوب التحرّك». وتضيف المصادر أن «الواقع المصريّ لا يشكّل انتصاراً سعودياً بالمعنى الملموس، بل انتصاراً معنوياً قد يتبدل في أي لحظة إلى هزيمة في حال تغيّرت المعطيات المصريّة، وبالتالي فإن التعويض عن صمود النظام السوري وحليفه حزب الله لن يكون إلّا بإشعال الساحة اللبنانية». السعودية، ومن خلفها أميركا، لم تعد تريد الاستقرار اللبناني إذاً، بعدما كان البلد محيّداً عن التداعيات الجدية للأزمة السورية، ووقع التطورات الأمنية فيه محصوراً ضمن خطوط حمراء عريضة. سقطت الخطوط الحمراء في لبنان، سعودياً. إذ إن «إشعال لبنان بالنسبة لمحور الرياض ــ واشنطن بات ضرورة ملحة لصرف نظر حزب الله عن مجرى المعارك في سوريا، وإرباك جمهور الحزب وتحميله كلفة باهظة نتيجة المشاركة في الحرب السورية، مما يحدّ من مشاركة الحزب عسكرياً على جبهات حمص وريف دمشق وتحويل وجهة اهتمامه إلى الداخل اللبناني بدل ساحة المعركة الأساسية، أي سوريا». ولا ينحصر تصعيد بندر في المستوى الأمني، إذ تقول مصادر مقرّبة من حزب الله أيضاً، إن «مراكز قوى في المملكة السعودية مارست ضغوطاً كبيرة على رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة تمام سلام لتشكيل حكومة أمر واقع، أو على الأقل إنهاء أمر الحكومة الحالية بتشكيل حكومة لا تحظى بثقة المجلس النيابي فتبقى حكومة تصريف أعمال، وبالتالي عزل حزب الله». ومع إدراك سليمان وسلام صعوبة البحث في حكومة لا تحظى برضا النائب وليد جنبلاط، خفت صوت الضغوط والتشكيل، لتنحسر تماماً بعد انفجار الرويس وتصريحات نصر الله الواضحة حول رفض أي شكل من أشكال الأمر الواقع. وتقول مصادر سلام، إن الرئيس المكلّف يريد تشكيل حكومة بأي ثمن لأن «بقاء البلاد من دون حكومة هو أسوأ الاحتمالات، لكنّ هذا لا يعني أن الرئيس قد يُقدم على إعلان حكومة تفجيرية، والبحث الآن يتركّز على حكومة سياسية تخفف الاحتقان في البلد». وتقتنع مصادر أخرى مقربة من حزب الله بأن موفدي جنبلاط، النائب وائل أبو فاعور وابنه تيمور، حاولا شرح الموقف للسعوديين، بأن البلد لا يحتمل حكومة مواجهة مع حزب الله، والمطلوب حكومة تهدئة، وليس حكومة مواجهة. على مقلب الحزب التقدمي الاشتراكي، تنفي مصادر الحزب أن يكون السعوديون قد مارسوا مثل هذه الضغوط سابقاً على جنبلاط على عكس ما أشيع، مؤكدةً أن البحث مع بندر بن سلطان تناول قضايا المنطقة ومن ضمنها لبنان، «ولا يشغل بال السعودية الآن سوى مصر». وحول الحكومة المرتقبة، تؤكّد المصادر المقربة من حزب الله أن مرحلة ما بعد انفجار الرويس «دفعت بسليمان لإبلاغ حزب الله أنه لن يشكّل سوى حكومة سياسية تستطيع تهدئة البلد، وهو ليس في وارد السير في أي حكومة مواجهة». ما تقوله هذه المصادر، يتقاطع مع ما تقوله مصادر سلام، عن أن البحث الجدي حول الحكومة مؤجل إلى ما بعد منتصف شهر أيلول المقبل. لماذا أيلول؟ تقول المصادر المقربة من حزب الله إن «محور واشنطن ــ الرياض ينتظر حدثاً كبيراً على الساحة السورية، يغير المعادلات الداخلية في لبنان، ويسهّل عزل حزب الله». ربّما لم يتسن للمعنيين بمتابعة الملفّ الحكومي اللبناني، رؤية صورة مسؤول الهيئة الشرعية في حزب الله الشيخ محمد يزبك في البذلة العسكرية المرقّطة التي انتشرت أمس على صفحات الإنترنت، لكنهم بالطبع استمعوا إلى الرئيس نبيه برّي يقول بعد لقاء الأربعاء النيابي أول من أمس عن مشروع «عرقنة لبنان» ان «لبنان ليس العراق وهذا المخطط لن يمر بأي شكل من الأشكال». في بيان كتلة المقاومة ما يكفي ويزيد: «حكومة الوحدة الوطنية هي الحل السياسي الجامع والموضوعي الذي يرفع الغطاء عن الإرهابيين والعابثين بالبلد، أمَّا الاتجاه لفرض أمر واقع استفزازي وغير ميثاقي في الحكومة الجديدة فمن شأنه أن يفاقم الأزمة ويأخذها بعيداً في مدى التصعيد والاحتقان».  

المصدر : فراس الشوفي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة