رغم تصويب المعارضة السورية على مؤتمر جنيف ودفنها له منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق، تجاهل الروس والأميركيون، والغربيون عموما، أي إشارة إلى مصير المؤتمر المعلق والهش أصلا، ما يعني استمرار التحضيرات الجارية لاجتماع لاهاي.

وجاء إطلاق النار على مؤتمر جنيف، والاجتماع التحضيري في لاهاي الأسبوع المقبل من رئيس «المجلس الوطني» جورج صبرا، وهذا دأبه، لذا لم يفاجئ نعيه للتسوية السياسية مع النظام أحدا. بيد انه لم يصدر أي موقف من «الائتلاف  » المعارض يعبر عن تغيير في المواقف التي أعلنت خلال الاتصالات الأميركية مع أقطابه في الأسابيع الماضية، باستثناء ما قاله عضو «الائتلاف» كمال اللبواني الذي «رفض الجلوس مع قاتل الشعب للبحث بتسوية سلمية».

وتجري مساعٍ لإعادة فتح قنوات الاتصال بين المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي ودمشق، ذلك أن إنضاج العملية السياسية سيحتاج في منعطفه الثاني، بعد لقاء لاهاي الروسي - الأميركي في 28 آب الحالي، إلى إجراء مصالحة بين الوسيط الأممي وبين دمشق التي يقاطعها وتقاطعه منذ كانون الأول العام 2012، لكي يتمكن من لعب دوره: الوسيط.

وكان الإبراهيمي نفسه، قد بدأ باستذكار الحاجة إلى دوره، عندما ينهي الراعيان الدوليان وضع «خريطة الطريق» نحو «جنيف ٢»، لتوزيع الدعوات على الأقل على الأطراف التي ستشارك في جنيف، وترؤس جلسات المفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام.

ومستعيدا أسباب المقاطعة الدمشقية له قبل أيام مع عودة الحديث عن جنيف، قال الإبراهيمي، للنشرة الدورية للأمم المتحدة، انه لم يزر سوريا منذ ٩ أشهر، وانه «وجد خطاب الرئيس الأسد في قاعة الأوبرا في كانون الثاني العام ٢٠١٣ مخيبا للآمال»، حين كان ينتظر منه ردا على خطة مفاوضات، بل شكا من أن «الإعلام السوري آنذاك لم يكتف بانتقاد تصريحاتي بل وعاملني بطريقة مهينة».وكانت دمشق قد شنت حملة إعلامية على الإبراهيمي اتهمته فيها بالتحيز، بعد وصفه خطاب الأسد «بالطائفي»، مردفا ذلك بتفسير لجنيف يخرج فيه عن دوره كوسيط ويطالب الأسد بالتنحي.

ويقول مقرب من الإبراهيمي إن مساعده في دمشق مختار لماني لا يزال قناة الاتصال الوحيدة مع السلطات السورية، لكن الإبراهيمي بدأ تقاربا مع طهران، وأجرى اتصالات مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أشاد بعدها بضرورة أن تؤدي طهران دورا في إيجاد مخرج للحرب السورية. وفيما يبدو بديهيا أن الأسد لن يكون موعد الإبراهيمي الأول في دمشق، يقول مقرب من الإبراهيمي انه لن يذهب إلى العاصمة السورية، من دون أن تتحدد مسبقا اللقاءات والمواعيد مع المسؤولين السوريين.

وتجدد الحديث عن الإبراهيمي ليس لأهمية الوسيط الأممي العربي بحد ذاته، ولكن باعتباره مؤشرا على اشتداد ساعد جنيف، وقد يكون دعوته بعد لقاء لاهاي عندما ينتهي الأميركيون والروس وإعادة صياغة التفاهمات حول سوريا، إلى لقاء ثلاثي في جنيف، مؤشرا إضافيا يؤكد عندئذ أن «جنيف ٢» أصبحت سالكة، رغم كل التعقيدات. ويقول مصدر ديبلوماسي عربي نقلا عن نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف إن الوفد الروسي يشعر بتفاؤل كبير، وبأن لاهاي سيكون لقاء ناجحا. ونقل معارض سوري عنه قوله إن الأميركيين قد غيروا الكثير من مواقفهم بشان التسوية السياسية في سوريا وشروطها.

فمنذ أن أغلق الغربيون أبواب العملية السياسية في حزيران الماضي، عقب سقوط القصير، سالت مياه كثيرة تحت جسور جنيف في أسابيع قصيرة ولكن خصبة بالدروس. رفع معترضو حزيران خطر الذهاب إلى طاولة المفاوضات لتوقيع وثيقة الاستسلام في ظل اختلال ميزان القوى الذي نتج عن القصير. ومن تبقى من «أصدقاء سوريا» اجمعوا على جنيف ولكن بعد اشتراط تعديل ميزان القوى وإحراز ما يكفي من انتصارات لطمأنة المعارضة. وخلال شهرين حشد رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان غرف العمليات العسكرية على الحدود التركية والأردنية، وأصبحت الرياض جبهة القتال الفعلية مع دمشق، وتدفقت الأسلحة النوعية نحو الشمال السوري والجنوب، وأعيد ترتيب أوضاع «الائتلاف  » تحت رعاية بندرية مباشرة.

ولكن التغييرات العميقة التي طرأت على الرهانات، تعيد تصويب البوصلة نحو جنيف. فالانتصارات التي حاولت المعارضة السورية تحقيقها في الشمال السوري لم تتجاوز بعض الأحياء في حلب سرعان ما استرجعها الجيش، وأخرى في الشرق في دير الزور. كما أن الاختراق الذي تحقق في ريف اللاذقية تحول إلى هزيمة بعد أيام قليلة من تحققه. وكشفت العملية ضعف التنسيق بين الكتائب المسلحة، وبعد «المجلس العسكري الموحد» عن قيادة العمل العسكري الذي باتت تحتكر أكثره الجماعات «الجهادية» التي يدور أكثرها في فلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، خصوصا في الشمال السوري.

كما أن أي تعديل في ميزان القوى العسكري، لن يتم بعد اليوم، إلا لمصلحة الجماعات التي تقاتل فعليا الجيش السوري، أي الجماعات «الجهادية» التي تخوض كل المعارك على الأرض، وهو إن تم فلن تستفيد منه القوى المرشحة للانخراط في أي عملية سياسية، أو تولي الحكومة الانتقالية. وغني عن القول أن وجودها في العملية السياسية أصبح أسير الوصايات الإقليمية والدولية التي أشرفت على تركيبها، ولم يعد يعكس ثقلها، الغائب، في الداخل السوري، ولا حتى تمثيلها المفترض لأي حراك ثوري يتضاءل في مواجهة صعود الحرب، وتصدي الجماعات «الجهادية» لقيادتها.

وتبدو جنيف في افقها الحالي، طوق إنقاذ أكثر منها ترفا سياسيا، لم يعد مسموحا به للمعارضة السورية، إلا إذا أرادت المخاطرة بما تبقى من عمران واجتماع سوريين. وجرى الحديث عن مهلة ستة أشهر، حتى نهاية العام الحالي، لاختبار احتمالات وقدرة المعارضة على تغيير ميزان القوى العسكري، ولكن الجبهات المرشحة للاختراق تبدو عصية جدا على طموح معارض.

ففي الجنوب، الذي تقول المعارضة إنها تخطط لاختراقه، بفرقة مدربة من خمسة آلاف متطوع في مخيمات الأردن، لا يزال الفيلق الأول السوري يقود خمس فرق مدرعة تتمركز على مسافات متباعدة، لحماية جبهة دمشق على بعد ٩٠ كيلومترا. ولم يعرف حتى الآن أن المعارضة والألوية التابعة لها، استطاعت تحقيق اختراق يعتد به، في جبهة يملك فيها الجيش السوري، أفضل قواته، واستطاع خلال ساعات في خربة غزالة قبل أشهر، تمزيق «لواء شهداء اليرموك» وإخراجه من المعركة وفتح طريق درعا- دمشق. ولا توجد قوة قادرة على تنسيق هجوم ضد الجيش السوري في سهل حوران المشرع، حيث يستفيد الجيش السوري من كثافة النيران، للتقدم مع ذلك نحو جنوب دمشق، كما تقول المعارضة.

ويقول معارضون سوريون إن الأميركيين الذاهبين إلى لاهاي، يحملون تصورا، أوضح لـ«خريطة جنيف» ومستقبل سوريا. ونقل احدهم عن مسؤول أميركي يمسك بالملف السوري تحولا في مقاربة أي سلطة ينبغي أن تخلف القيادة السورية ، على ضوء تحول سوريا إلى بؤرة إرهاب في الشرق الأوسط. وقال المسؤول الأميركي إن السلطة التي ينبغي أن تخرج من جنيف هي سلطة سورية يمكن التحالف معها لقتال الإرهاب معا.

وقال المسؤول الأميركي إن ما يقود الولايات المتحدة في المنطقة لا يزال الأمن الإسرائيلي، ولن يكون هناك عقبة في تحديد التفاهمات مع روسيا التي بدأت تتأسس على محاربة الإرهاب، كما لا اعتراض أميركيا على القاعدة الروسية في طرطوس، ولكن القلق الكبير يتأتى من وجود صواريخ «اس ٣٠٠» الروسية في أيدي السوريين. وأضاف إن مشاركة الإيرانيين في جنيف لم يعد مشكلة، لكن شكل المشاركة لا يزال هو المشكلة، داخل أو على مقربة من قاعة المفاوضات.

وسيحاول الأميركيون، بحسب «خريطة الطريق» التي يعد لها السفير روبرت فورد لتقديمها في لاهاي، اقتراح وقف إطلاق للنار، تشرف عليه قوة مشتركة من «الجيش الحر» والجيش السوري. وسيحاول الأميركيون فرض «الجيش الحر» في العملية السياسية لتأهيله في الحكومة الانتقالية. واستبعد فورد اللجوء إلى قوة فصل دولية، وقال لمعارضين إن فكرة قوة من ٨٠ ألف جندي أجنبي طرحت في الولايات المتحدة، ثم استبعدت لارتفاع كلفتها، وقلة مردودها على الأرض.

ويقترح الأميركيون خلال العملية الانتقالية تطوير الأمن الذاتي للمناطق ذات الغلبة الطائفية أو العرقية المحددة. وسيكون على الأقليات تطوير تسليح لجان الدفاع الذاتي لحماية المناطق التي يعيشون فيها، بانتظار عودة السلطة المركزية إليها، أو تطوير مجالس إقليمية تحكمها. ويقول معارضون إن التصور الأميركي، الذي يجري تطويره، يشبه وضع أسس دولة لامركزية ومحاصصة طائفية، فيما تنتقل السلطة المركزية في دمشق للأكثرية السنية.

وتضع «خريطة الطريق» الأطراف السورية تحت سقف التفاهمات الروسية والأميركية مباشرة. إذ بمجرد افتتاح الإبراهيمي للمؤتمر، سيشارك إلى جانب الوفدين السوريين من المعارضة والنظام، وفدان من التقنيين والخبراء الروس والأميركيين لتسهيل المفاوضات. وستفرض التفاهمات الروسية- الأميركية نفسها على الوفود السورية المعارضة، خصوصا في القضايا الخلافية الكبرى، المتعلقة بمصير الأسد، وقضايا هيكلة الأمن والدفاع، ومن دون تلك الوصاية فان جنيف قد تتحول، كما يخشى الأميركيون، إلى عملية لا قعر ولا نهاية لها.

 

  • فريق ماسة
  • 2013-08-22
  • 11770
  • من الأرشيف

جهود لمصالحة الإبراهيمي مع دمشق ..واشنطن تعد «خريطة طريق» للحل السوري

رغم تصويب المعارضة السورية على مؤتمر جنيف ودفنها له منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق، تجاهل الروس والأميركيون، والغربيون عموما، أي إشارة إلى مصير المؤتمر المعلق والهش أصلا، ما يعني استمرار التحضيرات الجارية لاجتماع لاهاي. وجاء إطلاق النار على مؤتمر جنيف، والاجتماع التحضيري في لاهاي الأسبوع المقبل من رئيس «المجلس الوطني» جورج صبرا، وهذا دأبه، لذا لم يفاجئ نعيه للتسوية السياسية مع النظام أحدا. بيد انه لم يصدر أي موقف من «الائتلاف  » المعارض يعبر عن تغيير في المواقف التي أعلنت خلال الاتصالات الأميركية مع أقطابه في الأسابيع الماضية، باستثناء ما قاله عضو «الائتلاف» كمال اللبواني الذي «رفض الجلوس مع قاتل الشعب للبحث بتسوية سلمية». وتجري مساعٍ لإعادة فتح قنوات الاتصال بين المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي ودمشق، ذلك أن إنضاج العملية السياسية سيحتاج في منعطفه الثاني، بعد لقاء لاهاي الروسي - الأميركي في 28 آب الحالي، إلى إجراء مصالحة بين الوسيط الأممي وبين دمشق التي يقاطعها وتقاطعه منذ كانون الأول العام 2012، لكي يتمكن من لعب دوره: الوسيط. وكان الإبراهيمي نفسه، قد بدأ باستذكار الحاجة إلى دوره، عندما ينهي الراعيان الدوليان وضع «خريطة الطريق» نحو «جنيف ٢»، لتوزيع الدعوات على الأقل على الأطراف التي ستشارك في جنيف، وترؤس جلسات المفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام. ومستعيدا أسباب المقاطعة الدمشقية له قبل أيام مع عودة الحديث عن جنيف، قال الإبراهيمي، للنشرة الدورية للأمم المتحدة، انه لم يزر سوريا منذ ٩ أشهر، وانه «وجد خطاب الرئيس الأسد في قاعة الأوبرا في كانون الثاني العام ٢٠١٣ مخيبا للآمال»، حين كان ينتظر منه ردا على خطة مفاوضات، بل شكا من أن «الإعلام السوري آنذاك لم يكتف بانتقاد تصريحاتي بل وعاملني بطريقة مهينة».وكانت دمشق قد شنت حملة إعلامية على الإبراهيمي اتهمته فيها بالتحيز، بعد وصفه خطاب الأسد «بالطائفي»، مردفا ذلك بتفسير لجنيف يخرج فيه عن دوره كوسيط ويطالب الأسد بالتنحي. ويقول مقرب من الإبراهيمي إن مساعده في دمشق مختار لماني لا يزال قناة الاتصال الوحيدة مع السلطات السورية، لكن الإبراهيمي بدأ تقاربا مع طهران، وأجرى اتصالات مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أشاد بعدها بضرورة أن تؤدي طهران دورا في إيجاد مخرج للحرب السورية. وفيما يبدو بديهيا أن الأسد لن يكون موعد الإبراهيمي الأول في دمشق، يقول مقرب من الإبراهيمي انه لن يذهب إلى العاصمة السورية، من دون أن تتحدد مسبقا اللقاءات والمواعيد مع المسؤولين السوريين. وتجدد الحديث عن الإبراهيمي ليس لأهمية الوسيط الأممي العربي بحد ذاته، ولكن باعتباره مؤشرا على اشتداد ساعد جنيف، وقد يكون دعوته بعد لقاء لاهاي عندما ينتهي الأميركيون والروس وإعادة صياغة التفاهمات حول سوريا، إلى لقاء ثلاثي في جنيف، مؤشرا إضافيا يؤكد عندئذ أن «جنيف ٢» أصبحت سالكة، رغم كل التعقيدات. ويقول مصدر ديبلوماسي عربي نقلا عن نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف إن الوفد الروسي يشعر بتفاؤل كبير، وبأن لاهاي سيكون لقاء ناجحا. ونقل معارض سوري عنه قوله إن الأميركيين قد غيروا الكثير من مواقفهم بشان التسوية السياسية في سوريا وشروطها. فمنذ أن أغلق الغربيون أبواب العملية السياسية في حزيران الماضي، عقب سقوط القصير، سالت مياه كثيرة تحت جسور جنيف في أسابيع قصيرة ولكن خصبة بالدروس. رفع معترضو حزيران خطر الذهاب إلى طاولة المفاوضات لتوقيع وثيقة الاستسلام في ظل اختلال ميزان القوى الذي نتج عن القصير. ومن تبقى من «أصدقاء سوريا» اجمعوا على جنيف ولكن بعد اشتراط تعديل ميزان القوى وإحراز ما يكفي من انتصارات لطمأنة المعارضة. وخلال شهرين حشد رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان غرف العمليات العسكرية على الحدود التركية والأردنية، وأصبحت الرياض جبهة القتال الفعلية مع دمشق، وتدفقت الأسلحة النوعية نحو الشمال السوري والجنوب، وأعيد ترتيب أوضاع «الائتلاف  » تحت رعاية بندرية مباشرة. ولكن التغييرات العميقة التي طرأت على الرهانات، تعيد تصويب البوصلة نحو جنيف. فالانتصارات التي حاولت المعارضة السورية تحقيقها في الشمال السوري لم تتجاوز بعض الأحياء في حلب سرعان ما استرجعها الجيش، وأخرى في الشرق في دير الزور. كما أن الاختراق الذي تحقق في ريف اللاذقية تحول إلى هزيمة بعد أيام قليلة من تحققه. وكشفت العملية ضعف التنسيق بين الكتائب المسلحة، وبعد «المجلس العسكري الموحد» عن قيادة العمل العسكري الذي باتت تحتكر أكثره الجماعات «الجهادية» التي يدور أكثرها في فلك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، خصوصا في الشمال السوري. كما أن أي تعديل في ميزان القوى العسكري، لن يتم بعد اليوم، إلا لمصلحة الجماعات التي تقاتل فعليا الجيش السوري، أي الجماعات «الجهادية» التي تخوض كل المعارك على الأرض، وهو إن تم فلن تستفيد منه القوى المرشحة للانخراط في أي عملية سياسية، أو تولي الحكومة الانتقالية. وغني عن القول أن وجودها في العملية السياسية أصبح أسير الوصايات الإقليمية والدولية التي أشرفت على تركيبها، ولم يعد يعكس ثقلها، الغائب، في الداخل السوري، ولا حتى تمثيلها المفترض لأي حراك ثوري يتضاءل في مواجهة صعود الحرب، وتصدي الجماعات «الجهادية» لقيادتها. وتبدو جنيف في افقها الحالي، طوق إنقاذ أكثر منها ترفا سياسيا، لم يعد مسموحا به للمعارضة السورية، إلا إذا أرادت المخاطرة بما تبقى من عمران واجتماع سوريين. وجرى الحديث عن مهلة ستة أشهر، حتى نهاية العام الحالي، لاختبار احتمالات وقدرة المعارضة على تغيير ميزان القوى العسكري، ولكن الجبهات المرشحة للاختراق تبدو عصية جدا على طموح معارض. ففي الجنوب، الذي تقول المعارضة إنها تخطط لاختراقه، بفرقة مدربة من خمسة آلاف متطوع في مخيمات الأردن، لا يزال الفيلق الأول السوري يقود خمس فرق مدرعة تتمركز على مسافات متباعدة، لحماية جبهة دمشق على بعد ٩٠ كيلومترا. ولم يعرف حتى الآن أن المعارضة والألوية التابعة لها، استطاعت تحقيق اختراق يعتد به، في جبهة يملك فيها الجيش السوري، أفضل قواته، واستطاع خلال ساعات في خربة غزالة قبل أشهر، تمزيق «لواء شهداء اليرموك» وإخراجه من المعركة وفتح طريق درعا- دمشق. ولا توجد قوة قادرة على تنسيق هجوم ضد الجيش السوري في سهل حوران المشرع، حيث يستفيد الجيش السوري من كثافة النيران، للتقدم مع ذلك نحو جنوب دمشق، كما تقول المعارضة. ويقول معارضون سوريون إن الأميركيين الذاهبين إلى لاهاي، يحملون تصورا، أوضح لـ«خريطة جنيف» ومستقبل سوريا. ونقل احدهم عن مسؤول أميركي يمسك بالملف السوري تحولا في مقاربة أي سلطة ينبغي أن تخلف القيادة السورية ، على ضوء تحول سوريا إلى بؤرة إرهاب في الشرق الأوسط. وقال المسؤول الأميركي إن السلطة التي ينبغي أن تخرج من جنيف هي سلطة سورية يمكن التحالف معها لقتال الإرهاب معا. وقال المسؤول الأميركي إن ما يقود الولايات المتحدة في المنطقة لا يزال الأمن الإسرائيلي، ولن يكون هناك عقبة في تحديد التفاهمات مع روسيا التي بدأت تتأسس على محاربة الإرهاب، كما لا اعتراض أميركيا على القاعدة الروسية في طرطوس، ولكن القلق الكبير يتأتى من وجود صواريخ «اس ٣٠٠» الروسية في أيدي السوريين. وأضاف إن مشاركة الإيرانيين في جنيف لم يعد مشكلة، لكن شكل المشاركة لا يزال هو المشكلة، داخل أو على مقربة من قاعة المفاوضات. وسيحاول الأميركيون، بحسب «خريطة الطريق» التي يعد لها السفير روبرت فورد لتقديمها في لاهاي، اقتراح وقف إطلاق للنار، تشرف عليه قوة مشتركة من «الجيش الحر» والجيش السوري. وسيحاول الأميركيون فرض «الجيش الحر» في العملية السياسية لتأهيله في الحكومة الانتقالية. واستبعد فورد اللجوء إلى قوة فصل دولية، وقال لمعارضين إن فكرة قوة من ٨٠ ألف جندي أجنبي طرحت في الولايات المتحدة، ثم استبعدت لارتفاع كلفتها، وقلة مردودها على الأرض. ويقترح الأميركيون خلال العملية الانتقالية تطوير الأمن الذاتي للمناطق ذات الغلبة الطائفية أو العرقية المحددة. وسيكون على الأقليات تطوير تسليح لجان الدفاع الذاتي لحماية المناطق التي يعيشون فيها، بانتظار عودة السلطة المركزية إليها، أو تطوير مجالس إقليمية تحكمها. ويقول معارضون إن التصور الأميركي، الذي يجري تطويره، يشبه وضع أسس دولة لامركزية ومحاصصة طائفية، فيما تنتقل السلطة المركزية في دمشق للأكثرية السنية. وتضع «خريطة الطريق» الأطراف السورية تحت سقف التفاهمات الروسية والأميركية مباشرة. إذ بمجرد افتتاح الإبراهيمي للمؤتمر، سيشارك إلى جانب الوفدين السوريين من المعارضة والنظام، وفدان من التقنيين والخبراء الروس والأميركيين لتسهيل المفاوضات. وستفرض التفاهمات الروسية- الأميركية نفسها على الوفود السورية المعارضة، خصوصا في القضايا الخلافية الكبرى، المتعلقة بمصير الأسد، وقضايا هيكلة الأمن والدفاع، ومن دون تلك الوصاية فان جنيف قد تتحول، كما يخشى الأميركيون، إلى عملية لا قعر ولا نهاية لها.  

المصدر : محمد بلوط / السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة