لم يكن مفاجئاً أن تتعامل إسرائيل مع القرار الأوروبي بإدراج حزب الله على قائمة الإرهاب باحتفالية، وخصوصاً بعدما كشفت وسائل إعلامها عن الدور المباشر الذي لعبته في الدفع باتجاه اتخاذه. دور تجلّى في حملة سياسية وقانونية واستخبارية أدارتها إسرائيل بالتنسيق مع بريطانيا والولايات المتحدة وكندا على مدى اشهر، وصولاً إلى إنضاج القرار الأوروبي.

واستعادت صحيفة «معاريف» مسار الجهود التي بذلتها تل أبيب على هذا الصعيد، كاشفة أن نائبة وزيرة الخارجية الأوروبية، هيلغا شميدت، أبلغت قبل أيام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، يعقوب عميدرور، ومساعد المدير العام للخارجية، ران كورئيل، أن العقبات التي تحول دون إدراج حزب الله على قائمة الإرهاب الأوروبية قد أزيلت. وأوضحت «معاريف» أن هذه العقبات تمثلت بخشية الأوروبيين من ألا تسمح الخطوة بمواصلة الحوار مع الممثلين السياسيين للحزب، وتم تجاوز ذلك من خلال تأكيد الإعلان الأوروبي على «استمرار الحوار مع كل الأحزاب اللبنانية».

وأشارت الصحيفة إلى أن المساعي الإسرائيلية بدأت في العقد الماضي، وكانت فرنسا طوال الوقت المعارضة الأساسية للخطوة خشية المس بالاستقرار السياسي الهش داخل لبنان، كما كانت قيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل تتحفّظ عن إجراء كهذا خشية ألا يصمد أمام الاختبار القانوني في المحكمة الأوروبية نتيجة عدم توفر الأدلة. إلا أن العملية التي استهدفت حافلة تقلّ إسرائيليين في مطار بورغاس في بلغاريا قبل عام شكلت نقطة تحول. فعلى أثرها، أمر وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه، أفيغدور ليبرمان، باستئناف الحملة الدبلوماسية الإسرائيلية لتصنيف الحزب إرهابياً بكامل الزخم.

ووفقاً للصحيفة، حصلت الانعطافة المطلوبة في الموقف الفرنسي بعد مشاركة الحزب في الحرب السورية «فتوصلوا الى استنتاج بأنه يجب عزل حزب الله». وعندها أدركت إسرائيل أن فرصة قد نشأت، فشكلت فريق مهمة من وزارات متعددة ضمّ ممثلين عن مجلس الأمن القومي وعن أجهزة الاستخبارات، ترأسه مسؤولون في القسم الاستراتيجي ودائرة مكافحة الإرهاب في الخارجية. وعمل هذا الفريق في الدول الأوروبية على تثبيت الأدلة المتعلقة بإدانة حزب الله بعملية بورغاس على أساس أن هذا الأمر كان يعتبر ضرورياً كمقدمة لتصنيفه إرهابياً. وبحسب «هآرتس»، فإن الفريق عمل بالتنسيق مع فريقين، الأول تابع للخارجية البريطانية والآخر للخارجية الأميركية. وأشارت الى أن الفريق الإسرائيلي نقل معلومات استخبارية موجودة بحوزة إسرائيل تتعلق بتورط حزب الله في عملية بورغاس والحرب في سوريا وتبييض أموال وتهريب مخدرات وإنشاء خلايا نائمة في دول أوروبية. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الخارجية الإسرائيلية أن تل أبيب نقلت مطلع العام الجاري إلى فرنسا وألمانيا ودول أخرى كل المعلومات الاستخبارية التي تمتلكها حول مشاركة الحزب في الحرب داخل سوريا، كما نقلت إلى ألمانيا معلومات حول 950 لبنانياً شيعياً مقيمين فيها ويُعدّون «نشطاء نائمين» يعملون في نقل الأموال وفي أنشطة لوجستية لمصلحة حزب الله. وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن معلومات مماثلة نقلت إلى كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وفي المقابل، ساعدت إسرائيل في التحقيق في عملية بورغاس، فوصلت إلى مكان الحدث في اليوم التالي للانفجار طواقم إسرائيلية تضم خبراء متفجرات وآخرين من الاستخبارات ساهمت إلى جانب طواقم غربية أخرى بالتوصل إلى الاستنتاج الذي تضمنه تقرير التحقيق الأولي الذي نشرته الحكومة البلغارية في شباط الماضي، وجاء فيه أن الأعضاء الثلاثة في الخلية المسؤولة عن تنفيذ العملية أُرسلوا من قبل مسؤولين كبار في الذراع العسكرية لحزب الله.

وبحسب الصحيفة، فإن الدليل الأبرز الذي ربط بين الحزب وتفجير بورغاس هو تطابق المواد المتفجرة المستخدمة في التفجير مع تلك التي ضبطها الشاباك الإسرائيلي في الناصرة قبل أشهر، وتبيّن أن الحزب هرّبها عبر تجار مخدرات ليستخدمها في عمليات داخل إسرائيل. كما أظهرت الفحوصات المخبرية تطابق هذه المواد مع تلك التي اكتشفت بحوزة أحد اللبنانيين في تايلند في كانون الثاني 2012. وفي وقت لاحق، تصدت إسرائيل لتذليل العقبة المتمثلة بتحويل المعطيات الاستخبارية إلى أدلة قانونية يمكن أن تصمد أمام المحاكم الأوروبية. وعكف الفريق الإسرائيلي على بلورة وثيقة قانونية مؤلفة من 150 صفحة تم فيها إرساء الأرضية القانونية التي تسمح بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية وفقاً للتشريعات الأوروبية. وأشار مسؤول إسرائيلي للصحيفة إلى أن إعداد الوثيقة انتهى مطلع أيار الماضي، وسلمت أولاً إلى الحكومة الألمانية، حيث حضر الفريق الإسرائيلي إلى برلين وقدم مطالعة على مدى 4 ساعات، شرح فيها للمسؤولين مضمون الوثيقة، إضافة إلى تقديمه معلومات استخبارية إضافية ذات صلة. وأثر ذلك، أعلنت الحكومة الألمانية في 22 أيار انضمامها إلى الموقف البريطاني الفرنسي المؤيد لإدراج حزب الله في قائمة الإرهاب. وأدى الموقف الألماني الجديد إلى اقتناع دول أخرى بأن المعطيات التي استندت إليها برلين صلبة.

وبعد تذليل العقبة القانونية، تركز الجهد الإسرائيلي على المسار السياسي، فأطلقت الخارجية الإسرائيلية حملة ضغوط عبر سفرائها في الدول الأوروبية وسفراء تلك الدول في إسرائيل. كما توسلت تفعيل ضغوط أميركية تكفل بها وزير الخارجية جون كيري ومساعدته وندي شيرمن اللذان أجريا سلسلة اتصالات بعشرات الوزراء والمسؤولين الأوروبيين. وأدت الحملة إلى تراجع آخر الدول المتحفظة، ومن ضمنها مالطا وإيرلندا وتشيكيا والسويد عن تحفظها، الأمر الذي سمح بتحقيق إجماع بين الدول الأعضاء.

ووفقاً لمعاريف، فإن تذليل بعض الاعتراضات الأوروبية استند إلى الصيغة التي تميز بين النشاط السياسي لحزب الله ونشاطه العسكري. وبرغم أن إسرائيل اعتبرت أن هذا التمييز «مصطنع»، إلا أنها فضلت ذلك على استمرار الوضع الحالي الذي لا يعاني فيه حزب الله من أية عقوبات. وعلى هذا الأساس، نقلت تل أبيب رسالة إلى الأوروبيين مفادها «لا مشكلة لدينا في أن تتحدثوا مع من تريدون، ولكن من يعمل بالإرهاب يجب مقاطعته والقتال ضده». وضمن هذا الإطار، أكد مسؤول إسرائيلي لـ«معاريف» أن إسرائيل ستتابع تطبيق القرار، قائلاً: «سنجلس للأوروبيين على الذيل في كل ما يتعلق بتطبيق القرار وإنفاذه».

  • فريق ماسة
  • 2013-07-24
  • 10292
  • من الأرشيف

إسرائيل: هكذا أقنعنا الأوروبيين

لم يكن مفاجئاً أن تتعامل إسرائيل مع القرار الأوروبي بإدراج حزب الله على قائمة الإرهاب باحتفالية، وخصوصاً بعدما كشفت وسائل إعلامها عن الدور المباشر الذي لعبته في الدفع باتجاه اتخاذه. دور تجلّى في حملة سياسية وقانونية واستخبارية أدارتها إسرائيل بالتنسيق مع بريطانيا والولايات المتحدة وكندا على مدى اشهر، وصولاً إلى إنضاج القرار الأوروبي. واستعادت صحيفة «معاريف» مسار الجهود التي بذلتها تل أبيب على هذا الصعيد، كاشفة أن نائبة وزيرة الخارجية الأوروبية، هيلغا شميدت، أبلغت قبل أيام مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، يعقوب عميدرور، ومساعد المدير العام للخارجية، ران كورئيل، أن العقبات التي تحول دون إدراج حزب الله على قائمة الإرهاب الأوروبية قد أزيلت. وأوضحت «معاريف» أن هذه العقبات تمثلت بخشية الأوروبيين من ألا تسمح الخطوة بمواصلة الحوار مع الممثلين السياسيين للحزب، وتم تجاوز ذلك من خلال تأكيد الإعلان الأوروبي على «استمرار الحوار مع كل الأحزاب اللبنانية». وأشارت الصحيفة إلى أن المساعي الإسرائيلية بدأت في العقد الماضي، وكانت فرنسا طوال الوقت المعارضة الأساسية للخطوة خشية المس بالاستقرار السياسي الهش داخل لبنان، كما كانت قيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل تتحفّظ عن إجراء كهذا خشية ألا يصمد أمام الاختبار القانوني في المحكمة الأوروبية نتيجة عدم توفر الأدلة. إلا أن العملية التي استهدفت حافلة تقلّ إسرائيليين في مطار بورغاس في بلغاريا قبل عام شكلت نقطة تحول. فعلى أثرها، أمر وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه، أفيغدور ليبرمان، باستئناف الحملة الدبلوماسية الإسرائيلية لتصنيف الحزب إرهابياً بكامل الزخم. ووفقاً للصحيفة، حصلت الانعطافة المطلوبة في الموقف الفرنسي بعد مشاركة الحزب في الحرب السورية «فتوصلوا الى استنتاج بأنه يجب عزل حزب الله». وعندها أدركت إسرائيل أن فرصة قد نشأت، فشكلت فريق مهمة من وزارات متعددة ضمّ ممثلين عن مجلس الأمن القومي وعن أجهزة الاستخبارات، ترأسه مسؤولون في القسم الاستراتيجي ودائرة مكافحة الإرهاب في الخارجية. وعمل هذا الفريق في الدول الأوروبية على تثبيت الأدلة المتعلقة بإدانة حزب الله بعملية بورغاس على أساس أن هذا الأمر كان يعتبر ضرورياً كمقدمة لتصنيفه إرهابياً. وبحسب «هآرتس»، فإن الفريق عمل بالتنسيق مع فريقين، الأول تابع للخارجية البريطانية والآخر للخارجية الأميركية. وأشارت الى أن الفريق الإسرائيلي نقل معلومات استخبارية موجودة بحوزة إسرائيل تتعلق بتورط حزب الله في عملية بورغاس والحرب في سوريا وتبييض أموال وتهريب مخدرات وإنشاء خلايا نائمة في دول أوروبية. ونقلت الصحيفة عن مسؤول في الخارجية الإسرائيلية أن تل أبيب نقلت مطلع العام الجاري إلى فرنسا وألمانيا ودول أخرى كل المعلومات الاستخبارية التي تمتلكها حول مشاركة الحزب في الحرب داخل سوريا، كما نقلت إلى ألمانيا معلومات حول 950 لبنانياً شيعياً مقيمين فيها ويُعدّون «نشطاء نائمين» يعملون في نقل الأموال وفي أنشطة لوجستية لمصلحة حزب الله. وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أن معلومات مماثلة نقلت إلى كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وفي المقابل، ساعدت إسرائيل في التحقيق في عملية بورغاس، فوصلت إلى مكان الحدث في اليوم التالي للانفجار طواقم إسرائيلية تضم خبراء متفجرات وآخرين من الاستخبارات ساهمت إلى جانب طواقم غربية أخرى بالتوصل إلى الاستنتاج الذي تضمنه تقرير التحقيق الأولي الذي نشرته الحكومة البلغارية في شباط الماضي، وجاء فيه أن الأعضاء الثلاثة في الخلية المسؤولة عن تنفيذ العملية أُرسلوا من قبل مسؤولين كبار في الذراع العسكرية لحزب الله. وبحسب الصحيفة، فإن الدليل الأبرز الذي ربط بين الحزب وتفجير بورغاس هو تطابق المواد المتفجرة المستخدمة في التفجير مع تلك التي ضبطها الشاباك الإسرائيلي في الناصرة قبل أشهر، وتبيّن أن الحزب هرّبها عبر تجار مخدرات ليستخدمها في عمليات داخل إسرائيل. كما أظهرت الفحوصات المخبرية تطابق هذه المواد مع تلك التي اكتشفت بحوزة أحد اللبنانيين في تايلند في كانون الثاني 2012. وفي وقت لاحق، تصدت إسرائيل لتذليل العقبة المتمثلة بتحويل المعطيات الاستخبارية إلى أدلة قانونية يمكن أن تصمد أمام المحاكم الأوروبية. وعكف الفريق الإسرائيلي على بلورة وثيقة قانونية مؤلفة من 150 صفحة تم فيها إرساء الأرضية القانونية التي تسمح بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية وفقاً للتشريعات الأوروبية. وأشار مسؤول إسرائيلي للصحيفة إلى أن إعداد الوثيقة انتهى مطلع أيار الماضي، وسلمت أولاً إلى الحكومة الألمانية، حيث حضر الفريق الإسرائيلي إلى برلين وقدم مطالعة على مدى 4 ساعات، شرح فيها للمسؤولين مضمون الوثيقة، إضافة إلى تقديمه معلومات استخبارية إضافية ذات صلة. وأثر ذلك، أعلنت الحكومة الألمانية في 22 أيار انضمامها إلى الموقف البريطاني الفرنسي المؤيد لإدراج حزب الله في قائمة الإرهاب. وأدى الموقف الألماني الجديد إلى اقتناع دول أخرى بأن المعطيات التي استندت إليها برلين صلبة. وبعد تذليل العقبة القانونية، تركز الجهد الإسرائيلي على المسار السياسي، فأطلقت الخارجية الإسرائيلية حملة ضغوط عبر سفرائها في الدول الأوروبية وسفراء تلك الدول في إسرائيل. كما توسلت تفعيل ضغوط أميركية تكفل بها وزير الخارجية جون كيري ومساعدته وندي شيرمن اللذان أجريا سلسلة اتصالات بعشرات الوزراء والمسؤولين الأوروبيين. وأدت الحملة إلى تراجع آخر الدول المتحفظة، ومن ضمنها مالطا وإيرلندا وتشيكيا والسويد عن تحفظها، الأمر الذي سمح بتحقيق إجماع بين الدول الأعضاء. ووفقاً لمعاريف، فإن تذليل بعض الاعتراضات الأوروبية استند إلى الصيغة التي تميز بين النشاط السياسي لحزب الله ونشاطه العسكري. وبرغم أن إسرائيل اعتبرت أن هذا التمييز «مصطنع»، إلا أنها فضلت ذلك على استمرار الوضع الحالي الذي لا يعاني فيه حزب الله من أية عقوبات. وعلى هذا الأساس، نقلت تل أبيب رسالة إلى الأوروبيين مفادها «لا مشكلة لدينا في أن تتحدثوا مع من تريدون، ولكن من يعمل بالإرهاب يجب مقاطعته والقتال ضده». وضمن هذا الإطار، أكد مسؤول إسرائيلي لـ«معاريف» أن إسرائيل ستتابع تطبيق القرار، قائلاً: «سنجلس للأوروبيين على الذيل في كل ما يتعلق بتطبيق القرار وإنفاذه».

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة