عود على بدء في الاتصالات السورية الكردية ـــ التركية، إذ استأنف زعيم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري صالح مسلم، جولة لقاءات بدأت مع المسؤولين الإيرانيين في طهران، استمرت أربعة أيام، قبل أن ينتقل مباشرة، منذ الأمس إلى اسطنبول، في زيارة لم يعلن عنها.

صالح مسلم إلى اسطنبول مرة ثانية، لتقييم حصيلة الالتزامات التركية حيال الأكراد في سورية، في أول اتصال رسمي تركي، قبل أسبوعين، مع قيادة «الاتحاد الديموقراطي».

وتقول مصادر كردية سورية إن خيبة تسود التقييم الكردي للأداء التركي، الذي لم يف بالالتزامات والوعود التي قدمت قبل أسبوعين، فلا تزال المعابر شبه مغلقة بين المناطق الكردية السورية وتركيا، كما أن عمليات إرسال المساعدات الإنسانية والاغاثية إليها، عبر نقاط الحدود التركية – السورية، لم تتقدم، ولم يتم إنشاء مكاتب التنسيق المشتركة بين الطرفين، والاهم أن الدعم التركي للعمليات التي تقوم بها الجماعات «الجهادية» ضد المناطق الكردية في الشمال السوري، لم يتوقف، ولم تمارس الاستخبارات التركية أي دور في الضغط على هذه الجماعات لوقف عملياتها، ضد المدن والقرى والتجمعات الكردية، بخلاف ما وعدت به.

وعمل الزعيم الكردي السوري في اتصالاته الإيرانية والتركية، على السواء، على الحصول على ضمانات إقليمية لمشروع الإدارة المدنية الانتقالية، الذي لا يستهدف إقامة نواة دولة انفصالية وقاعدة خلفية لدولة كردية في جنوب شرق تركيا. وإيرانيا حمل مسلم ضمانات بأن المشروع الكردي موقت ريثما تنتهي الأزمة، ولا يستهدف الخروج من الكيان السوري القائم أو تقسيمه، بما يضعف نهائيا حليف طهران في دمشق. وانتظر الإيرانيون ثلاثة أيام لدعوة منافسه عبد الحكيم بشار، واستقباله للإبقاء على قناة مفتوحة مع حليفه في اربيل «رئيس» إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني.

لماذا لم يف الأتراك بتعهداتهم بوقف عمليات الجماعات «الجهادية»؟

الأرجح أن واقعية الطرف الكردي في التراجع عن مشروع الإدارة الذاتية الطموح، نحو إدارة «مدنية انتقالية»، لم تقنع الأتراك. ويتجلى ذلك في استمرار وصول التعزيزات من مقاتلين ومعدات وأسلحة إلى الجماعات «الجهادية» التي تحاول قطع طرق الاتصال بين وحدات الحماية الشعبية الكردية، أو التقدم باتجاه آبار النفط في الرميلان، أو فرض حصار على عفرين، أو إشاعة الرعب في قلب المناطق الكردية وقتل المدنيين وخطف الرهائن. وبدت المقاومة الشديدة التي يبديها الأكراد، لا سيما في تل ابيض والقرى المحيطة بها، سببا إضافيا في إثارة قلق الأتراك وحلفائهم من «الجهاديين»، ودليلا على وجود قوة كردية صلبة.

وضع صالح مسلم بواقعيته المشروع الكردي السوري تحت سقف مشروع «حزب العمال الكردستاني» التركي، ولم يتجاوز حدود اتفاق ايمرالي، بين زعيم «الكردستاني» عبد الله أوجلان ورئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان. لم يذهب مسلم سورياً في نهاية المطاف ابعد مما يطمح إليه أوجلان في المشروع الذي جرى الاتفاق عليه مع فيدان بحل القضية الكردية، على قاعدة تعديلات دستورية، أهمها منح البلديات المزيد من الصلاحيات، بما يحولها إلى هيئة حكم محلي، يضع المطالبة الكردية بالاستقلال بين قوسين.

وبوضع مسلم الإيقاع الكردي السوري على الإيقاع الكردي ـ التركي، قام الزعيم الكردي السوري بربط مشروعه بما ينتظر اتفاق أوجلان ـ فيدان في الأسابيع المقبلة، وهي مخاطرة سياسية كبيرة. إذ قد لا يرغب الأتراك في ضم الملف الكردي السوري المتفجر، إلى ملفهم الدامي. فأبعد من الملف الكردي السوري، ينزلق الشمال نحو التحول إلى ساحة تصفيات حسابات إقليمية، ومطامع كردستانية.

يحاول الأتراك عبر البرزاني تحجيم دور «الاتحاد الديموقراطي»، وفرض المقربين منه في إدارة الإقليم الكردي السوري المجاور وفي هيئاته المستقبلية، ولعب دور في قراره السياسي والنفطي، وهو طموح «حاكم» كردستان القديم. عرض البرزاني تشكيل لجنة تحقيق في ما يجري في الشمال السوري، والنظر في وقائع المجازر المرتكبة بحق الأكراد، كمدخل لتجاوز اعتراض «الديموقراطي» المعروف على تدخله. وكلف بالتحقيق اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي الكردي المنعقد في اربيل في ١٩ آب الحالي. وكانت اتصالات قد جرت للحصول على موافقة دمشق لإدخال ٣ آلاف مقاتل من البشمركة إلى الأراضي السورية للدفاع عن الأكراد، لكن دمشق رفضت ذلك، ولم يضمن احد عدم قيام الطيران السوري بقصف ارتال البشمركة، فضلا عن عدم حق الإقليم الكردستاني العراقي بإرسال قوات خارج الأراضي العراقية.

وكان «الاتحاد الديموقراطي» قد وافق على الاقتراح شريطة وضع البشمركة تحت قيادة قوات هيئة عسكرية مشتركة لوحدات الحماية الشعبية، لكن البرزاني رفض الاقتراح.
  • فريق ماسة
  • 2013-08-13
  • 11472
  • من الأرشيف

رهانات إقليمية في شمال سورية صالح مسلم في اسطنبول بعد طهران

عود على بدء في الاتصالات السورية الكردية ـــ التركية، إذ استأنف زعيم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري صالح مسلم، جولة لقاءات بدأت مع المسؤولين الإيرانيين في طهران، استمرت أربعة أيام، قبل أن ينتقل مباشرة، منذ الأمس إلى اسطنبول، في زيارة لم يعلن عنها. صالح مسلم إلى اسطنبول مرة ثانية، لتقييم حصيلة الالتزامات التركية حيال الأكراد في سورية، في أول اتصال رسمي تركي، قبل أسبوعين، مع قيادة «الاتحاد الديموقراطي». وتقول مصادر كردية سورية إن خيبة تسود التقييم الكردي للأداء التركي، الذي لم يف بالالتزامات والوعود التي قدمت قبل أسبوعين، فلا تزال المعابر شبه مغلقة بين المناطق الكردية السورية وتركيا، كما أن عمليات إرسال المساعدات الإنسانية والاغاثية إليها، عبر نقاط الحدود التركية – السورية، لم تتقدم، ولم يتم إنشاء مكاتب التنسيق المشتركة بين الطرفين، والاهم أن الدعم التركي للعمليات التي تقوم بها الجماعات «الجهادية» ضد المناطق الكردية في الشمال السوري، لم يتوقف، ولم تمارس الاستخبارات التركية أي دور في الضغط على هذه الجماعات لوقف عملياتها، ضد المدن والقرى والتجمعات الكردية، بخلاف ما وعدت به. وعمل الزعيم الكردي السوري في اتصالاته الإيرانية والتركية، على السواء، على الحصول على ضمانات إقليمية لمشروع الإدارة المدنية الانتقالية، الذي لا يستهدف إقامة نواة دولة انفصالية وقاعدة خلفية لدولة كردية في جنوب شرق تركيا. وإيرانيا حمل مسلم ضمانات بأن المشروع الكردي موقت ريثما تنتهي الأزمة، ولا يستهدف الخروج من الكيان السوري القائم أو تقسيمه، بما يضعف نهائيا حليف طهران في دمشق. وانتظر الإيرانيون ثلاثة أيام لدعوة منافسه عبد الحكيم بشار، واستقباله للإبقاء على قناة مفتوحة مع حليفه في اربيل «رئيس» إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني. لماذا لم يف الأتراك بتعهداتهم بوقف عمليات الجماعات «الجهادية»؟ الأرجح أن واقعية الطرف الكردي في التراجع عن مشروع الإدارة الذاتية الطموح، نحو إدارة «مدنية انتقالية»، لم تقنع الأتراك. ويتجلى ذلك في استمرار وصول التعزيزات من مقاتلين ومعدات وأسلحة إلى الجماعات «الجهادية» التي تحاول قطع طرق الاتصال بين وحدات الحماية الشعبية الكردية، أو التقدم باتجاه آبار النفط في الرميلان، أو فرض حصار على عفرين، أو إشاعة الرعب في قلب المناطق الكردية وقتل المدنيين وخطف الرهائن. وبدت المقاومة الشديدة التي يبديها الأكراد، لا سيما في تل ابيض والقرى المحيطة بها، سببا إضافيا في إثارة قلق الأتراك وحلفائهم من «الجهاديين»، ودليلا على وجود قوة كردية صلبة. وضع صالح مسلم بواقعيته المشروع الكردي السوري تحت سقف مشروع «حزب العمال الكردستاني» التركي، ولم يتجاوز حدود اتفاق ايمرالي، بين زعيم «الكردستاني» عبد الله أوجلان ورئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان. لم يذهب مسلم سورياً في نهاية المطاف ابعد مما يطمح إليه أوجلان في المشروع الذي جرى الاتفاق عليه مع فيدان بحل القضية الكردية، على قاعدة تعديلات دستورية، أهمها منح البلديات المزيد من الصلاحيات، بما يحولها إلى هيئة حكم محلي، يضع المطالبة الكردية بالاستقلال بين قوسين. وبوضع مسلم الإيقاع الكردي السوري على الإيقاع الكردي ـ التركي، قام الزعيم الكردي السوري بربط مشروعه بما ينتظر اتفاق أوجلان ـ فيدان في الأسابيع المقبلة، وهي مخاطرة سياسية كبيرة. إذ قد لا يرغب الأتراك في ضم الملف الكردي السوري المتفجر، إلى ملفهم الدامي. فأبعد من الملف الكردي السوري، ينزلق الشمال نحو التحول إلى ساحة تصفيات حسابات إقليمية، ومطامع كردستانية. يحاول الأتراك عبر البرزاني تحجيم دور «الاتحاد الديموقراطي»، وفرض المقربين منه في إدارة الإقليم الكردي السوري المجاور وفي هيئاته المستقبلية، ولعب دور في قراره السياسي والنفطي، وهو طموح «حاكم» كردستان القديم. عرض البرزاني تشكيل لجنة تحقيق في ما يجري في الشمال السوري، والنظر في وقائع المجازر المرتكبة بحق الأكراد، كمدخل لتجاوز اعتراض «الديموقراطي» المعروف على تدخله. وكلف بالتحقيق اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي الكردي المنعقد في اربيل في ١٩ آب الحالي. وكانت اتصالات قد جرت للحصول على موافقة دمشق لإدخال ٣ آلاف مقاتل من البشمركة إلى الأراضي السورية للدفاع عن الأكراد، لكن دمشق رفضت ذلك، ولم يضمن احد عدم قيام الطيران السوري بقصف ارتال البشمركة، فضلا عن عدم حق الإقليم الكردستاني العراقي بإرسال قوات خارج الأراضي العراقية. وكان «الاتحاد الديموقراطي» قد وافق على الاقتراح شريطة وضع البشمركة تحت قيادة قوات هيئة عسكرية مشتركة لوحدات الحماية الشعبية، لكن البرزاني رفض الاقتراح.

المصدر : الماسة السورية/ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة