دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يتبادل الطرفان المتصارعان في مصر، أي جماعة «الإخوان المسلمين» والتيارات المدنية والدولة، الاتهامات بشأن خدمة أجندات خارجية، وخصوصاً أميركا وإسرائيل. وبينما يبدو الموقف الأميركي متقلباً بين تصريحات الإدارة ومواقف الكونغرس، تصعب قراءة الموقف الإسرائيلي الرسمي لغيابه تقريباً. فالحكومة الإسرائيلية، وكذلك المتحدثون باسمها، يكادون لا ينطقون اسم مصر إلا مرفقاً بشعور عمومي بالقلق مما يجري هناك. وحتى أن الغارة الغامضة، التي استهدفت مجموعة «جهادية» في سيناء، لم تنتزع من القادة الإسرائيليين سوى عبارات عمومية عن الحرص على السيادة المصرية.
وفي الأيام الأخيرة، تكاثرت التعليقات في وسائل الإعلام الإسرائيلية حول ما يجري في مصر، والتي تفرقت سبل شتى في تحديد الموقف المطلوب. وبرغم أن المنحى الإسرائيلي العام ينطلق من فرضية «فخار يكسر بعضه» بمعنى عدم التدخل، إلا ان هناك من دعا إلى «موقف أخلاقي» من الدماء والديموقراطية، وهناك من دعا إلى «موقف مصلحي» إلى جانب القوة القادرة على تحقيق الاستقرار. ويمكن القول إنه بين هذا وذاك تراجع تقريباً الموقف الرسمي، الذي كان يعتبر أن ما يهم إسرائيل في مصر هو ما يجري في شبه جزيرة سيناء. ويمكن القول إن كل ما يجري في مصر بات يقلق إسرائيل ويهمها، لأن مصر بوابة استقرار أو جحيم الشرق الأوسط عموماً.
وقد اختلطت الأمور في الأيام الأخيرة، وخصوصاً بعد المواقف الأميركية والأوروبية مما جرى خلال فض الاعتصامات وما أعقبها، والتحذيرات بإمكانية مراجعة العلاقات والموقفين الأميركي والأوروبي من مصر. وبرغم إقرار غالبية المعلقين الإسرائيليين بأن حكم «الإخوان» في مصر كان براغماتياً، وأنه لم يحل دون تعميق التعاون بين الجيشين، إلا ان البعض يعتقد أن ذلك ليس نهائياً. فتمكُن وغلبة «الإخوان» على مصر كانا سيقودان بالضرورة إلى توتير العلاقات ليس فقط مع إسرائيل، وإنما أيضاً مع الولايات المتحدة. وربما أنه لهذا السبب تعاملت إسرائيل مع مصر على قاعدة أن الهدوء موقت وأن الاضطراب مقبل، وأنه يفضل عدم المراهنة على الحاضر والاحتياط للمستقبل.
وزاد الاختلاط عند بعض المعلقين حينما ظهر القلق لديهم جراء دعوة حركة «تمرد»، التي كسبت شرف تسجيل إسقاط حكم محمد مرسي في خانتها، إلى رفض الإملاءات الأميركية والتخلي عن المعونة العسكرية وإلغاء معاهدة «كامب ديفيد». وذهب بعضهم إلى حد اعتبار أن «الليبراليين» و«العلمانيين» تجرأوا على المطالبة بما عجز «الإخوان» عن المطالبة به، والذي يعتبر نوعاً من الهزة لصخرة الاستقرار المركزية، وهي معاهدة السلام والعلاقات مع أميركا. لكن معلقين مقربين من صناع القرار شددوا على أن إسرائيل ترى في دعوة «تمرد» حتى وإن صدقت نيات مطلقيها - مجرد صرخة اعتراض ضد الموقف الأميركي.
وفي كل حال، فإن المهم في السياسة ليس التصريحات، وإنما المواقف العملية التي تتخذ. وفي هذا السياق نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الدولة العبرية ستشرع بحملة ديبلوماسية لحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم الحكم الانتقالي المصري في صراعه ضد «الإخوان المسلمين». وبحسب التقرير، فإن السفراء الإسرائيليين في واشنطن والعواصم الأوروبية سينقلون رسائل تفيد بأن الجيش المصري هو الأمل الوحيد لمنع الفوضى في مصر، وأن استقرار مصر الآن أشد ضرورة من حقوق الإنسان أو المبادئ الديموقراطية. وبموازاة ذلك، ستعمد الحكومة الإسرائيلية إلى إبلاغ هذا الموقف وشروحاته إلى الديبلوماسيين المعتمدين لديها.
غير أن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية سارع إلى نفي هذا التقرير، مشدداً على أنه ليس هناك قرار كهذا. وأوضح أنه بعكس ذلك تقضي التعليمات المعطاة للديبلوماسيين الإسرائيليين بالامتناع عن المبادرة لإبداء أي موقف بشأن ما يجري في مصر.
وكانت «نيويورك تايمز» نفسها قد نشرت قبل أيام قليلة تقريراً يفيد بأن إسرائيل هدأت مخاوف الجانب المصري من احتمال قطع المعونة الأميركية، واصفة إياه بالتهديدات الفارغة. وقالت إنه عندما دعا السيناتور رانت بول إلى وقف المساعدة الأميركية لمصر، سارع اللوبي الصهيوني «إيباك» بإبلاغ بول والسيناتور جون ماكين بمعارضته الشديدة تقليص الدعم لمصر. وجاء في رسالة الاعتراض، التي أرسلت في 31 تموز الماضي، أن التقليص «كفيل بتعميق عدم الاستقرار في مصر ومن شأنه أن يمس بمصالح أميركية مهمة ويؤثر بشكل سلبي في حليفتها إسرائيل».
ويرى معلقون إسرائيليون أن الدور السعودي كاف في هذه الفترة. فالسعودية مثلاً، توصلت الى توافق مع فرنسا على منح الحكومة الموقتة وقيادة الجيش مهلة أخرى لتطبيق خريطة الطريق التي وضعت في مطلع تموز الماضي.
وأشار تسفي بارئيل في صحيفة «هآرتس» إلى أن معنى التوافق مع فرنسا هو أن الاتحاد الاوروبي بأسره، الذي أجل حالياً النقاش في المسألة على مستوى وزراء الخارجية واكتفى بنقاش على مستوى أدنى، يدل على أن التخوف من فقدان السيطرة في مصر يتغلب حالياً على الاعتبار الأخلاقي، وأن عدد القتلى العالي يعتبر ثمناً معقولاً مقابل السيطرة المركزية. وأوضح بارئيل أن الموقف الأوروبي يؤثر أيضاً في الموقف الأميركي في نهاية المطاف.
وفي كل حال، هناك، ليس فقط في أميركا وإنما في إسرائيل أيضاً، من يؤمنون بأن التهديد الأميركي بقطع المعونات العسكرية عن مصر يضر أميركا ومصر أكثر مما يضر مصر وحدها. فقطع المعونة من شأنه أن يلغي الكثير من الامتيازات الممنوحة في مصر للجيش الأميركي وأساطيله براً وجواً وبحراً. ويشير خبراء إلى المرور السهل وبإشعار قصير لطائرات الشحن الأميركية في الأجواء المصرية وللسفن الحربية الأميركية في قناة السويس. وكل هذا من دون الحديث عن المعنى السياسي لقطع هذه العلاقات في وضع تتراجع فيه أصلاً قوة أميركا الدولية وهيبتها.
عموماً تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن وجوب مراقبة الوضع المصري بقلق والنظر إلى التطورات بشكل استنسابي ومشروط.
ورأت افتتاحية «هآرتس» أمس أن إسرائيل لا تملك ترف التحدث بمنطق سياسي أو وعظي أخلاقي كحديث الأوروبيين والأميركيين. وكتبت أن «لإسرائيل مصلحة أمنية صرفة في استقرار النظام في مصر وفي الحفاظ على العلاقة التي تطورت مع قيادة الجيش المصري. فهكذا فقط ستكون امرا ممكناً مواصلة خوض الصراع ضد الارهاب في سيناء. لكن بخلاف الولايات المتحدة ليست اسرائيل مطالبة ولا ينبغي لها أن تتدخل في الساحة الداخلية في مصر، وعليها أن تركز على مواصلة وجود اتفاق السلام والحفاظ على الظروف الداعمة لوجوده. هذه الظروف تقرر ضمن أمور أخرى أن تحصل مصر على مساعدات أميركية، وإسرائيل لن تعمل في الأراضي المصرية، حتى عندما يخيل لها أن الاخيرة لا تفعل ما يكفي كي تقضي على الارهاب».
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة